ليست “البيوتات السياسية” بالضرورة نقيض الأحزاب، خاصة متى كانت ذات توجهات وطنية ثابتة، لكن مشكلة بعض ورثة هذه البيوتات، هي في عقلية الإقطاع الفردي، المُتعارف عليها بعبارة “صاحب البيت المفتوح”، بكل ما تتضمنه من هيبة الزعيم العائلي وانكسار خاطر المحتاجين إليه، ولا يستطيع أي لبناني نكران هذه الظاهرة المجتمعية/السياسية ولو أنها بدأت بالإنحسار لصالح الحياة الحزبية والبرامج الوطنية.
في العام 2005، اعترض أحد أبناء هذه البيوتات على تقدُّم نسيبه بترشيحه للإنتخابات النيابية، واعتبر الأمر تحدّياً له ومحاولة لإقفال بيته السياسي، فأجابه النسيب بالقول: “ومَن قال لكَ أننا لا بيوت لدينا وأننا نسكن في الطريق؟”، وهذه الذهنية للأسف، التي كانت تُغذِّيها وما زالت عقلية الإنتماء للزعيم العائلي، هي راسخة جزئياً لدى بعض الجماعات في لبنان والشرق الأوسط، فيما كل ديموقراطيات العالم قائمة على الأحزاب وعلى المنافسة عبر البرامج السياسية.
إنتخابات العام 2022، يختلط فيها التنافس بين الحزبي والعائلي و”الثوري”، في أجواء غير مسبوقة من التأزُّم الإقتصادي والمعيشي، وبصرف النظر عن المال الإنتخابي الذي سيلجأ إليه البعض، فإن ما يحصل فيها من شحن فئوي هو خطير على مستوى الإستقرار الوطني، نتيجة إعلام إنتخابي مسموم، سواء من خلال بعض الشعارات المرفوعة، أو عبر وسائل الإعلام وأبرزها الإعلام المرئي، الذي يشحن النفوس بما لا يتناسب مع الحاجة للخروج كلبنانيين من الأزمة/المأزق.
نعم، لا فرق بين بيوتات سياسية ترى الوطن بحجم “عتبة الدار” وبين أحزاب لديها ثقافة التفرقة بين دارٍ لبنانية وأخرى، ولسنا بحاجة لمزيدٍ من التفصيل، لأن الشعب اللبناني لديه الكمّ الكافي من الوعي والثقافة السياسية، خاصة عندما تغدو العناوين الإنتخابية لبعض الأحزاب السياسية كلاماً هوائياً تحريضياً عبر اللوحات الإعلانية المشرَّعة للهواء، ولا يختلف أسلوب خطابها السياسي إطلاقاً، عن وعود الزعيم التقليدي لجماعته بالمَن والسلوى . وكان الأجدى لكل جماعة حزبية أن تكون لديها قدرة “المُحاسبة الذاتية” أمام الناس، في ما أنجزت وأين أخفقت، لكن للأسف، نادرةٌ هي نعمة مواجهة المرايا في لبنان.
وبصرف النظر عن حجم القوى السياسية – وهو معروف – هناك قوى ناخبة تراقب هذه الهستيريا الإعلامية لِمَن ما زالوا يعتقدون بقدرتهم على إلغاء الآخر أو العيش دونه في لبنان، وهذه القوى الناخبة، لديها قدرة التقييم بهدف التقويم، وتكاد تجزم أن نتائج إنتخابات دورة العام 2022، ستكون صادمة لمن راهنوا على متغيرات دولية وخسروا، وعلى متغيرات إقليمية وخسروا، وتبدو الثالثة ثابتة ونهائية في الخسارة على مستوى الداخل، للفئويين الواهمين أن حجم الوطن بحجم “عتبة الدار” أو بحجم “الكانتون” الذين به يحلمون…
المصدر: خاص