الثلاثاء   
   02 12 2025   
   11 جمادى الآخرة 1447   
   بيروت 17:32

منظمات إسرائيلية: الانتهاكات في غزة والضفة تتحوّل إلى ممارسات يومية ممنهجة

أكد تقرير شامل صادر عن 12 منظمة إسرائيلية، اليوم الثلاثاء، أن السنة الثانية من حرب الإبادة على غزة شهدت توسعًا غير مسبوق في انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، من حيث العمق والاتساع وشدة الأضرار، بحيث تحوّل ما كان يُعدّ سابقًا ممارسات “استثنائية” إلى سياسة يومية ثابتة.​

وأشارت المنظمات إلى أنها وثّقت في عامي 2023 و2024 انتهاكات خطيرة، غير أن نتائج عام 2025 تكشف عن تدهور حاد، مع تضاعف عدد الشهداء تقريبًا، واقتراب التهجير من الشمول الكامل، وتحول الجوع إلى سبب لوفيات جماعية، بحيث غدت الانتهاكات القصوى جزءًا من الممارسة التشغيلية اليومية.

وأُعدّ التقرير من قبل “المنصّة”، وهو ائتلاف يضم منظمات إسرائيلية من بينها: “بمكوم – مخططون وحقوق الإنسان”، “مسلك”، جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل، اللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب في إسرائيل، “هموكيد – مركز الدفاع عن الفرد”، “يش دين”، “مقاتلون من أجل السلام”، “عير عميم”، “عمق شبيه”، “أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل”، “نكسر الصمت”، و”تورات تسيدك”.​

ويرتكز التقرير إلى ثلاثة تقارير سنوية متتالية (2023–2025) تُظهر مجتمعة تحولًا عميقًا في طبيعة الحرب وآليات السيطرة، من خلال تآكل الانضباط العسكري، وتصاعد الخطاب الحكومي المتطرف، وتشديد السياسات تجاه الفلسطينيين في غزة والضفة، وتصاعد الهجمات على أجهزة الرقابة القضائية والمدنية، ما جعل عام 2025 عامًا تحوّلت فيه أنماط الانتهاكات القصوى إلى سياسات ثابتة لا استثناءات ظرفية.​

وبحلول أيار/مايو 2024، كان أكثر من 36 ألف فلسطيني قد استشهدوا في قطاع غزة، قبل أن يرتفع العدد بحلول تشرين الأول/أكتوبر 2025 إلى 67,173 شهيدًا، بينهم أكثر من 20 ألف طفل ونحو 10 آلاف امرأة، بالإضافة إلى حوالى 10 آلاف جثة ما زالت تحت الأنقاض، فيما تجاوز عدد الجرحى 170 ألفًا، في ظل دمار واسع للبنى التحتية المدنية.​

أما على صعيد التهجير، فيشير التقرير إلى أن أكثر من مليون فلسطيني جرى تهجيرهم داخليًا في قطاع غزة خلال عام 2024، ليرتفع العدد في عام 2025 إلى 1.9 مليون، أي نحو 90% من سكان القطاع، كثيرون منهم هجّروا مرات عدّة، مع انهيار أحياء كاملة وتعطل منظومات حيوية للمياه والكهرباء والزراعة والمستشفيات.​

وبعد التحذير من أزمة جوع غير مسبوقة في عام 2024، يؤكد التقرير أن عام 2025 شهد تحوّل الأزمة إلى وفيات جماعية نتيجة سياسة تجويع ممنهجة، إذ سُجّل في تموز/يوليو 13 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، وفي آب/أغسطس أعلنت الأمم المتحدة وصول الأوضاع إلى حالة مجاعة كاملة في أجزاء واسعة من القطاع، فيما بلغ عدد الوفيات بسبب الجوع بحلول تشرين الأول/أكتوبر 461 شخصًا، بينهم 157 طفلًا.​

ويصف التقرير ظاهرة الوفيات أثناء محاولة الحصول على الغذاء بأنها تحولت من حالة غير مسجّلة في 2024 إلى مأساة يومية في 2025، حيث قُتل 2,306 فلسطينيين وجُرح 16,929 آخرون بالقرب من مراكز توزيع الغذاء، نتيجة الفوضى وإطلاق القوات الإسرائيلية النار على المدنيين، ما جعل مجرد التوجه للحصول على الطعام فعلًا يهدد الحياة.​

كما يوثّق التقرير انتقال استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية من حالات متفرقة في 2024 إلى عشرات الشهادات في 2025 عن ممارسات منهجية داخل غزة، شملت أطفالًا وكبار سن احتُجز بعضهم مقيّدين ومعصوبي الأعين لأيام وأسابيع، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

ويرصد ارتفاع عدد المعتقلين الإداريين في السجون الإسرائيلية من أكثر من 1,000 عام 2023 إلى 3,577 عام 2025، أي ثلاثة أضعاف المعدل الذي سبق الحرب، مع توثيق استشهاد ما لا يقل عن 98 أسيرًا أثناء الاحتجاز بسبب التعذيب ومنع العلاج وظروف الاحتجاز اللاإنسانية، في سياق ما تصفه المنظمات بتحوّل سوء المعاملة إلى ممارسة ممنهجة في جميع أجهزة الأمن والسجون.​

في الضفة الغربية، بما فيها مناطق شرقي القدس، يذكر التقرير أنه بين عامي 2023 و2024 سُجّل نحو 1,200 اعتداء من قبل المستوطنين، قبل أن تتصاعد الأحداث في 2025 إلى مستوى عمليات ترحيل واسعة، شملت تهجير 44 تجمعًا رعويًا فلسطينيًا بالكامل و10 تجمعات أفرغت جزئيًا، بمجموع 2,932 شخصًا، بينهم 1,326 طفلًا.

ويشير إلى أن اقتصاد الضفة الغربية بات “رهينة” للسياسات العقابية الإسرائيلية، من خلال القيود على الحركة، واحتجاز عائدات الضرائب، والتوسع الاستيطاني الذي يعمّق السيطرة على الأرض ويقوّض أي إمكانية لتنمية مستقلة.​

يوثق التقرير تدهورًا متسارعًا في القدس منذ عام 2023، مع استخدام أدوات تسجيل الأراضي لنزع الملكية، وتشديد قيود الحركة، وتراجع الخدمات البلدية، وارتفاع نسب التسرب المدرسي، بالتوازي مع توسع استيطاني وصفه بأنه “غير مسبوق”، بما يمثّل انتقالًا من تمييز مؤسسي إلى سياسة نزع ملكية نشطة ومتعمقة بلغت ذروتها في 2025.​

وفي ما يخص الآثار ومواقع التراث، يشير إلى تضرر متاحف وأرشيفات ومبانٍ تاريخية ومواقع أثرية في غزة، من بينها قصر الباشا وأرشيف بلدية غزة ومتحف رفح وموقع الميناء القديم، فيما تحوّل النهج في الضفة الغربية والقدس الشرقية من مشاريع “حفظ” و”تطوير سياحي” إلى استخدام المواقع الأثرية كأدوات للسيطرة المكانية ونزع الملكية، عبر توسيع سيطرة المستوطنين على مواقع مثل سبسطية وقصور الحشمونائيم وتسريع إعلان “الحدائق الوطنية” ومشاريع تراثية ضخمة في محيط البلدة القديمة في القدس، على حساب المجتمعات الفلسطينية والمعايير المهنية لحماية التراث.​

وتخلص المنظمات الإسرائيلية إلى أن عام 2025 كشف واقع “دولة تعمل بلا قيود”، تنتهك القانون الدولي بشكل منهجي وتفكك القيم التي تدعي الالتزام بها، معتبرة أن استخدام التجويع كسلاح، ومهاجمة المستشفيات، واختفاء المعتقلين، وترحيل التجمعات السكانية، والقتل الواسع للمدنيين، ليست “إخفاقات” بل سياسة قائمة بذاتها.

وتحذر من أن الانتهاكات التي كانت تُعرّف سابقًا كجرائم ضد الإنسانية باتت تُرتكب يوميًا دون مساءلة أو تحقيق، مشددة على أنه لا يمكن للكيان الإسرائيلي الادعاء بالأخلاق أو الدفاع عن النفس بينما يقوّض كل آلية قانونية وأخلاقية داخلية، وأن غياب إنشاء آلية تحقيق مستقلة وفعّالة سيجعل هذا التدهور غير قابل للعكس.​

المصدر: عرب 48