إلهام غرابي
اليوم اقف عند أطلال من أحببتها وعشقتها.. الى من هجرتني ولم اعد اراها الا صدفة.. حبيبة.. كانت تجعلني أشعر وكأنني امارس رياضة الجري في احدى المباريات الماراتونية، أهرول سريعاً لأجتاز مسافة معينة وأعود لأراها بعدها بنفس المكان الذي انطلقت منه.. وأعيد كرّة الهرولة من جديد..
طبعا لا اذكر عدد المرات التي كنت اروحها وأجيؤها، فقط اتذكر صوت لهاثي في لحظات الركض تلك.. تلك اللحظات التي كانت تطل فيها عليّ بوجهها المشرق، لحظات كنت ارى فيها النجوم وهي تواسيني وتتضامن معي فترافقني في جريي السريع وتبتسم لي، بومضاتها المتوهجة، ناهيك عن الكواكب التي كانت تصفق لي في نهاية المطاف لمنحي شرف الحصول على لقب اكثر مهرولة في العالم، واعتقد انني استحق الفوز بهذا اللقب وأدخل ضمن موسوعة غينيس للأرقام القياسية.. في الهرولة ..
لم تكن تترك لي خيارا في زيارتها الخاطفة لأشبع من رؤيتها وأستأنس بها فقد كانت كلحظات انخطاف سريعة جدا تظهر فيها ثم لا تلبث ان تختفي كشبح الظل الذي يتراىء ليغيظنا ثم يتلاشى مقهقهاً بين الجدران، مما يجعلني ابحث عنها كالمجنون واقول لها وانا أناديها ارجوك ارحميني وعودي إليّ لتملئي علي حياتي الفارغة بدونك، كم اتمنى لو تعودي بسرعة لأكحل ناظري بك ولا انسىى وجودك في حياتي يا من تشكلين شيئا اساسيا في ذاتي وكياني، فكلما تختفين يختفي النوم من عينّي ويجافيني، ويتسلل القلق والتوتر الى نفسي، فأعيش لحظات كآبة فظيعة تترافق مع مآساة هذا الجو الحار وتنسيني ان هناك شيء في الحياة اسمه ليل ونهار… أو نهار وظلام.. ليتحول الى ضجر وانهيار..
لم لا تهدئين وكأنك “مسحورة” من الجان.. تغيبين عن الوعي وعن أعيني ولا يستقر بك حال.. تصبحين فجأة بعيدة عني في خبر كان.. لم دائما تهربين وترحلين سريعاً كرمشة عين وتتتركينني فريسة هواجس، تنتابني الكوابيس المخيفة التي تجسد لي وحوشا منقرضة كنت اعتقد انها تسكن فقط في الأساطير… قولي لي ارجوك متى تعودين لرشدك وتنوين الاقامة الدائمة بيننا في وطن يحتاجك.. وطن يشعر بغربته بدونك… وأناسه تشعر باليتم ونقص العاطفة في غيابك.. لكم سيهللون لك بحفاوة شديدة حين تطلين عليهم بقامتك المشعة البهية والشامخة..
تعالي أيتها الغالية نورينا بأنوارك المقدسة ليغمر قلوبنا الفرح بطلعتك المنيرة.. سنقدرك ونجلك.. فقط عودي لسمائنا ودعي حياتنا المظلمة تشرق بك من جديد.. سنقيم احتفالا رائعا بعودتك المهيبة.. ونضيء شموع الفرح ثم نطفؤها ونقول لتلك الشموع التي احرقت ايدينا مرارا وتكرارا ارحلي عنا لم نعد نحتاجك في منازلنا بعد اليوم فقد عادت الينا الكهرباء الحبيبة.. الكهرباء المغتربة.. التي كدنا ننسى اسمها وشكلها والتي فارقتنا منذ سنوات طويلة وهجرت ارض لبنان.. عادت لتقول لنا هيت لكم ايها الأحبة.. هل تعود بشكل دائم او يبقى حلما نمني النفس به..حلمنا بعودة الكهرباء الى بيوتنا وشوارعنا المظلمة لنرتاح من ضجيج وعوادم روائح الموتورات القاتلة ومن صراخ جيراننا في ظلمة ليلنا وعبارة كل يوم: “إجت.. انقطعت.. انقطعت.. اجت..”.