الأربعاء   
   24 12 2025   
   3 رجب 1447   
   بيروت 13:29

خاص | الإعلام المقاوم وتأثيره على الشباب في مواجهة الحرب الناعمة

تحقيق: شيرين حمية قنديل

(هيهات منّا الذّلة)، ( أقتلونا فإنّ شعبنا سيعي أكثر فأكثر)، ( عندما ننتصر ننتصر، وعندما نستشهد ننتصر).

هذه العبارات الثلاث نُطِقَتْ كلّ واحدةٍ منها في حقبةٍ من حقبات الظّلم والإستبداد والإحتلال. لكنّ عاملًا مهمًّا حوّلها إلى مصنعٍ للأجيال الحرّة التّي قاومت وجاهدت في اللّه حقّ الجهاد، وخلّدت أسماءهم في التاريخ. فما هو هذا العامل؟ وما هي أوجهه؟ وكيف استطاع أن يصنع الأجيال المقاومة؟

هو الإعلام المقاوم، الذّي كان له الدور الأبرز في تبيان الحقائق وعدم السماح للعد تظهير الصمود على أنّه انكسار.

من أوجه الإعلام المقاوم، في مقدّمها، وهو الأساس القرآن الكريم:

في رسالة موجهّة ومختصّة تحدّث سماحة الشهيد السيد عبّاس الموسوي ( رض) يوم 28-8-1987،خلال احتفال أقيم بمناسبة ذكرى تغييب الإمام السيد مسى الصدر(رض) وبالتفصيل عن هذا الوجه الإعلامي المقدّس ودوره في نشر الإسلام وصناعة النصر والحريّة. معتبرًا أنّ الإنسان الأوروبي حتى على مستوى حاجاته الاقتصادية والاجتماعية يقاد من خلال وسائل الإعلام، ويعيش المظاهر، وذلك يشكّل دليلاً واضحًا على ما لوسيلة الإعلام من دور تأثيري كبير في حياة هؤلاء الناس. مشيرًا إلى أنّ إسرائيل وضعت خطة إعلامية بارعة واستطاعت من خلالها أن تغيّر الكثير من القناعات في العالم لمصلحتها.

كما تطرّق سماحته إلى التضليل الإعلامي الكبير بين من وصفهم بالجبّارين في مؤتمر جنيف، مؤكّدًا أنّه يجعل من الحق باطلا ومن الباطل حقا. وفي حديثه عن الإعلام الإسلامي طرح سماحته إشكالية تتمحور حول إمكانية تكوين إعلامٍ مبرمج تغييري يساهم بفعالية في تغير الواقع المعاش؟

وقد أشار إلى عدّة وسائل طُرِحت في القرآن الكريم:

1- منابر: الحج، المسجد، الإستجابة لصلاة الجمعة مستذكرًا الآية الكريمة “بسم الله الرحمن الرحيم، إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله”، تلاوة القرآن الكريم على أسماع المسلمين جميعا من خلال ترتيله، والمنبر العلمائي الثقافي والإعلامي المتحرك الذي يحصل من خلال جهاز العلماء وفقهاء الإسلام.‏

2- الفصاحة والبلاغة: مؤكّدًا أن الإنسان العربي لا يهمّه شيء أكثر من فصاحة اللسان. لذلك أنزل الله تبارك وتعالى الأحرف المقطعة ونشرها في العديد من السور القرآنية لتكون أسلوبًا كلاميًّا وبيانيا ملفتًا.

3- اعتمد القرآن الكريم سياسات عدّة:
– ذكر مظلومية المؤمنين: وهذه سياسة إعلاميّة ناجحة باستمرار. وهو ما أوحت بهمقولة الإمام الخميني (قده): “اقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر”
– تعبئة الأمة الاسلامية بالمعنويات، من خلال اسماء السور القرآنية المختارة بدقّة “سورة النصر”،” سورة الفتح”،” سورة القتال” التي يعبر عنها بسورة الأنفال، وحكايات إنتصارات المؤمنين.أيضا الآيات القرآنية الكثيرة التي تعبئ المؤمنين بإتجاه الشعور بالعزة والقوة بإستمرار.حتى عندما تقتل أنت منتصر لأنك شهيد استطعت أن تتعالى على كل نوازعك الشخصية، أنت منتصر.
– سياسة محاولة خلق أجواء الوحدة بين المسلمين، سورة الصف “بسم الله الرحمن الرحيم، إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص” آية الاعتصام بحبل الله ، آية “محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم”.
– إشاعة أجواء الفضيلة، القرآن الكريم يتوعّد بوضوح أولئك الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

وقال السيد الموسوي الشهيد (رض): “نحن عندما نمسك بهذه الوسائل نتمكن أن نصنع خير الأمم ليس فقط أمتنا تصنع، تصنع كل الأمم على ضوء ما يريد الله تبارك وتعالى وهذه المسألة هي التي قد تفسر لنا سرعة الإمام المهدي (عج) عند ظهوره”. وقد اشترط سماحته أن تقرن هذه الوسائل بالفعل لا تبقى إعلاما، حتى لا يصبح الإعلام نفاقا ويتحول إلى كذب وخداع على الأمة.

وعن كيفية تحويل هذه الوسيلة إلى أساس ننطلق منه ونشكل قاعدة أساسية في عملية التغيير قال بأنّ على كلّ مسلمٍ أن يتحوّل إلى إذاعةٍ من أجل نشر الإسلام ببساطة، ذاكرًا أنّ من جملة الأجهزة البشرية التي استفيد منها لتبليغ الإسلام جهاز التجار الذين كانوا يحملون سلعهم التجارية بيدٍ ويحملون القرآن باليد الاخرى.

الإعلام الحربي

للإعلام الحربي في لبنان ميزة خاصّة اقتبسها مجاهدوا المقاومة الإسلاميّة رغم تواضع الإمكانات أمام امبراطورية الصهاينة الوهمية، من إعلام كربلاء وسيرة سيّد الشهداء عليه السلام.

ومن أهم العوامل التّي ساعدت الإعلام الحربي في تأدية دوره لمواجهة العدو بحسب الدكتور حاتم الزين (معاون عميد كلية الإعلام والفنون في جامعة المعارف) في مقابلة مع موقع المنار هي خطابات سماحة الشهيد الأقدس السيد حسن الله التي شكلت آلة دعائية، حجاجية مشبعة بالمنطق والإيضاح. وهذه الميزة عززت متانة عملية التحشيد الدعائي الداخلي وإطلاق الحرب النفسية ضد الاحتلال. ومن هنا، وبتقديره، كانت كلمات سماحته نبعا ينهل منه الإعلام الحربي ما يحتاجه لتحقيق أي استراتيجية إعلامية.

وعدّد (الزين) الإستراتيجيات المعتمدة بناء على توصيات سماحة الشهيد الأقدس:
1- العمل الدعائي للتحشيد وإظهار القوة وشن الحرب النفسية، وهذا بدا من خلال إجراءات عدة منها: إصدار البيانات، توثيق بعض العمليات العسكرية؛ تقديم إحداثيات عن المواقع الإسرائيلية كما في فيديوات الهدهد؛ ومنشآت عماد،…
2- إن وحدة الإعلام الحربي التابعة للمقاومة الإسلامية هي وحدة سرية. ولذلك، لا يمكن معرفة واقعها الداخلي لتقييمه. ولكن من خلال مخرجات الوحدة يمكن القول إن عملها المتمثل بمخرجاتها هو مؤشر على وجود وفعالية المقاومة الإسلامية.
3- الإستراتيجية العسكرية بامتياز بمعنى ثمة شق يتعلق بمدى وجود استراتيجية إعلام رسمي وطني جامع لمواجهة دعاية الاحتلال. أما الشق العسكري المرتبط بالمواجهة بين المقاومة الإسلامية وقوات الاحتلال الإسرائيلية فهو يقع على عاتق وحدة الإعلام الحربي.
4- تصوير أن الاحتلال غير قادر على تحقيق الأهداف التي وضعها.

وقد توجّه الزين في المقابلة مع موقع المنار بنصيحة إلى الإعلاميين الصّاعدين قال فيها: إن نصحيتي للإعلاميين الصاعدين هي أن نهل المعرفة واكتساب المهارات لا تتوقف جميعها بنيل الشهادة الجامعية، لا بل باستمرارية التحصيل والتطوير الذاتيين. وعلى الإعلامي أن يأخذ بأسباب اللغة وطرائق التعبير وأن يتابع محتوى الصحافة الغربية، كما أن على الإعلامي الصاعد أن يمتلك خلق التواضع والحس المسؤول لأن أي خطأ ولو كان غير مقصود سينعكس سلبا على مسيرته المهنية.

دور المرأة

استطاعت المرأة المقاومة بحسب الدكتورة (فاطمة نصرالله) المتخصصة في مجال الإدارة التربوية، استطاعت خلال معركة أولي البأس أن تحدد ملامح المواجهة الواعية للاعتداءات الظالمة، وهي المرأة الواعية الصامدة كيف توصّف الحال وتعبر عن إيمانها بالمقاومة التي تدافع عن لبنان، كل لبنان باختلاف طوائفه وأطيافه بثباتها وقوتها وصبرها الذي قل نظيره.

وفي مقابلة مع موقع المنار أضافت نصر الله أنّه ربما لم تكن المرأة المقاومة على علم أنها تلعب دورًا إعلاميًا بمعناه التخصصي من خلال ما تصرح به وتعبر عنه في أي فرصة تتاح لها، إلا أنها كانت ولا تزال الصوت الإعلامي الأكثر تأثيرًا وتعبيرًا عن موقف أهل المقاومة ومؤيديها.

وقد لعبت المرأة المقاومة دور الناطق باسم المجاهدين الذين تواروا عن العيون والتزموا الثغور ودافعوا عن الوطن بأرواحهم ودمائهم الزكية، فكانت كلمتها امتدادًا لتلك الدماء وإظهارًا لدورهم وتثبيتًا لحقهم وحق الشرفاء في الدفاع عن وطنهم مهما كان التباين بالقدرات العسكرية والأمنية بين العدو والمقاومة شاسعًا.

ومن التّحديات التي واجهتها:

التحدي الأمني الذي ألزم نسبةً كبيرة من سكان لبنان بالنزوح إلى الأماكن الآمنة أو شبه الآمنة، حيث أنها لم تكن بغالبها مناسبةً للعيش، ورغم ذلك استطاعت المرأة المقاومة أن تحول الصبر على العيش فيها وسيلة لمقاومة العدو الإسرائيلي وتثبيتًا لفكرة أن النزوح ومعاناته هو إحدى مفردات الحرب التي تفرض قوة وصلابة وحسن تدبير ورعاية للعائلة بكافة أفرادها، والإهتمام بالمرضى وكبار السن، وتحمل الاكتظاظ بالمكان الواحد الذي ضم العشرات لا بل المئات من الأسر دون أن يسجل عليهم أحداثًا تثبت عدم قدرتهم على التحمل والثبات.

وعن تأثير الإعلام على الطلاب أشارت إلى أنّ له تأثير سلبيٌّ برز عن طريق المواد والبرامج التي بثت أثناء الحرب، من خلال مشاهد الدمار والمجازر والخبر العاجل الذي كان من ضمن البرنامج الأساسي اليومي، ما أنتج عنه نوع من الاضطراب النفسي لدى البعض.

أما التأثير الإيجابي فيعود للمحطات والمؤسسات الإعلامية التي اعتمدت أسلوب التحفيز المعنوي وإبراز مواطن القوة لدى المقاومة وتقديم الشهادة على أنها العز والفخر والثمن الذي تدفعه الأمة لتحيا كريمة عزيزة.

الإعلام الرقمي والإلكتروني

يعمل الاعلام المقاوم بحسب أستاذ علوم الإعلام والإتصال الدكتور (علي أحمد) على إعادة تعريف مفهوم المتعة بحيث تكون تجربة ذات معنى تستمد من الإنتماء إلى قضية، ومن المشاركة في مشروع جماعي أكبر من الفرد.

وفي مواجهة الإغراءات البصرية لخطاب الإستهلاك، يستعمل الإعلام المقاوم أدوات المونتاج السريع، الصورة القوية، الموسيقى المؤثرة، وتقنيات الريلز والقصص القصيرة، لكنه يعيد توظيفها لبناء وعي لا لإثارة غرائز.

وفي العمق، يطرح الإعلام المقاوم قصة كبرى تمنح الشباب معنى للحياة، مقابل الخطاب التجاري الذي يدعوهم للعيش للحظة.

وفي مقابلة مع موقع المنار أضاف الدكتور أحمد، إنّ الظهور الرقمي أعطى الإعلام المقاوم فرصة لتجاوز القيود المفروضة على القنوات التقليدية، وسمح للشباب أنفسهم بإطلاق مبادرات صغيرة تحولت تدريجيا الى شبكة من الأصوات الشعبية: بودكاستات، صفحات توعية، قنوات يوتيوب، فيديوهات قصيرة، وحملات تضامن رقمية.

واليوم صار المشهد اكثر احترافا، حيث أنّ المرحلة الحالية تجمع بين العمل الشعبي الحر والمحتوى المؤسسي، ما يعطي الإعلام المقاوم مرونة وانتشارا غير مسبوق. وأشار أحمد إلى أنّ الإعلام المقاوم حافظ على مجموعة من الثوابت التي تشكل هويته العميقة:

1- الانحياز المبدئي للمستضعفين؛ فالخطاب المقاوم يشكّل طرفا يدافع عن العدالة والحق.
2- رفض التطبيع بكل صوره، وتقديم العدو بصورة طبيعية في الرياضة والترفيه و الثقافة.
3- الحفاظ على البعد الروحي والديني كجزء من معنى المقاومة، يحفظ حضوره القيمي والاخلاقي.
4- بناء ثقة بعيدة المدى قائمة على التوازن بين إبراز الإنجازات والاعتراف بالتحديات.
5- التعامل باحترام مع صورة الإنسان فلا يستخدم الدم والوجع كوسيلة اثارة.
6- ويظل ثابتًا على قضيّته خصوصا فلسطين في الحالة العربية من العناصر التي لا يساوم عليها، مهما كثرت الملفات الجانبية.
7- ويبقى الجوهر النهائي: بناء انسان واع، وتكوين جمهور ناقد يشارك في صنع المستقبل بدل استهلاك المحتوى.

رأي عام

ولأن الإعلام المقاوم سلاح الجبهة الموازية للحرب فبإمكانه تفتيت المفاهيم المحرّضة على القيم الدينية والأخلاقية والدفاعية، وقد عبّر مجموعة من الشباب الجامعي المثقّف عن رأيهم تجاه هذا النوع من الإعلام، من خلال الإشارات التّالية التّي جمعناها منهم عبر استبيان سريع:

1- في ظل اتساع رقعة وتأثير الاعلام المضلل والمدفوع يأتي الإعلام المقاوم ليكون صوت الحق والحقيقة، والترياق الذي نكافح به ومعه حملة الحرب الناعمة ضدنا، وليبقى المنارة التي نهتدي بشاشته الى صواب الطريق.
2- ما يميز الإعلام المقاوم أنّه من الشعب والى الشعب، فيحكي لغتهم ومعاناتهم وصوتهم، وينبثق من طيات أصواتهم ، ولأنّ اللغة تهدف الى نقل التراث والمعرفة وغيرها، فان لغة هذا الاعلام تأتي منسجمة مع لغة المتابعين ومحبّبة لهم، تشبههم ويشبهونها فتدخل القلوب قبل العقول .
3- إنّ الحروف تموت حين تقال. كذلك الاعلام التجاري يموت صداه عند المستمع لأنّه مدفوع يخدم مصلحة معينة أو توجهًا معينًا أو دسيسة مغرضة، وهذا بعكس الاعلام المقاوم الذي تبنى لبنته على أساس الحق والحقيقة والمبادئ والكرامة فيخدم قضية سامية تغطي طموحات وآمال المشاهد الحر .
4- الذي يجذب إلى إعلام المقاومة مصداقيته وابتعاده عن إثارة الفتن الداخلية بعكس الإعلام الآخر، الذي يعمد إلى بث الأكاذيب ضد محور المقاومة.

يبقى الإعلام المقاوم هو السلاح الموجّه إلى صدر العدو وهو المربي والمؤسس لحركات النهضة، لكن السؤال الأهمّ يبقى: كيف نحافظ على الفكر المقاوم، وثقافة المقاومة؟ كيف نكوّن ذخيرة جيلٍ مستمرٍّ من الصّحافيين المقاومين؟

المصدر: موقع المنار