السبت   
   19 07 2025   
   23 محرم 1447   
   بيروت 07:45

انقسام داخل الكيان الإسرائيلي حول السياسة السورية وسط تلويح بتوسيع العمليات جنوباً

تشير المعطيات الواردة من الجنوب السوري إلى أن الهدف المُعلن للعملية العسكرية الأخيرة قد تحقق، لا سيما بعد وقف إطلاق النار وانسحاب قوات “الحكومة المؤقتة” من منطقة السويداء.

وقد عبّر المقرّبون من جناح بنيامين نتنياهو اليميني عن رضاهم إزاء هذا التطور، معتبرين أن التدخل العسكري والاتفاق الميداني أعادا الأمور إلى نصابها، ولو مؤقتاً.

غير أن أوساطًا أخرى من نفس التيار اليميني تطالب باستكمال مسار “التغيير” داخل سوريا، من خلال تكثيف الاعتماد على الوسائل العسكرية، وفرض وقائع جديدة، وصولاً إلى التعامل مع الجنوب السوري – وتحديدًا مناطق القنيطرة ودرعا والسويداء – بوصفها مناطق نفوذ ينبغي للاحتلال الإسرائيلي السعي للسيطرة عليها مباشرة أو غير مباشرة، وفرض واقع أمني وسياسي منفصل عن الدولة السورية.

هذا التوجه دفع بعض الأصوات داخل الكيان إلى المطالبة بانتهاج سياسة أكثر عنفاً وتشدداً في وجه دمشق، ومنع السلطة السورية من إعادة بسط سيطرتها على الجنوب بأي صيغة كانت. بل ذهب البعض إلى حد اقتراح التعامل مع محافظة السويداء كمناطق خارجة عن السيادة السورية، وربما ضمّها لاحقًا إلى المناطق المحتلة في الجولان.

وفي هذا السياق، برزت ملاحظات حول التباين بين المقاربة الإسرائيلية والأميركية حيال الملف السوري، حيث يرى مراقبون في الإعلام العبري أن “إسرائيل” تتجه نحو مزيد من التصعيد العسكري، في وقت تعمل فيه واشنطن على إعادة ترتيب علاقاتها السياسية مع السلطة السورية الجديدة، بالتنسيق مع بعض الدول العربية.

ورغم هذا التباين، تؤكد مصادر في الصحافة العبرية أن التنسيق بين الطرفين قائم وعلى أعلى المستويات، تحديدًا بين وزارتي الدفاع والخارجية، وكذلك عبر قنوات دبلوماسية تضم مبعوثين خاصين إلى الملف السوري.

ويُطرح هنا سيناريو “تقاسم الأدوار” بين الطرفين، بحيث تتولى “إسرائيل” تنفيذ سياسة العصا، فيما تتكفّل واشنطن بلعب دور الترتيب السياسي وتحقيق المكاسب الاستراتيجية.

التوجه الإسرائيلي الجديد يترافق مع تركيز أمني على حدود الجنوب السوري، ومطالبات بأن تظل هذه المناطق خاضعة لمعادلات ميدانية تراعي مصالح الاحتلال وتحدّ من قدرة الجيش السوري على التحرك فيها بحرية.

كما تطرّقت أوساط إسرائيلية إلى “قواسم مشتركة” يجب على دمشق احترامها، بينها التصدي لأطراف يُعتبرون أعداء مشتركين للطرفين، ومنعهم من التمركز داخل الأراضي السورية. هذا النوع من الخطاب، وفق مراقبين، يكشف عن رغبة إسرائيلية في فرض شروط أمنية مسبقة على أي انفتاح أميركي تجاه دمشق، وخاصة في ما يتعلق بالجنوب السوري.

وفي هذا السياق، يُنظر إلى القصف الإسرائيلي يوم أمس، على أنه رسالة تحذيرية للسلطة السورية، مفادها أن الانفتاح الأميركي على أحمد الشرع – الرئيس الموقت أو رئيس السلطة الجديدة – لا يعني بأي حال من الأحوال منحه هامشاً مطلقاً للتحرك في الداخل السوري، وخصوصاً في الجنوب.

تل أبيب تسعى لفرض سيطرتها في الجنوب السوري وسط انقسامات داخلية وتنسيق مع واشنطن

ودعت أوساط صهيونية في كيان الاحتلال إلى مزيد من التوغل داخل الأراضي السورية، معبرة عن عدم ثقتها بسلطة أحمد الشرع.

ولا تكتفي تل أبيب بوضع شروط على الساحة السورية فحسب، بل تعتبر نفسها الجهة المعنية بتحديد مستقبل سوريا ونظام الحكم فيها، معتبرة أن لديها الأدوات الكافية لفرض إرادتها بالقوة على السوريين وإعادة تشكيل الحدود في الجنوب السوري. كما تصاعدت الأصوات المطالبة بشكل صريح بضم أجزاء من سوريا، ووضع الحكم المؤقت في دمشق بين خيارات معقدة.

وفي هذا السياق، قال عوزي أراد، نائب سابق لرئيس أركان جيش الاحتلال: “المصلحة الإسرائيلية تقتضي أن يكون جنوب سوريا هادئًا، وأن يتوفر ممر نحو إيران، مع فرض ردع إقليمي. لذا، يجب تقديم أقصى الدعم للطائفة الدرزية وبناء ميليشيا لها، خاصة وأن لديها قرابة سبعين ألف جندي في الجيش السابق، وهذا يصب في مصلحة إسرائيل أولاً”.

بدوره، أوضح يوفال ملكا، مسؤول سابق في قوات حرس الحدود الصهيونية، قائلاً: “سمعنا مؤخرًا على جميع شبكات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي شخصيات أمنية رفيعة المستوى تدعو إلى تسريع عقد اتفاق مع الجولاني، لكنني ناقشتهم في كل هذه المنابر بأن هذا خطأ من الأساس. فكيف يمكن التوصل إلى اتفاق مع هذا المخرب الذي يرتدي بدلة رسمية؟ وإذا كانت المصلحة توسيع المنطقة العازلة، فعلينا تنفيذ ذلك”.

في المقابل، حذرت أوساط صهيونية من الانزلاق في مستنقع لا نهاية له داخل الساحة السورية، داعية تل أبيب إلى تحديد أهدافها والعمل على التوافق مع السلطة في دمشق لتحقيقها.

وأشار إيهود يعري، محلل صهيوني للشؤون العربية، إلى أن “الجيش الإسرائيلي يتجنب إشعال حريق كبير في سوريا، لأنه لا مصلحة لنا في الدخول في مناوشات مع النظام السوري الحالي، وبدلاً من ذلك نستمر بدفع التسويات الممكنة معه. الجميع يركز على التوصل إلى تسويات مع الغالبية السنية في سوريا، دون المساس بمصالح الدروز”.

من جهته، قال يارون أبراهام، مراسل القناة 12 الصهيونية: “أفادنا مصدر سياسي إسرائيلي بأن الشرعية التي حظي بها النظام السوري الجديد خلقت لديه حالة من التشويش في قراءة الواقع، كما أن رسالة إسرائيل من غاراتها على دمشق هي أن كل العمليات ستتم وفقًا للتطورات الراهنة، ولا يستبعد أحد وقوع المزيد من العمليات العسكرية داخل سوريا”.

وأكد الإعلام الإسرائيلي وجود تباين بين رؤية حكومة نتنياهو وطبيعة تحركها في سوريا، وبين رؤية إدارة ترامب التي تسعى إلى ترتيب العلاقة بين الجانبين، لكنه أشار إلى أن كل الخطوات التي تتخذها تل أبيب في سوريا تتم بتنسيق كامل مع واشنطن.

المصدر: موقع المنار