تواصل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة إرباك حسابات الاحتلال الصهيوني، وتؤكد، بعد أكثر من 600 يوم على بدء حرب الإبادة، أنها ما زالت تحتفظ بالكثير من القدرات والإمكانات لمواجهة جيش العدو داخل القطاع.
فمع اتساع رقعة العمليات البرية للاحتلال وتصاعد وتيرتها، يواجه جيش العدو مقاومة عنيفة تستنزف قواته وتوقعها في كمائن وأفخاخ متنوعة، حتى في المناطق التي كان الاحتلال يعتقد أنها مؤمّنة وخلفية، سرعان ما يفاجئه المقاومون بالخروج من تحت الأرض، بتنفيذ ضربات موجعة، ثم الانسحاب من المكان دون أن يتمكن العدو من تحديد الجهة المنفذة أو كيفية الرد عليها.
وفي هذا السياق، علّقت المحللة العسكرية الصهيونية ليلاخ شوفال على إحدى العمليات النوعية في جباليا بالقول: “الحدث الصعب وقع بعد الظهر، حيث عمّقت القوات مناورتها وقامت بتصفية عناصر فوق الأرض وتحتها، لكن خمسة جنود كانوا داخل سيارة هامر، وعند مرحلة معينة انفجرت عبوة ناسفة، أدت إلى تدمير المركبة ومقتل ثلاثة جنود، فيما تم إجلاء اثنين بواسطة مروحية. إنها حادثة قاسية جدًا تُجسّد الثمن الباهظ للقتال.”
من جانبها، وصفت الوزيرة الصهيونية السابقة أورنا بربيباي ما جرى بأنه “صباح صعب” مع سقوط قتلى وجرحى، معتبرة أن “الثمن باهظ كلما تعمقت العملية البرية”، وأضافت: “حان الوقت لإنهاء هذه الحرب واستعادة المختطفين، والتوجه نحو إيران، التهديد الحقيقي والفعلي، الذي يجب على إسرائيل التركيز عليه الآن.”
بدوره، كشف المراسل العسكري في القناة 12، نير دفوري، عن تفاصيل إضافية، مشيرًا إلى “اكتشاف شبكة عبوات ونفق في موقع العملية”، مضيفًا: “التقديرات تشير إلى أن المنفذين فجّروا العبوات وانسحبوا عبر النفق. هذا يعكس أسلوب حماس الجديد، الذي بات يعتمد على خلايا صغيرة تنفّذ عمليات تسلل، وتهاجم أطراف القوات، ثم تعود إلى مخابئها. وقد تم العثور على مئات الأنفاق في المنطقة، وهي تؤدي إلى مناطق سكنية يستخدمها المقاومون كملاجئ، ومنها يخرجون لتنفيذ العمليات ويعودون سريعًا. هذا يعكس مدى التعقيد الذي تواجهه القوات داخل القطاع.”
العملية الأخيرة لكتائب القسام في جباليا، وما رافقها من خسائر فادحة في صفوف الاحتلال، أعادت طرح تساؤلات عميقة حول جدوى استمرار القتال، خاصةً من قبل المعارضة الصهيونية التي جددت الدعوة إلى استعادة الأسرى ووقف الحرب.
الإعلامي الصهيوني أرييه غولان علّق قائلاً: “الوضع في غزة يزداد تعقيدًا رغم عملياتنا المكثفة. للأسف، تمكنت حماس من قتل ثلاثة جنود، وقد أُعلن عن أسمائهم مؤخرًا. هل يجب أن نستمر في هذه الحرب بينما لا تزال حماس واقفة على قدميها؟”
أما زعيم المعارضة يائير لبيد، فقال: “هذا الصباح قُتل ثلاثة جنود إضافيين في جباليا، ولدينا نحو عشرين ألف جندي من جرحى الحرب يعيشون بيننا بلا أطراف. في النهاية، نتساءل: من أجل ماذا؟ نعم، أهداف الحرب محقة، وحماس هاجمتنا، ويجب القضاء عليها، لكن أولًا علينا استعادة المختطفين. هذا محل إجماع إسرائيلي واسع. وفي الأثناء، نُسمع بأسماء جنود جدد يسقطون، وهو أمر يفطر القلوب في كل مرة.”
ويجمع عدد من المحللين الصهاينة على أن جيش الاحتلال مُعرّض لمزيد من الاستنزاف والخسائر، كلما تعمّق أكثر في عملياته البرية داخل القطاع، ما يزيد فرص احتكاكه بمجموعات المقاومة ويضاعف المخاطر على جنوده.
هذا، وقُتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأُصيب 11 آخرون، بينهم إصابتان خطيرتان، في عمليات نفذتها المقاومة الفلسطينية شمال قطاع غزة، مساء الإثنين، ضد قوة عسكرية إسرائيلية خلال تمركزها في منطقة جباليا.
وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن الجنود قُتلوا بعد استهداف عربة عسكرية من طراز “همر” بصاروخ موجه مضاد للدروع، أطلقه مقاومون فلسطينيون في محيط جباليا. وأكدت التقارير أن العملية نُفذت بدقة وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف القوات الإسرائيلية.
من جهتها، أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس”، مساء الإثنين، عن اندلاع اشتباكات عنيفة من مسافة صفر بين مجاهديها وقوات الاحتلال شرق مخيم جباليا، مؤكدة سقوط قتلى وجرحى في صفوف العدو.
وفي سياق متصل، كشفت “القسام” عن تنفيذ سلسلة عمليات نوعية ضد آليات وجنود الاحتلال في جنوب القطاع خلال اليومين الماضيين. ففي يوم السبت 31 أيار/مايو، استهدفت الكتائب تجمعًا لقوات العدو شرق بلدة القرارة شرق مدينة خانيونس بـ 13 قذيفة هاون من عياري 120 و60 ملم، إضافة إلى 3 صواريخ “رجوم” قصيرة المدى استهدفت موقع العين الثالثة شرق المدينة.
وفي يوم الأحد 1 حزيران/يونيو، أعلنت الكتائب عن استهداف جرافة عسكرية من نوع “D9” بقذيفة موجهة من طراز “الياسين 105” في منطقة قيزان النجار جنوب خانيونس، تلاها استهداف دبابة إسرائيلية في المنطقة ذاتها بعبوة ناسفة من نوع “شواظ” وقذيفة “الياسين 105″، ما أدى إلى إصابات مباشرة في صفوف طاقمها.
وأكدت الكتائب أن عملياتها الميدانية تأتي في إطار مواصلة التصدي للاجتياح البري الإسرائيلي في مناطق شمال وجنوب القطاع، مشيرة إلى أن مقاتليها يراقبون تحركات العدو ويتعاملون معها ضمن تكتيكات عسكرية متقدمة.
المصدر: موقع المنار