الثلاثاء   
   30 12 2025   
   9 رجب 1447   
   بيروت 12:17

خاص | نافذة على لبنان 2025: عام الصمود والثبات.. أحداث متسارعة ومخاض عسير

دخل لبنان عام 2025 على وقع نهاية عدوان إسرائيلي فشل في تحقيق أهدافه المعلنة، لكنه خلّف دمارًا واسعًا، لا سيما في الجنوب. ومع توقف العمليات العسكرية في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بدأ مشهد جديد يتشكّل، عنوانه الأساسي: صمود المقاومة وأهلها امام الاعتداءات الإسرائيلية بانتظار قيام الدولة اللبنانية بواجباتها المتراكمة وعلى رأسها الحق بحماية مواطنيها من العدوانية الإسرائيلية المتواصلة.

فمع الساعات الأولى لوقف العدوان الإسرائيلي، سجّل جنوب لبنان عودة سريعة وواسعة للأهالي إلى قراهم وبلداتهم، في مشهد شكّل رسالة سريعة وواضحة بفشل سياسة التهجير وكسر الإرادة وروح المقاومة، وبالتالي إفشال أحد أهم عناوين العدوان الذي شنه الصهاينة، لم تنتظر الناس خطط الدولة ولا وعود بالتعويض او إعادة الإعمار، بل عادوا إلى منازلهم المدمّرة جزئيًا أو كليًا، حيث أكدوا ان لا تراجع او تنازل عن حبة تراب من الأرض التي روتها دماء الشهداء.

في مقابل ذلك، لم تتوقف آلة القتل الإسرائيلية، وبضوء أخضر أميركي عمد العدو للتنصل من التزاماته التي نص عليها إعلان وقف إطلاق النار مع لبنان، وواصل واصل العدو اعتداءاته وخروقاته، من القرى الحدودية جنوبًا، مرورًا بالبقاع، وصولًا إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، ما أكد أن العدوان لم ينتهِ فعليًا، بل دخل مرحلة مختلفة، عنوانها محاولة تحقيق ما عن عجزت الحرب الواسعة.

وذلك بعد أن أظهرت الوقائع أن العدوان فشل في تحقيق أهدافه الأساسية: لم تُكسر المقاومة، ولم يُفرض واقع أمني جديد، ولم يُقصَ أي مكوّن أساسي من المعادلة اللبنانية، كما أعلن رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

وقد أكدت المقاومة صدقها في أصعب الظروف، والتزمت بما هو مطلوب من لبنان جنوب نهر الليطاني، في إطار التفاهمات القائمة، فيما استمر العدو في خرقها، لتصبح الدولة اللبنانية ومن خلفها الدول المشاركة في لجنة وقف إطلاق النار “ميكانيزم” امام مسؤولياتها، فعلى الدولة مسؤولية شعبها، وعلى الدول الراعية(الولايات المتحدة وفرنسا ومعهما قوات اليونيفيل) مهمة الضغط على العدو لوقف الاعتداءات والتزام ما فرض الاتفاق.

سياسيًا، شكّل انتخاب جوزاف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية محطة مفصلية، وقد جاء ذلك نتيجة توازنات داخلية دقيقة، شارك فيها “الثنائي الوطني” بشكل واضح، ما عكس واقعًا سياسيًا لا يمكن القفز فوقه أو تجاوزه، بالرغم من الحرب الضروس التي شنت لإقصاء هذا المكون اللبناني الأساسي ذات التمثيل الشعبي الكبير.

فقد جاء هذا الاستحقاق ليؤكد فشل كل الرهانات الداخلية او الخارجية على إقصاء مكون بأكمله، خاصة انه فريق قدم الكثير لحماية لبنان وسيادته، فهذا البلد تحكمه وقائع لا يمكن التنكر لها او تجاوزها خدمة لشعارات او لمشاريع مشبوهة او معادية.

وبعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي، جاء إنجاز الاستحقاق الحكومي في نفس السياق، حيث تم تشكيل الحكومة برئاسة نواف سلام، بمشاركة واضحة من مختلف المكونات الأساسية في البلد وعلى رأسها “الثنائي الوطني”، ليؤكد المؤكد انه لا يمكن إقصاؤه رغم كل المحاولات التي بذلت لإعادة رسم المشهد السياسي بدونه بعد العدوان ولاستخلاص نتائج مشوهّة عن الواقع اللبناني وحقيقته.

وهذا لا يعفي من رسم الكثير من علامات الاستفهام حول أداء الحكومة والسلطة بشكل عام في العديد من الملفات، بدءا من الضغط لوقف العدوان وإعادة الاعمار والتحرك في ملف إطلاق سراح الاسرى، وصولا الى قرار حصر السلاح وتقديم خدمات مجانية للعدو، مرورا بالعديد من الملفات الحياتية والمعيشية، بالإضافة الى “الأداء الهابط” لبعض الوزراء ممن اعتادوا الحديث بلسان “أحزابهم الانعزالية” لا بلسان التضامن الحكومي المطلوب بما يعبر عن مصلحة لبنان.

وفي خضم كل هذه الاحداث المتسارعة والضاغطة، شكّل تشييع سيد شهداء الامة السيد حسن نصر الله، ومعه رفيق دربه السيد الهاشمي هاشم صفي الدين، محطة مفصلية في تاريخ لبنان ولا سيما لدى بيئة المقاومة التي أظهرت للعالم كله انها قادرة على نفض غبار العدوان ومواصلة الطريق الذي رسمه لها القائد الاستثنائي في تاريخ مسيرة حزب الله، تحت عباءة سماحة حجة الإسلام والمسلمين الأمين العام الشيخ نعيم قاسم.

فقد شكلت المشاركة المليونية، والتنظيم العالي والدقيق، (ولاحقا تنظيم التجمع الكشفي المميز والتجمع الفاطمي)، التأكيد على حجم القاعدة الشعبية، والقدرة على إدارة وتنظيم حدث استثنائي بهذا الحجم، في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، فلم يكن التشييع مجرد وداع، بل تجديد للعهد، حمل رسائل متعددة المضامين. هذا عدا عن المشاركة الاستثنائية والنجاح في تكريس التمثيل الشعبي الكبير للثنائي الوطني في الانتخابات البلدية والاختيارية.

وحول ذلك قال الباحث في الشأن الاستراتيجي الدكتور طلال عتريسي في حديث لموقع قناة المنار الالكتروني “تبين خلال أسابيع قليلة أن كل ما قيل عن نهاية فكرة المقاومة، وتفكك بيئتها، وانهيارها بعد اغتيال السيد نصر الله، لم يكن واقعيا، إذ ابتدأ ذلك من تشييع السيد، مرورًا بالاحتفال الكشفي الهائل، واستئناف الأنشطة الاجتماعية والإعلامية والصحية والتربوية، وصولًا إلى التعافي الدفاعي التدريجي، والموقف الواضح والصريح بعدم التخلي عن سلاح المقاومة، كما أكد أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم”، وتابع “بذلك، بدأ العام بطموحات وتوقعات، وينتهي بفشل تلك الطموحات وخيبة أمل لدى القوى السياسية التي راهنت على تحقيق إنجازات كبرى وتغيير المعادلات الداخلية في لبنان”.

في سياق آخر، برز ملف ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، كامتداد لملف السيادة البحرية، وسط مقاربات رسمية افتقرت إلى الشفافية والوضوح، وأثارت تساؤلات حول إدارة هذا الملف الحساس وخلفياته الحقيقية.

من جهة ثانية، كان أحد أكثر القرارات إثارة للجدل هو “القرار الخطيئة” للحكومة اللبنانية بحصر السلاح والتخلي عن عناصر قوة لبنان، في توقيت وسياق فيه تجاهل لاستمرار العدوان والخروقات الإسرائيلية، ما جعل القرار منفصلًا عن الواقع الميداني والسياسي.

بهذا الإطار، قال الدكتور عتريسي “خلال هذا العام، تبين أن التوجه السياسي للحكومة اللبنانية، وبشكل خاص رئيسها، يستجيب إلى حد كبير للمطالب الأمريكية والإسرائيلية. فقد اتخذت الحكومة قرارًا بحصر السلاح بيد الدولة، مصحوبًا بحملة إعلامية تزعم أن هذا السلاح لم يحقق شيئًا”، وأوضح ان “هذا التصرف يظهر تعمد الحكومة إنكار الإنجازات التي حققها هذا السلاح، أي المقاومة، خلال أكثر من ثلاثين إلى أربعين عامًا، سواء في تحرير الجنوب أو في تحقيق الردع على مدى سبعة عشر عامًا، ما يعكس أن هذا القرار كان استجابة مباشرة للضغوط الأمريكية”.

ولفت عتريسي الى ان “كان هناك توقع بأن هذا القرار سينجح خلال بضعة أشهر، إلا أن الواقع أظهر تعقيدات أكبر، وأن الجيش اللبناني وحده لا يستطيع القيام بهذه المهمة بمفرده”، وأشار الى ان “الوقائع أظهرت أن لبنان بلد يقوم على توازن دقيق بين الطوائف، ولا يمكن لأحد أن يغامر بمحاولة كسره بإلغاء أو إضعاف أو تهجير أي طائفة، لا سيما الشيعة، الذين أثبتوا قدرتهم على التأثير في المسار السياسي، بما في ذلك تجاوز الأزمة الدستورية وانتخاب رئيس الجمهورية، رغم ادعاءات بعض القوى المعارضة بأنه يمكن انتخاب الرئيس من دون مشاركة الشيعة”، وأضاف “تأكد هؤلاء أن الشيعة وبيئة المقاومة، بما في ذلك المقاومة نفسها، يشكلون قوة صلبة ومتماسكة، رغم الجراح الكبيرة التي أصيبوا بها، وأنهم جزء لا يتجزأ من المعادلة الداخلية، ويشاركون بفاعلية في الجلسات النيابية، واتخاذ القرارات التشريعية والانتخابية، وحماية مصالح المواطنين”.

وفي ملف إعادة الإعمار، برز تقصير واضح من السلطة والحكومة، سواء لجهة التخطيط أو التمويل أو التنسيق، ما عرقل انطلاق عملية التعويض وإعادة البناء، وترك الجنوبيين مجددًا في مواجهة مصيرهم، كما في محطات تاريخية سابقة.

وسُجّل قبل نهاية عام 2025 توسيع لمسألة التفاوض مع العدو الإسرائيلي، عبر إشراك شخصية مدنية هي سيمون كرم ليترأس الوفد اللبناني في لجنة “الميكانيزم”، في خطوة اعتُبرت خدمة مجانية للعدو، حيث لم يحصل لبنان مقابل ذلك على أي شيء، في تجاوز للقواعد البديهية في أساليب التفاوض والظهور بمظهر “المطيع” للضغوط الأميركية التي تحمل رغبات العدو الإسرائيلي ومصالحه.

وهنا أيضا، لفت الدكتور طلال عتريسي الى انه “مع نهاية هذا العام، لا تزال الاتجاهات السياسية في لبنان قائمة، ويمكن تلخيص المشهد بوجود تيارين أساسيين: الأول يتمثل بمن هم في مواقع المسؤولية، مثل رئيس الحكومة، الذي يستجيب بشكل كبير للضغوط والطلبات الأمريكية، ويتحدث بوضوح عن التطبيع والسلام مع الكيان الإسرائيلي، رغم أن الإسرائيلي نفسه غير متحمس للاستجابة لمثل هذه التصريحات… والمسار الثاني يمثله تيار المقاومة، الذي حدّد موقفه بشكل متدرج خلال العام الماضي، بدءًا بالإعلان عن رفض أي قيود قسرية على السلاح واعتباره غير ميثاقي، مرورًا بالعمل على التعافي وإعلان هذا التعافي، ثم رفض التخلي عن السلاح بشكل مطلق، وصولًا إلى الاستعداد للقتال الكربلائي في حال شن العدو حربًا جديدة”، وأضاف “قد ساهمت هذه المراحل في تشكيل المناخ السياسي في لبنان بالتوازي مع المسار الأول، الذي تدرج من اتهام المقاومة، إلى التركيز على مسألة السلاح، ثم الاستعداد للتفاوض والتطبيق”.

وقال عتريسي “اليوم، لا تزال هذه المسارات قائمة، مع بقاء الفجوات واضحة بشأن السنة المقبلة، وسط ترقب سيناريوهات محتملة، من بينها احتمال اندلاع حرب إسرائيلية، رغم أن هذا الاحتمال يُعتبر غير واقعي، لأن القرار الأمريكي هو الحاسم، وليس من مصلحته إطلاق حرب جديدة في لبنان أو غزة أو ربما حتى مع إيران”.

وفي الخلاصة، فإن عام 2025، صحيح انه عام ما بعد العدوان الإسرائيلي الواسع، إلا انه أيضا يشكل محطة في “مخاض عسير” ما نزال نعيش أحداثه وتفاصيله في مجمل المنطقة وليس فقط في لبنان، حيث ان المشهد النهائي لم تحدد معالمه بعد، ولعل الأسابيع وربما الأشهر او حتى السنوات القادمة قد تساهم في رسم المشهد النهائي، مع الأمل بالفرج القريب للخروج من دوامة الغطرسة والجور لمحور الشر الذي تقوده اميركا ويشكل كيان العدو الإسرائيلي ذراعه التنفيذية في هذه المنطقة.

المصدر: موقع المنار