الأربعاء   
   10 12 2025   
   19 جمادى الآخرة 1447   
   بيروت 09:14

الصحافة اليوم 10-12-2025

تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الأربعاء 10-12-2025 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.

البناء:

هل يريد إنهاء اليورو؟… ترامب يهاجم أوروبا بشراسة: دول متحللة يقودها ضعفاء | نتنياهو: توماس برّاك موظف تركي يلبس القبعة الأميركية وطلباته لسورية عدائية | لبنان: المرحلة الأولى من حصر السلاح جنوب الليطاني تنتظر انسحاب الاحتلال

وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة البناء اللبنانية ” شن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوماً غير مسبوق على أوروبا، بعدما أشارت وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي الصادرة قبل أيام إلى أن أوروبا تفقد هويتها وأنها تشهد صعود التطرف وتفتقد حماية كافية للحريات، وقد وصف ترامب أوروبا بأنها مجموعة دول «متحللة» يقودها أشخاص «ضعفاء»، منتقداً ما اعتبره إخفاقاً أوروبياً في السيطرة على الهجرة وإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وأعرب ترامب عن قلقه الشديد من «الاتجاهات السيئة» التي تتجه إليها أوروبا. ورغم تأكيده أن الولايات المتحدة لا تريد «تغييراً كبيراً» في القارة الأوروبية، هاجم قادتها قائلاً «أعتقد أن قادة أوروبا ضعفاء، ويريدون أن يكونوا ملتزمين جداً الصوابية السياسية»، مضيفاً أنهم «لا يعرفون ماذا يفعلون»، كما انتقد ترامب تأثير الهجرة غير المنظمة من الشرق الأوسط وأفريقيا على مدن مثل لندن وباريس، محذراً من أن بعض الدول الأوروبية «لن تظل دولاً قابلة للحياة» إذا لم يتغيّر الوضع، واصفاً عمدة لندن صادق خان بأنه «كارثة» بسبب دعم المهاجرين له، وعن الحرب في أوكرانيا وخطته لإنهاء الحرب وتقييمه للرئيس الأوكراني اتهم ترامب، القادة الأوروبيين بعدم القدرة على إنهاء النزاع، قائلاً «يتحدّثون كثيراً لكنهم لا ينجزون شيئاً، والحرب تستمرّ بلا نهاية». كما شكّك في الديمقراطية الأوكرانيّة، مشيراً إلى أن «لم تجرَ انتخابات في أوكرانيا منذ وقت طويل، ووصل الأمر إلى نقطة لم تعُد فيها ديمقراطية»، وأشار ترامب إلى اقتراح خطة سلام جديدة، قائلاً «إن بعض المسؤولين الأوكرانيين أعجبتهم المسودة، لكن الرئيس فولوديمير زيلينسكي لم يراجعها بعد»، محذّراً من أن روسيا في موقف أقوى»، ويعتقد باحثون وخبراء أوروبيون أن هجوم ترامب يتعدّى الخلاف حول الحل في أوكرانيا، لا الحل نفسه نابع من قرار بالتخلّي عن أوروبا كحليف خاض حرباً بالوكالة عن أميركا وخسر فيها اقتصاده المستقلّ والقويّ، والسؤال الأهم الذي طرحه الخبراء هو هل هناك اتفاق روسي أميركي على تقاسم التركة الأوروبية وتفكيك الاتحاد الأوروبي بما يخدم روسيا أمنياً، بينما يُنهي منافسة اليورو مع الدولار عالمياً؟
في المنطقة كانت تصريحات ديوان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو التي تتهّم المبعوث الرئاسي الأميركي توماس برّاك بأنه سفير تركيا في المنطقة وأميركا وليس سفير أميركا في تركيا ومبعوث الرئيس الأميركي إلى المنطقة، ويعتبر هذا الهجوم الأول من نوعه، حيث حظي برّاك طوال مهمته كمبعوث أميركي في سورية ولبنان بتعامل إسرائيلي صامت، بحيث فتحت الاتهامات اللاذعة التي طالته باب التكهنات عن طلب يحمله نتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن بتغيير برّاك، الذي لم يتأخر عن تبرير انتهاك «إسرائيل» المستمر لوقف إطلاق النار في لبنان، لكن يبدو أن الخلاف التركي الإسرائيلي حول كيفية تقاسم سورية فجّر الخلاف مع برّاك وتسبب بهذا الهجوم.
لبنانياً، مع اقتراب نهاية العام كموعد لنهاية المرحلة من خطة حصر السلاح في جنوب الليطاني، تؤكد مصادر متابعة للموقف الرسمي اللبناني، أن الدولة بكل مؤسساتها لن تعلن اكتمال المرحلة الأولى والانتقال إلى مرحلة ثانية قبل أن يتسنى للجيش اللبناني الانتشار حتى الخط الأزرق كما ينص اتفاق وقف إطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة ووقف الاعتداءات يُعتبران شرطين للانتقال إلى مرحلة ثانية من خطة حصر السلاح التي ينفذها الجيش اللبناني.

وفيما تترقب الأوساط الرسمية الجلسة الثانية للجنة الميكانيزم بحضور رئيس الوفد اللبناني السفير السابق السابق سيمون كرم في 19 الشهر الحالي، تشهد الساحة الداخلية هجمة دبلوماسية مكثفة باتجاه لبنان، فبعد زيارة البابا لاوون الرابع عشر، وبعده وزير الخارجية القطري، حطّ الموفد الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت وعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين، فيما تحدّثت مصادر إعلامية عن زيارة قريبة لرئيس الوزراء المصري إلى لبنان أكدها مصدر دبلوماسي لـ»البناء» بهدف استكمال الاقتراحات والأفكار المصرية الذي حملها وزير الخارجية المصري منذ أسابيع وقبله مدير المخابرات المصري، والجديد في الأمر هو تعميم نظرية استبدال مصطلح ومهمة نزع السلاح باحتوائه إلى منع أو تعطيل استخدامه، وبالتالي يتركز الجهد المصري بالتنسيق مع الأميركيين على التوصل إلى حلّ مع الجانب اللبناني يمكن تسويقه في «إسرائيل»».
ولفتت أوساط سياسية إلى «تزخيم الضغط السياسي والديبلوماسي على لبنان والزيارات المتتالية للمسؤولين الغربيين والعرب بهدف رفع مستوى الضغط على لبنان لفرض الشروط السياسيّة بشكل تدريجي وأوّلها جرّ لبنان إلى مفاوضات تبدأ غير مباشرة تتحوّل مباشرة وتتوسّع لتشمل ملفات اقتصادية وسياسية وبالتالي جرّ الدولة اللبنانية إلى مزيد من التنازلات الشكلية والجوهرية»، واوضحت المصادر أنّ «»إسرائيل» تريد شرعنة المنطقة العازلة التي تسعى إليها والتي كانت أحد أهداف الحرب الأخيرة ومسلسل الاعتداءات المتتالية منذ عام حتى الآن وبالتالي وظيفة المنطقة العازلة ضمان أمن الحدود الشمالية والتمهيد لإنشاء المنطقة الاقتصادية التي تحدّث عنها توم برّاك ومشاريع الغاز والنفط التي تحضّر لها الولايات المتحدة للدخول على خط استثمار الغاز في البلوكات اللبنانية امتداداً إلى الغاز في المياه الإقليمية السورية وصولاً إلى بحر غزة.
وإذ لا يعوّل سفير لبناني سابق في واشنطن على المفاوضات في لجنة الميكانيزم لـ»وجود موانع عدة تبدأ بالداخل اللبنانيّ ولا تنتهي بالتعقيدات الإقليمية والدولية»، يشير السفير لـ «البناء» إلى أن «لا حلّ أمام لبنان إلا بالمفاوضات لاستعادة حقوقه والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة وتثبيت الحدود وحصرية السلاح بيد الدولة».
إلا أنّ مصدراً نيابياً حذّر عبر «البناء» من «جرّ لبنان إلى تقديم تنازلات إضافيّة من دون مقابل، والهدف من الضغط المكثف على لبنان هو نزع سلاح المقاومة واتفاقية سلام وتطبيع مع «إسرائيل»»، مشدّداً على أنّ «لبنان الرسمي لن يقبل بأن يصبح البلد تحت السطوة والنفوذ الإسرائيلي وكذلك الأمر إذا استمرّ العدوان والاحتلال فستنشأ مقاومة شعبية جديدة من أهالي الجنوب والقرى الحدودية ومن كلّ لبنان».
وواصل المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان جولته على القيادات المحلية. في السياق، التقى لودريان رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، بحضور السفير الفرنسي لدى لبنان هيرفية ماغرو. اللقاء الذي استمرّ لأكثر من ساعة تناول تطورات الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية والميدانية في ضوء مواصلة «إسرائيل» لاعتداءاتها على لبنان إضافة للعلاقات الثنائيّة بين لبنان وفرنسا.
وعلمت «البناء» أن الرئيس برّي شرح للوفد الفرنسي ما طرحه خلال لقائه مع وفد سفراء دول مجلس الأمن الدولي. وأكد انّ الاحتلال الإسرائيلي يعيق عمل الجيش المكلف بالعمل جنوب الليطاني، كما شدّد أمام الفرنسيين على أن لبنان طبّق كل ما عليه ضمن اتفاق 27 تشرين الثاني، بينما الإسرائيلي لم يطبق أيّ شيء ويريد الإطاحة بالاتفاق وفرض قواعد ومعادلات جديدة.
وأفادت معلومات صحافيّة، بأّن «الرئيس نبيه برّي شدّد خلال لقائه لودريان على ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيليّة، وأنّ زيارة لودريان تأتي في إطار الموقف الفرنسي الداعم لقرار تعيين السفير سيمون كرم في رئاسة الوفد المفاوض». وأشارت المعلومات إلى أن «ملف الانتخابات النيابية حاضر في لقاءات لودريان، وشدّد على إجراء الاستحقاق في موعده وعدم إعطاء أي إشارة سلبية خلال العهد الجديد».
لودريان زار أيضاً قائد الجيش العماد رودولف هيكل في مكتبه في اليرزة، وجرى عرض التطورات في لبنان والمنطقة وسبل دعم الجيش في ظلّ التحديات الراهنة. وأتى اللقاء قبيل اجتماع سيُعقد في باريس في 18 كانون الأول الحالي، بمشاركة لودريان ومستشارة الرئيس الفرنسي آن كلير لوجاندر والموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس والموفد السعودي يزيد بن فرحان، بالإضافة إلى قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل، سيُخصص للتحضير لمؤتمر دعم الجيش المرتقب مطلع السنة المقبلة.
ووفق معلومات «البناء» فإنّ فرنسا تسعى مع الأميركيين إلى إحياء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن. وتوقعت مصادر سياسية لـ «البناء» أن توجَّه دعوة أميركية جديدة إلى قائد الجيش لزيارة واشنطن بعد اجتماع باريس.
واستقبل النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط لودريان في كليمنصو وكان عرض للملفات المطروحة على الساحة.
إلى ذلك بدأ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون زيارة رسمية لسلطنة عُمان تستمر يومين، بدعوة رسمية من السلطان هيثم بن طارق.
ولدى وصوله قال الرئيس عون: لا يفوتني أن أشيد بالدور الحكيم والمسؤول الذي تضطلع به سلطنة عُمان الشقيقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، تحت القيادة الرشيدة لجلالة السلطان هيثم بن طارق. إن سياسة عُمان القائمة على الحوار والوساطة والتوازن وحسن الجوار قد أكسبتها مكانة مرموقة ودوراً محورياً في تعزيز الاستقرار وحل النزاعات بالطرق السلمية. نحن في لبنان نقدّر عالياً هذا النهج الحكيم، ونثمّن مواقف السلطنة الداعمة للبنان في مختلف المحافل الدولية، ووقوفها إلى جانبنا في مواجهة التحديات التي نمرّ بها. إنّ لبنان، بموقعه الجغرافي المميّز وتنوّعه الثقافي وإرثه الحضاري، يتطلع إلى أن يكون جسراً للتواصل والحوار، وشريكاً فاعلاً في بناء منطقة يسودها الأمن والاستقرار والازدهار. أتطلع بكل ثقة إلى أن تثمر هذه الزيارة عن نتائج ملموسة تعود بالنفع على بلدينا وشعبينا الشقيقين، وأن تفتح صفحة جديدة من التعاون المثمر بين لبنان وسلطنة عُمان.»
أمنياً، نفّذ جيش الاحتلال الٳسرائيلي عملية تمشيط بالأسلحة الرشاشة من تلة حمامص باتجاه سهل مرجعيون. وكان الطيران الحربي الإسرائيلي، شن منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء، سلسلة من الغارات على مواقع في الجنوب، فاستهدف بما لا يقلّ عن ثماني غارات مرتفعات إقليم التفاح، ومنطقة جبل صافي ووادي رومين وأطراف بلدة جباع ووادي عزة بين قضاءي النبطية وصيدا، بالتزامن مع تحليق كثيف للطيران الحربي الإسرائيلي في أجواء المنطقة.
إلى ذلك، تسللت قوة إسرائيلية قرابة الثالثة والنصف فجراً، إلى وسط بلدة عديسة، وفجّرت منزلاً على الطريق العام. كما تسلّلت قوة إسرائيلية ليلًا إلى أطراف مدينة الخيام – تحديدًا في منطقة وادي العصافير قرب المسلخ – وفجّرت أحد المنازل.
وزعم المتحدّث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر على «أكس» بأنّ «جيش الاحتلال «هاجم أهدافاً لحزب الله في جنوب لبنان ومنها مجمع تأهيل وتدريب لقوة الرضوان ومبانٍ عسكرية».
وليس بعيداً، أفادت صحيفة «معاريف» بأنّ تقديرات في تل أبيب تشير إلى إمكان تحرّك الجيش الإسرائيلي بعد تحسّن الأحوال الجوية وانقضاء أعياد الميلاد ورأس السنة، وذلك بهدف استكمال عمليّة نزع سلاح حزب الله». وحذّرت قيادة المنطقة الشماليّة في جيش الاحتلال الإسرائيلي من أن الظروف الجوية القاسية المتوقّعة خلال الأيام المقبلة، بما في ذلك الضباب وانخفاض مستوى الرؤية، قد تمنح حزب الله فرصة لنقل أسلحة وذخائر أو تحريك وحدة «قوة الرضوان» لتنفيذ عمليات ضدّ «إسرائيل»، وفق صحيفة «معاريف». وأكد جيش الاحتلال أنه رفع مستوى الجاهزية والاستعداد على الحدود الشماليّة لمواجهة أيّ تحرك محتمل.
على صعيد آخر وبعد استباحة مجموعة من النازحين السوريين الموالين للرئيس الانتقالي أحمد الشرع عدداً من الطرقات احتفالاً بسقوط النظام السابق ما يهدّد بتوترات أمنيّة في الشوارع أفادت قناة «ال بي سي» أنّ الوفد القضائيّ الذي سيتوجّه إلى سورية اليوم للبحث في ملف الموقوفين يضمّ مندوب نائب رئيس الحكومة طارق متري ومندوب الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم والقاضي رجا أبي نادر، وستعقد لقاءات في وزارة العدل السوريّة، حسب جدول الأعمال”.

الأخبار:

“إسرائيل” توسّع حزام المستوطنات: ضمّ الضفة (لا) ينتظر إعلاناً رسمياً

وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار اللبنانية “لا تعير إسرائيل أيّ اهتمام للمواقف الدولية التي ترفض ضمّ الضفة الغربية، بل تبدو مصمّمة على المضيّ قدماً في هذا المسار، عبر تسريع الاستيطان، والذي يُستخدم، في الوقت ذاته، كأداة دعاية انتخابية لكسب أصوات المستوطنين اليمينيين قبل أقلّ من عام على انتخابات «الكنيست». وعلى رأس ذلك المشروع، يقف وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي يَظهر أنه بدأ يحصد نتائج سياسات الاستيطان غير المسبوقة سريعاً؛ إذ إن حزبه الذي لم يتجاوز، طوال الأشهر الماضية، نسبة الحسم في استطلاعات الرأي، عاد ليتقدّم بحسب آخر الاستطلاعات.

وأعلن سموتريتش، أول من أمس، عن خطّة ضخمة لتخصيص 2.7 مليار شيكل لإقامة 17 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية خلال السنوات الخمس المقبلة، تشمل 1.1 مليار شيكل لتعزيز المستوطنات القائمة وإنشاء أخرى جديدة، و660 مليون شيكل للمستوطنات الـ17 التي أقرّتها الحكومة أخيراً. كذلك، رُصدت موازنة بقيمة 338 مليون شيكل لـ36 مستوطنة وبؤرة استيطانية قيد التنظيم، مخصّصة لإنشاء بنى تحتية أساسية لها كالمياه والصرف الصحي والكهرباء، إضافة إلى مبانٍ عامة مثل الكنس والمدارس الدينية والنوادي. وممّا ورد في الخطة أيضاً، إنشاء «مستودعات استيعاب» في المستوطنات الجديدة، تضمّ نحو 20 كرفاناً للعائلات، بما يسمح بتوسّع مُتدرّج لاحقاً. كما جرى تخصيص نحو 300 مليون شيكل للمستوطنات الجديدة، من بينها 160 مليون شيكل كـ»منحة تأسيس»، و140 مليوناً لأغراض التنظيم والنشاط، في حين حُدّد مبلغ 434 مليوناً للمستوطنات القديمة لإعادة تأهيل بنيتها التحتية، إضافة إلى 300 مليون شيكل للمجالس المحلية الاستيطانية لدعم الخدمات والمشاريع؛ على أن يجري تخصيص 140 مليون شيكل إضافية لحواجز الطرق لخدمة الاحتياجات العسكرية. وتشمل الخطّة، إلى جانب ما تقدّم، موازنة بقيمة 150 مليون شيكل لحماية الحافلات خلال السنوات الثلاث المقبلة، بواقع 50 مليوناً سنويّاً، ارتفاعاً من 36 مليوناً فقط سنوياً في الأعوام السابقة. ومن المتوقّع أن يخصّص وزير الأمن، يسرائيل كاتس، بدوره، ملايين الشواكل لتعزيز بنود الأمن في المستوطنات الجديدة، بما يتضمّن أسواراً ذكية ومعدّات وكاميرات، وغيرها من المتطلّبات الأمنية.
واستناداً إلى ذلك، يتّضح أن الخطّة تضع في صلبها هدف ضمّ الضفة الغربية، الذي يقتضي الوصول إليه تعزيز «السيادة» الإسرائيلية خارج الخطّ الأخضر. ومن هنا، تركّز الخطة على تطوير المستوطنات، وشقّ الطرق، ونقل القواعد العسكرية، وتثبيت السيطرة الإدارية والعسكرية على المناطق المُستهدفة. كما يُخصّص فيها مبلغ 225 مليون شيكل لإنشاء وحدة «الطابو» خارج الخط الأخضر، في خطوة وُصفت بالجريئة، لما سيكون لها من أثر مباشر على نحو نصف مليون مستوطن، وفي تنظيم نحو 60 ألف دونم في الضفة ووضع اليد عليها بحلول عام 2030. وتشمل الخطة، كذلك، نقل ثلاث قواعد عسكرية إسرائيلية إلى شمال الضفة، في إطار استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز البنية التحتية الاستيطانية وترسيخ السيطرة على المناطق الجديدة.

ويأتي ذلك في موازاة مساعٍ لإعادة المستوطنين إلى مستوطنة «شانور»، التي أُخليت بموجب «قانون فك الارتباط»، فيما تشير تقارير إلى أن المستوطنين يعتزمون العودة إليها قبل انتخابات «الكنيست». كما سيتمّ نقل مقرّ لواء «منشيه» من معسكر «عين شيمر» إلى منطقة «شانور»، بالإضافة إلى قاعدتَي كتيبتَين إضافيتَين، في خطوة وُصفت بالدراماتيكية لتعزيز الوجود الإسرائيلي في منطقة سبق إخلاؤها.
ومع أن هذه الخطّة ليست وليدة اللحظة، لكنّ الإعلان عنها في هذا التوقيت، عشية زيارة رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن، يحمل أبعاداً سياسية داخلية وخارجية. فهي تمثّل رسالة تحدٍّ عنوانها إغلاق الباب أمام أيّ محاولة لاستئناف عملية سياسية أو نقاش حول إمكانية قيام دولة فلسطينية. كما تمنح زخماً لليمين الإسرائيلي، خاصة مع تصريحات سموتريتش عن أن «الضفة الغربية هي حزام أمننا»، وتعكس أيضاً رؤية إسرائيلية شاملة وثابتة تجاه السيطرة على الضفة وإعادة التموضع العسكري فيها، بما يشمل نقل قواعد الجيش كوسيلة للسيطرة الفعلية على الأرض. كذلك، ينبئ الإعلان بمرحلة جديدة سيركّز فيها النشاط الاستيطاني والعسكري على شمال الضفة، وهو ما يفسّر العمليات العسكرية المكثّفة التي ينفّذها جيش الاحتلال هناك.

في سياق متّصل، كشف ضابط في جيش الاحتلال عن تعاون الأخير مع المستوطنين في إقامة بؤر استيطانية زراعية في الضفة، وذلك منذ تولّي آفي بلوط قيادة المنطقة الوسطى، مبيّناً أن إنشاء هذه المزارع بدأ فعليّاً في تموز 2024 ضمن آلية منظّمة، وبالتنسيق الكامل مع القيادة العسكرية، وأن «الجيش أصبح شريكاً في التخطيط المُسبق لإقامة هذه المزارع، لا مجرد جهة تتلقّى أمراً بفرض الأمر الواقع». وأضاف أن العملية تتم على مستوى الفرقة واللواء، عبر أوامر تحدّد القوات المكلّفة بالحماية، وطريقة إنشاء المزرعة، وعدد الكرفانات، مشيراً إلى أن كل مزرعة استيطانية يخصّص لها أربعة إلى خمسة جنود؛ ومع وجود أكثر من مئة مزرعة تعمل وفق الآلية نفسها، فإن عدد الجنود المكلّفين بحراستها يتجاوز 500 عنصر، أي ما يعادل كتيبة كاملة.

وفي وقت تتواصل فيه اعتداءات جيش الاحتلال ومستوطنيه على الفلسطينيين في أنحاء الضفة كافة، وجّه نحو 600 قائد سابق في أجهزة الأمن الإسرائيلية رسالة شديدة اللهجة إلى وزير الأمن، حذّروه فيها من تفاقم «الإرهاب اليهودي» في الضفة، وما يشكّله من «تهديد استراتيجي لإسرائيل». وجاءت الرسالة باسم حركة «قادة من أجل أمن إسرائيل»، وطالب الموقّعون عليها الوزير بالتحرّك فوراً لوقف الاعتداءات المتصاعدة للمستوطنين، محذّرين من أن استمرار «العجز الحكومي» قد يدفع المنطقة نحو فوضى ومواجهة واسعتَين. وشدّدوا على ضرورة تدخّل الوزير فوراً «لوقف العنف، وإعادة فرض حكم القانون، ومنع التدهور الذي يهدّد مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية ولحمتها الداخلية». وأشاروا إلى أن أعمال العنف باتت «منظّمة ومنفّذة على أيدي مجموعات وأفراد»، وأنها تتصاعد يوميّاً وتظهر في «اعتداءات خطيرة ومدمّرة على الأرواح والممتلكات»”.

هل بلغ الانقسام اللبناني ذروته؟ (1): احتراب أهلي وتسويات تأكل نفسها

وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الاخبار “صحيح أنّ اللبنانيين ليسوا مُجمِعين – لم يتفقوا يوماً – على موقف واحد من الوصايات الخارجية. فالانقسام كان دائماً قائماً بين من يؤيّد ويرحّب، وبين من يعارض ويقاوم. وليس في ذلك أي لغز. فكل وصاية خارجية وُجدت لأنها كانت تخدم مصلحة طرف داخلي ما، ولولا ذلك لَما استطاعت أي وصاية أن تصمد أسبوعاً واحداً.

لكن، وبعدما جرّب اللبنانيون كل أشكال الوصاية، بات السؤال الذي لا مفرّ منه: هل يستطيعون فعلاً العيش بلا وصيّ؟
بعيداً عن الشعارات المُستهلكة عن السيادة والاستقلال والحرية، فإنّ هذا الإجماع لم يحصل يوماً، ولن يحصل. والسبب بسيط ولا يحتاج إلى كثير من التحليل: لا يمكن للبنانيين أن ينعموا باستقلال كامل، ما داموا غير متّفقين على هوية وطنية جامعة.

فثمن هذا الاتفاق يتجاوز قدراتهم، كما أثبتت التجارب. فلا هم في وارد إنتاج اقتصاد مستقلّ حتى بحدوده الدنيا، ولا يمتلكون قوة عسكرية تحمي هذا الاستقلال.
وعدم تحقّق هذين الشرطين لا يعني أن لا فرصة لتحقّقهما، بل إنّ مسار التجارب منذ نشوء الكيان يؤكّد وجود تباين عميق حول نمط العيش، وبالتالي حول صياغة الهوية الوطنية نفسها، وهو ما يقود حكماً إلى العجز عن توفير مقوّمات المناعة الاقتصادية والقوة العسكرية الدفاعية.

وإلى أن تحين اللحظة التي تُجبِر اللبنانيين، عبر ثورة حقيقية أو عبر انقلاب قسري، على تغيير سلوكهم، ستبقى الجماعات اللبنانية غارقة في انقساماتها. وكما جرى في كل مرحلة سابقة، سنعيش لحظات ذروة من الاحتراب الأهلي، سواء اتّخذ طابعاً سياسياً أو اقتصادياً أو حتى عسكرياً. وهي حالنا اليوم بالفعل. فمجرّد مراجعة سريعة لخطب ومواقف القوى السياسية ذات التمثيل الشعبي الواسع تكشف بوضوح مدى عمق هذا الشرخ.

ومع ذلك، يبقى السؤال المُلِحّ أمام الجميع: كيف يمكن تفادي الأسوأ؟ والأسوأ هنا هو الانزلاق إلى احتراب عسكري جديد، من خلال حروب أهلية متنقّلة بين منطقة وأخرى، وبين طائفة وأخرى، وبين جماعة وأخرى؛ حروب خبرها اللبنانيون مراراً، ويبدو أنهم لم يتعلّموا درسها بعد.

وفي هذه الأيام، نشهد جولة جديدة من الصراع الداخلي. وإذا كان البعض يعتقد بأن الخلاف بين أكثرية وأقلية قادر على حسم المشهد، فهو لا يفهم طبيعة لبنان. ففي هذا البلد يكفي أن تمتلك أي جماعة جمهوراً مؤمناً بقضيتها، حتى تبقى الساحة مفتوحة لسجالٍ ظاهر أو مكتوم؛ سجال سرعان ما يتغذّى على أي تطور إقليمي، ليعيد لبنان إلى نقطة الصفر، وكأنّ شيئاً لم يتغيّر.

هذه حقيقة، وليست وهماً أو خيالاً. ألم يظنّ اليمين اللبناني، بعد قيام كيان العدو عام 1948، أن الأمور حُسمت لمصلحته، فانصرف إلى إدارة عقيمة للوضع الداخلي تقوم على إرضاء الغرب ومعاداة العرب ولو سرّاً؟

لم يتعلّم اللبنانيون من تجاربهم، ولا يبدو أنهم في صدد التوافق على هوية وطنية، تُتيح بناء اقتصاد مستقلّ وقوة دفاعية تحمي بلدهم، بل يسيرون مرة أخرى نحو ذروة جديدة يديرها الخارج

ولم تمضِ عشر سنوات حتى انفجرت أحداث 1958، ومع أنها سمحت ببعض التعديلات في طبيعة الحراك السياسي، إلا أن الوضع لم يستقرّ، لأن اليمين نفسه ظلّ متعنّتاً، غافلاً عن أهمية العامل الإقليمي في المسألة اللبنانية، خصوصاً ما يتصل بالصراع مع إسرائيل.

وما افتُرِض أنها تسوية راسخة لم تُعمِّر عقداً إضافياً، إذ جاءت تطورات ما بعد نكسة 1967 لتفتح لبنان على موجة جديدة من الاضطرابات التي دفعت البلاد، خلال سنوات قليلة، نحو الحرب الأهلية عام 1975.

ومع ذلك، قاتل اليمين اللبناني بشراسة غير مسبوقة، وطرق كل الأبواب الخارجية، وباع نفسه لكل «شياطين» العالم، وصولاً إلى الذروة مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.

ويومها، اعتقد بأن الأمور عادت لتستقرّ وفق ما يناسبه، وتصرّفت غالبية لبنانية، بما فيها جمهور القوى التي هُزمت، وكأنّ هذا قدرٌ محتوم للبنان. لكنّ سنوات قليلة كانت كافية للعودة لا إلى الحرب الأهلية فقط، بل أيضاً إلى كسر الاحتلال الإسرائيلي نفسه، وإلى خروجٍ قسري لكل القوى الدولية التي جاءت لحماية «المُنتَج» الإسرائيلي الجديد.

غير أن الهزيمة القاسية التي مُني بها اليمين اللبناني لم يُقابلها نجاح باهر للقوى المقابِلة. فهذه القوى نفسها بقيت محكومة بقواعد اللعبة ذاتها في النظام اللبناني، وسارعت بدورها إلى الاستعانة بسوريا لحماية مكاسبها. ومع ذلك، لم ينجُ أيّ طرف، من اليمين ذاته إلى القوى المقابِلة في الشارع الإسلامي، من الانخراط في أتون حروب أهلية متنقّلة لم تُبقِ حصانة لمنطقة أو جهة أو جماعة.

وكانت الذروة في الاقتتال الذي اجتاح الشارع المسيحي، قبل أن تأتي «المعجزة» من تطوّر إقليمي كبير عصف بالمنطقة بعد مغامرة صدام حسين في الكويت وما تلاها من أحداث دفعت اللبنانيين قسراً إلى اتفاق الطائف. يومها أدرك الجميع أن هذا الاتفاق لا يمكن تطبيقه بلا وصاية خارجية، فتمّ التفاهم بين سوريا والولايات المتحدة والسعودية، مع ترك الإدارة التفصيلية لدمشق من دون أن يكون الطرفان الآخران خارج المشهد.

وتمثّلت الحصة الأميركية – السعودية في الموقع والدور اللذين تولّاهما الرئيس الراحل رفيق الحريري، قبل أن يأتي الانقلاب من الخارج مرة أخرى بعد أحداث 11 أيلول والغزو الأميركي للمنطقة كلّها، سواء في الدول التي اجتاحها مُدمِّراً كالعراق وأفغانستان، أو تلك التي سلّمت من دون قتال كدول الخليج العربية ومصر، بينما عاندت سوريا فنالت نصيبها من الحصار والضغط.

وعندما قرّر التحالف الأميركي – السعودي الانقلاب على الصيغة التي قامت قبل أكثر من عقد وطيّ الصفحة التي كانت باسم رفيق الحريري، جاءت ذروة أخرى مع حرب إسرائيل المجنونة عام 2006، التي كان يُفترض أن تحقّق ما لم يتحقّق قبل ثلاث سنوات: كسر المقاومة من جهة، وإخضاع سوريا بالكامل من جهة أخرى. ودفع نجاح المقاومة الإسلامية في صدّ العدوان وإفشاله الجميع إلى البحث مُجدّداً عن صيغة حكم مستقرّة للبنان، فكان «اتفاق الدوحة»، أو النسخة المُعدّلة من الطائف، تسويةً كان واضحاً للجميع أنها قائمة على توازنات خارجية ولا قدرة لها على الحياة بمفردها.

وإلى أن يأتي مؤرّخ قادر على شرح العناصر الأساسية التي أطلقت موجة الحراك الشعبي عام 2011، وما أدّت إليه من انقلابات هائلة في دول عربية مركزية مثل مصر وليبيا واليمن وتونس، ومن ثم سوريا، سنبقى ننتظر حلّ «أحجية الربيع العربي» لندرك أن نصيب لبنان منه كان الدخول في مرحلة الفوضى الكبرى.

فالحكم لم يعد مستقراً، والاقتصاد لم يعد قادراً على العيش بشكل طبيعي، ولم تعد هناك قوة تكبح موجة الشدّ الطائفي والمذهبي بين اللبنانيين. وهي مرحلة تخلّلتها أحداث كثيرة كشفت عمق الخلاف حول الهوية الوطنية، وأظهرت العجز عن إنتاج إدارة اقتصادية عاقلة لموارد الدولة أو حتى لموارد الأفراد داخلها.

وإذا كانت المقاومة، مُمثّلة بحزب الله، تشكّل القوة الأكثر حضوراً في المشهد العام خلال هذه المرحلة، فإن ذلك لا يعني أنّ الحزب كان يُظهر اهتماماً خاصاً بالشأن الداخلي. فهو قبل بالتسويات انطلاقاً من قاعدة عدم المسّ بأيّ من أعمدة النظام اللبناني، فيما كانت خلاصة تفكير قيادته تقول، إن لا أحد قادرٌ على معالجة المعضلة اللبنانية. وهذا يعني أنّ المقاومة كانت مُستعِدّة لعقد التسويات الداخلية بما ينسجم مع حماية مشروعها المتعلّق بالصراع مع إسرائيل.

وقد دفعت هذه المقاربة الأمور تدريجياً نحو مزيد من التشابك، وصولاً إلى «طوفان الأقصى»، حين واجهت المقاومة امتحانها الأكبر. ومع ذلك، اختارت مقاربة اعتقدت بأنّها عبر «حرب الإسناد» تقوم بواجبها تجاه الفلسطينيين، وتجنّب لبنان في الوقت نفسه تبعات الحرب الكبرى. غير أنّ اللعبة لم تكن بيد طرف واحد، وهو ما قاد إلى الذروة الجديدة: الحرب الإسرائيلية الكبيرة قبل أكثر من عام، والتي انتهت برسم توازن جديد تحوّل فيه حزب الله والمقاومة إلى طرف غير أساسي في المعادلة الحاكمة.

وإذا كان البعض قد توقّفت عنده الحياة يوم استشهاد القائد الأممي السيّد حسن نصرالله، فإن ذلك لا يعني أنّ التحالف الأميركي – السعودي قرّر التوقّف عن تنفيذ خطّته للاستيلاء مُجدّداً على لبنان. وعندما قبلنا باتفاق وقف إطلاق النار بالشكل الذي جرت عليه الأمور في نهاية تشرين الثاني من العام الماضي، كنّا قد وقّعنا، عن وعي أو عن ذهول، على الدخول في مرحلة جديدة. ومن ارتضى بطريقة اختيار العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، كان قد وقّع بيده وقلمه على إعلان جديد، عنوانه سقوط «اتفاق الدوحة»!”.

عندما تتلاشى بيوت الجنوبيين فجأة بعد… «إنذار عاجل»

وتحت هذا العنوان كتبت الاخبار “عند نقطة تُجاوز شُعاع الـ500 متر المُحدَّد على الخريطة باللون الأحمر، راقبت زينب رميتي كيف تلاشى بيتها المُكوّن من ثلاث طبقات أمام ناظريها بفعل صاروخ واحد فقط. هكذا قرَّر جيش العدو أن يُنفّذ «حُكم الإعدام» بأحد بيوت بلدة المجادل الجنوبية (صور) بذريعة «تخزين السِّلاح»، كما في كلّ «الاستهدافات» الأخيرة للمنازل، وهو ما كذّبته روايات الجيش اللبناني أكثر من مرَّة.

زينب التي ظلّت لأيّام تسأل «طيب ليش بيتي أنا؟»، لم تكن تقصد المفاضلة بين بيتها وبيوت جيرانها وأهل قريتها، لكنها كانت تبحث فعلاً عن سبب مُقنِع لاختيار منزلها الزوجي ضمن خريطة الإنذارات، المسبوقة عادة بعبارة «إنذار عاجل إلى سكان جنوب لبنان». تستدرك المرأة الجنوبية وأقاربها بالقول إنّ المطلوب أساساً، عبر هذا النوع من الاعتداءات، هو التحريض على المقاومة في حرب متواصلة من طرف واحد منذ وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024.

«لم تكن تعلم»!

في حكاية «استهداف» بيت زينب ثمّة ما يتشابه مع ما حصل لبيوت أخرى استُهدفت بالطريقة ذاتها في الأشهر التي تلت وقف الحرب الموسَّعة.

في أصل فكرة إرسال «الإنذارات» كجزء من الحرب النفسية ضد السكان المدنيين، وفي معنى أن «تَشطُب» البيت من الحيّز المادي وما يعنيه ذلك من استهداف لأمان الناس في حياتهم اليومية وضرب علاقة الجنوبيين خصوصاً بمنازلهم التي بنوها و«كبّروها ووسّعوها» بأموال اغترابية بنسبة كبيرة. لكن في حالة زينب، كان ثمّة ما يدعو لإعادة سرد الرواية.

كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة بقليل من يوم الخميس الماضي. وكان الجميع تقريباً في بلدة المجادل الجنوبية – باستثناء زينب رميتي – قد عَلِم بمكان الاستهداف المحدّد في خريطة إنذارات جيش الاحتلال. «تلفوني كان معي بس ما كنت فاتحتو، وما شِفْت الإنذار». تقول زينب. اتَّصل أولاً والدها وقال لها إنّ هناك تهديداً إسرائيلياً لبيت في محلّة «شوعا»، المتداخلة مع الشهابية حيث يقع منزلها. «ضَهّري الولاد شي نص ساعة وبترجعي».

كانت زينب تهمُّ بإقفال البوابة الحديدية للمدخل الخارجي مصطحبة وَلَدَيْها فاطمة ومحمد إلى «الدرس الخصوصي» اليومي بعد أن انتهوا للتّو من تناول غدائهم. «قلت بوصّلهن عند المعلمة وبشوف وين الضربة وبرجع، بس ما كنت لحظتها متخيّلة ولا واحد بالمية انو بيتي المستهدف».

وَصَل شباب «الهيئة الصحّية» أولاً. سألوها إذا ما كان هناك أشخاص ما زالوا في البيت أو في بيت جيرانها المجاور وطلبوا منها المغادرة من دون تأخير. «أوعى يكون بيتي المستهدف؟»، سألت زينب. «قولوا لي إذا بيتي لجيب غراضي مش مضَهّرة معي شي». قالوا لها إنّ «الضربة المتوقعة في محيط منزلك، لسنا أكيدين بعد»، في كلمات توحي إمّا بالالتباس الحاصل في تحديد المنزل وإما بدافع التخفيف من وقع الخبر عليها. في طريقها إلى بيت أهلها كان أحد أقربائها يقول لها على الهاتف: «الله يعوّض عليكي». عبارة ستنزل عليها وقع الصاعقة، وستتكرَّر على مسامعها لاحقاً ومراراً طوال الأيام التي تلت حصول الغارة.

ولكن بالنسبة إلى زوجة ابن المجادل موسى فريدي، المغترب في ألمانيا، «خلص… راح كل شي». المرأة التي قالت حينها «دقُّوا للجيش يجي يفتّش البيت من فوق لتحت»، لم يسعفها الوقت لتخرج أيّاً من مقتنياتها وثياب أطفالها وأوراقها الثبوتية، ولم يتمكن والدها من الوصول إلى المنزل قبل الغارة التحذيرية الأولى. «بعدني مش مصدقة. كيف يعني ضاهرة لوصّل ولادي بيقولولي معش ترجعي ع بيتك.

رح جنّ»، تقول زينب، بينما تستعيد شريط ذكرياتها في البيت الذي سكنته منذ 11 عاماً. «بيتي حلو، من أحلى البيوت، ومعه جنينة فيها خيرات وأصناف فواكه زرعها زوجي وأنا أعتني بها».

تُعدِّد بعض الأشياء والمقتنيات التي لها أهمية و«كلّها راحت مع البيت»: ألعاب الأولاد ونظّاراتهم وكتبهم ولوازمهم المدرسية وثيابهم… يا حرام تيابن الشتوية بعتلن ياهن بيهم من ألمانيا مش من زمان. ياسمين بدها السكوتر ومحمد بدّه البلاي ستايشن».

يكرّر الأولاد يومياً الأسئلة حول البيت والأغراض ويعرفون أن مَن قصف منزلهم هي «إسرائيل» بوصفها عدو الطفولة. «إحساس الطفل أنه فقد كل شيء صعب». تضيف: «كمان صور العرس أنا وزوجي، قناني عطورات، وطبعاً شوية مصاري ودهب».

«الخوف الاستباقي»
بعد توقُّف حرب الـ66 يوماً، التي دَمّرت إسرائيل خلالها نحو ثلاثين بناء سكنيّاً في بلدة المجادل، بدأت ورشة التحسين في المنزل الواقع عند سفح تل. لم يكن الأمر مرتبطاً بالحرب إذ لم تلحق به أضرار كبيرة، بل بقرار تجهيز الطابق الأرضي ليكون الرّكن الأساسي في البيت.

«كل ما كان يبعتلي جوزي شي بزبِّط فيهن ع مهلي». قبل يوم واحد فقط من الغارة التي استهدفته، كانت مهمّة تجديد البيت قد اكتملت. «ما لحّقنا تهنّينا بالقعدة الجديدة»، تقول زينب. «بيتي ملان. كله عفش جديد، في إشيا مش فاتحتها بعدها بالكرتونة. السجّادات قبل بيوم من الضربة كنت فارشتهن، الشراشف والطاولات وآيات قرآنية الخ… في كم شغلة بعد ما دفعت حقّهن. تخيّل رح ادفع حق شي ما عاد موجود. البيت قبل بيوم كنت معبيته أكل، حتى الأرغيلة جهّزتها للسهرة بنفس يوم الغارة».

هكذا تختبر زينب رميتي معنى أن يفقد الإنسان بيته فجأة. البيت كمساحة أمان جسدية ونفسية، و«لمَّة العيلة والولاد والقرايب». وهي، من خلال حديثها عن التحسينات التي أنجزتها في البيت وتجهيزه، بدت كما لو أنّها كانت تودّعه من دون أن تدري. تقول إن خسارة البيت، بهذه الطريقة، وقعها أصعب من خسارته خلال الحرب مع أن الخسارة واقعة في الحالتين. «في الحرب أنت تعرف أنها حرب، بتزعل على بيتك بس بتتقبل الموضوع. الأمر الآن أصعب رغم أن هناك إنذاراً».

وهذا هو بالتحديد مثال على كيفية خوض العدو حرباً بالإنذارات والاستهدافات. يقدّم في بياناته حججاً كاذبة ويبدي حرصه على السكّان، لكنه يقصف منازلهم وممتلكاتهم. العارفون بأدوات الحرب النفسية يلفتون إلى أن العدو من خلال نشر البيانات والخرائط وغيرها من الأساليب، يمارس ما يمكن تسميته بـ«استراتيجية الخوف الاستباقي» التي تقوم على «استخدام التهديدات العلنية والمدروسة مسبقاً لنشر الذعر في صفوف المدنيين قبل أن يحدث أي هجوم فعلي بهدف إرباك المجتمع وشلّ الحياة اليومية وخلق ضغط نفسي على القيادة السياسية». ويؤكد هؤلاء أن «الإنذار»، مثلاً، هو في الحقيقة «تهديد هدفه تحقيق الضغط النفسي وتنفيذه هو جريمة حرب».

في اليوم التالي للغارة قالت زينب رميتي لفِرَق مسح «الأضرار» وتقييم الخسائر: «بدكن ترجعولي البيت متل ما كان». والمرأة، إذ تدرك الصعوبات القائمة، قالت كلاماً عفوياً وصادقاً لشدّة تعلقها بمنزلها كما يفعل أي إنسان. وهي كلّما أعادت مشاهدة فيديو الغارة تتمنّى لو كان بإمكانها أن تنقذ شيئاً قبل سقوط الصاروخ الذي غيّر كل مخططاتها دفعة واحدة. لَو أنّ غرفة واحدة فقط من البيت بقيت سليمة. لَو..!”.

جريمة طائفية في «يوم التحرير»: مناطق العلويّين تزداد غلياناً

وتحت هذا العنوان كتبت الاخبار “كما كان متوقّعاً، لاقت الدعوة التي وجّهها رئيس «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر»، الشيخ غزال غزال، إلى الإضراب لمدة خمسة أيام، استجابة وُصفت بالواسعة، شملت المنطقة الوسطى والساحل، ولا سيما المناطق الريفية البعيدة عن مراكز المدن الكبرى، وسط مشاركة متفاوتة في المدن الكبيرة. وأرجعت مصادر تحدّثت إلى «الأخبار»، هذا التفاوت إلى مخاوف انتقامية، في ظلّ الشحن الطائفي المستمر في الشارع، والذي أجّجه مقتل مواطن علوي في مدينة اللاذقية، عقب سؤال القاتل إياه عن طائفته.
الجريمة التي وقعت في حيّ اليهودية في اللاذقية، مساء أول من أمس، تزامناً مع الاحتفالات التي دعت إليها السلطات الانتقالية، فجّرت موجة غضب عارمة، خصوصاً بعد انتشار تسجيل مُصوّر يوثّق الدقائق الأخيرة في حياة الضحية، مراد محرز. ويُظهر التسجيل أن شخصاً سأل محرز عن طائفته، ولمّا أجابه الأخير بأنه علوي، فتح الأول النار عليه. وقضى محرز لحظاته الأخيرة مُمدّداً على الأرض، مُحاطاً بعدد من المواطنين الذين بدا عليهم العجز، في وقت كانت فيه سيارات المحتفلين تجوب شوارع المدينة الباردة. وأعاد «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر» نشر التسجيل المُشار إليه، وعلّق عليه بالقول: «عجزت هذه السلطة الإرهابية عن إخفاء الجريمة، فاشترطوا تسليم الجثمان مقابل الاختباء خلف كذبة «الحادث الأليم»، لكن أنطقَ الله حُكمَه على لسانه بالحقّ. لم يعد يحتاج إلى محكمة؛ يكفي أن يقول: أنا علوي، ليُقتل ويكتب شهادته بدمه ونبضه الأخير».

وبعد ساعات من إعلان وفاته، احتشد مئات العلويين الغاضبين للمشاركة في تشييع جثمان محرز، في ظلّ استنفار أمني كبير في اللاذقية. وأتى ذلك وسط مخاوف من تفجّر الأوضاع، خصوصاً مع ورود أنباء مستمّرة حول تعرّض العلويين للاستهداف الطائفي في مناطق مختلفة، من بينها سهل الغاب، حيث أُصيب شاب في العقد الثالث من العمر بجروح بليغة، إثر إطلاق مسلّحين مجهولين النار عليه في قرية الخندق. وبحسب مصادر أهلية، فإن الشاب أُصيب إصابة مباشرة في عينه، ونُقل إلى المستشفى في محاولة لإنقاذ حياته.
وتُبرز الاستجابة الواسعة للدعوة التي أطلقها غزال، ميل شريحة واسعة من العلويين إلى خياره السياسي، مقابل ابتعاد هؤلاء عن المسار الذي اختطّه رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري السابق بشار الأسد، علماً أن مخلوف عبّر عن رفضه دعوة الإضراب، داعياً إلى «الصمت في المرحلة الحالية»، وسط تسريبات تتحدّث عن مفاوضات مستمرة يجريها مع السلطات الانتقالية.

وفي مقابل الزخم الكبير للإضراب في المنطقتين الوسطى والساحلية، لم تُسجّل استجابة تُذكر في دمشق، حيث تعرّض العلويون لعمليات تهجير متعمّدة من أحياء عدّة، كان آخرها حيّ السومرية. وعزا مصدر تحدّث إلى «الأخبار»، ذلك العزوف إلى «مخاوف أمنية كبيرة»، في ظل وجود عدد من الفصائل المتنفّذة التي تنفّذ عمليات مداهمة وترهيب مستمرة، من دون وجود أي سند قانوني، في سلوك «عجزت المحافظة عن إيقافه»، بحسب تعبير المصدر.

في السياق نفسه، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» برصده توترات متصاعدة في عدد من المناطق ذات الغالبية العلوية، وذلك على خلفية رفض الأهالي الاحتفال بما سُمّي «عيد التحرير»، بالتوازي مع الالتزام الواسع بالإضراب الذي دعا إليه غزال. وذكر «المرصد» أنه «شوهد مدنيون موالون للحكومة السورية المؤقتة يحملون أسلحة خفيفة ويرفعون رايات «هيئة تحرير الشام» في دمسرخو والمحيط الشمالي لمدينة اللاذقية، في تحركات أثارت غضب السكان المحليين، الذين اعتبروها محاولة مكشوفة لاستفزازهم، ولا سيما في ظلّ مقاطعتهم للاحتفالات الرسمية». كذلك، دخل موالون للحكومة المؤقّتة إلى قرية تبت حنا في ريف تلكلخ في ريف حمص الغربي، حيث أقدموا على التكبير داخل أحد جوامع الطائفة العلوية في القرية، في خطوة وصفها الأهالي بأنها استفزاز مباشر، في ظلّ خلوّ القرية عن أي مظاهر احتفالية، بحسب «المرصد».

ومع عودة الدوام الرسمي، وفي محاولة لمنع استمرار الإضراب، شدّدت المؤسسات التعليمية والدوائر الحكومية في الساحل إجراءاتها، عبر تعميمات تُلزِم الموظفين بالدوام الكامل تحت طائلة اتخاذ إجراءات عقابية قد تصل إلى الفصل، فضلاً عن منع منح الإجازات أو التغاضي عن حالات الغياب. ويأتي ذلك في محاولة لاحتواء اتساع رقعة الإضراب، الذي يبدو أن المشاركين فيه مُصِرّون على مواصلته، في إطار التعبير عن رفضهم استمرار عمليات القتل والانتهاكات والترهيب والإقصاء، والتي تنذر بانفجار طائفي واسع”.

المصدر: الصحف اللبنانية