السبت   
   02 08 2025   
   8 صفر 1447   
   بيروت 09:20

البلطجة الأميركية – الإسرائيلية: شراكة في القتل لإخضاع العالم

ذوالفقار ضاهر

تتجسّد السياسة الأميركية اليوم في أقبح صورها من خلال معادلة الترهيب والترغيب التي تعتمدها واشنطن لتركيع الشعوب والحكومات، مستخدمة أدوات “الدبلوماسية الخشنة” وشخصيات محسوبة على مراكز المال والنفوذ، كرجلي الأعمال توم براك وستيفن ويتكوف، اللذين يتحركان في المنطقة تحت عباءة الوساطة، وهي وساطة تفتقر كليًا إلى النزاهة، وتعكس الانحياز الأميركي الفاضح للكيان الإسرائيلي في لبنان وغزة.

وتؤكد تصريحات براك وويتكوف الأخيرة حجم الشراكة الأميركية في المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وتعيد إلى الواجهة الدور الأميركي كطرف مباشر في الحرب، لا كوسيط نزيه. فالمبعوثون الأميركيون لم يأتوا حاملين حلولًا أو ضمانات، بل نقلوا رسائل تهديد مبطّنة ومطالب إملائية تنحاز بالكامل لمصلحة العدو، في تجاهلٍ تامٍ لأبسط المبادئ القانونية والإنسانية.

إنّ سياسة العصا والجزرة التي تعتمدها الإدارة الأميركية تُبرز مدى الانحدار الأخلاقي والسياسي الذي بلغه النظام الأميركي، ولا سيما في ظلّ إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، حيث باتت حتى أشكال الدعم الإنساني الأساسية من غذاء ودواء واستثمارات تُستخدم كأدوات ابتزاز سياسي لترويض الشعوب، في مشهد يعيد إلى الأذهان أساليب العهود الاستعمارية التي ظنّ كثيرون أنها أصبحت من الماضي.

والمفارقة الصادمة أن يجرؤ المبعوث الأميركي ويتكوف على التصريح بأن “الرئيس ترامب هو شرطي العالم، وهذا أمر مهم لأنه يجلب النظام والاستقرار”. تصريحٌ كهذا يلخّص الذهنية الأميركية: القاتل يقدّم نفسه حاميًا للإنسانية، والمجرم يتقمّص دور صانع السلام.

وما يُحاك في الغرف المغلقة في واشنطن، وتنفّذه الأدوات الإقليمية وعلى رأسها الكيان الإسرائيلي، ليس سوى مشروع إخضاع شامل لشعوب المنطقة، حيث يُستخدم “سيناريو غزة” كأداة تهديد قابلة للتطبيق في أي دولة أو ساحة ترفض الانصياع، كما تفصح عن ذلك التهديدات غير المباشرة التي تتضمّنها التصريحات الأميركية الأخيرة.

وفي هذا السياق، لفت الإعلامي والباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور جمال شهاب المحسن إلى أن “التهديدات الإسرائيلية والأميركية واحدة في الشكل والمضمون، سواء صدرت عن مسؤول في الإدارة الأميركية أو عن الحكومة الصهيونية”، مشيرًا إلى أن “تهديدات المبعوث الأميركي توم براك، الأميركي اللبناني الأصل، تذكّر بأساليب وشخصية فيليب حبيب، الدبلوماسي الأميركي من أصل لبناني أيضًا، الذي كان يزور لبنان في مهمات رسمية تصبّ في مصلحة كيان العدو خلال اجتياح 1982”.

ولعلّ ما هو أخطر من السياسات الأميركية نفسها، هو الصمت الدولي والعربي إزاءها. فأين المجتمع الدولي من هذه الجرائم؟ ومن منح واشنطن حق التدخل في شؤون الدول وتقرير مصائر الشعوب؟ وأين ضمائر من يرفعون شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات؟ وهل باتت كلفة مقاومة الظلم أعلى من كلفة الخضوع والانبطاح؟

الأكيد أن مجابهة البلطجة الأميركية – الصهيونية ليست مهمة سياسية فحسب، بل هي واجب أخلاقي وإنساني ووطني. فالصمت على المجازر لا يوفّر الحماية، بل يجعل الدول والمجتمعات أهدافًا لاحقة في مسلسل الإخضاع والهيمنة. وعلى الجميع أن يدرك أن الخضوع للهيمنة الأميركية – الإسرائيلية ليس قدرًا محتوما، وأن بالإمكان التصدي للمشاريع والمؤامرات التي تُحاك للمنطقة، والأكيد أن كلفة المواجهة تبقى أقلّ بكثير من كلفة الاستسلام والذل.

وفي الختام، لا بدّ من التذكير بكلام الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر، إذ قال “… لن نقبل أن يكون لبنان مُلحقًا بإسرائيل، والله لو اجتمعت الدنيا كلها من أولها إلى آخرها، والله لو ذهبنا جميعًا، والله لو قُتلنا ولم يبقَ منا أحد، لن تستطيع إسرائيل أن تهزمنا، ولن تستطيع إسرائيل أن تأخذ لبنان رهينة، ما دام فينا نفس حي، وما دمنا نقول: لا إله إلا الله، وما دمنا نؤمن بأن الحق يجب أن يُحمى، وأن دماء الشهداء يجب أن تُصان”.

وفي السياق ذاته، كان سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله قد أكد في كلمته بتاريخ 16 آب 2019 “كلفة الصمود والمقاومة أقل بكثير من كلفة الخضوع والمساومة والاستسلام. في المقاومة تبقى لك أرضك ومستقبلك وأهلك ونفطك وسيادتك، أما في الاستسلام، فيأخذون كل شيء…”.

المصدر: موقع المنار