الجمعة   
   28 11 2025   
   7 جمادى الآخرة 1447   
   بيروت 20:17

الكلمة الكاملة لسماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في حفل تأبين الشهيد القائد الجهادي الكبير السيد هيثم علي الطبطبائي ورفاقه الشهداء

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم خلال الحفل التأبيني إحياءً لشهادة القائد الجهادي الكبير السيد هيثم علي الطبطبائي (السيد أبو علي) ورفاقه الشهداء. 28-11-2025

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين والشهداء إلى قيام يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نلتقي اليوم لنؤبّن شهيدنا القائد الجهادي الكبير السيّد أبو علي الطبطبائي، رضوان الله تعالى عليه، ومعه ثلّة من إخوانه وأحبّته من أبناء حزب الله، أبناء المقاومة الإسلامية. ونتحدّث بعد التأبين عن الذكرى السنوية الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار في مواجهة العدوّ الإسرائيلي.

نبدأ مع القائد الجهادي الكبير السيّد أبو علي الطبطبائي، رضوان الله تعالى عليه، هيثم الذي ترك بصمة مهمّة في مرحلة تاريخية حسّاسة.

قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِير فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾.

شخصية القائد الجهادي الكبير السيّد أبو علي شخصية مميّزة بالإيمان، والأخلاق، والجهاد، والتقوى، والعلاقات الاجتماعية، والتنظيم، والدقّة، والاستراتيجية في طريقة تفكيره، والخطوات العملية الكبيرة التي استطاع إنجازها والعمل في ساحة الجهاد، والتهيئة لمستقبل المواجهة والعمل ضدّ العدوّ الإسرائيلي. هذه صفات عظيمة تميّز بها الشهيد السيّد أبو علي، وبالتالي نحن نلاحظ أنّ نمط الشهداء القادة هو نمط متشابه في القواعد العامة: الشجاعة، والجرأة، والقدرة، والتخطيط، والوعي، والإدراك، والإدارة الحكيمة في قلب المعركة، وكذلك في الاستعداد لما بعدها، هذا نموذج متكرّر، نموذج راقٍ.

لقد التحق بصفوف المقاومة الإسلامية منذ سنة 1984، وكان مُقبِلًا من اللحظات الأولى على الجهاد، حتى إنّه يُذكر عنه قصة أنّه في إحدى المعارك تقرّر أن يشارك عددٌ من الإخوة في المعركة ضدّ العدوّ الإسرائيلي، وكان له أخ سيشارك في المعركة، لكنّ المسؤول عن إدارة المعركة رفض أن يشارك السيّد أبو علي لأنّ وجود اثنين من الإخوة من عائلة واحدة في معركة واحدة ليس مناسبًا بحسب تقديره.

يومها كان في صلاة في المسجد قبل المعركة، وكان سماحة السيّد عباس الموسوي، رضوان الله تعالى عليه، يؤمّ الجماعة ويودّع الإخوة للذهاب إلى العملية. فقام الأخ أبو علي وسأل سماحة السيّد: “أنا أريد أن أذهب، والمسؤول يقول إنّ اثنين من الإخوة ممنوعان”. فقال السيّد عباس كلمته المشهورة: “إنّ الجهاد لا يُقرّب أجلًا”. بناءً على ذلك ذهب إلى المعركة مع أخيه، ويقول السيّد أبو علي: “أنا حفظتها ودائمًا أكرّرها: إنّ الجهاد لا يقرّب أجلًا”، وهذا منسجم بطبيعة الحال مع قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾.

تصدى للعدوان الإسرائيلي سنة 2006 في الخيام، وكان له دور بارز ومهمّ، أدار مشروع قوات النخبة من سنة 2008 إلى سنة 2012، أربع سنوات، ثمّ عُيّن مسؤولًا عن عمليات التصدّي للمدّ التكفيري في سوريا من 2012 إلى 2015.

السيّد أبو علي ابن الميدان؛ مسؤوليات عديدة حملها وعمل على أساسها، وكان بارعًا وناجحًا، ولذلك كنّا نلاحظ أنّه يرتقي من مسؤولية إلى أخرى، وفي كلّ المسؤوليات التي استلمها لم يختر واحدة منها، كان دائمًا يُكلّف ويُطلب منه ذلك، إمّا من سماحة الأمين العام أو من المسؤول المباشر عنه، وينتقل إلى أيّ مكان يُطلب منه. وحتى حين طُلب منه أن يذهب إلى اليمن ويساعد في التدريب والإعداد، فعل ذلك، وقضى تسع سنوات من 2015 إلى 2024 في بداياتها يعمل من أجل مساعدة إخواننا في اليمن، وترك بصمة مهمّة، واليوم يُحبّه اليمنيون كثيرًا لأنّهم يعرفون هذا النموذج الإلهي المقاوم الشجاع الذي يريد نصرة فلسطين، والذي يعمل من أجل تحرير الأرض وتحرير الإنسان.

كُلّف بقيادة المعركة، معركة “أولي البأس”، لأنه بعد استشهاد سماحة السيّد، رضوان الله تعالى عليه، ومعه الشهيد الحاج أبو الفضل، لم يعد هناك مسؤول مباشر، لأنّ الشهيد أبا الفضل كان آخر مسؤول مباشر عن الإدارة للمعركة العامة، فكلِّف السيّد أبو علي كرابط جهادي مع التنظيم الجهادي كلّه ومع المقاومة، وفي الحقيقة كان بارعًا جدًّا، وهو بحقّ سيّد معركة “أُولي البأس” من حيث الإدارة العسكرية، وحُسن التنظيم، والتخطيط، وبرمجة إطلاق الصواريخ والطائرات، وتنسيق النيران، كلّه كان بأداء من قبل السيّد أبو علي بطريقة احترافية مهمّة.

بعد معركة “أُولي البأس” مباشرة عُيِّن مسؤولًا عسكريًا، وهو المعاون الجهادي والمسؤول العسكري الذي كُلِّف بشكل رسمي بإدارة المقاومة وإدارة العمل الجهادي العسكري.

ما هو هدف الاغتيال؟ هدفه ضرب المعنويات، لأنّه عندما يُقتل أبرز شخصية في الصفّ الأول في عمليّة القتال وترميم القدرة والاستعداد لمواجهة العدوّ الإسرائيلي، فهذا يحدث شيئًا من البلبلة بحسب تقدير الإسرائيلي، وكذلك بضرب المعنويات قد يؤثّر أيضًا على التنظيم وعلى الإدارة وعلى توزيع المهام، خاصة أنّه المسؤول الأول على المستوى العسكري.

أقول لكم: إنّها خسارة كبيرة، نعم، ولكنّه ربح كبير أيضًا له، لأنّ الشهادة هي مبتغاه، أن يغادر الحياة الدنيا شهيدًا لا أن يغادرها بشكل عادي وطبيعي، وهذا كسب هو ربحه.

هل يا تُرى هذا الاغتيال يؤدّي إلى ضرب المعنويات؟ نحن مقاومة، نحن حزب متماسك، نحن حزب له أصول وجذور، نحن حزب من تربية الإمام الحسين سلام الله تعالى عليه، من تربية سماحة سيّد شهداء الأمّة السيّد حسن، رضوان الله تعالى عليه. هذا الحزب أعطى قادة كبارًا، وأعطى شهداء وعطاءات وتضحيات بالآلاف.

ولكن كيف نرى الأمر؟ نرى أنّه في كلّ فترة من الزمن يتجدّد ويتمكّن من استعادة القدرة، ويتمكّن من استبدال الشخصيات، الحمد لله هذا أمر موجود على قاعدة القدرة التي وفّقنا الله تعالى إياها.

 إذن هدف الاغتيال لم يتحقّق ولن يتحقّق، أقول للعدوّ الإسرائيلي: نحن على الخط مستمرّون، وله إخوان كُثُر، وإن شاء الله كلّ هذا الأمر سيكون قيد المتابعة بشكل طبيعي.

هنا، في عمليّة الاغتيال، ربما البعض يقول: يا أخي انتبهوا، الخروقات موجودة، المشكلات موجودة. نعم، لا يوجد توازٍ في القوة مع العدوّ الإسرائيلي، لا عسكريًا ولا استخباريًا، ولا بملء الأجواء في هذا الرصد الدائم، يوجد اختراق للأجواء وللبرّ.

وإذا البعض يحملنا مسؤولية أنّه: طيّب يا أخي، يمكن أن يكون هناك عملاء، صحيح، يمكن أن يكون هناك عملاء، الساحة مفتوحة، ولسنا في غرفة ضيّقة، نحن في ساحة مفتوحة ينتقل إليها الناس ويأتي إليها المسافرون. ومن فترة قصيرة كانت هناك شبكة من العملاء اعتقلها الأمن العام، وكذلك نحن لدينا بعض هؤلاء على قاعدة أنّ الساحة يعمل فيها العدوّ الإسرائيلي براحة كبيرة بسبب الجنسيات الأجنبية التي يأتي من خلالها، وبسبب التغطية الدولية، والتنسيق مع الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، وحتى بعض الاستخبارات العربية والدولية، الكلّ يساهم للأسف في موضوع إعطاء العدوّ الإسرائيلي ما يحتاجه من معلومات ومعطيات.

أنا لا أقول هذا لأبرّئ أنفسنا من الأخطاء الموجودة والتي يجب أن نعالجها، وكذلك علينا أن ننتبه دائمًا إلى معالجة الثغرات وأخذ الدروس والعِبَر.

كان يقول السيّد أبو علي: “المقاومة ولّادة”، وهو تعبير جميل جدًّا، يعني إن قُتل بعضهم يأتي البعض الآخر، وإن غادر بعضهم يأتي البعض الآخر، لأنّ الحمد لله عندنا ساحة، عندنا مجتمع، عندنا شعب عظيم جدًّا يعطي هذه القدرات للمقاومة.

كان يقول: يوجد عاملان أساسيان يصبّران على الفراق: أوّلًا: الغبطة التي ترافق الأخ الذي يُستشهد، مع العلم أنّها لحظة فراق قاسية لقائد فذّ سقط في المعركة. ثانيًا: استحضار روحية هؤلاء الشهداء، لأنّهم أحياء عند ربّهم يُرزقون، هذا هو الفهم، هذا هو الوعي، هذه هي المكانة، هذه هي القيادة.

مع السيّد أبو علي استُشهد أربعة من الإخوة: الأخ مصطفى ابن الاستشهادي أسعد برّو، لقبه واسمه الجهادي الحاج حسن، هو في الحقيقة كان أمين سرّ المجلس الجهادي منذ بداية 2025، أي بعد معركة “أُولي البأس”. في لطيفة عند مصطفى، يعني الحاج حسن، أوّل ما اتّفقت معه أن يكون أمين سرّ المجلس الجهادي، قال لي طلبًا إذا أمكن أن ألبّيه، قلت له: تفضّل، ماذا تريد؟ قال لي: هل يمكنني عندما أرسل لك مراسلة أن أكتب: “ابنكم حسن”. قلت له: هذا يشرفني، لأنّك إنسان مؤمن متديّن مخلص، تستطيع أن تُنادى بما تري، ومن وقتها كانت كلّ مراسلاته بختم: “ابنكم حسن”، هذا طبعًا تربية والده بالروحية، بما تركه له من إرث الاستشهادي الشهيد أسعد برّو، وهذه هي المدرسة الحقيقية.

الشهيد الثالث هو الأخ قاسم حسين برجاوي، “ملاك”، هذا الشجاع الحاضر دائمًا في الميدان، كان مدير مكتب المسؤول العسكري كذلك في سنة 2025، لكن له تاريخ في ملفّ اليمن. ساعد السيّد أبو علي، وكذلك كان له دور في قسم الدعم والتجهيز في معاونية الأركان، وكانت لديه مهمّات عديدة. شخصية فذّة، معطاءة، شجاعة، أُصيب عدّة إصابات، والحمد لله تعالى كان في مرتبة الشهداء.

الشهيد الرابع إبراهيم علي حسين، “أمير”، وهو أمين سرّ مكتب القائد، وهو أيضًا من المتفانين.

لا ننسى أنّ الاجتماع كان يوم أحد، ولم يكن فيه نشاط عام، عندما كان القائد يرتّب بعض التفاصيل حتى يكون لديهم ابتداءً من يوم الاثنين بعض الأعمال. واحد منهم أمين السرّ الذي كان لديه الاستعداد، وكذلك الخامس رفعت أحمد حسين، “أبو علي”، وهو مناوب في مكتب القائد.

هذه المجموعة الطيبة الطاهرة اجتمعت معًا لتكون في هذا اليوم من أجل التحضير للعمل القادم، رحم الله الشهداء، ونحن نعتبر أنّهم مفخرة عظيمة بالنسبة إلينا. لكن طبعًا يبقى السؤال الذي ينتظر جوابه الجميع: ماذا ستفعلون بعد هذا العمل الإجرامي الكبير؟

أنا كتبت العبارة التي سأقولها من أجل ألّا تحتمل أن يضيف إليها أحد أي كلمة، ولا يفسّر أي كلمة، وأنا اليوم أريد أن أطلب من إخواننا جميعًا الذين يتصدون في الإعلام: لا تأتوا غدًا وتفسّروا هذه العبارة، اتركوها كما هي، كرّروها كما هي، وليفهمها العدوّ الإسرائيلي ومن معه، كما يريد أن يفهمها، العبارة والموقف الذي أعلنه في مواجهة استشهاد الشهيد السيّد أبو علي، رضوان الله تعالى عليه، وإخوانه: هذا اعتداء سافر وجريمة موصوفة، ومن حقّنا الردّ، سنحدّد التوقيت لذلك، أكرر: هذا اعتداء سافر وجريمة موصوفة، ومن حقّنا الردّ، سنحدّد التوقيت لذلك.

التعزية والتبريك لعوائل الشهداء الخمسة ولكل عوائل الشهداء، والشكر لكل الذين واسونا وحضروا أو أرسلوا الرسائل، وأنا أريد أن أقول لكم إنّه جاءتنا رسائل كثيرة، وحضرت شخصيات سياسية وحزبية وأهلية وإعلامية ومتنوّعة، لن نستطيع أن نكافئهم بالردّ على الرسائل، وأرجو اعتبار هذا الشكر هو ردّ لجميع الذين أرسلوا إلينا، سواء كانوا في لبنان أو في عدد من البلدان، وأخصّ بالذكر الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعلى رأسها الإمام القائد الخامنئي دام ظلّه، الذي واسانا، وكلّ الحرس الثوري الإسلامي، وكلّ المسؤولين في الجمهورية الإسلامية، والجهات الشعبية التي أبرزت هذه المواساة والتعاطف.

وكذلك اليمن، وما أدراك ما اليمن، من القائد السيّد الحوثي إلى أنصار الله إلى الجيش اليمني إلى كلّ القوات المسلحة الذين أعلنوا وقوفهم إلى جانبنا بشكل مباشر في أي خطوة نتّخذها، والشكر موصول إلى القيادات الفلسطينية، كلّ الفصائل، كلّ الذين أرسلوا إلينا أو حضروا أو أصدروا بيانات، لأنهم في الحقيقة هم أهل العزاء مباشرة، هذه طريق فلسطين، لأنّ في الحقيقة طريق لبنان هي طريق فلسطين، هي طريق الأحرار، ولا فرق بين هذه الطرق على الإطلاق. كذلك الشكر لأهل العراق، وللمرجعية، وللحشد، وللمسؤولين، ولكلّ الذين واسونا، وأعتذر من كلّ الدول الأخرى التي أرسلت من خلال جمعياتها الأهلية أو مؤسساتها المراسلات لهذه التعزية والتبريك.

هنا، قبل أن أدخل إلى الحديث عن الذكرى السنوية للاتفاق، أرحّب بزيارة البابا إلى لبنان، ونحن كلّفنا إخوة من المجلس السياسي من أجل زيارة السفارة البابوية وتقديم كتاب هو عبارة عن رسالة من حزب الله إلى البابا، وكذلك ستنشر هذه الرسالة في وسائل الإعلام. نحن نرحّب بهذه الزيارة في هذه المرحلة المفصلية، وإن شاء الله تكون للحبر الأعظم المساهمة في تعميم السلام في لبنان، بتحريره وإيقاف العدوان والوقوف إلى جانبه كما عهدناه، وإلى جانب المستضعفين.

أدخل إلى الذكرى السنوية الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار في سنة 2024، في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، سأتحدث عن عدة نقاط:

أولًا: وقف إطلاق النار هو يوم انتصار للمقاومة وحزب الله والناس ولبنان، والسبب في ذلك أننا استطعنا أن نمنع العدوّ من تحقيق أهدافه، وعلى رأس أهدافه إنهاء المقاومة والقضاء عليها بشكل نهائي. هذا الهدف لم يتحقّق، واضطرّ الإسرائيلي أن يذهب إلى وقف إطلاق النار، وبالتالي هذا انتصار بهذا المعنى. الاتفاق هو مرحلة جديدة، تحملت فيه الدولة مسؤولية أن تُخرج إسرائيل، وأن تنشر الجيش اللبناني في جنوب نهر الليطاني، فإذن نحن أصبحنا أمام مرحلة جديدة. هؤلاء بعض الأشخاص الذين كلّ فترة يأخذونك عشر سنوات إلى الوراء، عشرين سنة إلى الوراء، يناقشون بالتفاصيل ويضيّعون الناس، يا أخي، هناك مرحلة جديدة اسمها “الاتفاق”، وأصبحت الدولة هي المسؤولة عن طرد هذا الاحتلال ونشر الجيش اللبناني. إذن هناك انسحاب إسرائيلي يجب أن يتمّ، وعدوان يجب أن يتوقف، وأسرى يجب أن يُفرج عنهم.

لقد حصل الاتفاق لأننا صمدنا، لأننا واجهنا، لقد كنّا أمام أداء أسطوري للمجاهدين الشرفاء الاستشهاديين على الحافة الأمامية وفي كلّ موقع، ومعنا الحلفاء من القوى السياسية والمنظمات المختلفة التي شاركت، ومعنا إخواننا في حركة أمل، ومعنا الأهل الطيبون الطاهرون الشجعان المعطاؤون الذين أعطوا في كل موقع، حيث كانوا، وحيث نزحوا، وحيث عادوا، والآن وفي كل وقت لم يتوقفوا عن العطاء، وكذلك أداء الجيش اللبناني ومناصرته لهذا الاتجاه ولهذا الخط.

إذن حصل الاتفاق لأننا صمدنا، حصل الاتفاق لأننا أقوياء بمشروعنا وإيماننا وإرادتنا وشعبنا، أقوياء بوطنيتنا ودماء شهدائنا وجرحانا وعذابات أسرانا، أقوياء بالعوائل الشريفة المضحية، أقوياء بتمسّكنا بأرضنا.

لقد قتلوا قياداتنا، وعلى رأسهم سيّد شهداء الأمة السيّد حسن، رضوان الله تعالى عليه، والسيّد الهاشمي، وكلّ القيادات، وكذلك قتلوا الناس وقتلوا مجاهدين، ودمّروا بيوتًا، وأحدثوا خرابًا كثيرًا، وضربوا من القدرة ضربًا كبيرًا، كلّ ذلك من أجل إنهاء المقاومة. لكنهم لم يتمكّنوا والحمد لله تعالى.

إنّ معركة “أُولي البأس” كانت مواجهة من قوّة متواضعة لا تُقاس بقوّة العدوّ، ولكنّها عزيزة وتمتلك إرادة وشجاعة وإيمانًا بالله تعالى وثقة بالنصر، في مقابل جبروت إسرائيلي أمريكي عالمي إجرامي ووحشي وطاغوتي، واستطاعت معركة “أُولي البأس” أن تحقق هذا الإنجاز. نرفع رؤوسنا بما تحقق، لأنّ مشروع إسرائيل انكسر على أعتاب معركة “أُولي البأس”، هذا أوّلًا.

ثانيًا: العدوان الإسرائيلي هو عدوان على كلّ لبنان، وليس عدوانًا على المقاومة فقط، وإن كنّا كمقاومة الأكثر استهدافًا. ما الدليل على أن العدوان على كل لبنان؟ أنّ الأهداف الإسرائيلية تتعلّق بأرض لبنان، بمستقبل لبنان، بمشروع محاصرة لبنان، سلب قرار لبنان، التحكم بسياسة لبنان، أخذ كل اقتصاد لبنان وإمكانات لبنان وقدرات لبنان. هذا كلّه يعني أنّ العدوان على لبنان.

لاحظوا: أليس هناك عدوان على رئيس الجمهورية لأنه يتصرّف بحكمة؟ أليس هناك عدوان على الجيش وقيادته لأنه يقوم بإجراءات تتعلّق بحفظ الأمن الداخلي للبلد ومحاولة تحرير الأرض؟ أليس هناك عدوان على الاقتصاد من خلال العقوبات الأمريكية والخزانة الأمريكية وكلّ الأعمال؟ وهم يقولون دائمًا إنهم سيطاردون القدرة الاجتماعية والثقافية والتربوية لفئة من اللبنانيين، وهذا ينعكس على كلّ اللبنانيين. بل إلى الآن، عدم قدرة لبنان على التقدّم في مشروعه الاقتصادي، واحد من أسبابه هو ما تركه الأمريكي وما فعله الأمريكي، أليس هذا عدوانًا على لبنان؟

ألا يعتدون على الناس في قراهم، مع العلم أن الناس ليس كلّهم يحملون نفس الاتجاه، ولكنّهم أبناء الأرض، لكنهم يعتدون، ليس في الجنوب فحسب، بل في الجنوب والبقاع والشمال والضاحية وبيروت وكل الأماكن. ألا ترون المسيرات فوق القصر الجمهوري، والسراي الحكومي، وأثناء الاجتماعات؟

أنا أستطيع أن أقول بشكل واضح: اليوم يوجد احتلال إسرائيلي جوي للبنان، بمعنى آخر، هذا احتلال.

ألا يعتدي الاحتلال على شبعا وإقليم الخروب وصيدا ومجزرة المخيم، مخيم عين الحلوة، والشمال، فضلًا عن الجنوب والبقاع والضاحية وجبل لبنان وبيروت وكل المناطق؟

إذن نحن أمام عدوان على لبنان، دعكم من قصة أنّ هذا عدوان يستهدف المقاومة، لا، يستهدف المقاومة بشكل ‏أساس، لمن هو يستهدف كلّ لبنان. هنا، كلّ لبنان مسؤول عن الدفاع، والحكومة بالدرجة الأولى، لأنّها هي المتصدّية، ولأنّها هي التي ‏وافقت على هذا الاتفاق وأعلنت أنّها تريد أن تأخذ المبادرة لنشر الجيش وأن تكون هي المسؤولة عن الأمن في لبنان وعن حماية ‏الحدود في لبنان‎.‎

أقول للحكومة: لا تستطيعين أخذ الحقوق من دون أن تقومي بأهمّ واجب، وهو حماية المواطنين. لا تستطيع الحكومة أن تبحث عن ‏حقوقها ولا تقوم بواجباتها، أهم واجب أن تحمي المواطنين، هل تحمي المواطنين؟ هل تستطيع ذلك؟

فلترِنا الحكومة كيف تردع العدو، ما هو واجب الدولة؟ الدولة لديها جيش، والدولة لديها قرار سياسي سيادي، أهم شيء أنها تردع ‏العدو‎.‎

هنا أحبّ أن أفسّر ما معنى “ردع العدو” قبل تحميل المسؤوليات، الردع له ثلاثة أشكال‎:‎

أولا، الردع بالتحرير، ‎فإذا حرّرتَ الأرض فهذا يعني أنّك ردعت العدو وأخرجته، وهذا أمر مهمّ جدًّا، وهو يُعدّ أرقى الأنواع‎.‎

ثانيا، الردع بالحماية، ‎أي بسبب نشر الجيش والإمكانات الموجودة لدى الدولة تمنع العدوّ أن يقترب، فإذا اقترب تكون حاضرة ‏لمواجهته، وبالتالي لا يتجرأ، فيكون الردع بالحماية‎.‎

ثالثا، الردع بمنع العدو من الاستقرار على أرضنا المحتلة، أي إذا احتلّ قرية أو جزءًا، يبقى في حالة إرباك، ومقاومة، ومواجهة، ‏وضغط، حتى يخرج من أرضنا‎.‎

هذه ثلاثة أشكال من المواجهة تُسمّى “ردعًا للعدو الإسرائيلي”، وأول مسؤول عن الردع هو الدول، ‎قبل أن يقول لنا أحد: “أنتم لا ‏تردعون العدو” أو “تردعون العدو”، أول مسؤول عن الردع هو الدولة، والدولة بجيشها وشعبها تستطيع أن تمارس الردع. لماذا بجيشها ‏وشعبها؟ لأنّ الجيش إذا لم تكن لديه قدرة، يجب أن يستعين بشعبه، لأنّ كل الناس مسؤولون عن مواجهة الأعداء‎.‎

حسنًا، قولوا لي الآن: ماذا فعلت هذه الدولة من هذه الأشكال الثلاثة من الردع؟‎

لا هي حرّرت، ولا هي حمت‎، يبقى لها أن تمنع إسرائيل من الاستقرار، اختارت الدولة أن تمنع الاستقرار عن هذا العدو بالمسار السياسي، وهو مسار يمكن أن ‏يؤدي إلى منع العدو عبر الاتصالات السياسية، والضغوطات السياسية، والموقف السياسي الرافض للاحتلال، والوحدة الداخلية ‏التي تجعل الدولة قوية لأنّ الجميع خلفها في عملية المواجهة‎.‎ إذن تستطيع الدولة أن تقوم بالإجراء الثالث في هذه المرحلة، أي منع العدو من الاستقرار‎.‎

ماذا فعلت المقاومة في عملية الردع؟

أولًا: في سنة 2000 أخرجت إسرائيل من لبنان بعد 22 سنة من الاحتلال، وهذا ما يسمّى ردعًا بالتحرير‎.‎

من سنة 2000 إلى سنة 2023 كان لدينا نوع آخر من الردع، هو الردع بالحماية‎، ‎لم يكن يتجرأ الإسرائيلي أن يقترب، ولما ‏قام بعدوان 2006 تراجع وبقي مردوعًا، أي كانت هناك حماية للبنان من 2006 إلى 2023‏‎.‎

إذن هذان الشكلان من الردع مارستهما المقاومة وحققت أهدافهما، في وقت كانت الدولة غائبة، لا قدرة لها ولا إمكانات‎.‎

ومن 2023 إلى الآن نحن نواجه إسرائيل بمنعها من الاستقرار‎. ‎إسرائيل لا تستطيع أن تستقر، واجهناها بمعركة “أُولي ‏البأس”، والآن نواجهها برفض استمرار الاحتلال‎.‎

إذن الشكل الثالث من الردع نحن نمارسه حتى الآن، إسرائيل تعرف أنّه مع وجود المقاومة لا يمكنها أن تستقر‎.‎

اليوم نحن مشتركون، نحن والدولة، في الشكل الثالث من الردع: منع إسرائيل من الاستقرار. الدولة تقول إنها تمنعها سياسيًا، فنحن ‏نقول لهم: نحن معكم، وأنتم تتحمّلون الآن المسؤولية، ونقول لهم: إذا أردتم شيئًا منّا فنحن حاضرون. لكن نحن جاهزون، ‏وجهوزيتنا هي المنع، وقدرتنا على الدفاع هي منع الاستقرار، وهو شكل من أشكال الردع،‎ وبالتالي على الحكومة أن تعمل لتستثمر القدرات الموجودة عند شعبها وجيشها من أجل أن تحقق في هذه المرحلة منع الاستقرار لنستطيع ‏الوصول إلى طرد الكيان الإسرائيلي‎.‎

ثالثًا: لا تفويض لأحد في لبنان أن يتنازل عن قوّة لبنان، وعن أرض لبنان، وعن كرامة لبنان. التفويض للمسؤولين هو استعادة ‏السيادة والأرض والأسرى والكرامة‎.‎

إنّ إرادة شعبنا من مظاهرها أنهم عادوا إلى الحياة في القرى الأمامية تحت الضغط الإسرائيلي وتحت التهديد الإسرائيلي، بكل ‏عنفوان وقوة، استثمروا هذه الإرادة واستفيدوا منها‎.‎

إنّ نداء مسيرة الحمرا، شارع الحمرا، في ذكرى الاستقلال، من قوى صحفية ونخبة ثقافية وسياسية اجتمعوا من ألوان مختلفة، من ‏مذاهب مختلفة، من أفكار مختلفة، ورفعوا شعارًا واحدًا‎: ‎طرد إسرائيل وتحقيق الاستقلال‎. ‎هذا يعني أنّ هناك قوى داخل البلد لا ‏تريد إسرائيل ولا تقبل مشروع إسرائيل وحاضرة لمواجهتها. يجب استثمار هذا الأمر‎.‎

لا أحد يقول إنّ الأمر مرتبط بالمقاومة فقط، أو مرتبط بطائفة، لا، كل الطوائف، كل القوى السياسية، كل الشعب، كل النخب، ‏الأغلبية الساحقة في البلد لا يريدون إسرائيل‎.‎

هناك وصاية أمريكية هي جزء من العدوان في الحقيقة، يجب أن ننتبه لهذه الوصاية تروّج لإسرائيل، وتستخدم الضغط ‏الإسرائيلي بالسياسة والإعلام والاقتصاد والمال بكل الأشكال. هذه كلها يجب أن تكون واضحة لنعلم من نواجه، ومن معنا، ومن ‏ضدنا‎.‎

أما خدّام إسرائيل في لبنان، فأنا أراهم قلّة، هؤلاء على قلّتهم يسببون مشكلة للبنان، لأنّهم يعيقون، مع أمريكا وإسرائيل، استقرار ‏البلد ونموّه وتحرير لبنان. هؤلاء يلعبون دورًا يخدم إسرائيل وأمريكا ولا يخدم لبنان‎.‎

تقولون إنّ السلاح مشكلة؟ لا، ليس مشكلة. لأنّ السلاح هو الذي حرّر، 44 سنة، وهو الذي قام بهذا الدور الكبير داخل البلد، ‏وهو الذي أدّى إلى أشكال الردع المختلفة التي ذكرناها‎.‎

تقولون إنّ السلاح مشكلة معيقة في الداخل، وهذا رأي سياسي، نحن حاضرون لنناقش الرأي السياسي، ونجري اجتماعات من ‏خلال الاستراتيجية الدفاعية ونناقش، ولكن ليس تحت الضغط الإسرائيلي والأمريكي، وليس‎ تحت إلغاء الاتفاق الموجود، وليس تحت قاعدة أنّ علينا أن نحدّد أولًا كيف نتنازل عن قوّتنا، ثم بعد ذلك يطبّقون ما يريدون، هذا كله غير مسموح.

السلاح مشكلة مُعيقة لمشروع إسرائيل، فمن يريد نزعه كما تريد إسرائيل إنما يخدم إسرائيل. يا خُدّام إسرائيل، اتّقوا الله وكونوا مع أهل بلدكم لتحقيق الأهداف.

رابعًا: الأولوية الآن هي للسيادة والتحرير، يقولون: ضعفت المقاومة وليست قادرة، حسنًا، إذا ضعفت المقاومة، أسألكم سؤالًا: لماذا لا تقولون لإسرائيل: إن كانت المقاومة ضعيفة، فما الذي تريدونه منها؟ انتهى الأمر، اذهبوا وافعلوا ما تريدون. هذا دليل على أنّ المقاومة حاضرة، لدينا من قوة الإيمان والإرادة، ومن قوة المواطنة والتعلّق بالأرض، ومن قوة الوفاء لدماء الشهداء، ما يجعلنا أقوياء كالجبال الصامدة أمام الرياح العاتية.

دائمًا يهدّدون بأنّ عدوانًا أوسع سيقع، لماذا؟ قال: من أجل إرغامكم على الاستسلام، كلّ هذه التهديدات هي شكل من أشكال الضغط السياسي. رفعوا مستوى التهديد في المرحلة الأخيرة لأنهم رأوا أن التهديدات خلال سنة بمستوى منخفض لم تنفع بالشكل الكافي. وجدوا أن الضغوطات السياسية الأمريكية لم تنفع، ومحاولات إحداث فتنة بين الجيش والمقاومة والشعب لم تأخذ طريقها، ومحاولة تحرك بعض الأطراف في الداخل من أجل الضغط الداخلي لإحداث بلبلة لم تنفع.

عندما رأوا أن كل الحركة خلال سنة يمارسون فيها أقصى الضغوطات، بدأ الحديث عن التهديد باحتمالات الحرب من خلال الصحافة الإسرائيلية وبعض الذين ينقلون أخبارها. أقول لكم: هذا التهديد لم يقدّم ولن يؤخّر. هل هو حقيقة؟ لا، إلى الآن ليس حقيقة.

هل تتوقعون أن تكون هناك حرب لاحقًا؟ محتمل في وقت من الأوقات، نعم، هذا الاحتمال موجود، واحتمال عدم الحرب أيضًا موجود، لأنّ إسرائيل تدرس خياراتها، وأمريكا تدرس خياراتها أيضًا. هم يعرفون أنّه مع هذا الشعب، ومع هذه المقاومة، ومع هذه الروحية، ليست لديهم إمكانية لتحقيق ما يريدون.

أقول لكم من الآخر: عليهم أن ييأسوا، يهدّدون، يفعلون ما يفعلون، يجمعون الدنيا كلها ضدّنا، يحاولون بكل الوسائل—هذا شعب لا يُهزم، وهذا شعب لا يستسلم، ونحن لن نهزم ولن نستسلم، وهيهات منّا الذلة.

يريدون أن يعملوا معنا محاججة، يقولون: “الاستسلام هو الحل لأن لا قدرة لدينا على مواجهة العدوان”. نقول لهم: لا، أنتم تطلبون تجريد لبنان من قوّته ومن قدرته على الدفاع، وليس لديكم مشكلة أن يكمل الإسرائيلي احتلال الأرض وقتل أهلنا لتعيشوا.

يقولون: “اسمحوا لنا، أعطونا فرصة، نريد أن نعيش”، كيف تريدون أن تعيشوا؟ هل تظنون أنّ الإسرائيلي سيكتفي بالقتل والاحتلال؟ الإسرائيلي يريد الإبادة، الإسرائيلي يقول ذلك إسرائيل الكبرى، كاتس يقول إنه يريد تغيير الخريطة البحرية، ويقول إنه لن يترك النقاط الخمس والسبع ومن فيها. كلّ هذا، مؤشرات لماذا؟ هل لا تزالون تقولون إن المشكلة في القدرة؟ لا، المشكلة في المشروع الإسرائيلي، يجب أن نواجهه. بدل أن يدينوا العدوان، يدينون من يدافع عن نفسه وعن أرضه، عجيب أمركم.

يا أخي، عندما يكون هناك عدوان إسرائيلي على أرضه، هل يقوم أحد بضرب شعبه ونخسه، ووضع العقبات أمام قوة شعبه وجيشه ورئيسه، على قاعدة أنه يعطي إسرائيل اطمئنانًا وراحة؟ هذا تفكير خاطئ.

من كانت دعوته بريئة—أي الذي يقول: “نريد أن ننتهي لأننا عاجزون”—نقول له: الأعمار بيد الله تعالى، لكن قرار الذلّ والعزّ بأيدينا. كونوا شجعانًا، واتخذوا قرار العزّ، وتأكدوا أنّكم منصورون.

إذا دافعنا فتحنا أفقًا للعزّة، وإذا استسلمنا دمّرنا حلم أطفالنا للمستقبل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.

إنّ صمودنا سنة كاملة، رغم كلّ الضغوطات، دليل على قوتنا وعزّتنا، إنّ حضورنا الشعبي والسياسي والبلدي والنيابي وما يراه العالم دليل على قوتنا وعزّتنا، معيارنا هو استقلالنا وحريتنا، أما معيار المستسلمين فهو حياة العبودية والذل.

نحن سنكون أحرارًا في أرضنا ولن نقبل العبودية والذل.

أختم: نحن لا نقبل أن يقرر الإسرائيلي حدود حياتنا وطريقتها. العدو الإسرائيلي يريد لبنان حديقة خلفية له يتحكّم بمفاصلها، نحن وحلفاؤنا وشرفاء وطننا وأهلنا وجيشنا لا نقبل أن نكون أذنابًا لأمريكا وإسرائيل.

حسنًا، قد يخرج أحدهم ويقول: “بعد كل هذه المقدّمة، لدينا سؤال: ما هو الحل؟”

الحل: أن يتوقف العدوان.

لا يجوز أن يكون هناك طرف يعتدي، والطرف المعتدى عليه يقال له: الحل عندك، أعطِه ما يريد! لا يجوز، هناك عدوان، ويجب أن يتوقف العدوان.

ما هو الحل؟ أن يتوقف العدوان.

حسنًا، إذا استمر العدوان، فعلى الحكومة التي تصدّقت أن تضع خطة للمواجهة، وأن تستفيد من جيشها وشعبها بالإمكانات المختلفة، على الحكومة أن تضرب قدمها بالأرض، وأن تقول إنها ستعيد النظر حتى في انتشار الجيش في الجنوب، وأن تقول الحكومة أن هذه الميكانيزم تحتاج إلى إعادة نظر لأنها تحولت إلى ضابط عدلية لدى الإسرائيلي، بإمكانها القيام بإجراءات كثيرة، بإمكانها أن تهدّد، أن توقف، أن تُسكت الأصوات التي تدعو إلى تجريد لبنان من قوّته، أن تؤجّل بعض الأمور الإشكالية، أن تصنع مظهر وحدة.

اذهبوا وانظروا يا أخي، إسرائيل، هذا هو الحل: المواجهة.

 المواجهة السياسية والثقافية والإعلامية، وبالوحدة، وبكل الطرق المتاحة، وحتى بالعسكرية.

حسنًا، يقول البعض: إذا لم ينفع كل هذا، فماذا نفعل؟

واضحة: نصمد وندافع.

ماذا يعني أن تقول لي: “ما نفعل؟” يعني تقول لي: “اذهب واستسلم”، هذا غير وارد يا أخي، نصمد وندافع.

لن تذهب دماء شهدائنا هدرًا، وخيرٌ لمواطنينا أن يكونوا يدًا واحدة، حينها يخضع الأجنبي لإرادتنا، وتأخذ لبنان المكاسب، ونتفاهم فيما بيننا. انظروا إلى عِبرة سوريا، سوريا أمامكم، لم يتركوا شيئًا فيها، أخذوا كل شيء من سوريا، ثم يخرج كاتس ويقول: “نحن لا نثق بالشرع” هذا جهادي قديم. ماذا يعني بقوله؟ يعني أنهم لا يعرفون متى قد يتخذون قرارًا بقتله، ولا يعرفون متى قد يتخذون قرارًا بالدخول أكثر، لأنهم يعتبرون أن أي اتفاق أمني أو سياسي مع سوريا لا معنى له، فهم يأخذون كل شيء مجّانًا، ولا أحد يواجههم.

نعم، العملية التي حدثت في بيت جن تُثبت أن الشعب السوري في موقع آخر، أي إنه لن يقبل أن يستسلم لإسرائيل، وهذا مؤشر إيجابي وصحيح، التنازلات تجعل العدو أكثر طمعًا، فقولوا له: “لا”، وهو بدوره لديه حساباته، في النهاية هو ليس منفلتًا على هواه ليفعل ما يريد، ولن يحقق أهدافه ما دمنا صامدين، ولن يؤلِمَنا دون أن يتألّم، ولكن الفرق هو في قوله تعالى: ﴿ولا تَهِنوا في ابتغاءِ القومِ إن تَكُونوا تألَمونَ فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليمًا حكيمًا﴾.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

العلاقات الاعلامية في حزب الله الجمعة 28-11- 2025
7 جمادى الآخرة 1447 هـ

المصدر: العلاقات الإعلامية