تلخيص وإعداد: محمد أخضر
الاستخبارات هي قوة أي دولة على المستوى السياسي، الاقتصادي، العلاقات الدولية والقدرة على تحديد تموضع الدولة من النظام العالمي. لذا، كان لابد من ايجاز علمي عن عمل الاستخبارات الاستراتيجية للدول. عام 1949 كتب “شيرمان كينت” كتاب بعنوان “الاستخبارات الاستراتيجية للسياسة الامريكية العالمية”، وهو يتناول تحويل الاستخبارات من معلومات فقط، الى معرفة وتقديرات مستقبلية.
يبدأ الكتاب بالشرح عن الأهمية المطلقة للعنصر الوصفي في الاستخبارات الاستراتيجية، ويذكر انه العنصر الأساس الذي تقوم عليه باقي العناصر. فيما يتعلق بالعنصر الوصفي، يتناول الكاتب أهمية البحث الاستخباري المتعلق باوصاف البنية الاجتماعية والاقتصادية للدولة المستهدفة، بحيث يكون توجيه الضربة مؤثر على المدى الزمني البعيد، مما يؤدي الى اضعاف كبير وسريع لقدرة العدو على شن هجوم او استكمال الحرب. ويستشهد الكاتب بإرسال طائرات ب- 29 لقصف الطائرات اليابانية، محركاتها، مستودعات عسكرية، مصانع الالكترونيات، مصافي النفط، وصولًا في نهاية المطاف الى مراكز التجمعات السكانية في المدن.
يذكر الكاتب ان الحرب لا يجب ان تكون عسكرية بشكل كامل، بل قد تستفيد الدول بالحرب الاقتصادية والسياسية، التي تكون بنفس قبح الحرب العسكرية بحسب رأي الكاتب. ويضيف ان العنصر الوصفي هو سلسلة متكاملة تشمل دراسة سياسية، اقتصادية وعميقة، لتشكل الوعي التام للجهة الاستخبارية. ينتقل الكاتب ليتناول العنصر التقريري في مهمة الجمع الاستخباري، ان دور هذا العنصر يأتي بعد دور العنصر الوصفي.
على سبيل المثال، بعد ان يكون العنصر الوصفي قد وضع احاطة بالشخصية المستهدفة، فان العنصر التقريري يجب ان يتابع كل حركة وسكنة لهذه الشخصية، من العادات اليومية، المحيط بشكل تفصيلي الى الشخصية التي يرجح صعودها لملء الفراغ بحال ابتعاد الشخصية الأساسية لاي سبب كان.
ثم يفنّد الكاتب المجالات المعني بها العنصر الاستخباري التقريري، المجال الجغرافي، العسكري، الاقتصادي، السياسي، الاجتماعي، الأخلاقي وصولًا الى المجال العلمي والتكنولوجي. يختم الكاتب بان العنصر التقريري هو المكمل الحتمي للعنصر الوصفي، اذ ان العنصر التقريري يحدّث العنصر الوصفي لخلق جسر بين الماضي والمستقبل.

يتناول الكاتب فيما بعد العنصر التقييمي- التأملي؛ العنصر التقييمي- التأملي هو العنصر الأكثر أهمية وتعقيدًا من العنصرين السابقين ضمن الاستخبارات الاستراتيجية، لانه عنصر يؤدي الى التقييم لاتخاذ الاجراء الأكثر صوابًا للدولة المستهدفة من هذا الاجراء، ان هذا العنصر مبني على عاملين اساسيين، المكانة الاستراتيجية للدولة والثغرات الخاصة المتعلقة بها. المكانة الاستراتيجية تتعلق بنقاط القوى ونقاط الضعف التي تمتلكها الدولة والالية المتوقعة لاستخدام أي نقطة قوى او نقطة ضعف على حد سواء. يتطرق الكاتب للحديث عن القدرة الحربية، ويميّز بين القدرة الحربية والقدرة العسكرية بالقول ان القوى العسكرية الفعلية موجودة لكنها غير معبأة بالكامل للتحرك الفوري والمتجانس عند اول انذار.
ان مقدار التعبئة والجهوزية الحربية يرتبط بثلاث عوامل اقتصادية أساسية بحسب راي الكاتب، مقدار الفائض الاقتصادي، مقدار الركود الاقتصادي ومقدار المرونة التي يجب ان يظهرها الاقتصاد، وهو يعتبر ان هذه الامور تؤثر على نتائج الحرب كالتالي: ففي عنوان الفائض تحدث الكاتب عن مجمل المخزونات في الدولة كالغذاء، الرأسمال والطاقة الإنتاجية. اما في ما يتعلق بالركود، تحدث عن ساعات العمل الأسبوعي، القوى العاملة، القوى النسائية العاملة والبطالة.
ذكر الكاتب القدرة على تحويل مصانع الالات الكاتبة الى مصانع للبنادق وتحويل شركات تصنيع الطعام الجاف الى مصانع للذخائر في وقت قياسي عندما يحين ذلك، فيما يتعلق بالعنوان المتعلق بالمرونة الاقتصادية. يضيف الكاتب ان على عنصر الاستخبارات دراسة الحالة الاجتماعية ضمن تقرير الجهوزية الحربية لدولة ما.
والمقصود من الحالة الاجتماعية هنا؛ ردة فعل الناس على انحدار معايير الغذاء والماء والعوامل الحياتية عامة، كما وارسال الفئة الشابة من المجتمع الى الجبهات وما ينتج عنه من تفكك اسري حتمي ضمن نتائج الحرب. اضف الى ما ذكرناه العنصر الأخلاقي الاجتماعي المشمول بالبحث، والذي يحتّم على معد التقدير توقع ردة فعل المجتمع الأخلاقية على ما ستنتج أي ازمة في المستقبل القريب او البعيد.
يتطرق الكاتب فيما بعد للحديث عن بعض العوائق في موضوع الجمع الاستخباري العسكري، كعدم القدرة على الوصول الى بعض المقتنيات العسكرية المعلوم بوجودها لاسباب امنية او جغرافية مما يؤدي الى الحاجة “للاستعارة” في استكمال الوصف، وبالتالي نقص حتمي في المعلومة. يجب ايضًا على عنصر الاستخبارات المعرفة الدقيقة بنقاط الضعف للدولة المستهدفة، وإمكانية تأثير هذه النقاط على القدرة في اتخاذ الدولة اجراء حاسم في أي مجال من مجالات السلم او الحرب.
يركّز الكاتب على معرفة سلوك الدولة، داخلها، خارجها وفي التعاطي مع القضايا الدولية، مما يخلق مسارًا حتميًا لتعاطي الدولة مع المستجد. يختم الكاتب هذا العنصر بالقول ان الاستخبارات لا تدّعي العصمة في تنبؤاتها، الا ان التقدير هو الأقرب الى الواقع، مع العلم بالمشكلات التي تحصل داخل الأقسام المختلفة للاستخبارات، نتيجة الاختلاف التقديري بين قسم واخر. يشرح الكاتب فيما بعد عن الصفات التي يجب ان يمتلكها عنصر الاستخبارات الاجنبي في دولة ما.
عليه ان يكون سريع التكيّف والتعامل، على اطلاع بمجريات الأمور والقدرة على التمييز بين ما هو مهم وما هو غير ذلك. ان وجود عملاء استخبارات محليين امر بالغ الضرورة بالنسبة لأجهزة الاستخبارات، لانهم يشكلون القدرة على فهم وتحليل عقل المجتمع المحلي، ليقوم العاملون الاساسيون للجهاز باتخاذ افضل التقديرات بعد تحليل واقع المجتمع المحلي.
في نهاية الكتاب يستفيض الكاتب بالحديث عن المشاكل المنهجية الخاصة بالعمل الاستخباري. تظهر أولى المشاكل بسبب الأشخاص المعنيين بالتوقع داخل الجهاز الاستخباري. يذكر الكاتب ان عدد هؤلاء قليل ولكن ذلك لا ينفي مؤثريتهم.
يرى الكاتب ان الحل لهذه المشكلة تكون بتعيين من هم اكثر كفاءة لهذا الموقع و”الدعاء” لهم بان ينتجوا فرضيات ذات أهمية وطنية. يذكر الكاتب ان احد المشاكل تتعلق بالفجوة بين الجهات المنتجة للمعلومات الاستخباراتية والجهات المستفيدة منها، أي ان أجهزة الاستخبارات تعجز عن الحصول على الارشاد الضروري الذي يتيح لها انتاج معلومات ذات جدوى فعلية. يرى الكاتب ان حل هذه المشكلة تكون بانخراط المنظمة الاستخباراتية بعمل الجهة الموجهة للعمل الاستخباري نفسه.
يذكر الكاتب انه كلما ضاقت العلاقة بين العاملين في المجال السري والمستفيدين المباشرين وغير المباشرين من منتجهم، كلما أصبحت هذه العلاقة رسمية الى حد ان يقتصر التواصل على المراسلات فقط وكلما فقد طابع النقاش المباشر بين الافراد أصبحت بعض المهام الأكثر أهمية شبه مستحيلة التنفيذ؛ قد تحصل هذه الأمور بفعل الحاجة الى أنظمة امان معقدة تصعب المهمة في الكثير من الأحيان. ان المعلومات الاستخبارية بحاجة الى التقييم الدائم، وهو نوع من المقارنة بين المعطيات القديمة والمعطيات الجديدة قبل رفعها الى الجهة المستفيدة منها. يشرح الكاتب عن ان ضعف التوجيه من الجهة المستفيدة، تؤدي الى رصد ناقص وبالتالي معلومة ناقصة.
ويضيف ان على الاستخبارات معرفة انذار مبكر بشأن أي مهمة قادمة لتسهيل العمل عليها. قد تحصل بعض المشاكل بفعل الجمود في العلاقات الافقة ضمن القوات العسكرية (هذا الجمود موجود في مختلف القطاعاتت في المجتمع الا انه الأكثر سوءًا في القوات العسكرية لما ينتج عنه من تأثير). يذكر الكاتب ان الاجراءات الامنية قد تكون سلبية الى حد معيّن، اذ ان هذه الاجراءات تحميك لكنها قد تشكل عائق للحركة والعمل (مهما بلغت نسبة الاجراءات الوقائية فانها تشكل عزل للافراد وللكيانات في الكثير من الاحيان). يضيف الكاتب ان الاستخبارات قد تتسرع في الولوج الى معلومات معينة مما يؤدي الى فشل او ضعف العمل المنوي التحقيق. يرى بعض السياسيين انفسهم على علم يفوق علم الاستخبارات في الكثير من المواقف وهذا يؤدي بحسب رأي الكاتب الى عزلة المستهلك التامة، وبقائه ضمن دائرة تقدير خاصة يضعها هو، غير مبنية على اسس معلوماتية موضوعية.
في نهاية المطاف، لابد من الاستفادة مما ذكره الكاتب عن الاستخبارات كعلم، إضافة الى العمل على معالجة المشكلات البنيوية التي تعصف بالاستخبارات وتشكل عوائق امام بناء سياسات الدول الكبرى.
المصادر: مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير/ شيرمان كينت- ويكيبيديا
اسم الكاتب: شيرمان كينت
اسم الكتاب: الاستخبارات الاستراتيجية للسياسة الامريكية العالمية
تاريخ النشر: 1- 9- 1950
المصدر: موقع المنار