كلما حاول البعض الخروج من صفحات التاريخ ووقائع الجغرافيا ازاء سوريا والدخول في متاهة التوتير والرهانات الخاطئة تجاه قيادتها، كانت تعود دورة الزمن مجددا لتثبت ان هذين البلدين بهذا التداخل السياسي والشعبي والجغرافي والامني لا ينفصلان ، ولتثبت ان القيادة السورية حريصة على لبنان متجاوزة مواقف وسياسات بعض الاطراف اللبنانية التي كانت ولا زالت تثير المواقف المتصلبة.
العلاقات تاريخية وأصيلة ومهما مرت بمراحل صعبة ولكن تصحيحها كان يقف دائما عند حدود الاخوّة والعرفان، وهي لم تتوقف يوماً ولكن كانت التعقيدات السياسية اللبنانية تؤثر عليها الا ان وجود الحريصين سواء في لبنان وسوريا الواعين لاهمية الانسجام والاندماج كان يعيدنا دائما نحو تنقيحها حيث لا يصح الا الصحيح. وتنظر سوريا الى العلاقة من زاوية ان امن لبنان من امن سوريا وبالعكس واثبتت كل التجارب هذه المقولة، ووجود العدو الواحد وهو إسرائيل والإرهاب ووجود التآلف الشعبي وعمق العلاقة الضارب في التاريخ، وقد كانت سوريا خير داعم للبنان في ازماته ووقفت الى جانب جيشه وشعبه ومقاومته بكل قوة.
هذا ما هو مؤمل مع العهد الجديد مع عودة الحرارة الى العلاقة الرئاسية الثنائية، لا سيما ان سوريا اطلقت اشارات اخوية لافتة وسريعة. ليس منتظرا من البعض ان يغير دراماتيكيا من موقفه تجاه النظام في سوريا في هذا العهد الرئاسي الجديد ولكن هناك فرص لاعادة ترميم التعاون بين البلدين خاصة بعد هذه الزيارة من الموفد الرئاسي السوري التي كانت أول زيارة رسمية يقوم بها مسؤول سوري منذ 2010 والتي تبعها وصول وزير الخارجية الايراني لتكون اول زيارتين للرئيس المنتخب بعد ايام قليلة من تسلمه مهام الرئاسة.
وقد لفت ما ذكرته صحيفة السفير ان الزيارة التي سبقها اتصال تهنئة من الرئيس السوري بشار الاسد، سبقها أكثر من اتصال من مسؤولين سياسيين وأمنيين في سوريا عبّرت عن حماسة دمشق لانتخاب عون رئيساً للجمهورية.
ومن النقاط التي حملت دلالات هامة في هذه الزيارة والتي يمكن ان تؤشر الى التعاون المستقبلي:
-تحديد موعد قريب لاستقبال الموفد السوري يؤشر للخيارات الرئاسية
-اطلالة الموفد السوري من بعبدا للتصريح بالموقف، لها معنى هام
-نقل رسالة اخوية من الرئيس الاسد الى الرئيس عون
-ما نقله الموفد عن عون من تأكيده “عمق العلاقات السورية- اللبنانية التي تربط الشعبين وعمق العلاقات الأخوية التي تربطه مع الرئيس الأسد”.
– قول الموفد “لم تكن هناك صفحة قديمة في العلاقات لتكون هناك صفحة جديدة. هي صفحة مستمرة في علاقات متواصلة ومتوازنة”.
لقد كانت العلاقة السياسية والاقتصادية دائما تفاضلية بين البلدين الاخوين وحتى في وسط الازمة السورية وفي خضم التوتير السياسي ضد سوريا استمر التبادل التجاري ولكن كان هناك محاولات من بعض الاطراف لتخفيفه ووضع قيود نتيجة للموقف السياسي ، وحتى رغم قرار وقف استقبال الصادرات السورية الزراعية لم توقف سوريا استقبال الصادرات اللبنانية، ولبنان كان خاسرا في العديد من المجالات من توتير العلاقات ، وحتى رغم الحرب في سوريا يظل لبنان بحاجة الى التعاون التجاري والاقتصادي عدا عن الامني والسياسي.
الكثير من الملفات الحساسة لا بد من التعاون الوثيق فيها بين البلدين للمرور سوياً ازاءها نحو الحلول وهي تبدأ من موضوع الحدود والارهاب، ولا تنتهي عند تزخيم العلاقة التجارية ولا ننسى ملف النازحين الذي يرخي بثقله على لبنان.
انتخاب الرئيس عون شكّل اول فرصة لاعادة حرارة التعاون والتنسيق انطلاقا من رأس هرم العلاقات نظرا الى موقف عون المعروف والنظرة غير العدائية نحو دمشق، فكيف وقد ظهرت هذه الاشارات الثنائية الهامة سريعا، بانتظار ان ينعكس ذلك على صعيد السياسة العامة والسياسة الحكومية واقتناص هذه الفرصة المتاحة ، والتي ربما يسعى بعض الاطراف الى طمسها ولكن يتوقع ان يكون للعهد الجديد تأثيره وزخمه داخل الحكومة وخارجها.
المصدر: موقع المنار