“أولئك الذين يأملون تجنب أزمة مع إيران، ينبغي عليهم تعلم شيء من اللغة الفارسية، يُختصر بمفردة واحدة: نفس”… هكذا كان يأمل الكاتب الأميركي (الإيراني الأصل) “هومان مجد” أن يقدم الشخصية الإيرانية للأميركيين. مفردة واحدة بنظر مجد من شأن من يفهمها أن يتجنب أي أزمة مع إيران، وهي كفيلة بأن تفسر منطق السياسة الإيرانية الممتد لقرون، خصوصاً فيما يتعلق بتفاعلاته مع الخارج.
في مقال نشره مجد في مجلة فورين بوليسي الصيف الماضي، حاول تفكيك العقلية الإيرانية مستنداً إلى مفردة النفس أي الذات، كيف أسقط المفهوم صورة الشاه محمد رضا بهلوي عندما أساء للذات الإيرانية، وكيف عزز تفاعل الإيرانيين مع احترامهم للذات الوطنية صورة محمد مصدّق كزعيم وطني، وكيف التف لاحقاً الايرانيون خلف الإمام الخميني(قده) الذي أبدى كل ثقة في النفس وكل إيمان بالذات الإيرانية… يختصر هومان مجد الكثير، لكي يقدم العقلية الإيرانية في سياق يقول من خلاله: لقد أخطأت يا سيد ترامب عندما أهنت الذات الإيرانية.
عام من محاولات ابتزاز أميركية فاشلة عاشه الأميركية، الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض مزيد من العقوبات طالت كل الايرانيين: محاولات هز الاستقرار الداخلي من خلال المس بالأمن ودعم الفوضى والسياسات المالية التي أزمت الوضع الاقتصادي… كل الأوراق استخدمها الأميركيون والهدف كان أعلن عنه مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون الذي توعد ايران -منذ الصيف الماضي- بمواجهة الجحيم، وصاحب مشروع تسليم الحكم في ايران لمنظمة خلق الإرهابية، صاحبة الرصيد الشعبي المعدوم، والسجل سيء الصيت لناحية تورطها بعمليات إرهابية في الداخل الإيراني. لم تنجح المساعي الأميركية، ولم يحقق بولتون مشروعه في الاحتفال مع ارهابيي خلق في طهران بداية العام الايراني الحالي. كل ما حققه الأميركيون داخلياً، هي جبهة داخلية متراصة تقابل كل طموحاتهم، وابتزاز نجح في حلب انظمة السعودية والامارات وجر سلطة البحرين لتكون منصة إطلاق صفقة القرن الميتة قبل ولادتها.
منذ يوم الخميس ٢٠ حزيران/يونيو ٢٠١٩، سجل تفاعل الايرانيين مع حدث الأسبوع الأبرز ما سبق لأكثر من مسؤول ايراني أن اكده، لناحية تمكن الإدارة الأميركية من توحيد الجبهة الإيرانية ضدها، الكافرون بأميركا ايرانياً لم يتزحزحوا يوماً عن قناعتهم، ومن راهنوا على ما قد يفرزه الاتفاق النووي معها خابت كل آمالهم بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق، وفرض عقوبات على ايران ليصدقوا المقولة الإمام الخميني(قده): “لو قالت أميركا لا إله إلا الله لا تصدقوها”… وكلا الضفتين يملك نزعة الذات نفسها التي لا ترتد لهجة استصغارها إلا تمسكاً بالثوابت والحقوق.. في الداخل الإيراني هكذا كان المشهد، الكل ملتف حول انجاز بلاده، الكل فخور بقدرة قوات بلاده على صد أي عدوان على السيادة، والكل معتز بأن ايران الدولة الوحيدة التي وجهت صفعة لن تزول علاماتها عن خد إدارة دونالد ترامب، التي تبتز المنطقة بأسرها.
على صورة مغايرة تماماً لإرباك الإدارة الأميركية أول من أمس، كان الإيرانيون على اختلافاتهم يعيشون نشوة الذات الإيرانية. في منطقة كان كل من فيها من دول مجاورة لإيران يترقب ما سيقدم عليه الأميركيون، كان الإيرانيون يصغرون من شأن ترمب ويقللون من أهمية التهويلات التي كان يتناقلها مستجدو الحرب ضد إيران. بافتخار تناقل الإيرانيون الانجاز وباندفاع كانوا يقابلون كل تهويل باستعداد تام لما هو أسوأ. هي الذات الايرانية التي حذر من إهانتها هومان مجد بدت في أبرز تجلياتها، الذات التي تقدس اقتدارها وقوتها، والتي يحيلها أي انكسار أو استعداء لأن تكون أكثر صلابة وشراسة في الدفاع عن نفسها.
ليل الخميس الجمعة، ثمة من لم يعرفوا النوم في المنطقة بانتظار ضربة أميركية من شأنها ان تردع إيران وتضع حداً لنفوذها المتمادي في المنطقة وفق تصورهم، ولكن كيف كان المشهد الايراني من الداخل؟
“في إيران الكل على مستعد لاحتمال نشوب المواجهة”، يقول الصحافي الإيراني سياوش فلاح بور في حديث خصّ به موقع قناة المنار. ويضيف: “منذ أشهر، وأجواء الاستعداد لحرب تشن ضدنا نواكبها داخلياً، وما حصل صباح الخميس يؤكد الجهوزية الإيرانية لصد أي عدوان. الجمهورية الإسلامية تتحضر منذ سنوات للرد على أي عدوان أميركي، وكل السيناريوهات مطروحة على الطاولة الإيرانية”.
ويؤكد فلاح بور أن الإدارة الأميركية حاولت على مدار عام كامل “فرض إرادتها لكي تدفع الحكومة الإيرانية للقبول بمنطق التفاوض غير المشروط، بناء على معادلة أميركية تقول: إما الحرب أو التفاوض”. وهي معادلة لم تذعن لها إيران، فلا هي تجاوبت مع وساطات شغلها الأميركيون مع طهران، وأكثر من ذلك تعمدت إيران الرد دبلوماسياً بطريقتها من خلال إهانة علنية وُجهت لترامب، في الموقف الذي أخرجه الإيرانيون للإعلام عن سابق إصرار وتصمي م ودراسة، برفض الإمام السيد علي الخامنئي تلقي رسالة ترامب التي نقلها الوسيط الياباني.
يُفسر الصحافي الإيراني كيف وظفت إيران أوراقاً عدة للضغط على واشنطن، اذ لم تكن إيران لتقبل أن يُمارس عليها الضغط والحصار وأن ترزح تحت نير الأزمات فيما يتمتع أعداءها باستقرار يعزز مصالحهم في المنطقة، في هذه النقطة يشير سياوش فلاح بور إي أن “ايران استخدمت أوراق قوة تمتلكها للضغط علر واشنطن لتغيير المشهد، ونعلم أو أوراق القوة هذه تكمن في القدرات العسكرية والنفوذ الاقليمي الذي تتمتع به في المنطقة”، وبحسب الصحافي الايراني فإن الرسالة وصلت إلى واشنطن التي باتت متأكدة بأنها عاجزة عن أي مواجهة عسكرية شاملة مع إيران نظراً للتبعات قد تخرج عن سيطرة الأميركيين. بحسب فلاح بور فٌن الإرباك الأميركي الذي تمثل في المواقف المتسارعة والمتضاربة للمسؤولين الأميركيين وعلى رأسهم دونالد ترامب يدعم ما يقوله، لهذا فلا تملك واشنطن “إلا التمسك بورقة العقوبات والضغوط الاقتصادية والضخ الإعلامي لتشويه صورة إيران، كورقة مواجهة وحيدة متاحة للضغط على الجانب الإيراني وجرّه للتفاوض”. وتعزز مواقف الادارة الأميركية في تسريب معلومات عن ضربة محدودة كانت الولايات الأميركية بصدد توجيهها لإيران، وهي معلومات قد لا تصح، إذا ما تمت مقايستها مع سلوك الإدارة الأميركية التي لم تعتد على كشف أهداف لها.. إلا ان السياق واضح محاولات ضغط للعودة إلى التفاوض… ولكن ماذا عن الجانب الايراني؟ الرد حاضر لا تفاوض قبل رفع كامل العقوبات.
هي مفردة النفس مجدداً … الذات غير الخاضعة للشروط. يقبل بشروطها الأميركيون وإلا… فالنتيجة ستكون كما يعبّر الجنرال مالكولم نانس الذي خدم لأكثر من ٣٦ عاماً في جهاز الاستخبارات الأميركية: “إيران لم تعد تلك التي عرفناها عام 1980… هي اليوم قوة جبارة بثلاثة مليون مقاتل يتجهزون لأي مواجهة مع الولايات المتحدة. ٨٣ مليون إيراني سيقفون كأمة واحدة بوجههنا للدفاع عن أراضيهم… إن ذهبنا إلى هذه الحرب فإنها ستكون فيتنام ثانية بالنسبة للأميركيين”.
المصدر: موقع المنار