لا نعتقد أن ديبلوماسية المُهادنة المجانية، التي بلغت حدود التوسُّل والتسوُّل لدى البعض، هي الحلّ الناجح الناجع لفكّ الأسر المُزمن على لبنان، الناتج عن حصار “القيصر الأميركي” أو إجراءات بعض قياصرة الخليج، بذريعة الإعتراض على تصريح وزير لبناني قبل دخوله الحكومة، سيما وأن الردّ السعودي جاء بأن تصريح الوزير قرداحي هو الذي أهَّله لدخول الحكومة! بمعنى، أن أي تبرير لبناني لم ينفع، ولم ينجع في وقف دهورة العلاقات مع لبنان من الجانب الخليجي، الى أن رشَح علناً وبتصريحات رسمية أن الموقف الشخصي للوزير ليس أكثر من رمَّانة، لأن القلوب مليانة من ما يسمونها هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية.
وفي إطلالة صريحة شاملة بعد ظهر الخميس الماضي بمناسبة “يوم الشهيد”، فنَّد سماحة السيد حسن نصرالله أمثلة تدحض الهيمنة المزعومة. ولعل عدم استئناف العلاقات الطبيعية مع سورية هو المثل الأبرز، باستمرار إقفال البوابة البرية الوحيدة للبنان، إرضاءً لحُكم القياصرة المُمتدّ من واشنطن الى بعض العواصم العربية، حيث أنه مسموحٌ لأية دولة غربية أو شرقية إعادة العلاقات مع سورية باستثناء لبنان، ولم يرَ أصدقاء أميركا وأدواتها في لبنان ضيراً من خنق الشعب اللبناني حتى الموت، وهُم لا يمتلكون سوى مواقف هزيلة ذليلة تسترضي الجلاد ودون جدوى.
والدول الخليجية تُدرك، أن الجاليات اللبنانية لديها هي مُنتجة فاعلة، وضمن مستويات راقية في التعامل، لا بل هي الأقل عبئاً من بين كل الجاليات، لكن المشكلة هي عقلية الإستكبار التي تنتهجها بعض هذه الدول بحق اللبنانيين، نتيجة تزلًّف أصحاب المصالح الإستثمارية والتجارية الخاصة لبعض السياسيين والمصرفيين ورجال الأعمال اللبنانيين، وهُم أنفسهم مَن نهبوا وهرَّبوا أموالهم من لبنان، يتحمَّلون مسؤولية سياسة الزحف والضعف والهوان، ولم يُخطىء الوزير قرداحي عندما تساءل عن سبب عدم تدخُّل دول الخليج بأي شأن سيادي لدى أية دولة أخرى سوى لبنان.
ومن بين الأمثلة التي عددها السيد نصرالله، هذا الخضوع الرسمي اللبناني المُزمن للإملاءات الأميركية بعدم التوجُّه شرقاً، حتى ولو باتت المشتقات النفطية في لبنان بأسعار الدمّ، وباتت حبة الحنطة سنابلها من ذهب، وجرعة الدواء ترياقاً مفقوداً، وكل العروض التشجيعية التي تنهمر على لبنان من روسيا والصين وإيران ممنوعة، لأن الغرب وفي طليعته أميركا، وفي ذيله بعض دول الخليج، قرر انتهاج سياسة التركيع مع لبنان حتى التجويع.
كانوا سابقاً يحملون “البعبع الأميركي” على الشعب اللبناني، ويلوِّحون بسعر الدولار كما قميص عثمان، وأن أية خطوة سياسية تُزعج أميركا سوف ترفع بورصة الدولار في لبنان على حساب الليرة الى مستويات قياسية، فما رأي أصدقاء أميركا وبعض دول الخليج في لبنان بالوضع الإقتصادي والمعيشي لشعبهم والإجراءات الظالمة التي تزداد يومياً تشدداً وخنقاً؟!
في الخلاصة، ووسط خيبة الرهان على بعض الطبقة السياسية في لبنان، أن تتحرر من مصالحها الرخيصة مع أميركا وأدواتها، وبانتظار جلاء نتائج مباحثات بعض الملفات الإقليمية، يبقى الأمل حصراً بالقوى السياسية القادرة على مُقاربة الواقع الشعبي اللبناني، وبالتعاون مع القطاع الخاص، أسوة بخطوة رجال الأعمال الذين استقدموا وسوف يستقدمون البنزين والمازوت من إيران، أن تكون هناك خطوات مماثلة، تشمل كل السلع الأساسية التي تنتظرها الناس، وأن تُشرَّع رسمياً بوابة الشرق، ما دامت بوابات الغرب مُقفلة بوجهنا حتى إشعارٍ آخر…
الموقع غير مسؤول عن النص وهو يعبر عن وجهة نظر كاتبه فقط
المصدر: خاص