عقد رئيس الاتحاد العمالي العام بالانابة حسين فقيه مؤتمرا صحافيا قبل الظهر في مقر الاتحاد بمناسبة “عيد العمال”، وجه في خلاله رسالة الى العمال بعنوان “عيد للوحدة والارادة والتغيير”، وقال: “يا عمال وعاملات لبنان في كل مدينة وبلدة وقرية، أيها الموظفات والموظفون في كل دائرة ومؤسسة ومصنع ومصرف، أيها المتعطلون عن العمل قبل جائحة الكورونا وبعدها، أيها السائقون العموميون والمزارعون الصغار والباعة المتجولين وصيادو الأسماك وصغار الكسبة، يا خريجو الجامعات والمعاهد والكليات الباحثون عن العمل، أيها الفلاحون وصغار التجار الذين تعطلت أعمالهم، يأتي الأول من أيار، عيد العمال العالمي هذا العام في ظل أزمة مركبة بدأت تداعياتها منذ وقت طويل وأطلت برأسها منذ مطلع العام 2019 وانفجرت في ال-17 من تشرين الأول من العام نفسه، واستقالت بعدها الحكومة السابقة وتركت البلاد سائبة لأكثر من ثلاثة أشهر تشكلت بعدها حكومة جديدة. وفي فترة الفراغ المستمر حتى الآن عاثت منظومة الفساد المالي والسياسي بالبلاد، ثم أتت جائحة الكورونا التي اجتاحت البلاد والعالم وأقفلت أكثر من 75% من المؤسسات وخصوصا السياحية والصناعية والتجارية وقطاع النقل وترك أكثر من 60% من العمال والموظفين أماكن عملهم، وما تبقى منهم يعمل في ظروف خطيرة في المستشفيات ومتاجر التجزئة ومصانع الغذاء وبعض وسائل النقل ومنهم بنصف راتب أو ربع راتب وتم صرف مئات الألوف من العمال كثيرا منهم من دون تعويض في ظل قضاء معطل، فيما لم تتخذ الحكومة التدابير السريعة والشفافة المناسبة، وتباطأت بشكل مريب في توزيع المساعدات المقرة، تاركة الناس بين خياري الموت من الجوع أو القضاء بوباء كورونا”.
اضاف: “أيها العمال أيها العاملات، لم تكن هذه الأزمة الاقتصادية قضاء وقدرا بل نشأت عن أكثر من ثلاثين عاما من نهب منظم توالت على الامعان فيه جميع الحكومات التي مرت فيها حيث تحولت البلاد الى الاستدانة والتبذير الحكومي وتلزيم المشاريع المغشوشة وتفشت الزبائنية وتبادل المنافع والاقتصاد الريعي في التوظيف المالي الكسول بفائدة عالية في المصارف أو في المضاربات العقارية التي رفعت أسعار الأراضي والمنازل السكنية الى أعلى مستويات في العالم في بعض المناطق، وبينما توقفت القروض السكنية المدعومة منذ أكثر من عام شهدنا بعض المصارف تقدم قروضا بعشرات ملايين الدولارات لعدد من المحظيين من سياسيين وغيرهم. ثم وفي لحظة خطيرة قام بعض أصحاب المصارف وكبار المودعين بتحويل أموالهم الى الخارج من دون أي وازع أخلاقي أو اقتصادي ففقد الدولار من الأسواق وتبخرت ودائع صغار المودعين ومتوسطيهم وها نحن بلا خطة اقتصادية واضحة لانقاذ البلاد والمصارف مقفلة أو حولت الودائع الى الليرة اللبنانية التي فقدت حتى الآن 150% من قيمتها وارتفعت الأسعار الى ما بين 60 الى 100% وخصوصا في شهر رمضان المبارك شهر الرحمة والتوبة إلا عند كبار التجار والمستوردين وأصحاب الوكالات الحصرية”.
ولفت الى ان “إطلاق قرار وضع ضريبة على “الواتس أب” الذي أتى ليراكم النقمة على كل السياسات المالية والضريبية والإقتصادية التي كانت سائدة، كان الشرارة التي أشعلت حقل القش اليابس الذي كنا قد حذرنا منه في اجتماعاتنا وبياناتنا وتصريحاتنا المتتالية وقلنا يومها أن الوضع قادم على اضطرابات وفوضى وليس إضرابات فقط لكن ذلك كله قوبل بتجاهل السلطة وانكارها الى أن امتدت موجة العنف التي لم تتوقف إلا بعد وصول جائحة الكورونا”، مؤكدا أنه “بعد انتهاء هذا الوباء والسيطرة عليه بجهود مشكورة من الحكومة ووزارة الصحة وكل القوى الأمنية الرسمية التي نتوجه إليها بتحية خاصة وكذلك للعديد من الوزارات، من الطبيعي أن تعود الموجات الاحتجاجية بصورة أكبر وأوسع وربما أعنف وسيكون الاتحاد العمالي العام في طليعتها إذا لم يتم وضع خطة اقتصادية إصلاحية تضع حدا لهذه الجريمة المنظمة والمتمادية”.
وتابع: “وفيما هو حاصل في الأيام الأخيرة من تحركات ليلية تحت شعارات مطلبية، فنحن في الاتحاد العمالي العام مع المطالب المحقة والشرعية التي تعبر عن الضيق والحاجة والجوع ومسؤولية السلطة الإصغاء لصوت الناس وتلبية المطالب ونزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن الاجتماعي وفتح حوار جدي وموسع مع أطراف الانتاج يكون فيه العمال أساس وأصحاب العمل. ونؤكد أننا ضد أي اعتداء على أبنائنا في المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية مقدرين ما يبذلونه من جهود لحفظ الأمن والاستقرار. وإننا ضد تحطيم وإحراق والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وإقفال الطرقات على المواطنين وتعطيل حركة الحياة لأن هذا الأمر يسيء الى المطالب ويسمح للمندسين وأصحاب الأجندات بالتسلل وإحداث الفوضى”.
واردف: “أيا كانت الأسباب التي سوف تتكشف عن ظاهرة كورونا فهي أولا وأخيرا من صنع الانسان سواء خرجت من أحد المختبرات ولم يتم السيطرة عليها أو بسبب تدمير الطبيعة جوا وبحرا وأنهارا وجبالا وانسانا وقيما أخلاقية واستعباد للناس والخلل الخطير في توزيع الثروة والملكية في العالم أجمع وفي لبنان بوجه خاص. وفي هذا المجال يجمع فلاسفة العالم وخبرائه أن عالم ما بعد كورونا ليس كما قبله وذلك يحتاج الى تغيير جذري في مجمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وفي احترام الطبيعة وإعادة الاعتبار للانسان وقيمه وكرامته وأسباب وجوده على هذه الأرض وقد فضحت سياسة مناعة القطيع التي حاولت بعض الدول الأوروبية انتهاجها في مواجهة هذه الجائحة البعد اللاإنساني لليبرالية المتوحشة التي تقوم فقط على الربح والمزيد من تجميع الثروة على حساب الإنسان وكبار السن وقاطني دور العجزة بوجه خاص كما باتت بعدما كانت تتسابق على إنتاج الأسلحة النووية أصبحت تقوم بالقرصنة على كميات الكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي مما فضح كامل بنيتها الصحية وادعاءاتها الأخلاقية”.
واعتبر أن “الانفاق على التعليم الرسمي وعلى المختبرات والجامعات والمستشفيات الحكومية وعلى البنية التحتية للبلاد من كهرباء وماء وطرقات له اليوم الأولوية على كل انفاق آخر، إضافة الى تأمين العمل اللائق والأجر العادل والمساواة واحترام حقوق المرأة.
وشدد على أن “إنشاء صندوق بطالة للعاطلين عن العمل جزئيا أو كليا بات مسألة ملحة كشفت عنها ظاهرة كورونا وهو مطلب تاريخي للحركة النقابية اللبنانية منذ نشوئها وهو قرار يجب وضعه فورا موضع التنفيذ من دون إبطاء. ونحن بصدد عمل مسودة للمشروع قريبا وبالتنسيق مع وزيرة العمل. وإن بيع ممتلكات الدولة تحت شعار الصندوق السيادي – يعني ممتلكات المواطنين – جميع المواطنين أو رهنها تمهيدا لبيعها هو خدعة وعمل خبيث للقضاء على الأملاك غير المنقولة بعد سرقة الأموال المنقولة ومصادرتها”، لافتا الى ان “قضية تصحيح الأجور بالنسبة التي ارتفعت فيها منذ العام 2012 واستعادة القوة الشرائية ستكون على رأس جدول أعمال الاتحاد فور انتهاء أزمة كورونا”، مؤكدا أن “انخراط الاتحاد في معركة الاصلاح السياسي والاقتصادي والمالي والنقدي والإداري في الدولة والمجتمع هي مهمتنا جميعا في الاتحاد العمالي العام كما في كل الأحزاب والقوى العاملة من أجل التغيير”.
وقال: “بعد ما كنا طالبنا بتعويض مالي بمعدل حد أدنى للأجور لكل محتاج وبعدما باتت ال 400 ألف ليرة لا تساوي مائة دولار، نطالب برفع هذا التعويض الشهري إلى مليون ليرة لبنانية على الأقل وبدءا من هذه اللحظة بالذات ومهما كانت الملاحظات التفصيلية على الجداول. وبعد جائحة الكورونا آن الأوان لتعميم الرعاية الصحية الكاملة لجميع اللبنانيين فضلا عن تطوير وتوسيع وتفعيل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وكل ذلك يستدعي عقد اجتماعي جديد”.
وختم: “في عيدكم – عيد العمال العالمي وفي ظل المأساة الاقتصادية والصحية نحن وإياكم محكومون بالأمل، فلطالما عرف العالم أوبئة وحروب وأزمات اقتصادية وخرج منها أكثر قوة.
فبإرادتنا الصلبة وإيماننا العميق والتمسك بحقنا وحق أولادنا في الحياة الحرة، وبناء وطن لجميع أبنائه وليس لفئة أو طائفة أو مذهب أو طبقة متحكمة ومسيطرة تستطيع فعل الكثير، فأنتم ملح الأرض وأنتم صناع الخيرات المادية في المصنع والحقل والمدرسة والجامعة وفي كل مناحي الحياة وانطلاقا من كل ذلك وبعدما خسرنا أماكن عملنا وأرزاقنا ومدخراتنا ومستقبل أولادنا ووطننا ومن هنا وفي هذا اليوم المجيد نطلق مبادرة الدعوة الى لقاء عام لجميع النقابات المنضوية في الاتحاد أو خارجه من دون استثناء للتشاور ووضع خطة عمل وتحرك إنقاذي والاتحاد العمالي العام أبوابه مفتوحة للجميع فقد آن الأوان لوحدة المتضررين في مواجهة سياسة الإمعان والنهب والاحتكار وإذلال الشعب”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام