تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الثلاثاء 10-7-2025 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
البناء:
ترامب متفائل بالتفاوض حول غزة: حماس إيجابيّة وإيران تدعم التوصّل لاتفاق | أسطول الصمود يتجدّد والناشطون يعلنون للحشود العالمية العزم على المزيد | شهادة عطوي وزوجته تعيد الاعتداءات إلى الواجهة… وجلسة حكوميّة هادئة
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة البناء اللبنانية ” لليوم الثاني كرّر الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب تفاؤله بالمسار التفاوضيّ الذي انطلق في شرم الشيخ المصريّة، حول إنهاء الحرب في غزة، مشيداً بتعامل حركة حماس مع مفردات التفاوض التي تدور حول بنود الخطة التي قدّمها ترامب، وتحدّث ترامب عن إطار إقليمي داعم للتوصل إلى الاتفاق، مشيراً في هذا السياق إلى أن لديه إشارات قوية إلى أن هناك دعماً إيرانياً للتوصل إلى اتفاق إضافة إلى دعم السعودية وقطر وتركيا التي تشكل دولاً تصغي إليها حماس، ووفقاً لمصادر فلسطينية تتابع مسار التفاوض، فإن محاور المفاوضات ترتبط بالمرحلة الأولى من الاتفاق التي لا تتناول القضايا الخلافيّة وخصوصاً قضيتي الدولة الفلسطينية التي ترفضها «إسرائيل» بصورة مطلقة وقضية نزع سلاح المقاومة التي ترفضها المقاومة بصورة مطلقة. وقد سلم الجانب الأميركي وقبل الجانب الإسرائيلي على مضض بأن موضوع نزع سلاح المقاومة ليس شرطاً واقعياً لمعادلة تضمن الإفراج عن الأسرى ووقف الحرب، وتدور المفاوضات حول تفاصيل عملية تبادل الأسرى خصوصاً الأسرى الفلسطينيين، وبالتوازي ربط قدرة المقاومة على ضمان التزامها بالإفراج عن الأسرى الأحياء وتسليم جثث الأموات منهم، بثبات انسحاب إسرائيلي حقيقي من مناطق قطاع غزة يزيل القيود عن حركة قوى المقاومة، وبوقف ثابت لوقف إطلاق النار لضمان إنجاز المهمة، والحصول على ضمانات أميركية واضحة بعدم تجدّد الحرب واعتماد التفاوض أساساً في حل القضايا العالقة من خطة الرئيس الأميركي.
في مدن العالم لا تزال التظاهرات المساندة لغزة وفلسطين تملأ الشوارع، وانتقل الدعم الشعبيّ لنشطاء أسطول الصمود إلى احتفال بحريّة العائدين من سجون الاحتلال منهم، وقد أُعلن عن انطلاق أسطول جديد من إيطاليا مكوّن من 11 سفينة بات في المياه الدوليّة نحو غزة، بينما تحدث النشطاء العائدون من أسطول الصمود عزمهم على تنظيم انطلاق أساطيل جديدة، طالما أن الحرب لم تتوقف وغزة لا تزال تحت ضغط الحصار والقتل والتدمير والتجويع.
في لبنان دوّت أصداء الاعتداء الإسرائيلي الجديد الذي استهدف الشهيد حسن عطوي وزوجته في كل لبنان، وأعادت الغارة قضية الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة إلى الواجهة السياسيّة مذكرة المسؤولين بأن الرهان الدبلوماسي لم يسفر عن أي نتيجة فعلية، وأن ما يسمّى بالميكانيزم والمقصود لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار بلا قيمة، وأنه مع مرور قرابة سنة على وقف إطلاق النار صار ضرورياً أن يقيّم لبنان تقييماً جدياً يحدّد بنتيجته آليات العمل الحكومي والشعبي في مواجهة الاحتلال والاعتداءات المستمرة، ورأت مصادر سياسية متابعة أن نجاح مساعي رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في تهدئة التوتر الحكومي وضمان عبور آمن لجلسة الحكومة سواء في مقاربة تقرير قيادة الجيش حول مسار خطتها جنوب الليطاني أو بصدد قضية جمعية رسالات، ما يتيح إعادة فتح قنوات الحوار الهادئ حول كيفية مواجهة التحديات.
واطّلع مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وحضور رئيس مجلس الوزراء القاضي نواف سلام والوزراء، على التقرير الأول الذي قدّمه قائد الجيش العماد رودولف هيكل حول الخطة التي وضعتها قيادة الجيش قبل شهر لحصر السلاح بيد الدولة والتي كان رحّب بها مجلس الوزراء في حينه.
ووفق المعلومات، فإنّ قائد الجيش العماد قدّم عرضًا تفصيليًّا للمرحلة الأولى من خطّة الجيش لحصر السّلاح في جنوب الليطاني وذكّر بأنّها تتضمّن ثلاث نقاط أساسيّة وهي حصر السّلاح جنوبي الليطاني، احتواء السّلاح على الأراضي اللّبنانيّة كافّة، وضبط المخيمات الفلسطينية الّذي يعني إغلاق الثّغرات في المخيّمات، بما يجعل الدّخول والخروج منها لا يحصل إلّا عبر مداخل يسيطر عليها الجيش».
وطالب قائد الجيش وفق معلومات «البناء» بتقديم الدعم المالي والبشري واللوجستي للجيش وكذلك التضامن السياسي خلف أداء مهماته الممتدة على كامل الجغرافيا اللبنانية.
وأوضحت قناة «أل بي سي» أنّ «هيكل فصّل كلّ هذه النّقاط، وعرض أمام الوزراء ما الّذي نفّذه الجيش منها، وأين جرى التنفيذ وأين أصبح التقدّم في الخطّة وذلك بالأرقام»، مشيرةً إلى أنّه «عندما كان يتكلم عن حصر السلاح جنوب الليطاني، تحدّث قائد الجيش عن عدم عرقلة أهالي الجنوب لتنفيذ المرحلة الأولى للخطة، وعن تعاون بين الجيش والقوات الدولية هناك».
وذكرت المعلومات أنّ «هيكل أكد أن الجيش وعلى الرغم من كل شيء، وعلى الرغم من المعوقات الإسرائيلية والاعتداءات، ينفذ روزنامته للمرحلة الأولى، وأن الأمور تسير مثل ما هو خطط لها. علماً أنه وفي كلامه تمنى قائد الجيش على الدولة تفعيل وجودها في الجنوب».
وعلّق مجلس الوزراء العمل بالعلم والخبر المعطى لـ «الجمعية اللبنانية للفنون ـ رسالات»، وذلك لحين جلاء نتيجة التحقيقات الإدارية والجزائية التي باشرتها كلّ من وزارة الداخلية والنيابة العامة التمييزيّة في ملابسات ما حصل في منطقة الروشة.
وشدّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خلال الجلسة على أن لا نيّة لتأجيل الانتخابات النيابية، وأنه يعود لمجلس النواب اختيار القانون الذي ستُجرى على أساسه الانتخابات، فيما يعود للحكومة تأمين إجراء هذا الاستحقاق في موعده. وأشاد الرئيس عون بعدد الوافدين إلى لبنان خلال الصيف الفائت والذي لم يتحقق منذ العام 2018، مشيراً إلى وجود دراسة تفيد بأن الحكومة الحالية حققت أرقاماً لم تحققها أي حكومة منذ 20 سنة، وهو ما يناقض كل التشويش الذي يصدر من هنا وهناك المشكك بمسار العمل الحكومي. كما لفت إلى أنّ المساعدات الأميركية التي تمّ إقرارها للجيش وقوى الأمن هي الأكبر التي تقدّمها واشنطن للمؤسسة العسكرية، وتعكس الثقة بهذه المؤسسة.
من جهته، رحّب رئيس مجلس الوزراء القاضي نواف سلام بمبادرة الرئيس الأميركي لوقف الحرب في غزة، وشدّد على أنّ الموقف اللبناني هو قيام دولتين على أساس ما تضمنته مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت. كما شكر الإدارة الأميركية على المساعدات التي قدمتها للجيش وقوى الأمن الداخلي.
وطلب سلام في ما خصّ موضوع إنشاء مجمّع وزاري، وضع دراسة من قبل وزير المال حول إمكانية استخدام مباني اللعازارية بعد التفاوض مع بنك «انترا»، ويمكن الاستناد إليها لدرس اقتراحات أخرى واتخاذ القرار المناسب بشأنها.
وسبق الجلسة لقاء بين الرئيس عون والرئيس سلام تمّ فيه عرض الأوضاع العامة والمواضيع المدرجة على جدول الأعمال.
وكانت الجلسة بدأت بدرس بنود جدول الأعمال، ثم انضمّ إلى الجلسة العماد هيكل ومدير العمليات في الجيش اللبناني العقيد الركن جورج رزق الله.
وعلمت «البناء» أنّ سلسلة اتصالات واجتماعات حصلت قبل الجلسة بين الرئاسات الثلاث أفضت إلى تفاهمات على جدول أعمال الجلسة والقرارات التي سيتخذها المجلس، كما عقد اجتماع جانبيّ بين رئيسي الجمهورية والحكومة ووزراء الدفاع والعدل والداخلية والبيئة تمارا الزين ناقش قضية الروشة وجرى الاتفاق على مخرج وسطي لا يكسر قرار رئيس الحكومة ولا يؤدي إلى مواجهة حكومية وسياسية وشعبية مع حزب الله.
وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أنّ «مساعي حثيثة قادها رئيس الجمهورية وبعض مستشاريه على خطوط عين التينة ـ حارة حريك والسراي الحكومي، لاحتواء وتدارك الخلاف بين رئيس الحكومة وحزب الله ولئلا يؤدي إلى أزمة حكومية وسياسية تعطّل عمل مجلس الوزراء»، وقد لاقى الرئيس نبيه بري جهود رئيس الجمهورية وتواصل مع حزب الله بهذا الشأن لتجنّب لغة التحدي والتصعيد مع رئيس الحكومة، كما حصل تواصل بين بعبدا والسراي الحكومي لإعادة ترتيب بنود جدول الأعمال بترتيب لا يشكل تحدياً لأيّ من الأطراف، والبحث عن حلّ وسطي لأزمة صخرة الروشة. وقد وضع رئيس الجمهورية خلال اتصالاته ولقاءاته، خطوطاً حمراً وطنية أبرزها الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الداخلية ووحدة الجيش اللبناني الذي يطلع بمهام عدة على الحدود الشمالية والشرقية والجنوبية وفي الحفاظ على الأمن الداخلي.
وأكّد وزير الدّاخليّة والبلديّات أحمد الحجار، في تصريح عقب انتهاء جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا، أنّ «رئيسَي الجمهوريّة والحكومة والوزراء حريصون على وحدة الحكومة ووحدة السّلطة السّياسيّة ووحدة اللّبنانيّين».
وفي سياق ذلك، أشار مصدر سياسيّ لقناة «الجديد»، إلى أنّ «النّقاش في جلسة مجلس الوزراء احتدّ على ملف مطمر الجديدة أكثر منه على واقعة صخرة الروشة وملف جمعيّة «رسالات»، وهو ما تُرجم بالمخرج القانوني للبند المتعلّق بالجمعيّة عبر تعليق نشاطها من دون حلّها، إفساحًا في المجال لاستكمال التحقيقات القضائيّة، على أن يقتصر الأمر على التحفّظ عن أيّ انسحاب أو تصعيد وزاري»، لافتًا إلى أنّ «هذا ما ظهر جليًّا أيضًا خلال عرض التقرير الأوّل للجيش اللّبناني حول خطة سحب السّلاح، وتوصيف وزير الخارجيّة له بـ»الممتاز». وذكرت مصادر وزاريّة لـ«الجديد»، أنّ «الملف طرحته وزيرة البيئة تمارا الزين من خارج جدول الأعمال، وبعد نقاش محتدم جرى سحبه من التداول».
إلى ذلك، رأى عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله، أنّ «لا يمكن للأغلبية في الحكومة الحالية أن تتفرد بمعزل عن تفاهمها مع بقية المكوّنات، لأن هناك قوى مشاركة في الحكومة رأيها ملزم انطلاقًا من كونها تمثل فئة كبيرة من الشعب اللبناني، ويندرج تمثيلها تحت عنوان الميثاقية المنصوص عليها حتى في الدستور، بالحديث عن التفاهم داخل الحكومة وأيضًا في وثيقة الوفاق الوطني».
واشار إلى أنّ «الحكومة تريد أن تناقش خطة للجيش تحت عنوان حصرية السلاح، وحاول بعض هذه السلطة بالأمس القريب أن يزجّ هذا الجيش بمواجهة مع الناس، وعندما تصرّف الجيش انطلاقًا من مسؤوليته الوطنية والقانونية غضب بعض السلطة وعمد إلى التحريض عليه، ونشر صورًا للقادة الأمنيين وللوزراء المعنيين وتحميلهم المسؤولية، في حين أنه لو قام فريق آخر بما قامت به هذه الجهات، لسمعنا صراخًا وعويلًا واتهامات، ولكن أن يقوموا هم بالتحريض على الجيش فهذا كأنه أمر عادي». وشدّد على «أننا لسنا معنيين بمناقشة حصريّة السلاح، وإذا كان هناك من ميليشيات فليذهبوا ويحصروا سلاحها، أمّا المقاومة فهي مقاومة وهي خارج كل هذه التصنيفات التي يُراد لها أن تسود في هذه المرحلة، وستبقى مقاومة ولن يستطيع أحد المسّ بها وبخيارها وبنهجها وبسلاحها، لأنه سلاح مشرّع في اتفاق الطائف ومشرّع على مدى 35 سنة من البيانات الوزارية التي صدّقت عليها الحكومات على امتداد هذه الفترة الزمنية، ولا يمكن لأي شخص أو مسؤول أتى لمرحلة معينة أن يغيّر من هذه الصيغة الميثاقية المرتبطة بتركيبة لبنان وبصيغة لبنان، ولا أحد يستطيع أن يغيّر في هذه الصيغة، وكل الذين اصطدموا بهذه التركيبة المتنوّعة في لبنان وبهذه الصيغة هم خسروا وبقي لبنان، هم ذهبوا وانتهت سلطتهم وبقي الشعب وبقي لبنان وبقيت المقاومة».
وكان العدو الإسرائيلي واصل عدوانه على الجنوب والبقاع، فنفذ غارة على سيارة في بلدة زبدين ما أدّى إلى سقوط شهيدين، وأعلن مركز عمليات طوارئ الصحة التابع لوزارة الصحة العامة، أن غارة بمسيرة للعدو الإسرائيلي استهدفت سيارة على طريق زبدين قضاء النبطية أدّت إلى سقوط شهيدين وإصابة مواطن بجروح.
وزعم المتحدّث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، بأن «الجيش الإسرائيلي قضى على المدعو حسن علي جميل عطوي في منطقة النبطية في لبنان والذي كان يشكل عنصرًا مركزيًا في وحدة الدفاع الجوي لحزب الله»، وادعى أدرعي، أن «عطوي أشرف على عمليات إعادة إعمار وجهود تسلّح في وحدة الدفاع الجوي لحزب الله وكان مركز خبرة مهم فيها بالإضافة إلى تورّطه في العلاقة والاستيراد من قادة الوحدة في إيران».
وشدّد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور علي فياض على أن الحكومة مطالبة بالقيام بواجبها تجاه المواطنين، وأن ترفع صوتها عالياً على كلِّ المنابر الدولية لملاحقة العدوّ سياسياً وقانونياً وإدانته إعلامياً. وعلى الحكومة أن تسأل نفسها ماذا فعلت حتى الآن لحماية المواطنين اللبنانيين ووقف العدوان الإسرائيلي؟ وما الخطوات العملية التي اتخذتها، دبلوماسيًا على الأقل، في سبيل ردع العدو؟ وهي التي لا تفتأ تتغنّى بأن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لإيقاف العدوان، وأن المجتمع الدولي سيقف إلى جانب لبنان لمنع أي خرق أو اعتداء على سيادته. فالمطلوب أن تُترجم هذه الأقوال إلى أفعال، وأن تبادر الحكومة إلى اتخاذ كل الخطوات المطلوبة لحماية المواطنين، إذ لا يجوز أن يستمرّ العدوّ في قتل المدنيين اللبنانيين دون حسيب أو رقيب.
بدوره، أشار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، إلى أن «البلد أمانة تاريخ مضرّج بالأشلاء والجهود التأسيسية والسيادية، ولا يحتاج أزمات جديدة، والانتقام يتعارض مع الأبوة الوطنية واللحظة للتلاقي لا الانقسام»، مركّزًا على أنّ «كرامة الوطن مسيّجة بدماء وجهود آباء السيادة الوطنية منذ التأسيس الوطني، وانتهاءً بقرابين الحرب الأخيرة التي حوّلت لبنان إلى صخرة صمود أسطوريّ، والأمين العام السّابق لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله ورئيس الحكومة الرّاحل رفيق الحريري صخرة سيادة وفخر وطني للمنطقة كلها».
وأكد في رسالة إلى رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، أن «لبنان وصخرة الروشة تكبر بالحريري، وبنصرالله شهيد القدس ولبنان وسيادة المنطقة، وأكبر قرابين القيمة القانونية الدولية والعربية على الإطلاق، والقانون ضمير ووفاء، ولا ضمير ووفاء أكبر من شهادته، وقوة الرئيس من وحدة شعبه وملاقاتهم بالعطاء». ولفت قبلان إلى أن «الرئيس الضامن يحمل صخرة التضامن لا صخرة الانقسام، والمطلوب أن تكون بحجم صخرة الوحدة الوطنية التي تشكل مصدر سلطات لبنان».
في مجال آخر، لفت رئيس «التيّار الوطني الحر» النّائب جبران باسيل، إلى أنّه «عندما يعود النّازحون السّوريّون ليشاركوا بالانتخابات التشريعيّة في سورية، فهذا دليل إضافيّ على عدم جواز بقائهم»، مشيرًا إلى أنّ «المفوضية السّامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تدعوهم ليجدّدوا إقاماتهم، كأنّ شيئًا لم يتغيّر». وشدّد في تصريح، على أنّ «الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا أعلنتا الترحيل، فيما الحكومة عندنا تتفرّج، لا بل تقبل تسجيل النّازحين في المدارس من دون أوراق ثبوتيّة! سلطة عاجزة وخطر التوطين يتزايد»”.
الأخبار:
درس 7 أكتوبر
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار اللبنانية ” كان محمود درويش يتندّر حول خطابات الراحل ياسر عرفات قائلاً: «جيد أن إسرائيل لا تصدّقه، وإلّا لَكانت قصفتنا كل يوم ولم تُبقِ على أحد فينا!». القصة هنا، تعود إلى كون العقل الإسرائيلي القائم على فوقية هائلة تجاه العرب والمسلمين عموماً، وتجاه الفلسطينيين بشكل خاص، هو عقل مركّب. من جهة هو يتصرف مع هؤلاء على أنهم غير مؤهّلين للحياة أصلاً. ثم يضيف على ذلك، أنهم غير مؤهّلين أو غير قادرين على محاربته.
وهو في كل الحروب التي خاضها منذ إقامة الكيان، كان يستهدف تذكير العرب والمسلمين، بأنهم أقل درجة منه، وأنهم ليسوا أصحاب حقّ، حتى بالحلم الفلسطيني. ودرجة توحّشه، لم تكن تختلف من معركة إلى معركة، إلّا بمزيد من الوحشية الهادفة في حقيقتها إلى إنهاء الوجود من أصله، وليس إلى إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية أو فكرة الحقّ العربي.
لكنّ إسرائيل واجهت حقائق مختلفة خلال ربع القرن الأخير. اكتشفت أنْ لا علاج لمعضلة لبنان. وفكّرت أن انسحابها، كفيل بخلق واقع، يقضي مع الوقت على فكرة انتصار المقاومة.
لكنّ إسرائيل التي أكلتها النقاشات المهنية حول الهزيمة، أهملت عن غير قصد، تأثير هذا الإنجاز على الفلسطينيين، لتكتشف خلال أقل من عام، أن أبناء فلسطين، تصرّفوا كمن أُلقيت الحجة عليهم، ولم يجدوا سبيلاً غير تصعيد مقاومتهم، كونها الخيار الواقعي لتحصيل الحقوق.
حتى ياسر عرفات نفسه، الذي اعتقد أنه احتال على إسرائيل من خلال اتفاق أوسلو، أدرك أن العدو ليس في وارد منحه أي جائرة، وأنه لا يوجد من يهتمّ لتحصين حكمه الوليد. وكان يرى أمام عينيه، تقدّم مشروع إسرائيل للإمساك بكل فلسطين. فقرّر إطلاق أيدي المقاومين من حركة «فتح»، واستأنف تواصله مع قوى المقاومة في لبنان وفلسطين.
وعبّر أمام من يهمّه الأمر، بأن انتصار حزب الله في لبنان، أطلق الانتفاضة الثانية. وفي خطوته هذه، قال عرفات لشعبه وللعالم، إنه لا بدّ من العودة إلى المقاومة المسلّحة. برغم علمه، أن العدو رسم دائرة الريبة على كل القوى المسلّحة التابعة للسلطة الفلسطينية، وبادر إلى قتل واعتقال المئات، وصولاً إلى قتل عرفات نفسه. لكنّ القدر الفلسطيني احتلّ المشهد، فلم يقدر العدو على المعاندة أكثر. فكرّر في غزة، ما فعله في لبنان قبل 5 سنوات، منسحباً بطريقة اعتقد أنها تضمن له وقف المقاومة.
الذي حصل، كان أن واصلت المقاومة عملها وجهدها لأجل تحصيل كامل الحق، بينما كان العدو ينقلب على نفسه، ناعياً فكرة التسوية من أساسها. وقرّر المضي في برنامجه التوسّعي وإزالة كل وجود فلسطيني، إلى جانب سعيه الدؤوب، نحو توجيه ضربات إلى من أذلّه في الجبهة الشمالية. وكانت ذروته الأولى، في حرب تموز عام 2006، والتي لم تُفشِل خطته فحسب، بل عطّلت مشروعاً أميركاً أكثر ضخامة يخصّ المنطقة كلها.
هزمت حماس العقل الفوقيّ للعدو، ودلّت العالم على طريق أفضل لتحصيل الحقوق. أمّا الحديث عن الأثمان، فهو انعكاس للهزيمة التي تسكن مَن استسلم للعدو قبل وقت طويل
لكنّ العدو عاد ليتمسّك أكثر بمنطقه الأصلي، معتمداً على استراتيجية القهر اليومي لكل الفلسطينيين في كل فلسطين. فمارس كل أشكال الفصل العنصري ضد فلسطينيّي عام 1948، وأطلق أوسع خطة استيطان في الضفة الغربية، وقاد برنامجاً مفتوحاً من العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، فيما كان ينفّذ أكبر برنامج أمني في تاريخه ضد أعدائه الذين دخلوا مرحلة بناء محور المقاومة، فنفّذ عمليات اغتيال واسعة في لبنان وسوريا وإيران ومناطق أخرى من العالم، ودخل مرحلة من الاستعداد الاستثنائي لمواجهة الجبهة الشمالية على وجه الخصوص.
لكنّ العدو، الذي أظهر يقظة عالية تجاه حزب الله، عاد إلى تفكيره الفوقي تجاه الفلسطينيين في الداخل. وقرأ خضوع سلطة محمود عباس كإشارة إلى تعب الناس. وفسّر النضال من أجل رفع الحصار عن غزة، بأنه نضال مطلب لا أكثر. فعمد إلى ابتزاز الناس.
لكنّ العدو، لم يكن يخطر في باله، أنه وجد في غزة، من يفكر بطريقة مختلفة عن السائد. والعدو الذي لم يتعلم من درس عام 2000، بدا أنه لم يتعلم أيضاً من درس عام 2006، فأصرّ على الإنكار والمكابرة، ولم يكن ينظر بتقدير جدّي إلى الدروس التي تعلّمتها المقاومة في غزة من تجربة المقاومة في لبنان. ولا هو اهتمّ أصلاً، بالبحث الجدّي، عن دروس لحرب المقاومة ضد الاحتلال الأميركي في العراق، وتصرّف معها على أنها مشكلة تخصّ أداء الأميركيين ليس أكثر. حتى جاءت عملية «طوفان الأقصى» لتشكّل ضربة غير عادية لكل المفاهيم التي تحكّمت بعقله تجاه المقاومة في فلسطين.
عندما قرّرت قيادة كتائب عز الدين القسام تنفيذ عملية «طوفان الأقصى»، فهي لم تطلق مفاجأة من دون مقدّمات. وإلى جانب المؤشّرات الأمنية والعسكرية الكثيرة التي كشف العدو عنها بعد حصول العملية، فإن الخطاب السياسي، والبناء التعبوي الذي اعتمدته حماس، منذ عام 2014، وطوّرته بعد عام 2017، كانا يحملان كل الإشارات إلى أنها قرّرت المضي في طريق لا علاقة له بالسائد. حتى طبيعة العملية، لم تكن غائبة عن تصوّرات ومداولات المهنيين، وأهل الاختصاص.
لكنّ مشكلة العدو أولاً، ومشكلة العقل العربي البليد ثانياً، مرتبطتان مرة أخرى، بالعقم حيال الاعتقاد، بأنه يمكن للطرف الضعيف، ابتداع ما يمكنه من إيلام العدو في أكثر نقاط قوته، وليس في ضرب نقاط ضعفه. وما فعلته حماس في ذلك اليوم المجيد، لم يكن عملية أمنية تستهدف موقعاً أو شخصاً أو كياناً عسكرياً بحدّ ذاته.
بل هو استهداف لكل منظومة الدفاع التي بنتها إسرائيل حول القطاع، وعزّزتها بكل ما تملك على مدى 18 عاماً. وخلال ساعات قليلة، بدت حماس، قادرة على كسر خطوط الدفاع نفسها، وعلى القيام بأكبر عملية تضليل للاستخبارات الإسرائيلية، وبجعل كل جهات التقدير عنه في حالة من العمى غير المسبوق. هذا عدا النجاح التكتيكي، عبر أفضل إدارة للنيران من قبل مقاتلي حماس، وهي عملية غير عادية في ظل شحّ القدرات عند المقاومة هناك، علماً أن العملية جرت في ظل توتر سياسي غير عادي كانت تشهده الجبهة مع العدو في كل الساحات الأخرى.
اليوم، ثمّة من يريد منا، مراجعة نتائج العملية، على وقع مجازر العدو. وهذا البعض يريد أن يقول لنا، إن من يفكّر بهذه الطريقة عليه أن يفكّر بهذا الثمن. لكنّ هذا البعض، لا يجرؤ للحظة على التفكير، بالذي أصاب إسرائيل في ذلك اليوم، ولا أحد يريد التدقيق في حجم الهزيمة غير العادية التي تعرّض لها مفهوم الأمان لدى عدو يقوم عالمه على الردع والتدرّع.
وأصحاب هذا المنطق، هم أنفسهم الذين تعرّض وعيهم للكيّ منذ الاجتياح عامَ 1982، عندما سلّموا بأن إسرائيل باتت قدراً لا مجال لمواجهته، وقبلوا بكل أنواع التنازلات أمامه، واليوم، بدل أن يُلقوا اللوم على أنفسهم لأنهم كانوا يقفون في المكان الخطأ من التاريخ، فهم يلومون المقاومة وأهلها، لأنها تجرّأت على القيام بما ليس له بديل من أجل استعادة الحقوق.
اليوم، نجد أن التمجيد ليس حقاً علينا تجاه أبطال غزة، بل هو تذكير لأنفسنا، وللعدو أيضاً، بأن الحياة المليئة بالتجارب، فيها قدر ضئيل من الخيارات الكبرى. ومن يعتقد بأن معركة غزة سوف تنتهي باستسلام يقي إسرائيل العقاب الذي تستحقّ، فهو يقرأ التاريخ مرة جديدة بطريقة خاطئة. لكنّ الأيام، وحدها كفيلة بتقديم الدروس لمن يريد أن يتعلّم!”.
سنتان من التوحّش: غزة شاهدةً على الإبادة الحديثة
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار “منذ اللحظات الأولى لصدمة عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023، كان واضحاً أننا إزاء تعاطٍ إسرائيلي مختلف عمّا عاشه الغزّيون في أثناء 15 عاماً، خاضوا فيها غمار 4 حروب مدمّرة؛ هذه المرة، لا اعتبارات إسرائيلية لأعداد الضحايا وهوّياتهم، ولا حسابات للمناطق المكتظّة وقت القصف. في العاشرة من صباح الثامن من أكتوبر، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية بعشرات الغارات، 5 بنايات سكنية عند مفترق الترنس، وهو أكثر مناطق مخيم جباليا اكتظاظاً. قيل حينها إنّ الهدف هو قتل مجموعة من الجنود الأسرى مع خاطفيهم، وكانت «الأضرار الجانبية» استشهاد وإصابة نحو 250 مواطناً وإدراج العشرات في عداد المفقودين.
تلك الحادثة، أنبأت بما هو آتٍ. في الحروب السابقة، كانت حالات القتل الجماعي مرتبطة بحدث استثنائي أو هدف دسم جدّاً. وقد درج الغزّيون على استذكار مجازر كبيرة ارتُكبت في الحروب، من مثل الجمعة السوداء في رفح في حرب عام 2014، والتي قُصفت فيها السوق المركزية هناك وقضى من جرّائها 100 شهيد، وربطها الإعلام الإسرائيلي بتطبيق إجراء «هنيبعل» لإحباط عملية اختطاف جنود. كما يستذكرون مجزرة الشجاعية الكبرى التي أُخلي فيها السكان تحت وطأة القصف الجوي والمدفعي المكثّف، وسقط المئات من الشهداء والمصابين في الحرب نفسها.
أمّا الذي تغيّر في حرب الإبادة، فهو أنّ المجازر الجماعية صارت عادية، بل باتت حدثاً يتكرّر عدة مرّات يومياً. وفي اليوم الثالث للحرب، تحوّل جيش الاحتلال من منطق الجيش الذي لديه ضوابط «أخلاقية» (نسبية وظاهرية) وعملياتية لإطلاق النار، إلى شيء يشبه عصابة «تدفيع الثمن»، وهي جماعة من المستوطنين المتطرّفين اليمنيين، تأسّست عام 2011 بشكل سرّي في الضفّة الغربية المحتلة، ونفّذت مئات الاعتداءات والجرائم بحقّ الفلسطينيين، وهي تنطلق في عملياتها من دوافع انتقامية بحتة، وتستند إلى أيديولوجيا الكراهية الشديدة والرغبة العارمة في الانتقام من الفلسطينيين.
هكذا، صار هذا الفكر نهجاً تتبنّاه دولة وجيش، وانعكس في سياسة قصف المنازل المأهولة على رؤوس سكّانها. في حيَّي تل الزعتر والسلاطين في شمال غزة، دمّر جيش الاحتلال عند الخامسة فجراً، 3 منازل مأهولة بالسكان، الأول يعود إلى عائلة القطناني وسقط فيه نحو 25 شهيداً هم العائلة الممتدّة، بما فيها الآباء والزوجات والأمهات والأطفال. والحدث ذاته تكرّر في شرق مخيم جباليا، حيث دمّر مربّعاً سكنياً بأكمله، بحجّة استهداف منزل عائلة حمدان. وإذ لوحظ تعمّد العدو استخدام قنابل كبيرة جدّاً يتجاوز أثر تدميرها المنزل المستهدف، فقد استشهد في محيط هذا الأخير 10 مواطنين، إضافة إلى 5 من سكان البيت. وعلى بعد عشرات الأمتار، قضت عائلة شاهين، تحت ركام منزلها وأُصيبت العشرات من المنازل المحيطة.
على أنّ ذلك النهج سيغدو روتيناً يومياً؛ إذ بعد بضعة أيام من مجازر العائلات المتكرّرة، وتحديداً مساء 12 تشرين الثاني، ارتكب جيش الاحتلال أول وأكبر مجازره الجماعية التي ستصبح مع تقادم الإبادة حدثاً شهرياً على أدنى تقدير، حيث قصف بعدد من القنابل الفتّاكة باحة المستشفى «الأهلي المعمداني» في حي الزيتون وسط البلدة القديمة لمدينة غزة، متسبّباً باستشهاد 471 نازحاً، جميعهم مدنيون نزحوا من المناطق الشرقية لحيَّي الشجاعية والزيتون طلباً للحماية.
ورغم محاولة العدو التنصّل من الجريمة بزعم سقوط صاروخ فلسطيني محلّي على المستشفى، فإنّ الأشهر اللاحقة للحدث، أثبتت أنه لم يكن إلا توطئة لما هو قادم. ففي 31 تشرين الثاني 2023، ألقت طائرات حربية 7 أطنان من القنابل المتفجّرة على حي السنايدة المكتظّ بعشرات الآلاف من السكان في مخيم جباليا شمال غزة. وتسبّبت المجزرة باستشهاد 400 مواطن وإصابة الآلاف بجروح، فيما أُدرجت أسماء المئات في قوائم المفقودين، وشُطبت عشرات الأسر من السجل المدني، ومنها عائلات أبو نصر وأبو القمصان وحجازي ومسعود والبهنساوي وعكاشة.
في السنة الأولى من الحرب، بدا أنّ تلك المجازر تحوّلت إلى حدث اعتيادي، إذ سُجّلت في تلك السنة فقط، 10 مجازر كبرى، أبرزها في مدرستَي «تل الزعتر» و«الفاخورة» في 18 تشرين الثاني 2023، حيث قضى نحو 200 شهيد؛ ومجزرة مستشفى «كمال عدوان» الأولى في 16 كانون الأول 2023، في مشروع بيت لاهيا شمال غزة، التي بقيت ملابساتها غامضة إلى اليوم، بعدما داست جرّافات الاحتلال، على نحو مفاجئ، عشرات الخيام التي تؤوي المئات من النازحين وطمرتهم أحياء تحت التراب؛ ومذبحة مخيم المغازي في الـ24 من الشهر نفسه، والتي سقط فيها نحو 70 فلسطينياً من جرّاء استهداف مربّع سكني.
وتضاف إلى ذلك، مجازر الطحين على مفترق النابلسي، التي قضى فيها المئات من الجوعى في أشهر المجاعة مطلع سنة 2024، ومجزرة مستشفى «الشفاء» في أواخر آذار 2024، التي استشهد فيها نحو 300 نازح في المستشفى، ومذبحة مخيم النصيرات الكبرى وسط القطاع التي قضى فيها نحو 240 فلسطينياً، في أثناء عملية تحرير أسرى إسرائيليين، وجريمة المواصي في 13 حزيران 2024 التي سقط فيها نحو 90 شهيداً، وجريمة مسجد التابعين في 10 أيلول 2024 التي ارتقى فيها 100 فلسطيني في قصفٍ استهدف مصلى مركز إيواء في أثناء صلاة الفجر، ومجزرة عائلة أبو نصر في 29 تشرين الأول 2024 التي راح ضحيّتها 270 شهيداً في استهداف بناية سكنية نزحت إليها العشرات من العائلات في أثناء حصار مخيم جباليا الثالث.
دشّن جيش الاحتلال أدوات قتل جديدة لم يسبق أن استُخدمت في أي حرب أخرى
في الأشهر الأولى، كان جيش الاحتلال يكلّف نفسه عناء تقديم المبرّرات التي تدفعه إلى تدمير المنازل وارتكاب المجازر الجماعية، من مثل الزعم بأنّ مصطفى شاهين، وهو شاب لم يتجاوز الـ18 عاماً من عمره، كان واحداً من المصوّرين العسكريين الذين ظهروا داخل موقع للجيش الإسرائيلي في السابع من أكتوبر؛ علماً أنّ بيان الجيش وقتذاك حمل إشارة إلى أنّ كل من شارك أو دخل إلى السياج الفاصل سواء كان مدنياً أو عسكرياً، مصوّراً أو مقاتلاً، سيدفع مع عائلته الثمن بالقتل على هذه الشاكلة البشعة. أمّا في وقت لاحق من الحرب، وحينما أصبح سؤال «ليش قصفوهم؟» يتكرّر في الشارع الغزّي عقب كل مجزرة جماعية، لا سيّما تلك التي كانت تستهدف عائلات ممتدّة لا تربطها أي صلة بالمقاومة ولا حتى بالأحزاب والسياسة عموماً، تكهّن الناس بأسباب كثيرة.
ووفقاً لمصادر إسرائيلية، فإنه في صبيحة الثامن من تشرين الأول، كان جيش الاحتلال يمتلك بنك أهداف فقيراً جدّاً، محصوراً ببيوت عائلات القادة العسكريين والسياسيين في الفصائل الفاعلة من الصفوف الأول والثاني والثالث أحياناً، فيما كانت حاجة الجيش في حربٍ كهذه، تتجاوز ذلك بكثير، وهو ما عبّر عنه وزير الجيش آنذاك، يوآف غالانت، بقوله في تصريحه الشهير: «هؤلاء حيوانات بشرية. سنصل إليهم واحداً واحداً». وبدأت مذّاك مضاعفة بنك الأهداف على نحوٍ جنوني، تجاوز كل اعتبار إنساني أو أخلاقي.
ووفقاً لتحليلات غير رسمية كثُر تداولها، قبل أن يجري التحقّق منها بدقّة، فإنّ جيش الاحتلال صنع في غضون الأشهر الأولى للحرب بنك أهداف استعان فيه بالذكاء الاصطناعي والعمل المخابراتي البشري، يشتمل التالي:
1- اغتيال عوائل كل شهداء عملية «طوفان الأقصى».
2- تحليل المحتوى المصوّر الذي التقطته الكاميرات العشوائية للمواطنين ونُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، واغتيال عائلة كل شخص مدني أو عسكري شارك أو احتفل بعمليات الاختطاف.
3- تتبّع ومراقبة أي شريحة هاتف سُجّل حضورها داخل مستوطنات غلاف غزة أو على بعد بضع مئات الأمتار من شارع صلاح الدين، المحاذي للشريط الفاصل.
4- اغتيال كل العناصر الذين شاركوا وعادوا أحياء، وهم في وسط عائلاتهم، أو وسط المخيمات المكتظّة، أو مراكز الإيواء، أو في الأسواق العامة والمزدحمة، وحتى وهم على أسرّة العلاج داخل المستشفيات.
وما سبق، كان النسق الاعتيادي اليومي الذي أضحى مبرّراً للقتل الجماعي. ويعني ذلك، أنه صار عادياً أن تُقصف عائلة مكوّنة من 50 شخصاً، لأنّ أحد أفرادها اشترى شريحة هاتف إسرائيلية ليحظى بخدمة الإنترنت التي كانت مقطوعة في حينه بشكل شبه كلّي عن مناطق شمال القطاع. وبالفعل، سُجّلت المئات من المجازر الجماعية، التي أفضى التحقيق فيها بعدما انعدمت أسباب القصف، إلى أنّ أحد الأفراد ابتاع شريحة «سليكوم» إسرائيلية تعود إلى أحد المستوطنين وتمّ جلبها من هاتف محمول في يوم السابع من أكتوبر.
اليوم، تجاوزت أعداد الضحايا 67 ألف شهيد من بينهم 18592 طفلاً و12400 امرأة، و4412 مسنّاً، إضافة إلى 170 ألف مصاب من بينهم 4500 حال بتر أطراف، من بينها 800 لطفل و450 لسيدة. ويعكس تنوّع الطبقات التي طاولتها الإبادة قدر التساهل في أوامر إطلاق النار، بل وتعمّد توسيع الأذى إلى أوسع نطاق ممكن، حيث استشهد 252 صحافياً و1411 من الطواقم الطبية و800 من الكوادر التعليمية و203 من موظفي «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» الدولية.
ويشير ما تقدّم، إلى أنّ الإبادة الجماعية لم تكن عارضاً جانبياً من عوارض استخدام القوة لتحقيق هدف مغاير، إنما مثّلت هدفاً بحدّ ذاتها. وبالفعل، في 14 تشرين الثاني 2024، صنّفت لجنة الأمم المتحدة الخاصة للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية، حرب إسرائيل على غزة على أنها إبادة جماعية، مع سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى. وجاء في التقرير الذي أصدرته اللجنة أنّ «المسؤولين الإسرائيليين دعموا علناً سياسات تسلب الفلسطينيين الضروريات الأساسية لاستمرار الحياة من الغذاء والماء والوقود، مع التدخّل المنهجي وغير القانوني في المساعدات الإنسانية، ما يجعل نيّة إسرائيل واضحة في استغلال الإمدادات المنقذة للحياة في تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية».
وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى توظيف إسرائيل تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضاً، والتي تتمّ بأدنى مستوى من التدخّل البشري في توجيه أوامر إطلاق النار، ووثّق استخدام إسرائيل 25 ألف طن من المتفجّرات في غضون 3 أشهر من بدء الحرب، أي أنّ جيش الاحتلال استخدم في المدّة من تشرين الأول 2023 وحتى كانون الثاني 2024، ما يعادل قنبلتين نوويتين كاللتين استخدمتا في قصف هيورشيما وناغازاكي اليابانيتين.
ورغم أنّ الخسائر البشرية تمثّل الوجه الأكثر مأساوية في مشهد العدوان المتواصل على القطاع، فقد تجاوزت وجوه الإبادة الجماعية القتل العشوائي والجماعي، إلى ممارسات أكثر وحشية وخطورة من مثل:
- التدمير الشامل: المختلف في هذه الحرب، هو تعمّد جيش الاحتلال التدمير الممنهج لمدن قطاع غزة وأحيائه، والذي كان يتخفّى تحت ستار التمهيد الناري في الأيام العشرين الأولى من الحرب، ثمّ تحوّل بعد عامين إلى هدف بحدّ ذاته، حيث يوظّف العدو شركات هدم تجارية تعمل تحت غطاء العمليات العسكرية. ويقول تحقيق نشرته صحيفة «هآرتس» العبرية في 13 تموز 2025، إنه خلافاً لما يصرّح به الجيش الإسرائيلي عن أنّ هدم المئات من المنازل يتمّ لأغراض عملياتية، فالمردود المالي الذي تحظى به شركات الهدم الإسرائيلية، يناقض ذلك الادّعاء.
وأوضحت الصحيفة أنّ مئات الجرّافات والحفّارات تعمل لجعل قطاع غزة غير صالح للسكن لسنوات قادمة، مشيرة إلى أنّ المؤسسة العسكرية عرضت دفع 750 دولاراً لمشغّلي الجرّافات مقابل هدم كل مبنى يتألّف من 3 طوابق، و1500 دولار مقابل هدم كل مبنى يتألّف من 5 طوابق فما فوق.
وأفضت تلك العمليات بعد سنتين من الحرب، إلى تدمير ما نسبته 80% من الكتلة العمرانية في قطاع غزة، إذ مُسحت لأول مرة في تاريخ الصراع مع إسرائيل، مدن بأكملها عن وجه الأرض، من مثل رفح وخانيونس وبيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا ومدينة جباليا، ومناطق واسعة من أحياء الشيخ رضوان والشجاعية والزيتون والتفاح، بما في ذلك كامل البنية التحتية من طرق ومؤسسات خدماتية وحكومية وشبكات مياه وآبار مياه وصرف صحي.
أيضاً، لم يترك جيش الاحتلال مرفقاً تعليمياً واحداً سليماً، إذ دمّر بشكل كلّي 204 مدارس و14 جامعة، فيما تضرّرت 305 مؤسّسات تعليمية بشكل جزئي أو بالغ، من بينها 293 مدرسة و12 جامعة. وإلى جانب ذلك، دمّر العدو على نحو ممنهج 36 مؤسسة صحية، من بينها 10 مستشفيات مركزية، أهمّها مجمع «الشفاء» الطبي في مدينة غزة ومستشفيا «الإندونيسي» و«كمال عدوان» في شمال القطاع.
دشّن جيش الاحتلال في أثناء حرب الإبادة المستمرّة منذ عامين، أدوات قتل جديدة لم يسبق أن استُخدمت في أي حرب حديثه، فلم تعُد الدبّابة والطائرة الحربية والمروحية وسائل القتل الحصرية، إذ أضيفت إليها طائرات «الكوادكابتر»، وهي طائرات مسيّرة حديثة مزوّدة بأسلحة رشّاشة يتمّ التحكّم بها بواسطة غرف عمليات ميدانية، وتقوم بعدّة مهام حيوية وشديدة التأثير، أهمّها إطلاق النار وإلقاء القنابل المتفجّرة، وحتى تنفيذ مهمّات انتحارية عبر تفجير نفسها في تجمعات المواطنين.
ومثّلت تلك الطائرات السلاح الأكثر فتكاً وتأثيراً في حرب الإبادة، إذ تمكّن جيش الاحتلال عبرها من فرض استحكام ناري على مدن بأكملها، ومنع عودة السكان إليها حتى بعد انتهاء العمليات العسكرية. كما أثار استخدامها موجات من الرعب والهلع في صفوف المواطنين، لا سيّما حينما تُستخدم في إلقاء القنابل والصناديق المفخّخة على تجمّعات السكان والشقق السكنية. كذلك، استُخدمت بفاعلية في الحرب النفسية، عبر بثّ الرسائل الصوتية والتهديدات وإطلاق أصوات مرعبة في ساعات الليل.
أيضاً، ظهرت العربات المفخّخة التي استُخدمت لأول مرة في اجتياح مخيم جباليا الثاني في مطلع آذار 2024. والنسخة الأولى التي تمّ رصدها منها، كانت عربة تشبه في حجمها ناقلة الجنود القديمة «أم 113»، وأُجريت تعديلات عليها ليتمّ التحكّم بها عن بعد. وتُحشى هذه بنحو 5 أطنان من المتفجّرات على الأقل، ثم يُزجّ بها في وسط الأحياء السكنية ويجري تفجيرها عن بعد، ويتسبّب تفجيرها في دمار كلّي بقطر 500 متر. وهكذا، فإنّ الأسلوب الذي استقاه جيش الاحتلال من تنظيم «داعش» كان أداة التهجير الأكثر فاعلية، بعدما لم تنجح أوامر الإخلاء الورقية ولا رسائل التهديد المسجّلة في إخلاء السكان من منازلهم.
اليوم، وبعد سنتين من الإبادة الجماعية التي مارستها إسرائيل على مرأى من العالم، وتجاوزت القتل والتجويع إلى تعمّد التنكيل بالكرامة البشرية عبر النزوح وسياسات توزيع المساعدات في «مؤسسة غزة» الأميركية والحرمان من العلاج ومنع دخول الحاجات الأساسية مثل غاز الطهي وأدوات السباكة والمياه الصالحة للشرب، تتبدّى الأهداف الحقيقية الإسرائيلية والطموحات اليمينية، في تحويل القطاع إلى منطقة غير صالحة للحياة، وصناعة واقع معيشي عصيّ على الإصلاح والبناء لسنوات طويلة، وصولاً إلى نقطة تصبح فيها الهجرة من القطاع طموحاً شخصياً وجمعياً للسكان. غير أنّ ذلك المخطّط وإن تحقّقت ظروفه على الأرض، فإنّ مدى القبول الجمعي به في الشارع الغزّي يبقى الفيصل في تحقّقه، كما أنّ العجز عن العثور على دول مستعدّة للمساهمة في جريمة كهذه، يحول دون تحقيق الاحتلال هدفه”.
عون يربط زند سلام: تسوية لحفظ ماء الوجه
وتحت هذا العنوان كتبت الأخبار “على قاعدة «لا يموت الديب ولا تفنى الغنم»، اجتازت حكومة نواف سلام أمس تداعيات ما بعد صخرة الروشة. فبعد إثارته أجواء تصعيد وتهويل وافتعاله مشكلات على خلفية أمور سطحية، والتهديد بسحب العلم والخبر من جمعية «رسالات» المُنظِّمة لفاعلية إنارة الصخرة، اضطُر سلام إلى قبول مخرج تسوية يحفظ ماء وجهه، من دون أن يجرّ الحكومة أو البلاد إلى أزمة كبيرة، وذلك بتعليق العمل بالعلم والخبر المُعطى للجمعية، وذلك إلى حين جلاء نتيجة التحقيقات الإدارية والجزائية التي باشرتها وزارة الداخلية والنيابة العامة التمييزية في ملابسات ما حصل في منطقة الروشة.
وجاء تراجع سلام بعد تدخّل مباشر من رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي أرسل إليه عدة ناصحين ثم تحدّث معه شخصياً، مشدّداً على أنه يضخّم الأمور بلا مبرّر، في حين أن هناك قضايا أكثر أهمية في البلد. كما لعب موقف حزب الله دوراً محورياً، بعدما رفع نوابه سقف التحذير، مؤكّدين أنْ لا مجال للسماح بإجراءات كيدية من هذا النوع.
وسبق جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت أمس في بعبدا، لقاء بين الرئيسيْن عون وسلام، تركّز على مسألة الجمعية، تمّ خلاله إنضاج التسوية، ما دفع عون إلى طلب تأجيل البند الثاني المتعلّق بسحب العلم والخبر من «رسالات» إلى نهاية جدول الأعمال، ليُبحث بعد استكمال البنود الأخرى.
وعلمت «الأخبار» أن تعليق عمل الجمعية مرتبط بالتحقيقات الإدارية والقضائية، على أن تستكمل الجهات المعنية عملها وتحدّد مسؤولية كل طرف في الشأن الإداري أو الأمني. ورغم أنه لا يوجد في القانون ما يُسمّى «تعليق عمل جمعية»، إلا أن مصادر وزارية أكّدت أن «هذه الصيغة هي الحل الوحيد لإخراج القضية من التداول».
وقالت المصادر، إن الأهم كان التقرير الذي عرضه قائد الجيش رودولف هيكل، والذي تمّ الاتفاق على عدم الإفصاح عن مضمونه خارج مجلس الوزراء. وأوضحت أن هيكل عرض عبر شاشة كبيرة مراحل تنفيذ خطة حصر السلاح، ولا سيما في جنوب الليطاني، قبل أن يغادر الجلسة.
ولم يشر هيكل إلى أيّ عرقلة لعمل الجيش من حزب الله، فيما أكّد أن «الاحتلال الإسرائيلي يمنع الجيش من القيام بكل ما هو مطلوب». وتطرّق قائد الجيش إلى الإجراءات المتعلّقة بسلاح المخيمات وما تمّ إنجازه على الحدود الشرقية مع سوريا، خصوصاً لجهة انتشار الجيش ومراقبة المعابر غير الشرعية.
وأضافت المصادر أن «النقاش كان هادئاً»، وأن «الجلسة شكّلت تصحيحاً لمسار أعوج كان يقوده رئيس الحكومة في مواجهة فريق لبناني له جمهور واسع وحيثية سياسية وشعبية، وقد أصبح هذا الأمر محلّ انتقاد ليس فقط من الثنائي حزب الله وحركة أمل، بل حتى من المقرّبين من سلام الذين لم يعودوا قادرين على تبرير أفعاله ومواقفه». وتابعت أن «هذا الكيد السياسي لم يعد مقبولاً، وحتى قرار تعليق الجمعية ليس منطقياً، إلا أن الفريق الآخر قبِل به لحفظ ماء وجه سلام وتفادي مشكلة سخيفة قد تتطوّر إلى أزمة أكبر، بينما هناك قضايا أهم».
ولفتت المصادر إلى تزامن الجلسة مع تصعيد العدو الإسرائيلي هجماته في الجنوب، حيث استهدفت مُسيّرة سيارة بصاروwخين على طريق زبدين، ما أدّى إلى استشهاد حسن عطوي وزوجته زينب رسلان وهما في طريقهما لاصطحاب أولادهما من المدرسة. ولسخرية القدر، كان رئيس الحكومة في هذا الوقت منشغلاً بتعليق عمل جمعية تُعنى بالشؤون الثقافية والفنية!”.
المصدر: الصحف اللبنانية