علي كجك
بديل عن سيمنز ورسالة سياسية مزدوجة
في خطوة تحمل أبعادًا اقتصادية واستراتيجية واسعة، تسلّمت روسيا أول توربين غاز من طراز MGT-70 من إيران، في إطار اتفاقية وُقّعت عام 2022 لتوريد 40 توربينًا غازيًا بالإضافة إلى معدات كهربائية وخدمات صيانة متخصصة.
ووفقًا لوكالة أنباء “نفط غاز” الروسية، فإن التوربين الجديد من إنتاج شركة “مابنا” الإيرانية، ويشمل أيضًا مولدات ومعدات كهربائية وخدمات إصلاح محركات الطائرات.
توربين MGT-70: شهادة على التطور الإيراني
يُعتبر توربين MGT-70 من أبرز إنجازات قطاع الطاقة الإيراني وأكثرها تطورًا. وبحسب وكالة “تسنيم”، فإن التوربين هو نسخة مُحدّثة عن توربين V94.2 الأوروبي، وقد ارتفعت قدرته الإنتاجية من 157 ميغاوات إلى 185 ميغاوات، فيما ارتفعت كفاءته الحرارية من 32% إلى 34%، وهو ما يعكس قفزة نوعية في تطوير التكنولوجيا المحلية.
في أكتوبر 2022، وقّعت طهران وموسكو اتفاقية تصدير لتوريد 40 توربينًا غازيًا (وكالة “تسنيم”)، بينما أدرجت روسيا في ربيع العام نفسه توربينات MGT-70 ضمن قائمة المعدات المعفاة من ضريبة القيمة المضافة على الواردات، وفقًا لوكالة “نوفوستي”، في إشارة واضحة إلى الأهمية الاستراتيجية لهذه المعدات بالنسبة للبنية التحتية الروسية.
أما على الصعيد الاقتصادي الأوسع، فقد نقلت وكالة “إرنا” أن إيران كانت قد أعربت عام 2022 عن استعدادها لعقد صفقات مقايضة مع روسيا، تشمل مبادلة المنتجات المعدنية بقطع غيار السيارات وتوربينات الغاز، وهو ما يعكس سعي الطرفين لخلق شبكة تبادل اقتصادي بديلة عن النظام المالي الغربي.
روسيا: كسر العزلة التكنولوجية
منذ انسحاب شركة سيمنز الألمانية من السوق الروسية عقب العقوبات الغربية، وجدت موسكو نفسها أمام أزمة في تأمين توربينات الغاز الضرورية لتشغيل محطات الكهرباء. التوربين الإيراني MGT-70 يمثّل بديلاً استراتيجيًا يقلّص من اعتماد روسيا على التكنولوجيا الغربية.
وبحسب وكالة “ريا نوفوستي”، فإن قيمة الصفقة تمتد لسنوات وتشمل ليس فقط التوربينات، بل أيضًا عقود الصيانة والدعم الفني، ما يمنح موسكو شريكًا طويل الأمد قادرًا على ضمان استقرار قطاع الطاقة لديها.
إيران: قفزة في السمعة الصناعية
إيران من جهتها، تُسجّل بهذا الإنجاز دخولًا قويًا إلى نادي الدول القادرة على تصدير تكنولوجيا متقدمة في مجال معقد مثل صناعة التوربينات الغازية. نجاحها في إمداد روسيا – إحدى أكبر أسواق الطاقة في العالم – يعزز مكانتها كدولة منتجة للتكنولوجيا وليس مجرد مستوردة لها.
وذكرت وكالة “تسنيم” أن التوربين MGT-70 يعد من أكثر الإنجازات تطورًا في قطاع الطاقة الإيراني، حيث طوّرته شركة “مابنا” بعد سنوات من العمل البحثي والهندسي، ليكون قادراً على المنافسة في الأسواق الخارجية.
أبعاد اقتصادية وسياسية
اقتصاديًا، تمنح الصفقة إيران مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة، وتفتح أمامها سوقًا استراتيجية في روسيا يمكن أن تمتد إلى بلدان أخرى في أوراسيا. أما سياسيًا، فهي رسالة مزدوجة:
روسيا تقول إنها ليست رهينة العقوبات الغربية، بل قادرة على إيجاد بدائل.
إيران تثبت أنها شريك موثوق يمكن الاعتماد عليه في مشاريع استراتيجية كبرى.
نحو شراكة أعمق
الصفقة، التي بدأت عام 2022 ولم يُعلن عن نتائجها العملية إلا الآن، تمثل نقطة تحوّل في العلاقات الاقتصادية بين موسكو وطهران. فإذا كان النفط والغاز هما العصب التقليدي للتعاون، فإن دخول الصناعات الثقيلة والتوربينات إلى هذه المعادلة يفتح الباب أمام شراكة أوسع وأعمق.
إنها ليست مجرد صفقة توربينات؛ بل إعلان صريح عن تحالف صناعي واقتصادي جديد، يعكس تغيّر موازين القوة في سوق الطاقة العالمية.
المصدر: مقال رأي