الجمعة   
   03 10 2025   
   10 ربيع الثاني 1447   
   بيروت 22:44

السيد الهاشمي… قائدُ الرؤية التنموية والتكافل الاجتماعي الشامل

السيّد الهاشمي…القائد الإنسان

لم يكن السيّد الشهيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه) رجل سياسة فحسب، بل كان قائدًا إنسانيًا تميّز بنظرته الاستراتيجية العميقة إلى شؤون المجتمع وتحدياته، وبرز كصوت عقل ورؤية في زمن الأزمات. كرئيسٍ للمجلس التنفيذي في حزب الله، نسج الشهيد مسارًا ميدانيًا قوامه العطاء والعمل المؤسساتي المتكامل، فكان المحرّك الأساسي لكبرى المبادرات التي عززت صمود البيئة المقاومة، وأسّست لشبكة أمان اجتماعي في أحلك الظروف. من جائحة كورونا، إلى التهجير والتدمير في الجنوب، وصولًا إلى الانهيار الاقتصادي، لم يغب توجيهه، ولا حضوره، ولا دعمه.

أولًا: الهيئة الصحية الإسلامية – قيادة في زمن الجائحة

في ذروة جائحة “كورونا” التي شلّت أنظمة صحية حول العالم، وفي وقتٍ واجه فيه لبنان انهيارًا واسعًا في قدراته المؤسسية، برزت الهيئة الصحية الإسلامية كجهة فاعلة وميدانية متقدمة في المواجهة، وذلك بفضل الدعم المباشر والتوجيه الدقيق من السيّد الشهيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)، الذي كان له الدور المحوري في رسم الاستراتيجية العامة، وتأمين الغطاء العملي واللوجستي لتحرّك الهيئة على المستوى الوطني.

وفي حوارٍ خاص لموقع المنار مع المهندس مالك حمزة، نائب المدير العام للهيئة الصحية الإسلامية، أكّد أنّ السيد صفي الدين كان حاضرًا منذ اللحظة الأولى لتفشي الوباء، وأصدر توجيهًا واضحًا بعدم وضع أي حدود أو قيود على التدخل، قائلاً بالحرف: “لا جغرافيا، لا طوائف، لا حواجز… كل من يطلب العون، يجب أن يُلبّى نداءه فورًا”.

وبناءً على هذا التوجيه، انطلقت الهيئة لتنفيذ خطة تعبئة شاملة، تمثّلت في:

  • نشر فرق طبية وتمريضية في مختلف المناطق اللبنانية.
  • إنشاء مراكز متخصصة للحجر الصحي وفق أعلى المعايير الوقائية.
  • تقديم دعم تقني وبشري واسع النطاق لوزارة الصحة اللبنانية، التي كانت في حالة عجز غير مسبوق.

وأشار حمزة إلى أنّ التعبئة الميدانية شملت أكثر من 25,000 عنصر من الكوادر الصحية، والمسعفين، والمتطوعين، والكشفيين، والتربويين، جميعهم عملوا بإدارة دقيقة من الهيئة، وبمتابعة مباشرة من السيّد صفي الدين، الذي كان يشارك في التخطيط، ويراجع التقارير، ويوجّه بشكل يومي لضمان تحقيق أعلى درجات الفاعلية والالتزام.

وأضاف: “لقد تميّز السيد الشهيد بالحسّ الإنساني العالي، وكان شديد الحرص على تجنّب أي مظهر قد يُثير الحساسيات في بعض المناطق، فكان يُصرّ على اعتماد اللباس الأبيض الموحّد دون شعارات، ليبقى التركيز على الهدف الأسمى: خدمة الإنسان، أيًّا كان انتماؤه أو موقعه.”

إنّ تجربة الهيئة الصحية الإسلامية خلال جائحة “كورونا”، كما ينقلها المهندس حمزة، لم تكن فقط استجابة صحية، بل محطة مفصلية في إبراز نموذجٍ متكامل من العمل المؤسسي المقاوم، حيث التقت الرؤية الإنسانية، بالتخطيط العلمي، بالدعم القيادي المتواصل، لتنتج أداءً فاعلًا عوّض عن غياب الدولة، وخفّف من وطأة الانهيار.

واختتم قائلاً: “ما قدّمه السيد هاشم صفي الدين من رعاية وتوجيه في تلك المرحلة، هو إرثٌ مؤسساتيّ لا يُنسى، وقد ساهم في رفع مستوى الهيئة إلى مصاف المؤسسات الوطنية الكبرى من حيث الكفاءة والانضباط والفاعلية.”

ثانيًا: العمل البلدي – الإنسان أولًا والإنماء دومًا

في سياق تحقيق ميداني حول الأدوار التنموية التي أسس لها الشهيد السيّد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)، برز العمل البلدي كإحدى المحطات المحورية في رؤيته المتكاملة لتثبيت الناس على أرضهم، وتعزيز عوامل الصمود في القرى الحدودية والمحرومة، خصوصًا تلك التي تضرّرت بفعل الحروب المتكررة والاعتداءات الصهيونية.

وفي حوار خاص لموقع المنار مع الحاج علي الزين، مسؤول العمل البلدي في المنطقة الأولى، أكّد أن السيّد صفي الدين لم يتعامل مع العمل البلدي كوظيفة خدمية بحتة، بل اعتبره أداة استراتيجية لإعادة بناء الإنسان والمجتمع، من خلال رؤية متقدمة ترتكز على مبدأ أساسي طالما شدّد عليه:

التنمية تبدأ من الإنسان قبل الحجر.

وأضاف الزين: “كان السيد يرى أن البلدية ليست مجرد جهاز إداري، بل حلقة وصل بين حاجات الناس وإمكانات الدولة والمؤسسات، ولذلك عمل على تأهيل الكوادر البشرية البلدية، وتطوير قدراتها الإدارية والمهنية، لتكون على تماس مباشر مع المواطنين، تنصت لهم، وتعبّر عنهم، وتخطط من أجلهم.”

وقد انعكست هذه الرؤية بشكل عملي على الأرض، إذ حرص السيد الشهيد على دعم القرى المهملة بعد التحرير، ولا سيما في المناطق الحدودية التي عانت من الحرمان، فشهدت تحوّلات ملموسة، منها:

  • إعادة تشغيل المرافق الحيوية كشبكات المياه والكهرباء، والمدارس والمستوصفات.
  • تأهيل البنى التحتية في قرى استراتيجية مثل الوزاني، صف الهوا، ووادي السلوقي.
  • اعتماد الطاقة الشمسية لإنارة الطرقات والقرى النائية، ضمن رؤية مستدامة.
  • تنفيذ مشاريع تنموية بالتعاون مع البلديات، الجمعيات، والمجتمع المحلي، في إطار شراكات شفافة ومنتجة.

وأشار الزين إلى أن السيّد صفي الدين أولى اهتمامًا خاصًا بالمناطق الأمامية، ليس فقط من الناحية الأمنية، بل من منظور إنساني وإنمائي متكامل، حيث اعتبر أن تعزيز الحياة والخدمات في هذه القرى هو جزء من مشروع المقاومة، يُسهم في تشجيع الأهالي على البقاء والتجذر في أرضهم، ويُعيد بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته.

واختتم الزين قائلاً:
“لقد حوّل السيد هاشم صفي الدين العمل البلدي إلى نهج متكامل يجمع بين الخدمة، والتنمية، والانتماء. وهو النهج الذي نواصل السير عليه اليوم، مستلهمين من إرثه رؤية واضحة، ومسؤولية وطنية وأخلاقية تجاه أهلنا في كل المناطق.”

ثالثًا: مؤسسة جهاد البناء – الزراعة سلاح المقاومة

في زمن الأزمات الخانقة التي عصفت بلبنان خلال السنوات الأخيرة، من انهيار مالي وارتفاع حاد في نسب البطالة وانعدام الاستقرار الاقتصادي، برزت الزراعة، في نظر السيد الشهيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)، كركيزة استراتيجية للمقاومة والصمود، ورافعة سيادية لحماية الأمن الغذائي وبناء الاكتفاء الذاتي.

وفي حوار خاص لموقعنا مع الدكتور محمد الخنسا، مدير عام مؤسسة جهاد البناء، أكّد أنّ رؤية السيد الشهيد لم تكن وليدة الأزمة الأخيرة، بل هي مشروع طويل الأمد بدأ منذ أواخر التسعينيات، وتُوّج بإطلاق مبادرة “الجهاد الزراعي”، التي أسست لبنية تحتية زراعية امتدت إلى مناطق البقاع، الهرمل، والقرى المحرومة.

وأشار الدكتور الخنسا إلى أنّ السيد صفي الدين تعامل مع الزراعة كأولوية استراتيجية لا كشعار ظرفي، فعمل على دعم المزارعين في الميدان، من خلال:

  • تأسيس مراكز زراعية متخصصة للإرشاد والتدريب وتحليل التربة.
  • توفير المستلزمات الزراعية من بذور، أسمدة، أدوات ومعدات.
  • توزيع المواشي والدواجن لدعم الإنتاج الحيواني وتحقيق التوازن الغذائي.

وأضاف: “بتوجيه مباشر من السيّد، تم تفعيل شبكة من المبادرات المرتبطة بالتسويق الزراعي، من أهمها:”

  • إطلاق أسواق زراعية مباشرة، لتمكين المزارعين من بيع منتجاتهم دون وسطاء.
  • تأهيل التعاونيات الزراعية، وتوسيع الشراكات مع وزارة الزراعة والبلديات والجمعيات الأهلية.
  • إنشاء “سوق أرضي” في بيروت عام 2007، كمنصة دائمة لعرض وتسويق المنتجات المحلية.

ولفت الخنسا إلى أن نتائج هذه المبادرات كانت ملموسة، حيث:

  • زادت المساحات المزروعة بشكل لافت، بحسب إحصاءات رسمية.
  • عادت الحياة الاقتصادية تدريجيًا إلى القرى الريفية، من خلال توفير فرص عمل وتحريك الأسواق المحلية.

وأكد الدكتور الخنسا أن السيّد الشهيد كان يؤمن بعمق أن:

“من يزرع الأرض، يجب أن يحميها، ومن يحميها، يجب أن يزرعها”،
معتبرًا أن السيادة الوطنية لا يمكن أن تُبنى دون أمن غذائي مستقر، وأن الزراعة هي السلاح الهادئ في معركة البقاء والكرامة.

واختتم قائلاً:
“ما تركه السيد من نهج زراعي متكامل لا يزال حيًا في كل شبرٍ من الأرض التي أعاد نبضها، وفي كل بيتٍ لبناني بات يشعر بأمان غذائي بفضل هذه الرؤية التي جمعت بين التخطيط والميدان، وبين المقاومة والتنمية.”

خاتمة: نهج مستدام وإرثٌ لا يموت

لم يكن السيّد الشهيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه) قائدًا عابرًا في مسيرة المقاومة، بل كان روحها التي تسري في تفاصيل الناس واحتياجاتهم اليومية. لم يرَ في المقاومة بندقيةً فقط، بل رآها جسدًا متكاملًا تُكمّله البلديات، تحميه المستوصفات، وتغذّيه الأرض المزروعة والمجتمع المتكاتف.فهم الشهيد أن الإنسان هو أصل المعركة وغايتها، وأن صون كرامته لا يكون بالشعارات، بل بالعمل اليومي، بالصبر، بالتخطيط، وبالوقوف إلى جانب كل من يعاني بصمت.من خلال حضوره الدائم في المؤسسات الاجتماعية من الهيئة الصحية الإسلامية إلى مؤسسة جهاد البناء والعمل البلدي، نسج الشهيد نسيجًا متماسكًا من الرعاية والتكافل والتنمية. لم يكن راعيًا من بعيد، بل شريكًا في كل قرار وميدان، يحوّل العجز إلى مبادرة، والحرمان إلى فرصة، والمحنة إلى مشروع حياة.وها هو نهجه اليوم لا يزال حيًّا، يمشي على الأرض بخُطى العاملين في هذه المؤسسات، ويُترجم في كل دواء يُقدَّم، وكل أرض تُزرع، وكل قرية تُضاء، وكل إنسان يُصان.إنه نهج لا ينتهي، لأنّه لم يُبْنَ على لحظة، بل على إيمانٍ عميق بأن المقاومة الحقيقية تبدأ من خدمة الناس، وتنتهي بحمايتهم… في الحرب، كما في السلام.

المصدر: قناة المنار