كانت الساعة الحادية عشرة من مساء السبت 30 آب/أغسطس 2014. وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة يتصفح ما يُنشر من تغريدات على “تويتر” قبل أن تستوقفه تغريدة نشرتها ناشطة قطرية، كانت تنقل فيها تصريحاً للأكاديمي القطري محمد المسفر كان يقول إنّ “الخلاف الخليجي أساسه مصر وأن قطر لم تعدِّل موقفها من دعم السلطة الشرعية المصرية.”
في تلك الأيام، كانت منطقة الخليج كما تشهد ازمة أقل حدة بين السعودية وقطر، كشف عنها سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين (مطلع آذار/مارس 2014). بدا التصريح صالحاً للتوظيف في سوق الأزمة، لم يعلق الوزير مباشرة، ولم يشر إلى التصريح علانية، ذهب إلى حيث اعتاد، حيث “كبسة الزر” التي تفسر كل التساؤلات التي تطرح عن العناوين المتشابهة التي تتصدر فجأة الصحف الخليجية والتي تدور في الفلك السعودي.
في رسالة مباشرة، نقل الوزير البحريني التغريدة كما هي إلى نظيره الإماراتي عبدالله بن زايد. موقع قناة المنار حصل على تسريبات لرسائل الوزير الخاصة من حسابه على “تويتر”، كانت محادثته مع عبدالله بن زايد واحدة من تلك التسريبات.
قال بن زايد: “أرسل نسخة لغرفة العمليات”. ليرد الوزير البحريني:”يبدو أن هذه الغرفة غرفة بنج، لا عمليات”.
“لا مانع من المحاولة”، أجاب وزير خارجية الإمارات.
فما هي غرفة العمليات هذه؟
هي غرفة تتواجد فيها عشرون قناة تلفزيونية، عدا عن كتاب صحف ومحللين يدورون في الفلك السعودي. للوزير الإماراتي مندوب عنه يمثله في حال انشغاله، كذلك للوزير للبحريني، هذا ما يكشف عنه الوزيران في سياق محادثتهما. أما هدف هذه الغرفة فهو فبركة وتوجيه الحملات الإعلامية ورسم مساراتها وملاحقة نشاطها.
ظل الوزير البحريني ليلتها يتابع نشاط “الغرفة”… وقبل أن يرقد للنوم، بعث برسالة جديدة للوزير الإماراتي قال فيها: “الغرفة بدأت تعمل ونحن خبر بخبر… الله المستعان”.
في اليوم التالي، خرجت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، وقناتا “العربية” السعودية و”سكاي نيوز” الإماراتية وصحيفة “الأيام” البحرينية لتنقل عن المصدر نفسه أن: “الأجواء الإيجابية في اجتماع وزراء خارجية دول الخليج لا تعني انتهاء الخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، لأن الدوحة لا زالت متمسكة بدعم الإخوان و لم توقع على وثيقة الرياض، وإذا لم توقع قطر على وثيقة الرياض و تطبقها حرفياً فسيتبع ذلك إجراءات مؤثرة جداً عليها”.
يوظّف وزيرا خارجية البحرين والإمارات وخلفهما السعودية هذه الغرفة. يوظفون أيضاً صحفاً عربية وأجنبية عبر “شراء الذمم” من أجل الضرب في خصومهم وتمرير الروايات التي ينسجها كتاب الغرفة السوداء لخدمة الأهداف التي يركز عليها الوزراء ومندوبوهم، فيطال الضرب إيران وسورية، ومؤخراً قطر… وهو اليوم يطال حزب الله من جديد.
الضوء الأخضر
صباح أمس الثلاثاء 29 آب/أغسطس 2017، دشّنت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية حملة جديدة، تضرب مسارات معركة هزم داعش، لتأخذ الجمهور من ضفة الزهو بالنصر إلى ضفة أخرى. العنوان الرئيسي الذي تصدّر غلاف الصحيفة السعودية كان: «داعش» من القلمون إلى حدود العراق برعاية النظام. في متن الخبر، لم يرد أي ذكر لقضية نقل مسلحي تنظيم داعش بعد استسلامهم في معارك القلمون الغربي من الناحية السورية، وفي جرود رأس بعلبك والقاع لبنانياً.
ونشرت مقالاً لرئيس تحريرها السابق، والمدير العام السابق لقناة العربيّة عبدالرحمن الراشد بعنوان: ” دور الهزيمة للجيش اللبناني”. حاول الراشد في مقاله أن يضرب صورة تكامل دور المواجهة بين الجيش اللبناني والمقاومة، وتشويه صورة هزيمة التنظيم الذي أرعب العالم على مدار أكثر من ثلاث سنوات. فكتب: ” الصفقة تبدو مريبة.. السماح بخروج هذا العدد الكبير من مقاتلي التنظيم أحياء لقاء رفات أموات، طالما أن حزب الله يدعي أنه سيطر على تلك المناطق الجبلية. لهذا اعتبر أهالي القتلى اللبنانيين الاتفاق خيانة في حق أبنائهم”.
صحيفة “العرب” اللندنية، الممولة من الإمارات، نشرت في ما يصبّ في سياق كلام الراشد نفسه مقالاً بعنوان ” فجر الجرود.. قلق حزب الله من تعاظم قوة الجيش اللبناني”.
لم تتوقف الحملة عند حد محاولة ضرب علاقة الجيش بالمقاومة. انتقلت تقارير الغرفة السوداء لتركز على الشق المتعلق بالحدود العراقية. قناة “سكاي نيوز” الإماراتية أفردت عنواناً رئيسياً على صفحة موقعها اليوم، يقول: “بعد لبنان.. فضيحة حزب الله وداعش تهز العراق”.
“الوطن” البحرينية نشرت دخلت على خط الحملة، بمقال: ” أفضل من يفلسف الهزيمة!”، وكتبت: “حُسمت الأمور لصالح لبنان التي لم تستعد جنودها أحياء ولم تتمكن من حساب قتلتهم وفوق كل ذلك أمنت لهم طريق الخروج إلى معقلهم الرئيس؟!”.
لتعود صحيفة “الشرق الأوسط” اليوم بمقال بعنوان: ” صفقة الأحلام بين «حزب الله» و«داعش»”، رأت فيه أن خواتيم المعركة العسكرية اللبنانية والسورية ضد داعش انتهت “إلى نتائج مخيبة؛ بل وصادمة، خصوصاً صور مقاتلي «داعش» وهم يستقلون حافلات ضخمة «مكيّفة» من الحدود السورية – اللبنانية إلى أقصى الشرق السوري قرب العراق، بحماية قوات النظام السوري”.
وعلى خط موازِ، كانت قناة العربية تُجنّد موقعها الالكتروني لنشر كل المقالات التي عمدت إلى تهشيم صورة النصر اللبناني، وعلى صفحتها الأولى، كان العنوان الأبرز: “صفقة حزب الله – داعش تستفز العراق.. “عدوان علينا”.
منشورات الصحف الخليجية سرعان ما فعلت فعلها على منصات التواصل الاجتماعي، بدا واضحاً ان الكل مجنّد في عملية تكاملت صورها. المحسوبون على المحور الخليجي كرروا المصطلحات نفسها ، ليستبدلوا كلمة “الاستسلام” بـ “التفاوض” و “الصفقة”، وليتغاضوا عن هزيمة النمر الورقي الذي كرسه الإعلام كبُعبُع مركزين على “الباصات المكيّفة”، وبتعمّد واضح تجاهلوا انتقال هؤلاء ضمن نطاق وحدود الأراضي السورية في ديرالزور، للعب على وتر آخر بتوظيف الموقع الجغرافي المحاذاي المحافظة السورية للحدود العراقية.
ماذا يفسّر كل ذلك.. نعود مجدداً إلى رسائل الوزير البحريني. المحادثة هذه المرة كانت مع إعلامي لبناني كان يشكو من الإهمال السعودي للبنان ويطالب بدعم خليجي “لمعركة سياسية تعيد تكوين مشروع المواجهة مع حزب الله”، قالها الوزير البحريني بوضوح: “هذا موضوع يهمنا جميعاً، لأن من نحاربهم في سوريا واليمن مقرهم في لبنان”.
المصدر: موقع المنار