الثلاثاء   
   11 11 2025   
   20 جمادى الأولى 1447   
   بيروت 20:16

الكلمة الكاملة للأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في يوم الشهيد 11-11-2025‏

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم خلال احتفال يوم الشهيد الذي أقامه حزب الله في مجمع سيد الشهداء (ع) ‏الثلاثاء 11-11-2025‏
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، ‏وعلى ‏آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم ‏الدين‎.‎
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‎.‎
نحيي يوم شهيد حزب الله، هذا اليوم العظيم الذي افتتحه فاتح العمليات الاستشهادية الشهيد أحمد قصير. في ‏هذا اليوم يكون ‏الاحتفال عامًا في لبنان، وقد اخترنا أن يكون الاجتماع للناس في أحد عشر موقعًا في ‏مختلف المناطق اللبنانية: في مجمع سيد ‏الشهداء الضاحية الجنوبية، في حسينية السيدة خولة (ع) في ‏بعلبك، في مجمع سيد الشهداء عليه السلام في الهرمل، في ‏مجمع المحقق الكركي بلدة الكرك، في مجمع ‏الإمام علي عليه السلام المعيصرة كسروان، في مرقد السيد الهاشمي في دير ‏قانون النهر، في مجمع ‏شهداء حاريص، في مجمع الشهيد القائد محمد بجيجي مشغرة، في النادي الحسيني مدينة النبطية، في ‏مجمع ‏الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف الغازية، وفي النادي الحسيني لبلدة كفرمان‎.‎
هذا الاجتماع الكبير مع كل الذين يحضرون من خلال الشاشة هو من أجل إحياء ذكرى يوم الشهيد، وفي ‏الواقع، هذه ليست ‏ذكرى، هذه حياة، الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون، بل أحياء، ولكن لا تشعرون، هذا ‏هو الشهيد، وهؤلاء هم الشهداء‎.‎
أروع ما يمكن أن نفتتح به هذا اليوم العظيم هو ما قاله سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله، قائد هذه ‏المسيرة وملهمها ‏ومربي أجيالها، قال: «عندما نستشهد ننتصر‎».‎
إذن، نحن لسنا أمام أناس تركونا وذهبوا، نحن أمام مجاهدين قاموا بما عليهم واستمروا، استمرارهم ‏بنهجهم، استمرارهم ‏بدمائهم، استمرارهم بما تركوه في حياتنا من أجل أن نبقى أعِزّة، ومن أجل أن نحمل ‏الراية خفّاقة عالية، لا يقبل الشهيد ‏مسار الذل، ولا يقبل الشهيد مسار الحياة الذليلة، ولا يقبل الشهيد إلا أن ‏يكون حيًّا عزيزًا كريمًا مستقلًّا محرٍرًا، يواجه ‏الأعداء بكل عنفوان وبكل إيمان‎.‎
لماذا اخترنا هذا اليوم؟ يوم استشهاد الشهيد أحمد قصير في 11.11.1982. مرّ 43 عامًا حتى الآن. ‏اخترنا هذا اليوم لأن ‏نموذج شهادة أحمد قصير —رضوان الله تعالى عليه— نموذج مميّز، وهو في الواقع ‏رمز لكل هؤلاء الذين استشهدوا، ‏ولكل هؤلاء الذين يسيرون على درب الشهادة‎.‎
الشهيد أحمد قصير كان عمره 19 سنة، أخذ القرار واتصل بالإخوة، وكان بإشراف الحاج عماد مغنية —‏رضوان الله تعالى ‏عليه— والحاج أبو الفضل —رضوان الله تعالى عليه— مع آخرين هيّؤوا له السيارة. ‏ذهب بسيارة مفخخة إلى مقر الحاكم ‏العسكري الإسرائيلي المؤلف من ثماني طبقات، من أجل أن يفجر ‏نفسه تعبيرًا عن رفض الاحتلال وطرد الاحتلال وإيذاء ‏الاحتلال، كي يخرج من أرضنا وكي نعيش ‏بكرامتنا على هذه الأرض‎.‎
الشهيد أحمد قصير فدى بنفسه بجسده، لكن روحه بقيت، لأن التعاليم التي أراد أن يرسّخها في الأمة ‏ترسّخت، وأصبحت ‏مسارًا طبيعيًّا. الشهيد أحمد قصير علّمنا بدمائه، ربانا بعطاءاته، رسم لنا الطريق التي ‏توصل إلى الله تعالى، وإلى الحياة ‏العزيزة، وإلى التحرير والكرامة على أرضنا، ولنأخذ مكانتنا‎.‎
هذا الشهيد ذهب بسيارته، استطاع الشهيد أحمد قصير أن يوقِع خسائر فادحة في الطبقات الثمانية التي ‏انهارت على الأرض، ‏وقُتل وجرح من في داخلها: 76 قتيلاً، 118 جريحًا. هذه الثمرة المباشرة، لكن ‏الثمرة غير المباشرة هي أنه هزّ معنويات ‏الكيان الإسرائيلي، وفتح الطريق أمام انسحاب إسرائيل من ‏لبنان، وخروج هذا العدو ذليلًا مهانًا، يحمل الخيبة من وجوده ‏على أرضنا المقدسة‎.‎
نحن عندما نحيي ذكرى هذا الشهيد، نحيي ذكرى كل شهداء حزب الله، لأننا خصّصنا هذا اليوم ليكون ‏احتفالًا بالجميع. كلهم ‏على هذا الدرب، كلهم استشهاديون، سواء ذهبوا بسيارات مفخخة أو كانوا في مواقع ‏أمامية، أو قُتلوا أثناء تنقلهم، أو قُتلوا ‏في أي مكان من الأمكنة التي فيها مواجهة مع العدو الإسرائيلي‎.‎
قال تعالى‎:‎
‏﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾‏
وقال أيضًا‎:‌‏ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾‏
هذه الطريق هي طريق رسمها الشهيد الشيخ راغب حرب —رضوان الله تعالى عليه—، والسيد عباس ‏الموسوي —‏رضوان الله تعالى عليه—، وسيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله —رضوان الله تعالى ‏عليه—، والسيد الهاشمي —‏رضوان الله تعالى عليه—، والحاج عماد مغنية —رضوان الله تعالى ‏عليه—، وكل الشهداء الأبرار الذين قدّموا في هذه ‏المسيرة، وأعطوا لهذه المسيرة‎.‎

يوم الشهيد هو يوم العائلات التي حضنت الشهيد، يوم الشهيد هو يوم كل من قُتل أو مات في سبيل الله ‏تعالى على هذا الدرب ‏وعلى هذا الخط، من المنتسبين أو المحبين أو الموالين أو المتعاطفين أو المدنيين ‏الذين يحيطون بهذه المسيرة ويدعمونها ‏ويؤيدونها، هؤلاء جميعًا هم في الموقع العظيم‎.‎
نحن اليوم أمام شهيد استُشهد بعده أربعة آخرون من إخوته: استُشهد أحمد وموسى وربيع ومحمد، يعني ‏الحاج ماجد وحسن ‏الحاج أبو زينب، المجموع خمسة، أولهم أحمد وآخرهم الشهيد ماجد. هؤلاء جميعًا ‏قُتلوا في سبيل الله تعالى، تعبيرًا عن ‏المسيرة‎.‌‏ هذه العائلة، عائلة الشهيد أحمد، هي نموذج من عائلاتنا، ‏هي نموذج من مجتمعنا، هي نموذج من العطاءات على ‏درب الشهادة‎.‎
لعلّ البعض يقول: إنكم تهتمون كثيرًا بالشهادة والشهيد، وتدعون إلى الشهادة‎.‎
يا أخي، الشهادة حياة، أما الموت فهو بيد الله تعالى، لا أحد يظن أنه عندما يذهب الشاب إلى المعركة أو ‏عندما يقف مقاتلًا ‏مجاهدًا إنما يقرّب الموت، أبدًا، فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون. ‏الموت لا يقترب بالجهاد، ولا يبتعد ‏بالجهاد، ولا يقترب بالتخاذل، ولا يبتعد بالتخاذل، الموت من عند الله ‏تعالى، له وقته، ولكن السؤال: كيف تذهب إلى ربك وإلى ‏أجلك؟ هل تذهب وأنت مرفوع الرأس في فترة ‏الحياة المخصصة من الله تعالى لك أيها الإنسان، أم لا؟
إذا كنت كذلك، وذهبت وأنت مرفوع الرأس، يعني أنك مستعد للاستشهاد، استعدادك هو خيار حياة. ‏استعدادك هو مقاومة ‏للكفر والانحراف والاحتلال والعدوان. استشهادك إنما يأتي كنتيجة طبيعية لحصول ‏الأجل. لكن المهم هو الطريق: كيف ‏وصلت إلى الله تعالى؟
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أشرف الموت قتل الشهادة‎».‎
هؤلاء طووا الدروب كلها، ليستقروا في قلوبنا، وفي حياتنا، وفي مستقبلنا‎.‎
إمامنا علي —عليه سلام الله تعالى— قال: «حملوا بصائرهم على أسيافهم، ودانوا لربهم بأمر واعظهم‎».‎
إمامنا الخميني —قدس الله روحه الشريفة— يقول عن كربلاء: «هو يوم انتصار الدم على السيف، هو ‏يوم انتصار الدم على ‏السيف‎».‎
حتى الشهيد أحمد قصير، هو ذهب مملوءًا بالفكر والإيمان والروح. نُقل عنه أنه قال: «من قال إننا لا ‏نستطيع؟ بل بالتوكل ‏قادرون، سأريكم ما أنا فاعل بهم‎».‎
نعم يا أحمد، رأينا ما فعلت بهم، ورأينا إخوانك على دربك‎.‎
رحم الله الشهيد أحمد، وكل الشهداء الأبرار، وكل الذين ماتوا على هذا الخط وعملوا من أجل رفع راية ‏المقاومة والتحرير ‏والجهاد والعزة والكرامة. إلى أرواحهم جميعًا نهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة، مع ‏الصلاة على محمد وآل محمد‎.‎

سأتحدث عن عدة نقاط منسجمة مع المناسبة‎.‎
أولًا: ما هو واقعنا الذي نعيشه اليوم؟
يجب أن نعود إلى سنة 1982 لنفهم الواقع الذي نعيشه، في سنة 1982 دخلت إسرائيل إلى لبنان من أجل ‏أن تصل إلى ‏الأولي، أي على مشارف صيدا، لتمنع سقوط صواريخ الكاتيوشا على شمال فلسطين ‏المحتلة، ولكنها أكملت، فحاصرت ‏بيروت، ثم أكملت فأخرجت منظمة التحرير الفلسطينية والفلسطينيين ‏من لبنان، ثم أكملت، فكانت مجازر صبرا وشاتيلا بيد ‏عملائها اللبنانيين في الداخل وبإشراف شارون. ثم ‏أكملت فاستمرت محتلّة، ولم تخرج، وتبين أن الهدف ليس منع إطلاق ‏الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه ‏شمال فلسطين، إنما الهدف هو الاحتلال والاستقرار في لبنان، وإنشاء المستوطنات في ‏جنوب لبنان. هذا ‏هو الذي ظهر‎.‌‏ وإلا، ما معنى أن تبقى إسرائيل من سنة 1982 إلى سنة 2000 محتلّة؟ وما معنى أنه ‌‏عندما احتلت سنة 1978 —أي قبل أربع سنوات من الاجتياح— أقامت “دولة لبنان الحر” من خلال ‏الرائد المقبور سعد ‏حداد؟
في شهر نيسان 1979 —أي بعد سنة من الاجتياح الأول— عملت “دولة لبنان الحر”، وجدوا أن تسمية ‌‏”دولة لبنان ‏الحر” فيها شيء من الانقسام، وهذا غير سليم، فغيّروا التسمية، وسمّوها “جيش لبنان الحر”، ‏وبعد سنة تقريبًا، ثم في ‏سنة 1984 سمّوها “جيش لبنان الجنوبي‎”.‎
لماذا وضعوا اسم “لبنان” دائمًا؟ حتى يوهموا بأن المسألة مسألة داخلية، مسألة لبنانية، هناك جزء من ‏اللبنانيين يريدون ‏قطعة من الأرض هناك، لكن الإشراف إسرائيلي، والدعم إسرائيلي، والتمويل إسرائيلي، ‏والأوامر إسرائيلية. الاحتلال ما زال ‏قائمًا على أرض لبنان، يرعى هذه القطعة بشكل خاص، ويحتل كل ‏هذه المنطقة إلى حدود بيروت‎.‎
خرجت إسرائيل سنة 1985 —أي بعد ثلاث سنوات من 1982— بفعل ضربات المقاومة، واستقرّت ‏في الشريط الحدودي ‏الذي تبلغ مساحته تقريبًا ألف كيلومتر مربع، واستمرّت لفترة من الزمن إلى أن ‏خرجت صاغرة في سنة 2000 بضربات ‏المقاومة‎.‎
فتح الطريق: أحمد تصير، وأمثال أحمد تصير. الاستشهاديون هم الذين عملوا من أجل إخراجهم‎.‎
قالوا لنا كثيرًا: «العين لا تقاوم المخرز». ليثبطوا العزائم‎.‌‏ قلنا لهم: ولكن إسرائيل محتلّة‎.‎
قالوا: دعوها تحتل، لكن لا نستطيع أن نواجه إسرائيل، هي قوية، هي مدعومة من العالم، هي مدعومة من ‏أمريكا، لكن ‏المقاومين المجاهدين أبَوا إلا أن يواجهوا تحت أصعب الظروف وأعقدها، وقدموا التضحيات ‏والجهاد والعطاءات‎.‎
حزب الله قام على فكرة الجهاد، وقام على فكرة المعنويات والكرامة وتحرير الأرض وعزة لبنان ودعم ‏فلسطين، هذه كلها ‏عناوين مشرقة عظيمة‎.‌‏ لكن كان دائمًا مثبّطو العزائم يقولون لنا: «لكن لا تستطيعون، ‏ليس لديكم قدرة‎».‌‏ حسناً، تبيّن أن ‏هؤلاء الضعفاء في إمكاناتهم، الذين يملكون القدرات المحدودة، لكنهم ‏يملكون قوة لا يملكها هؤلاء المنحرفون، الطغاة، ‏المجرمون، المعتدون‎.‎
ما هي القوة التي يملكها هؤلاء المجاهدون؟
قوة الإيمان والإرادة، هذه هي القوة الأساسية، هذه هي التي تصنع من القنبلة قنابل، ومن البندقية قدرة ‏قوية، ومن الرشاش ‏تأثيرًا غير عادي، ومن صرخة “الله أكبر” الزلزلة التي تحصل عند الإسرائيليين، ‏فينهارون أمام هذه المواجهة‎.‎
هذه هي القوة الحقيقية التي استطاعت أن تخرج إسرائيل سنة 2000، أي بعد 18 سنة من الاجتياح ‌‏1982، أو 22 سنة من ‏الاجتياح الذي قبله 1978‌‎.‌‏ لم تخرج إسرائيل لا بالمفاوضات ولا بالسياسة، ‏وحاولت أن تفرض مفاوضات واتفاقات مثل اتفاق ‌‏17 أيار لمصلحتها، لكن لم تتمكن‎.‌‏ فما كانت النتيجة؟ ‏خرجت إسرائيل من دون قيد أو شرط‎.‎
من سنة 2000 إلى سنة 2023، نحن في حالة ردع لإسرائيل، الردع قائم بسبب وجود المقاومة، بسبب ‏وجود الإرادة، ‏بسبب التلاحم بين المقاومة والجيش والشعب بمنظومة قوية في عملية المواجهة‎.‎
‏42‌‎ ‎سنة —من سنة 1982 إلى سنة 2024— يعني عند بداية معركة أولي البأس، مُنعت إسرائيل من ‏مشروعها التوسعي، ‏يعني لم تستطع أن تتوسع، ولم تستطع أن تحافظ على ما احتلته سابقًا، خرجت من ‏أرضنا ذليلة‎.‎
‏42‌‎ ‎سنة جاءت معركة أولي البأس، معركة أولي البأس كانت فيها تضحيات كبيرة جدًّا، قدّمنا سيد شهداء ‏الأمة السيد حسن ‌‏—رضوان الله تعالى عليه—، والسيد الهاشمي —رضوان الله تعالى عليه—، وخيرة ‏القادة الشهداء، وخيرة المجاهدين، ‏وخيرة الناس من أهلنا المدنيين من الرجال والنساء والأطفال، ومع ذلك، ‏لم تتمكن إسرائيل من أن تحقق أهدافها‎.‎
هذه المعركة، معركة أولي البأس وقفت حاجزًا أمام الاجتياح الإسرائيلي الذي توقف عند حدود معينة في ‏جنوب لبنان، ولم ‏يستطع أن يتقدّم. الشباب الأسطوري في قتاله أوقف 75 ألف جندي وضابط إسرائيلي ‏على المشارف، في القرى الأمامية، لم ‏يتقدّموا إلا أمتارًا قليلة، مئات الأمتار، لكن لم يستطيعوا‎.‎
هذا كله بفضل توفيق الله تعالى، ومقاومة هؤلاء المجاهدين الاستشهاديّين الذين لا يخافون إلا الله، والذين ‏باعوا جماجمهم لله ‏تعالى‎.‎

ثم حصل الاتفاق في 27 /11/ 2024، الاتفاق هو وقف إطلاق النار، والاتفاق فيه انسحاب إسرائيل من ‏جنوب نهر الليطاني، ‏وفيه انتشار للجيش اللبناني في جنوب نهر الليطاني، وعدم وجود أي مظاهر مسلحة ‏لغير الجيش اللبناني المسؤول عن الأمن ‏في تلك المنطقة‎.‌‏ هذا الاتفاق يتحدث عن هذه النتيجة: انسحاب ‏إسرائيل من جنوب لبنان، جنوب نهر الليطاني، وانتشار ‏الجيش اللبناني‎.‎
بالنسبة إلينا كحزب الله، الاتفاق فيه ثمن مقبول لدى المقاومة، لأن الثمن هو انتشار الجيش اللبناني الذين ‏هم أهلنا، بالنسبة ‏إلينا الذين سيتواجدون بدل المقاومة على أرض الجنوب، الجيش اللبناني، لسنا خاسرين، ‏نحن نتمنى أن يكون الجيش اللبناني ‏مستمرًّا في وجوده على الأرض، ويقاتل العدو الإسرائيلي إذا تقدّم، ‏ويقاتل العدو الإسرائيلي عندما يعتدي، ويخرج ‏الإسرائيلي غصبًا عنه من أرضنا، ويدافع عن وطنه‎.‎
الذي يقول أنه : «بالاتفاق ما أنتم لم تعودوا موجودون مسلحين في جنوب نهر الليطاني»، صحيح، لكن ‏الموجودون هم ‏أولادنا: الجيش اللبناني، هؤلاء أبناء وطننا، وبالتالي نحن رابحون بوجود الجيش اللبناني. ‏رابحون بهذا الاتفاق، لأن الدولة ‏أعلنت استعدادها أنها ستتحمل مسؤوليتها، بعد أن تحملتها المقاومة 42 ‏سنة‎.‎
‏42‌‎ ‎سنة المقاومة تنوب عن الدولة، عن الحكومة، عن الجيش، عن كل المواطنين اللبنانيين في أي مكان ‏كانوا في لبنان، ‏يعني الذي كانت تعمله المقاومة هو تضحية كبيرة جدًّا جداً نيابة عنها وعن الآخرين “وما ‏عم نربّح جميلة”، بل نعتبر أننا ‏استطعنا —والحمد لله، الله أعاننا— فنحن اتصدّينا، ونتمنى دائمًا أن أي ‏أحد يقدر أن يدافع عن هذا البلد أن يكون في المواقع ‏الأمامية، ويدنا بيده، وأن يدافع، ونحن معه ونؤيده ‏وندعمه‎.‎
بالمقابل، إسرائيل خسرت بهذا الاتفاق، لأنها خرجت، ويجب أن تخرج بحسب الاتفاق من دون أن تحصل ‏على مكاسب ‏عدوانها، وهذا أمر واضح: أن عليها أن تنسحب، والانسحاب هو ربح مقبول بالنسبة إلينا‎.‎
السؤال —وهذا ما يدخلنا إلى النقطة الثانية—: لماذا لم تطبّق إسرائيل ما عليها؟ أو بالأحرى: لماذا لم ‏تطبّق أمريكا ما عليها ‏باليد الإسرائيلية؟
السبب واضح، بل الأسباب واضحة‎:‎
أولًا: لأن لبنان يستعيد سيادته وحريته وكرامته إذا خرجت إسرائيل‎.‎
ثانيًا: لأنه مرّت سنة، وكل هذه الاعتداءات والخروقات التي تمارسها إسرائيل لم تتمكّن من خلالها أن تجرّ ‏المقاومة أو لبنان ‏إلى تبادل يؤدي إلى إعطاء ذريعة لإسرائيل بأنه لم يُنفّذ الاتفاق، وبالتالي، كل أمن ‏المستوطنات كان موجودًا بشكل عادي ‏وطبيعي، ولا تستطيع إسرائيل أن تدّعي بأن أمنها معرض للخطر‎.‎
ثالثًا: لأنها تريد أن تتدخل في مستقبل لبنان. ما تفعله إسرائيل وأمريكا اليوم ليس أنهم يحرصون على أمن ‏إسرائيل أو تطبيق ‏الاتفاق، هم بالحقيقة يتدخلون في مستقبل لبنان: كيف سيكون جيشه؟ كيف سيكون ‏اقتصاده؟ كيف سيكون سياسته؟ وكيف ‏سيكون موقعه؟
طبعًا، أمريكا باليد الإسرائيلية تريد أن تنهي قدرة لبنان المقاوم، وأن تسلح الجيش بمقدار قدرته على ‏مواجهة حزب الله، أي: ‏ممنوع أن يكون الجيش قادرًا على إسقاط طائرة واحدة، وممنوع أن يكون قادرًا ‏على إطلاق صاروخ واحد باتجاه العدو ‏الإسرائيلي‎.‎
يعني يريدون إعدام قدرة لبنان، وكشف لبنان أمام العدو الإسرائيلي، وهذا هو الذي يكون عقبة أمام أن لا ‏تقدّم إسرائيل على ‏الانسحاب، وأن لا تقوم بواجبها هي وأمريكا بحسب الاتفاق‎.‎
هنا أريد أن أسأل: لماذا يفعلون هكذا؟ يضغطون لأنهم يعتبرون أن الاتفاق يعطي لبنان مكاسب، وأن ‏إسرائيل إذا خرجت من ‏لبنان بهذا الاتفاق يبقى لبنان يملك أوراق قوة ليدافع عن نفسه وعن كرامته‎.‎
من هنا هم يضغطون على الحكومة لتقدّم تنازلات من دون بَدَل، ومن دون ضمانة، وعن طريق الفتنة، مع ‏إعطاء حرية كاملة ‏لإسرائيل أن تبقى محتلّة وتعتدي متى تشاء، وهي حقيقة الآن: إسرائيل محتلّة لكل ‏لبنان بطيرانها وعدوانها، وبإدارة ‏أمريكية‎.‎
هذه هي الصورة. إسرائيل لا تريد أن تخرج، لأنها تريد أن تتحكّم بلبنان سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا ‏ومالياً وجغرافيًّا، وتريد ‏أن يكون لبنان حديقة خلفية لتوسيع المستوطنات، كجزء من “إسرائيل الكبرى‎”.‎
للأسف، حكومتنا اللبنانية لم تجد من البيان الوزاري إلا “حصرية السلاح”، وتدّعي أنها إنما تقوم بحصرية ‏السلاح من أجل ‏أن تنزع الذرائع من العدو الإسرائيلي‎.‎

يا جماعة، ما بقى نزع السلاح ذريعة، لأنه الآن طلعوا لنا بذريعة جديدة: «حزب الله يستعيد قدرته، يتسلّح ‏من جديد، لا ‏يسمحون باستعادة القدرة‎».‌‏ حسناً، لا، هناك شيء آخر؟ «حزب الله يتموّل، حزب الله يحصل ‏على المال، والمال يعطيه قوة‎».‌‏ ‏يعني ساعة ذريعة نزع السلاح، وساعة ذريعة استعادة القدرة، وساعة ‏ذريعة وجود التمويل، وبعد شوي سيقولون: الذريعة ‏الحقيقية هي أصل وجود هذا الكيان، وهذا المجتمع، ‏وهذه البيئة، وهؤلاء الأطفال الذين سيصبحون كبارًا في المستقبل‎.‎لأن ‏إشكالهم على أصل الوجود، وليس ‏إشكالهم على هذه الذرائع المختلفة، هذه لن تنتهي كذرائع‎.‎
حسناً، أريد أن أسأل: عادةً عندما الانسان يحاجج، يحاجج بدليل واقعي، أيهما أقوى دليلاً ليكون معه حق؟ ‏حجة إسرائيل ‏بالأمن المستقبلي، وهي الآن حققت أمنها وتعتدي، وواضح أن القدرات الموجودة عندها ‏تحفظها لفترات طويلة من الزمن، ‏في مقابل لبنان وكل المنطقة، أم العدوان الإجرامي اليومي الذي يحصل ‏على لبنان، ويرتقي شهداء، ويكون هناك تدمير ‏وأعمال مباشرة؟ كم مدنيًّا قُتل؟ كيف تحصل هذه الأعمال ‏الشنيعة اليوم؟ اليوم عندنا الإسرائيلي يقتل المدنيين بشكل متنقّل، ‏وفي بيوتهم، يدمّر البيوت، يجرف ‏الأراضي، يمنع العودة، يعدم الحياة في منطقة الشريط على المحاذاة مع فلسطين المحتلة‎.‎
بحسب وزارة الصحة، صار هناك 303 شهداء منذ الاتفاق حتى الآن —أي حوالي سنة— و917 جريحًا ‏من المدنيين ‏والأطفال والرجال والنساء والمقاومين‎.‎
حسناً، ماذا يسمون هذا؟ إذا كان المتحدث باسم اليونيفيل داني جيري يقول: هناك 7000 خرق جوي ‏إسرائيلي حتى الآن، ‏و2400 نشاط شمال الخط الأزرق منذ وقف إطلاق النار، ولم ترصد الأمم المتحدة ‏أي نشاط لحزب الله في منطقة عمليات ‏الأمم المتحدة، ماذا يريدون أكثر من هذا؟
سنة بكاملها: خروقات إسرائيل بالآلاف، اعتداءات إسرائيل بالمئات، الشهداء بالمئات، جرحى بالمئات‎.‌‏ ‏ومع ذلك، يخرج أحد ‏ويقول: “والله في مشكلة موجودة عندنا بلبنان”، لا، المشكلة موجودة بالإسرائيل‎.‎

سأنتقل إلى النقطة الثالثة‎:‎
أنا لن أناقش في هذا اللقاء خدّام إسرائيل، لأن هؤلاء لو تضيئ لهم العشرة لن يروا، البصيرة معدومة، لن ‏أناقش خدّام ‏إسرائيل: من هم خدّام إسرائيل؟ حتى لا نكون نظلم أحد. هم الذين لا يدافعون عن مواطني ‏بلدهم، ولا يستنكرون عدوانية ‏إسرائيل، ويشاركوا في الضغط لتحقيق المطالب الأمريكية الإسرائيلية‎.‌‏ ‏حتى لا تقولوا غدا “اتهم هذه الجماعة أو تلك ‏الجماعة”، لا، الذين يملكون هذه الصفات —الحمد لله— ‏يمكن كل اللبنانيين لا يكون لديهم هذه الصفات، دعونا نرى التطبيق ‏العملي، فليطبق كل واحد بنفسه. ‏
نحن نتجه بكلامنا إلى أصحاب الضمائر الحية، أصحاب الحس الوطني، الذين نأمل أن يوقظ إذا غفل ‏لسبب أو لآخر‎.‎
نسأل سؤالاً: لماذا لا تضع الحكومة اللبنانية خطة استعادة السيادة الوطنية من ضمن جدول أعمالها، وتعمل ‏جدولًا زمنيًّا، ‏وتطلب كل شهر من الجيش اللبناني والأجهزة المعنية أن يقدموا تقريرًا: “أين أصبحنا في ‏استعادة السيادة الوطنية؟”، ‏وأيضًا أن يضعوا برنامجًا بعدم تطبيق الإملاءات الأمريكية وعدم الانبطاح ‏أمامها؟
يا جماعة، أمريكا مشروعها مشروع احتلال وتوسع وعدوان، أمريكا تستخدم إسرائيل أداة، يعني عندما ‏نقول “العدوان ‏الإسرائيلي”، هو بالحقيقة “العدوان الأمريكي الإسرائيلي‎”.‌‏ عندما نقول أمريكا تأتي وتطلب ‏من لبنان بعض المطالب هي ‏بالحقيقة تحاول إرغامه وتستخدم الضغط الإسرائيلي من أجل أن تحقق ‏أهدافها. عندما يتحدث الأمريكان عن التجفيف المالي؟ ‏ما علاقتهم بالوضع الاجتماعي والقرض الحسن، ‏وكل هذه الخدمات التي تُقدَّم للناس، “بعد بدهم” يتدخلوا بشؤوننا الداخلية‎.‎
على الحكومة أن تتصرف على أساس حماية المواطنين، وحماية المنظومة الاجتماعية، ومسؤوليتها عن ‏الإعمار والبناء ‏وإعطاء الحقوق‎.‌‏ ليس دور الحكومة اللبنانية أن تستمع إلى الإملاءات الأمريكية وتبدأ ‏بتنفيذها‎.‎
إذا أردنا أن نُظهر أن هذه الحكومة نجحت أم لا، يجب أن يعطوننا تقريرًا: ماذا فعلوا بالسيادة؟ ماذا فعلوا ‏بإعادة الإعمار؟ لا ‏أن يذهبوا ويلتهوا بأمور لا يستطيعون أن يُحقّقوا نتيجة فيها‎.‎
يا عمي، واضح، الأميركي واضح، براك صرّح بشكل صريح جدًّا أنه يريد تسليح الجيش اللبناني ليقاتل ‏شعبه المقاوم، ‏يقولوها على رأس السطح؟ كيف تقبلون؟ أنتم ما لازم تقبلوا‎.‎
يريدون الإشراف على إعدام القوة العسكرية والقدرة العسكرية في كل لبنان، لتبقى إسرائيل بلا رادع‎.‎
أنا أختصر وأنتقل إلى النقطة الرابعة‎:‎
ما هو موقف حزب الله؟ موقف حزب الله سأقوله بخمس نقاط‎:
أولًا: الاتفاق المعقود في 27-11-2024 هو حصريًّا لجنوب نهر الليطاني، وعلى إسرائيل الانسحاب، ‏وإيقاف العدوان، ‏وإطلاق سراح الأسرى، ولا توجد مشكلة على أمن المستوطنات، والدولة اللبنانية هي ‏التي تتحمل مسؤولية من خلال ‏حكومتها وأجهزتها أن تنفّذ إخراج إسرائيل بكل الوسائل المشروعة ‏والمتاحة، ويجب أن يفكّروا بإبداع لتطبيق هذا الاتفاق ‏من الجهة الأخرى، لأن لبنان نفّذه مع مقاومته ‏وشعبه‎.‎

ثانيًا: الجنوب مسؤولية الدولة، مسؤولية الحكومة والشعب والمقاومة، ولن يستقر لبنان مع استمرار عدوان ‏إسرائيل ‏وضغط أمريكا، وإذا كان الجنوب نازفًا، فالنزف سيطال كل لبنان بسبب أمريكا وإسرائيل‎.‎
ما حدا يتصرف على أنه “ما إلنا علاقة”. هذا الجنوب، لا ، إلنا علاقة بكل لبنان‌‎.‎

ثالثًا: لا استبدال للاتفاق، ولا تَبْرئة ذمّة للعدو الإسرائيلي باتفاق آخر، لأنه عندما نذهب إلى اتفاق آخر، ‏يعني معنى ذلك أن كل ‏شيء انتهى وعفونا عنه، وكل الاعتداءات التي ارتكبوها مشي حالها، وعندها ‏سيذهبوا إلى شروط جديدة وترتيبات ‏جديدة‎.‎لا، يجب تنفيذ الاتفاق، وهذا أساس، بعد تنفيذ الاتفاق، كل ‏السبل مفتوحة لناقش داخلي بين اللبنانيين بإيجابية وتعاون ‏على قاعدة قوة لبنان واستقلاله وسيادته، لا ‏علاقة لأحد بما يتفق عليه اللبنانيون، لا أحد يدخل بيننا. نحن نرتب حالنا ونتفق ‏على كل شيء‎.‎

رابعًا: استمرار العدوان على هذه الشاكلة بالقتل والتدمير لا يمكن أن يستمر، ولكل شيء حدّ، أنا لن أتكلم ‏أكثر من هذا. ‌‏”خلي المعنيين” ينتبهوا لأمور لا يمكن أن تُتحمَّل أن تستمر بهذه الطريقة‌‎.‎

خامسًا: نحن شعب حيّ، أصابتنا الحرب إصابات بليغة، ولكننا أحياء وشجعان ومقاومون‎.‎
يوم الشهيد هكذا يقول، تحيةً إلى العائلات المجاهدة الطيبة الطاهرة، إلى الرجال والنساء والأطفال، إلى ‏الجرحى والأسرى، ‏إلى كل الذين أحاطوا بالمجاهدين والاستشهاديين، إلى كل الذين رفعوا هذه الراية ‏عاليًا، إلى كل الذين كانوا صوتًا صادحا ‏مؤثرًا تحت لواء سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله —‏رضوان الله تعالى عليه‎.‎
هذا المجتمع المقاوم هو مجتمع يحمي الدولة من الضغوطات الخارجية، ويقوي موقعها وموقفها‎.‌‏ استفيدوا ‏من هذا المجتمع. ‏مجتمع المقاومة يسد المنافذ الأمنية والسياسية والاقتصادية —فضلاً عن العسكرية— ‏في وجه إسرائيل‎.‎استفيدوا من هذا ‏المجتمع‎.‎
هنا أنا عندي سؤال‎:‌‏ هل التشييع المليوني للسيّدين الشهيدين تهمة؟
هذه حقيقتنا. نحن في بلدنا وأرضنا، وهؤلاء ناسنا الذين عبروا عن هذا التشييع وهذا الالتزام‎.‎
هل 75 ألف كشفي في المدينة الرياضية يجتمعون في الاجتماع الكشفي الكبير تهمة؟
هؤلاء أولادنا، جيل المستقبل في بلدنا وأرضنا، يرفعون راية الأخلاق والإخلاص والجهاد والحق ‏والمستقبل والسلام والأمن‎.‌‏ ‏هذه ليست تهمة‎.‎
سؤال: هل وحدة حزب الله وحركة أمل تهمة؟ هذه اللحمة الشعبية هي دعامة بناء بلدنا وأرضنا، لبنان! يا ‏جماعة، لازم ‏الناس تفكر كيف تتحد، مش تستنكر الاتحاد الموجود‎.‎
يقولون لنا: “لا تقولوا تعافينا‎”.‌‏ بعض المقالات وبعض الأشخاص نصحوا: “ما تقولوا تعافينا، لأنه إذا قلتم ‏تعافينا، ‏الإسرائيلي سيأخذها حجة‎”.‌‏ هو لا يبحث عن حجة، هو عنده كل الحجج. أصل وجودنا هو حجة ‏بالنسبة له‎.‎
نحن عم نتعافى بحضورنا الطبيعي في بلدنا‎.‌‏ مجتمعنا مجتمع حيّ، مجتمعنا مجتمع قوي، مجتمعنا مجتمع ‏آمن بالمقاومة، آمن ‏بالتحرير‎.‎هذه قوة الحقيقة‎.‌‏ دائمًا نحن نقول: قوتنا بالإيمان والإرادة، ليست القصة قصة ‏الإمكانات، لكن هذه حجة. هم ‏يريدون: حياتنا ألا تكون موجودة؟ ويريدون إبادتنا؟ هكذا ننظر: نحن أمام ‏خطر وجودي حقيقي، ولذلك من حقنا أن نفعل كل ‏شيء في مواجهة هذا الخطر الوجودي‎..

سجّلوا لديكم‎:‌‏ قوة مقاومتنا بإرادتنا وإيماننا،دماء شهدائنا زادتنا قوة وعزة‎.‌‏ تضحيات أهلنا أنارت طريق ‏عزتنا‎.‌‏ التهويل ‏والضغط لن يغيّر موقفنا‎.‌‏ سندافع عن أرضنا، سندافع عن أهلنا، سندافع عن كرامتنا ‏وعزتنا‎.‎
لن نستسلم‎.‌‏ لن نترك مستقبل أجيالنا للمستكبرين والمجرمين والعابثين والعملاء‎.‌‏ لن نتخلّى عن سلاحنا ‏الذي يعطينا هذه ‏العزيمة وهذه القوة، ويمكننا من الدفاع‎.‎
ألا وإن الدعي يا ابن الدعي قد ركز بين أثنين: بين السَلَة والذِلّة‎.‎
وهيهات من الذلّة‎.‎
على أمريكا وإسرائيل أن ييأسا‎.‌‏ نحن أبناء الحسين، نحن الممهّدون للمهدي —عجّل الله تعالى فرجه ‏الشريف‎—‎،نحن أهل ‏الملاحم في الدفاع، نحن أهل الأرض الصامدون، نحن بعنا جماجمنا لله تعالى، فلن ‏تتحكم بنا الشياطين‎.‎
إما أن نعيش أعِزّة، وإما أن نموت أعِزّة‎.‎
فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين، كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام‎.‎
نحن المعتدى علينا، وسندافع‎.‎أي ثمن هو أقل من ثمن الاستسلام، ويفتح أفق الانتصار، ونحن واثقون أننا ‏منصورون ومن ‏الآخر تقولون: “وقعت فينا خسائر كبيرة‎”‎، صحيح، إسرائيل متغولة ، صحيح . أمريكا ‏متجبرة طاغية، صحيح، لكن ‏الصحيح أيضًا أننا لن نركع، وسنبقى واقفين‎.‌‏ جرّبتمونا في السابق، وفي ‏معركة أولي البأس، إذا أردتم التجربة، سنكون لها‎.‌‏ ‏لكننا لن ننسحب من الميدان، وسندافع بكل ما آتيناه ‏قوة‎.‎
وهيهات منا الذلة‎.‎
توجد ثلاث قواعد أتمنى أن يحفظها الأعداء قبل الأصدقاء‎:‎نحن مطمئنون لثلاث قواعد تظلّلنا في هذه ‏المرحلة‎:‎
أولًا: هذه المقاومة وشعبها لا يُهزمون‎.‎
ثانيًا: منصورون بإحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة‎.‎
ثالثًا: هذا زمن الصمود وصناعة المستقبل‎.‎
نحن نمشي على هذه القواعد الثلاثة في يوم الشهيد، يوم العظمة والعطاء‎.‎
هنا لابد أن نحيي فلسطين وغزة والضفة والقدس‎.‌‏ نحيي الجهاد العظيم الذي أعطاه الشعب الفلسطيني ‏والمقاومة الفلسطينية، ‏والتضحيّات العظيمة التي قدّمت من أجل التحرير‎.‌‏ هؤلاء الأبطال الذين عرّفوا ‏العالم معنى أن يقفوا من أجل حقهم لمدة ‏سنتين، وكل الإجرام العالمي ضدهم، ولم يمكنوا إسرائيل من ‏تحقيق أهدافها‎.‎
نحن نؤيدكم وندعمكم، وستبقى البُوصلة فلسطين‎.‎

تحية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي دعمتنا وتدعمنا‎.‌‏ تحية إلى الإمام القائد الخامنئي —حفظه ‏الله، هذا الولي المحب ‏العاشق للمجاهدين، المحب للكرامة الإنسانية، المدافع عن حق المظلومين وعن ‏فلسطين‎.‎هذا الدعم الذي قدّمته إيران هو ‏عظيم جدًّا‎.‎
وتحية هنا إلى الشهيد قاسم سليماني —رحمة الله عليه وقدس الله روحه الشريفة—، قائد المحور المقاوم ‏الذي أعطى كل ‏شيء‎.‎

تحية إلى اليمن العزيز: ما هذه الجماهير المليونية؟ ما هذه العطاءات التي لا تتوقف؟ ما هذه القيادة ‏والشعب وأنصار الله وكل ‏هؤلاء الذين يقدمون ويُضحّون؟ العسكر، الأمن، القوات المختلفة، كلهم على ‏قلب رجل واحد. أنتم —إن شاء الله— طلائع ‏التحرير‎.‎

تحية إلى العراق الأبي بمرجعيته وشعبه وحشده وحكومته وكل المعنيين وعشائره، لأنه بالحقيقة أحسسنا ‏أنهم دائمًا إلى ‏جانبنا، وإن شاء الله نستمر معًا‎.‎
أيها الشهيد، أنت نبراس حياتنا، وسنستمر على هذه الطريق‎.‌‏ نحن استشهاديون بالمنهج والعطاء والاتجاه ‏والنتيجة ‌‎.‎عندما ‏نستشهد ننتصر‎.‎

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‎.‎

المصدر: العلاقات الإ‘علامية