اتفاق الطائف: في الإصلاحات والدولة القادرة المفترضة
منذ أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، يظل اتفاق الطائف الركيزة الأساسية للنظام اللبناني، رغم التحولات السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدها لبنان والمنطقة. تم توقيع الاتفاق عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، لكنه لم يكن مجرد وثيقة دستورية لتنظيم توزيع السلطات، بل جاء كتسوية سياسية إقليمية-داخلية أعادت رسم توازن القوى وربطت بناء الدولة بمصالح محلية ودولية متشابكة.
ورغم أن الطائف أنهى الحرب رسميًا، إلا أنه لم يؤسس لنظام سياسي مستقر أو منتج. فبدل أن يطلق مرحلة إصلاح مؤسساتي حقيقي، كرّس منطق المحاصصة الطائفية كآلية لإدارة الدولة، ما حوله من اتفاق لإنهاء النزاع إلى صيغة تعيد إنتاجه بصور مختلفة.
في هذا الإطار، برز خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2025، خلال الاحتفال الذي أقامه حزب الله في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد الجهادي نبيل قاووق والقائد الجهادي سهيل الحسيني “السيد أحمد” الذي شدد فيه على أن «الطائف ليس وجهة نظر، بل اتفاق، وليس مطية لموازين القوى»، مؤكدًا أن المشكلة ليست في النصوص، بل في الممارسة السياسية التي فرغت الاتفاق من مضمونه الإصلاحي.
وفي هذا السياق يشير مرجع وزاري سابق في حديث لموقع المنار، إلى أن «النقاش حول الطائف لا يقتصر على النصوص، بل على قدرة الدولة على تطبيقه بصدق وحماية السيادة الوطنية»، ما يعكس الحاجة المستمرة لربط التاريخ بالواقع الراهن.

التوازن الطائفي مقابل الدولة المدنية
كرّس اتفاق الطائف تعديل التوازن الطائفي داخل البرلمان، بحيث أصبح التمثيل بين المسلمين والمسيحيين متساويًا، وأقرّ توزيع المناصب وفق الطوائف. وفي الوقت نفسه، ذكر إلغاء الطائفية السياسية كهدف وطني، دون وضع آليات تنفيذية واضحة، ما جعل الدولة المدنية هدفًا نظريًا أكثر منه واقعًا ملموسًا.

قراءة في خطاب الشيخ نعيم قاسم
قدّم الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم رؤية متميزة تتجاوز القراءات التقليدية لاتفاق الطائف. فهو يرى أن الطائف ليس مجرد وثيقة لتقسيم السلطة بين الطوائف، بل إطار سياسي محدود ينجح في إنهاء الحرب وإرساء توازن داخلي بين الفصائل اللبنانية. وبحسب الشيخ نعيم، فإن الطائف لم يُعدّ ليكون أداة لتعطيل المشروع الوطني أو قمع الحق في الدفاع عن لبنان، بل يجب فهمه كجزء من مشروع أوسع يشمل السيادة والاستقلال الوطني.

الطائف كنص في مواجهة الواقع
وعلى الرغم من القيمة الرمزية الكبيرة التي اكتسبها اتفاق الطائف عند توقيعه، تكشف مراجعة تطبيقه على مدى العقود الثلاثة الماضية فجوة واضحة بين نصوصه الدستورية والواقع السياسي اللبناني. البنود التي نصّت على اللامركزية، إلغاء الطائفية السياسية، وإنشاء مجلس الشيوخ لم تُطبّق عمليًا، مما جعل الكثير من أهداف الاتفاق في بناء الدولة المدنية والنظام المؤسساتي مجرد خطاب نظري لم يترجم إلى واقع ملموس. في المقابل، تم الإفراط في تطبيق بعض البنود بما أتاح تعزيز المحاصصة التقليدية وتثبيت مواقع النفوذ للطوائف والأحزاب الكبرى، ما حول الاتفاق من وثيقة وفاق وطني إلى أداة لضمان بقاء القوى التقليدية في السلطة ومصالحها.

المصدر: موقع المنار
