كان يوم الثلاثاء 18 آب/أغسطس 2015، عندما نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية عنواناً رئيسياً على صفحتها الأولى: “الحوار الخليجي ـ الإيراني.. فكرة قطرية وصمت كويتي وتحفظ سعودي إماراتي بحريني”. الكاتب في الصحيفة “سلمان الدوسري” ركز على الموقف الكويتي-العُماني-القطري المتمايز عن ذلك الذي تتزعمه السعودية، ناقلاً يومها عن “مسؤول خليجي كبير” لم يذكر هويته، أن موقف الدول الثلاث يشكل “إضعافاً لموقف الحزم الذي اتخذته دول الخليج” ضد إيران… فمن كان المسؤول الخليجي يومها؟ وكيف طُبخ مقال الدوسري؟
بعد يوم من محادثة جرت بين الدوسري والمسؤول الخليجي، نشرت “الشرق الأوسط” المقال الذي أريد منه ضرب الموقف الكويتي تحديداً. وبسياقٍ توظيفي أورد الدوسري في سياق ما كتبه أن الكويت التي “تحافظ على علاقات طيبة ولم تنقطع الزيارات الرسمية على أعلى المستويات” بينها وبين إيران، هي نفسها التي “كشفت… قبل أيام النقاب عن خلية إرهابية قبض عليها وبمعيتها «ترسانة ضخمة من الأسلحة» اتهمت بارتباطها بحزب الله، فيما قالت مصادر إن غالبية الأسلحة المخزنة التي أدخلت إلى الكويت قادمة من إيران”… في إشارة إلى ما عُرف بـ “خلية العبدلي”.
لم تكن معلومات الخلية من مصدر كويتي مُطلع، كانت المعلومات من مصدر غير كويتي. قدّم”معلومات” حرص على أن تُنشر مؤكداً على الكاتب السعودي أهمية التركيز على موقف الكويت، ومشدداً – في الوقت نفسه- على ضرورة التذكير بقضية “الخلية” كما صاغ روايتها “المسؤول” الذي يحمل هوية بلد له باع طويل في صياغة وحبك سرديات عن “خلايا” بات عدد ما كشف عنها، يفوق عدد مواطني بلاده.
ظهر الأحد 18 آب/أغسطس 2015، أرسل الكاتب في “الشرق الأوسط” سؤالاً للمسؤول “الخليجي الكبير” في رسالة خاصة عبر “تويتر”: “مرحبا شيخنا، سؤال ليس للنشر… هل هناك فعلاً حواري خليجي-إيراني قادم؟!”.
عند الساعة العاشرة من مساء اليوم نفسه، أتى الرد. المسؤول الخليجي “الكبير” كان يومها وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة. موقع قناة المنار حصل على تسريبات لرسائل الوزير الخاصة من حسابه على “تويتر”، كانت محادثته مع الدوسري واحدة من تلك التسريبات.
قال الوزير البحريني: “الوزير القطري طرح فكرة الاجتماع علينا في اجتماع في الرياض قبل فترة، طبعاً وافقه العُماني بدون تردد، والكويتي ساكت، لكن متقبل الفكرة، أما البقية فكانت عندهم تحفظات… ولن أسمح بحدوث حوار باسم مجلس التعاون… على كل حال لا أرى أن الاجتماع سيتم، لأنني أوت (Out)”.
استأذن الدوسري آل خليفة بنشر المعلومة دون الإشارة له كمصدر، فرد آل خليفة: ” تحت أمرك”. ثم تابع مستفيضاً: “الموقف السعودي البحريني الإماراتي غير متقبل الفكرة بتاتاً… بصريح العبارة هم في حرب مفتوحة علينا وأي حوار هو مضيعة للوقت وإضعاف لموقف الحزم الذي اتخذناه بقيادة المملكة العربية السعودية”.
الكويت.. إضغطوا عليها ولا يهمكم
قال الكاتب السعودي: “موقفكم يطمنا كثيراً بعدم اختراق إيران للموقف الخليجي، أما موقف قطر وعمان والكويت فهو ليس مفاجئاً”. فرد الوزير مشدداً: “أرجو التركيز على موقف الكويت، فهو ضعيف وغير مفهوم”.
“عمان موقفها مفهوم فهذا خطهم، أما قطر فهي تنفذ أوامر غربية… الكويت هي أكثر دولة مطلوب منها موقف واضح الآن”، وتابع الوزير: “إضغطوا عليها ولا يهمكم”.
لم تتوقف تصريحات خالد آل خليفة عند هذا الحد، فذهب إلى تقديم معلومات شدد على أنها “مؤكدة” بخصوص “خلية العبدلي”، متمنياً توظيفها. قال الوزير البحريني: “أمس قبضوا على أربعة إضافيين ومعاهم سلاح زيادة، وقبضوا على لبنانيين من حزب الله يحملون جوازات أصلية بأسماء مسيحية، وهذا شيء صار عندنا أيضاً”. دون أن يُسأل الوزير أين ومتى جرى ذلك في البحرين أيضاً؟ وأي لبنانيين قُبض عليهم في جزيرة الألف خلية وخلية؟!
وتابع الوزير البحريني: “أعطينا الكويت معلومات كثيرة أدت إلى القبض واكتشاف الأسلحة. وأن السفارة الإيرانية كان لها دور، ولكنهم ساكتين وما عندهم الشجاعة”… ليكرر: “أخي، هذه المعلومات مؤكدة”!
فرد الدوسري: “تسلم يا شيخ، أنا أطبخ قصة من هذه المعلومات، وتُنشر رئيسية في الصفحة الأولى في عدد الثلاثاء”.
وهكذا طبخ الدوسري مقاله، موظفاً قضية “خلية العبدلي” في مقال طلبه مسؤول بحريني، يُقر بأنه خاضع للسياسة التي تقودها المملكة السعودية… للضرب في الموقف الكويتي. تقدم المحادثة المسربة بين وزير خارجية البحرين والكاتب السعودية، صورة توضح كيف يُدار الإعلام السعودي لطبخ قصص بهدف النيل من “الدول الشقيقة”.
المصدر: موقع المنار