كما عهدناها دومًا، أطلّت علينا الإعلاميّة الكويتيّة المُطبّعة “فجر السّعيد” بوقاحتها، محاولةً هذه المرة دخول لبنان عبر مطار العاصمة بيروت العصيّة على الكيان الذي زارته علنًا، مقرةً ومتفاخرةً به في أكثر من مناسبة. لكنّ الجديد أنّها ظهرت، عبر حسابها على “تويتر”، وهي ساخرةً من السّلطات اللبنانيّة والقوانين المرعية الإجراء لمنعها من دخول مطار بيروت، عازيةً السبب إلى “رأيها السّياسي المخالف”، فهل أصبح التطبيع وجهة نظر سياسيّة لكي يدافع بعضهم في لبنان عن حقّها في التعبير عن رأيها؟ وما الرسالة التي يريد مستضيفو المطّبعين إيصالها؟
ما إن أعلنت الإعلاميّة الكويتيّة المُطبّعة “فجر السّعيد” عن منعها من الدّخول إلى لبنان حتّى انبرت القوى والشّخصيات اللبنانيّة التي تدور في فلك “القوات اللبنانيّة” و”المعارضة” ( mtv وlbci والجديد، النهار ـ نداء الوطن ـ جنوبيّة)، تشنّ على إثرها حملة شرسة على الأمن العام اللّبناني من جهة، وعلى حزب الله من جهةٍ أخرى، متهمةً إياه بـ”الوقوف وراء منع “السّعيد” من الدّخول على خلفية مواقفها المناهضة للحزب والمؤيدة للتطبيع مع إسرائيل”.
من الشّخصيات الرئيسة التي انبرت للدفاع عن “السّعيد”، هو المدعو “سمير جعجع” رئيس “القوات اللبنانيّة” والنائب أشرف ريفي والنائب “غياث يزبك” والنّائب “سامي الجميّل” ومفوضيّة الإعلام في الحزب التقدّمي الاشتراكيّ، والذين تحدّثوا عن ما أسموه “الدولة البوليسيّة”، و”كمّ الأفواه” و”قمع الحريّات” و”قمع المعارضين”.
أما على صعيد القنوات التلفزيونيّة؛ فكان لفناة mtv حصّة الأسد؛ حيث وجهّت تحيّة إلى “السّعيد” عبر برنامجها “صار الوقت”، قائلةً: “تحيّة واعتذار ممزوجًا بالخجل ممّا رأيناه من ممارسة غير منطقيّة بحقّها في مطار بيروت الذي بات يطبِّق قوانين الممانعة لا قوانين الدولة اللبنانيّة، وإن كانت الممارسة مغطاة بالقانون ولا علم للواء البيسري بها، فإن كانت الحُجة مناهضة “فجر السعيد” لـ “حزب الله” والانتقاد المستمر له، فإنّ أكثريّة الشّعب اللّبناني يُفترض أن يكون ممنوعًا من دخول لبنان، وإن كان لبنان لا يتقبَّل الرأي الآخر، فلنُعلِنه إذًا نطامًا شموليًا ونُعطِّل العمل بالدستور والحريّات، وإن كانت الحُجّة مواقف داعمة للتطبيع مع “إسرائيل” فإنّ كُل دول العالم يُفترض أن تكون ممنوعةً من دخول لبنان؛ لأنّ المعادين لـ “إسرائيل” على كوكب الأرض قِلة قليلة ونصف الدّول العربيّة سلكت درب التطبيع، ولم يعُد أحد يحمل شمّاعة “المقاومة” سوى أقليّة متمسِّكة بمفاصل الحُكم في دول الممانعة”.
من الواضح بأنّ زيارة الإعلاميّة الكويتية المُطبّعة “فجر السّعيد” قد أخرجت الثّعابين اللبنانيّة التي أظهرت جلدها الحقيقي الذي لطالما حاولت إخفاءه في السّنوات الماضية، والذي يكمن في أنّ المبادرين للدفاع عن “السّعيد” هم من الدّاعمين للتطبيع، رغم محاولتهم هم و”السّعيد” تصوير قضيّة ترحيلها على أنّها قضيّة رأي عام وحريّات، في محاولة لحرف الأنظار عن أنّ القضية هي التّطبيع. فالقانون اللبناني بُعدّ الكيان المؤقت عدوًا، ويتعامل مع المطّبعين على هذا الأساس. وهذا هو حجم الموضوع لا أكثر ولا أقل، فالنّواب الذين يدّعون بأنّهم سياديّون، أين هم من احترام تطبيق القانون التي سخرت منه “السّعيد” والذين يدافعون عنها؟ وإذا هم مع التّطبيع، ولا يضرّهم قدوم المطبّعين إلينا، ولا يعجبهم القانون اللبناني، فلماذا لا يتقدّمون باقتراح قانون واضح وصريح يؤيّد التّطبيع مع العدو، ويسمح للمطبّعين بالقدوم إلى بلدنا؟ فهل يجرؤون على ذلك؟
أما فيما يخصّ القنوات المدافعة عن “السّعيد” فما يستحقّ التوقّف عنده، الاستضافة المبرمجة لقناة “LBCI” للمطبّعين ومحاورتهم ضمن برنامجها “المجهول” الذي يقدّمه الإعلامي “رودولف هلال”، من استضافة المطبّعة “فجر السّعيد” بدايةً إلى استضافة المطبّعة اللّبنانيّة “ماريا معلوف”ن والتي سُطرٌ بحقها مذكرات توقيف بتهمة العمالة مع العدو. فالمراد من ذلك كسر حاجز التّطبيع وأنّ القضيّة قضيّة رأي ورأي آخر، والتغافل عن أنّ العدو الإسرائيلي هو عدو للبنان، وليست مشكلتنا معه هي مجرد اختلافنا بالرأي؛ بل مشكلتنا معه اغتصابه لأرض فلسطين العربيّة واحتلال أرضنا وقتل شعبنا.
على خطى قناة “LBCI” تسير قناة “MTV” عبر تسويغها لاستضافة المطبّعين وأنّ القضيّة تعبير عن الرأي، والكلام قد أورداه في الأعلى واضحُ وصريح. ولكن نسال قناة “MTV” : هل تشاهد الرفض لدى شخصيات سياسّية وثقافيّة وفكرية وعلميّة وحتى فنيّة وزانة ومرموقة في العالم للكيان المؤقت؟ وهل سمعت بالملايين من الشّعوب العربيّة التي ترفض التطبيع، وفي كلّ الدّول، رغم تطبيع بعض الأنظمة، وليس آخرها العمليّة البطوليّة التي قام بها الشّاب المصري البطل “محمد صلاح”؟ هل حقًا كلّ اللبنانيين لا يريدون المقاومة؟
ختام القول، فجر لبنان السّعيد لم يكن يومًا إلا مقاومًا لغطرسة المحتل وعدوانه، ولم يكن اللبنانيين إلّا مقاومين لكلّ الاحتلالات التي تعاقبت وآخرها العدو “الإسرائيلي”، مقاومين بجميع مكوّناتهم الثقافيّة والدّينيّة. فلن تغيّر هذه الصّورة أصوات النشاز التي تمارس التّطبيع المستتر، محاولةً جرّ لبنان إلى ركب الدّول العربيّة المطبّعة مع العدو “الإسرائيلي” بحجّة السّلام وحسن الجوار/ والكلام الذي لا يغني ولا يثمن.. فمن جرّب المقاومة والانتصار على المحتلّ لن ينخدع بهذه المواقف والشّعارات البراقة التي تتلطّى خلف حريّة الرأي، وهدفها تسويغ التطبيع تمهيدًا إلى تقبّل العمالة، وسيبقى لبنان يلفظ المطبّعين الذين لن يجدوا لهم مكانًا بيننا.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع
المصدر: بريد الموقع