الإثنين   
   20 10 2025   
   27 ربيع الثاني 1447   
   بيروت 16:20

“أجيال السيد”..بين التنظيم والتربية، منبر يعبّر عن هوية المقاومة

وسط بحرٍ من الوجوه المضيئة والزيّ الكشفيّ الموحد خفقت القلوب على إيقاع الخطوات المنتظمة في ساحة المدينة الرياضية، حيث اجتمع أكثر من 74 ألف كشفيّ من جمعية كشافة الإمام المهدي (عج) ليكتبوا مشهدًا لا يُنسى.

لم يكن الحشد مجرد رقم، بل روح واحدة توزّعت على آلاف الأجساد الصغيرة التي التحفت بالزيّ الكشفيّ، وعيونها تلمع بفخرٍ وإيمانٍ وانتماء. لم تكن “أجيال السيد” فعالية كشفية فحسب، بل وعدًا جماعيًا بأن هذا الجيل هو الامتداد الحيّ لمشروعٍ لا يعرف التراجع.

من وراء الكواليس… كيف صُنعت الدقّة؟

يقول الشيخ محمد سعد معاون رئيس جمعية كشافة الإمام المهدي(عج) في حديث خاص لموقع المنار إن ما شاهده اللبنانيون من انضباط لافت لم يأتِ صدفة، بل هو نتاج رحلة تحضيرية امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر، شارك فيها آلاف القادة والقائدات ضمن لجان متخصصة: إدارية، لوجستية، فنية، إعلامية وتنظيمية.

“كل تفصيل كان محسوبًا: من اللباس وخطوط السير والسلامة، إلى التدريب الموسيقي والمشهدي. المشهد بدا كأنّ أوركسترا واحدة تعزف لحن الوفاء في حضرة السيد الأقدس.”

ويشير إلى أن الفعالية لم تشهد أي خلل يُذكر رغم ضخامتها، مؤكداً أن جميع المشاركين عادوا سالمين إلى مناطقهم، في مشهدٍ يختصر صورة جمعيةٍ رساليةٍ منظمةٍ تعرف كيف تُدير التفاصيل الصغيرة بروح الفريق الواحد.

جنود خلف الكواليس… والتربية بالممارسة

يصف الشيخ سعد القادة الميدانيين بأنهم “جنود ميدانيون حملوا الخطة على أكتافهم”، موضحًا أن مهامهم لم تقتصر على التنظيم فقط، بل شملت التبليغ والتحفيز والتدريب والتنسيق مع الأهالي لتأمين النقل والاحتياجات.

“القيم التي نربّي عليها أبناءنا تجلّت في الانضباط، التعاون، الالتزام بالوقت، وروح الفريق. هذا لم يكن صدفة، بل نتيجة تربية رسالية متجذّرة.”

ويضيف أن مثل هذه التجمعات تمثّل تطبيقًا حيًّا لمفهوم “التربية المهدوية”، حيث تلتقي العقيدة بالسلوك، والإيمان بالعمل.

الأمن ثمرة التعاون الوطني

في حديثه عن التنسيق الأمني، يوضح الشيخ سعد أنّ التعاون الوثيق مع الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والدفاع المدني والبلديات كان جزءاً من الخطة منذ البداية.

“نحن نؤمن أن النجاح مسؤولية وطنية. الأمن كان رؤية مشتركة مع المؤسسات الرسمية، والنتيجة مشهد منظم وآمن أعاد الثقة بمفهوم الشراكة بين المجتمع والدولة.”

الكشاف في خدمة الناس

لا يرى الشيخ سعد أن دور الكشفي يقتصر على المناسبات، بل هو نهج حياة: “نحن لا نربي الكشفي ليكون منضبطًا فقط، بل خادمًا لمجتمعه، نافعًا للناس، حريصًا على الخير العام.”

ويستعرض مجموعة من أنشطة الجمعية كحملات التبرع بالدم، المبادرات البيئية، ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة، مؤكدًا أن الخدمة العامة جزء أساسي من فلسفة الكشاف الرسالي.

من التنظيم إلى الفكرة… قراءة سياسية في المشهد

من زاويةٍ مختلفة، يرى الدكتور وسام ياسين الكاتب والباحث السياسي في حديث خاص لموقع المنار أن فعالية “أجيال السيد” تتجاوز الطابع الاحتفالي إلى رسالة سياسية واجتماعية متكاملة.

“ما يميز هذا الحدث هو أنه يعكس مستقبل المقاومة لا ماضيها. فالحشود الشابة الواعية هي الدليل العملي على تجذّر هذا المشروع في بنية المجتمع اللبناني.”

ويضيف أن مجرد المشاركة الكثيفة للفتيان والفتيات هو رد عملي على محاولات التشكيك في استمرارية الحاضنة الشعبية للمقاومة.

رسالة تحدٍ في وجه الشائعات

يستذكر الدكتور ياسين أن الفعالية جاءت في وقتٍ شهد تسريبات إعلامية حول تهديدات أمنية.

“آلاف العائلات أرسلت أبناءها رغم التهويل، وهذا يعبّر عن ثقة استثنائية بالمشروع، وثقة بالمجتمع الذي يُنظّم الفعالية. الرسالة كانت واضحة: لا نخاف، ولا نُدار بالتهديد.”

خطابٌ تربويّ بأبعاد استراتيجية

يشير الدكتور ياسين إلى أن خطاب سماحة الأمين العام في المناسبة اتّخذ منحى اجتماعيًّا وتربويًّا أكثر من سياسي، معتبرًا أن هذا الاختيار مقصود:

“حين يدعو سماحته للتحصيل العلمي أو بر الوالدين، فهو يبني مقاومة تبدأ من الأسرة والمدرسة قبل أن تصل إلى الجبهة. هذه هي المقاومة التي تُبنى بالعقل بقدر ما تُصان بالسلاح.”

ويرى أن هذا التوجه يُكرّس مفهوم “المجتمع المقاوم” لا “المقاتل فقط”، أي مجتمع قادر على الصمود والبناء في الوقت نفسه.

مستقبل المقاومة… من أجيالها الصغيرة

في ختام حديثه، يؤكد الدكتور ياسين أن “أجيال السيد” ليست حدثاً عابراً بل نقطة تحوّل في الصورة العامة للمجتمع المقاوم:

“حتى لو تغيّر القادة، المقاومة لا تموت لأنها تعيد إنتاج نفسها من خلال هؤلاء الشباب. ما رأيناه في المدينة الرياضية هو الجواب الأوضح: المقاومة فكرة حيّة تتجدّد بأجيالها.”

بين التربية والتنظيم… مشروع مستمر

في الخلاصة، يتّضح أن فعالية “أجيال السيد” لم تكن مجرد استعراض كشفي، بل مشروع وطني وتربوي متكامل، يجمع بين الانضباط والتفاني من جهة، والوعي والانتماء من جهة أخرى.

هي رسالة تقول: إن الجيل الذي تربّى في مدارس الكشافة، هو الجيل الذي سيحمل الراية… بثقة، وبصمت، وبإيمانٍ راسخ بأن التنظيم هو وجهٌ آخر للمقاومة.

المصدر: موقع المنار