طوّر فريق من العلماء نموذجًا متقدمًا للذكاء الاصطناعي قادرًا على التنبؤ بمدى خطورة الطفرات الجينية البشرية غير المعروفة سابقًا، في خطوة وصفت بأنها قد تُحدث تحولًا كبيرًا في تشخيص وعلاج الأمراض النادرة التي تصيب مئات الملايين حول العالم.
يعتمد النموذج الجديد، الذي يحمل اسم (popEVE)، على بيانات تطورية مستمدة من مئات الآلاف من الأنواع الحيوانية، ما يمنحه دقة عالية تتفوق، بحسب الباحثين، على النماذج المنافسة، بما في ذلك نموذج (AlphaMissense) التابع لـ(Google DeepMind).
ويهدف هذا الابتكار إلى تزويد الأطباء بأداة مساعدة لفهم حالات طبية معقدة وغالبًا ما تكون غير مسبوقة، خاصة تلك المرتبطة بعوامل وراثية دقيقة، وفق فايننشال تايمز.
طفرات جينية
وقال الباحث في مركز تنظيم الجينوم في برشلونة، جوناثان فريزر، إن وجود عدد هائل من الطفرات الجينية غير المفهومة يجعل التشخيص صعبًا للغاية، مضيفًا: “هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تؤدي بها المتغيرات الجينية الفردية إلى المرض.. نأمل أن نكون قد قدمنا أداة عامة جدًا لتوجيه عملية التشخيص والعلاج”.
وجرى تطوير النموذج بالتعاون بين علماء من برشلونة وزملائهم في كلية الطب بجامعة هارفارد، استنادًا إلى خوارزمية سابقة من عام 2021 تُعرف بـ EVE، وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Nature Genetics.
يعتمد النموذج على تحليل كيفية تأثير الطفرات “المغلوطة” على تكوين البروتينات التي تشكل أساس وظائف الجسم الحيوية.
ولمعايرة دقة النموذج، دمج الباحثون البيانات التطورية للحيوانات مع قواعد بيانات بشرية مثل البنك الحيوي البريطاني وgnomAD، مما ساعدهم على التمييز بين الطفرات الضارة وتلك التي يمكن للجسم البشري تحملها دون ظهور مرض.
واختُبِر النموذج على بيانات وراثية لـ 31 ألف عائلة لديها أطفال مصابون باضطرابات نمو شديدة، ونجح في تحديد الطفرة الأكثر ضررًا بدقة وصلت إلى 98% من بين 513 طفرة جينية جديدة كليًا. كما كشف عن 123 جينًا لم تكن مرتبطة سابقًا باضطرابات النمو، لكنها تتفاعل مع بروتينات معروفة بتسببها في الأمراض.
تفوق
وأكد الباحثون أن popEVE تفوق على النماذج المنافسة في القدرة على التنبؤ بشدة المرض، خصوصًا لدى أفراد من أصول غير أوروبية، وهي فجوة لطالما عانت منها النماذج القائمة. كما أشاروا إلى أن النموذج لا يحتاج إلى طاقة تشغيل كبيرة، ما يجعله مناسبًا للاستخدام في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وقد أثبت فاعليته بالفعل في حالات طبية في السنغال، من بينها مساعدة مريض على علاج ضمور عضلي عبر جرعة معززة من فيتامين B2.
ووصف أستاذ علم الجينوم الحاسوبي في جامعة كوين ماري بلندن، داميان سميدلي، النموذج الجديد بأنه توسّع كبير لقدرات نموذج EVE الأصلي، قائلاً: “القدرة على تقييم جميع المتغيرات في جينوم المريض بشكل منهجي تُعد مفتاحًا لتحقيق الوعد الكامل لتسلسل الجينوم في الرعاية الصحية”.
ويُتوقع أن يفتح هذا التطور آفاقًا جديدة في الطب الوراثي، ويمنح الأطباء والباحثين فرصة أفضل لفهم الأمراض النادرة ووضع خطط علاجية تعتمد على تحليل دقيق وشامل للتركيبة الجينية لكل مريض.
المصدر: cnbc arabia
