الخميس   
   10 07 2025   
   14 محرم 1447   
   بيروت 18:46

هل كان عمر بن سعد ليتجنّب الحرب لو لم يستخدم عبيد الله بن زياد ورقة الشمر؟

لقد كان عمر بن سعد بن أبي وقاص، قائد الجيش الذي قاتل الإمام الحسين وأصحابه في كربلاء، يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة… وكثيراً ما يشار إلى أن عمر بن سعد، لم يكن مستعدًّا لقتال ريحانة رسول الله لولا تعرّضه للضغط من جانب عبيد الله بن زياد والشمر بن ذي الجوشن. فما مدى صحة هذه المقولة؟

عندما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة من أجل أن يرى موقف أهلها من نصرة الإمام الحسين، لم يكن عمر بن سعد من الذين بايعوه وأرسلوا الكتب إلى الإمام، على شاكلة شبث بن ربعي وحجار ابن أبجر. بل على العكس تمامًا، كان ابن سعد في طليعة من كاتبوا يزيد بن معاوية، وأطلعوه على أحوال الكوفة والمسار الذي تتجه إليه الأمور مع حركة مسلم بن عقيل فيها¹… وعلى ضوء هذه الكتب التي وصلته، ومنها كتاب عمر بن سعد، قام يزيد بن معاوية بعزل النعمان بن البشير من إمارة الكوفة، واستبدله بعبيد الله بن زياد، الذي قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، وهدّد بقتل أي انسان يثبت اتصاله بالحسين بن علي، عبر بث إشاعة هجوم جيش الشام²…

وكان من الأمر ما هو معروف من لقاء الحسين بالحر وفشل المفاوضات من أجل نزول الحسين على طاعة يزيد، إلى أن قرّر ابن زياد أن ينتدب قائدًا لقتال الحسين… فوقع خياره على عمر بن سعد الذي كان قد سبق وأن عُيّن قائدًا للجيش الذي سيخرج لقتال الديلم في دستبى. وقد كانت مكافأة عمر بن سعد هي حصوله على ملك الري، إن استطاع أن يهزم الديلم. ثم تأجّلت حرب الديلم لانشغال السلطة بأمر الحسين بن علي³.

حضر عمر بن سعد بين يدي عبيد الله بن زياد، فأمره الأخير بالخروج على رأس الجيش لمقاتلة الحسين، فطلب منه عمر أن يختار شخصًا آخر لهذا الأمر، فاشترط عليه ابن زياد أن يتنازل عن ملك الري إن أراد أن يتنحّى عن قتال الحسين، عندها طلب ابن سعد مهلة ليُفكّر في الأمر…فلم يكن ابن سعد يستشير أحدًا إلا ونهاه عن ذلك الأمر الفظيع، ولمّا عاد إلى ابن زياد ليطلب منه أن يعفيه من تلك المهمة، على أن يساعده عمر في اختيار قائد الجيش، سخر منه عبيد الله، وكرّر له شرطه الوحيد لكي يمنحه ملك الري… عندها عجز عمر بن سعد عن مقاومة هذا العرض فوافق على قتال الإمام⁴.

وعندما وصل جيش عمر بن سعد إلى كربلاء، جرى لقاء بينه وبين الحسين، فسأله الحسين عن السبب الذي جعله يقود الجيش الذي يريد قتاله، فقال ابن سعد بأنه يخشى أن تُهدم داره وقريته ويقتل أولاده… فأكّد له الحسين بأنه يضمن له سلامة أولاده وبناء دار أخرى له، ولكن ملك الري كان يسير في عروق ابن سعد سريان الدم⁵… وروى عقبة بن سمعان بأن الحسين اختتم لقاءه مع ابن سعد واضعًا إيّاه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يسمحوا له بالرجوع إلى المدينة، أو أن يمضي إلى إحدى ثغور المسلمين… فوافق عمر بن سعد على ذلك وطلب من أبي عبد الله أن يُمهله حتى يكتب إلى عبيد الله بن زياد ويرى رأيه في ذلك⁶…

هنا بإمكاننا أن نقول بأن هذه محاولة أخرى من عمر بن سعد لتجنب الحرب مع الحسين بن علي، ولكن لحد الآن لم يُبدِ أي استعداد لنصرة الإمام، وكانت كل محاولة منه للعدول عن هذا الأمر ترتطم بحلم ولاية الري…

لمّا وصل كتاب ابن سعد إلى عبيد الله بن زياد، أبدى الأخير استعداده لقبول عرض الإمام الحسين، وهمَّ بأن يوافق على إحدى الخصال التي عرضها أبو عبد الله، عندها تدخّل الشمر بن ذي الجوشن، فحذّر ابن زياد من أن يترك الحسين يمضي حيث يريد، مؤكّداً له على خطورة أن يذهب الإمام حرًّا طليقًا… ثم أشار إليه الشمر بأنه على استعداد لقيادة الجيش إن كان ابن سعد رافضًا للقتال… فوافق ابن زياد على ذلك وكتب مع الشمر إلى ابن سعد، بأن يُعجّل بقتال الحسين إن رفض بيعة يزيد، أو أن يُخلّي بين الشمر وبين العسكر⁷. وعندما وصل الشمر إلى كربلاء، واطّلع عمر بن سعد على أمره، عاد شبح ملك الري ليظهر أمامه، فرفض تسليم الجيش إلى الشمر، وأعرب عن استعداده لقتال الحسين⁸… وكان عمر بن سعد أول من سدّد سهمًا في تلك المعركة⁹…

يمكن لنا أن نستنتج في نهاية المطاف بأن عمر بن سعد كان متعلّقًا بالدنيا بشكل كبير، وعلى الرغم من أنه حاول أن يتجنّب جريمة مقاتلة الحسين، إلا أنه لم يقف في صفه، بعد أن باع الآخرة بملك الري… وعلى الرغم من أن الإمام قد أكد له بأنه لن يذوق من ثمار الري حبة واحدة¹⁰… إلا أنه أبى… هذا بالإضافة إلى عدم نصرته لمسلم بن عقيل، وإرساله كتابًا إلى يزيد… من الممكن أن يكون ابن سعد غير متعطش لدماء الحسين مثل الشمر وعبيد الله، ولكن تعلّقه بالدنيا سوّغ له الاشتراك بجريمة قتل ابن بنت رسول الله وعائلته.

الهوامش:
1) الكامل في التاريخ -الجزء الثالث -ص 378
2) اللهوف على قتلى الطفوف-ص 34
3) مقتل أبي مخنف ـ ص 94
4) مقتل الخوارزمي ـ الجزء الاول -ص340
5) مقتل الخوارزمي ـ الجزء الاول ـ ص 348
6) الكامل في التاريخ -الجزء الثالث -ص 413
7) تاريخ الطبري -الجزء الخامس -ص 414
8)الكامل في التاريخ -الجزء الثالث -ص 415
9) كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي-تحقيق علي شيري-الجزء الخامس ص 100
10)مدينة المعاجز-الجزء الثالث -ص 482

المصدر: موقع المنار