تناولت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الخميس 31-10-2019 في بيروت العديد من الملفات المحلية والإقليمية، كان أبرزها تحول الهدوء الذي شهدته ساحات الاعتصام بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، إلى توتّر تولاه أنصاره، من خلال قطع الطرقات في كل المناطق، ساعياً إلى الالتفاف على الاستشارات النيابية: لا رئيس للحكومة سوى الحريري. وهو ما لم تحسمه قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر، انطلاقاً من ضرورة الاتفاق على صورة الحكومة قبل الخوض في اسم رئيسها..
الأخبار
الحكومة: الحريري يفاوض بالشارع
تناولت جريدة الأخبار الشأن الداخلي وكتبت تقول “في ساعات، تحول الهدوء الذي شهدته ساحات الاعتصام بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، إلى توتّر تولاه أنصاره. تيار المستقبل قطع الطرقات في كل المناطق، ساعياً إلى الالتفاف على الاستشارات النيابية: لا رئيس للحكومة سوى الحريري. وهو ما لم تحسمه قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر، انطلاقاً من ضرورة الاتفاق على صورة الحكومة قبل الخوض في اسم رئيسها.
بعدما فُتحت كل الطرقات خلال النهار، وانكفأ المتظاهرون إلى ساحات الاعتصام في وسط بيروت وصيدا وطرابلس، تولّى تيار المستقبل إثارة البلبلة في معظم المناطق، بعد أن قطع مساء، بشكل مفاجئ، طرقات رئيسية عديدة في البقاعين الأوسط والغربي وفي طرابلس والمنية والعبدة والساحل الجنوبي. أما في العاصمة، فجابت الدراجات النارية أكثر من منطقة، دعماً للحريري، ورفضاً للأصوات التي تدعو إلى عدم تسميته مجدداً لرئاسة الحكومة. ومع محاولة الجيش فتح الطرقات في أكثر من مكان، شهدت ساحة العبدة في عكار وقوع ستة جرحى من المدنيين. وأدى ذلك إلى توسيع دائرة قطع الطرقات الرئيسية شمالاً وجنوباً وبقاعاً. كما كان لافتاً انتقال أحد وجوه اعتصام طرابلس إلى بيروت، عامداً إلى إقناع عدد من المعتصمين بضرورة التوجه إلى جسر الرينغ لقطعه، تضامناً مع جرحى الشمال، إلا أنه سرعان ما استغل المنبر ليطالب بإعادة تكليف الحريري رئاسة الحكومة، لأنه «ظلم من الجميع». وكان لافتاً أن قطع الطريق طال جل الديب والزوق أيضاً.
الأحداث المتسارعة أدت إلى تراجع وزير التربية عن قرار استئناف الدراسة، وتركه لمديري المدارس اتخاذ القرار المناسب بالنظر إلى الأوضاع المحيطة.
وفيما طرح استعمال الحريري لورقة الشارع أكثر من علامة استفهام، خاصة أنها أتت بعد يوم واحد فقط من استقالته، جزمت مصادر قريبة منه أنه كان ممتعضاً من هذه التحركات، وطلب من القوى الأمنية منع قطع الطرقات، قبل أن يصدر، مساءً، بياناً يدعو فيه جمهور المستقبل إلى «الامتناع عن العراضات في الشوارع والتزام التعاون مع الجيش وقوى الأمن الداخلي».
لكن بيان الحريري لم يساهم في ضبط الأوضاع، وسط شكوك عن أسباب وضعه ورقة الشارع على طاولة المفاوضات الحكومية سريعاً. وهو ما عبّر عنه النائب السابق وليد جنبلاط صراحة، عبر تغريدة حذّر فيها من «استغلال الشارع لأسباب غير التي رفعها الحراك». أضاف: «لست لأعطي دروساً لكن أدين أي حراك آخر الذي يريد سرقة الحراك وإدخاله في لعبة السياسات الضيقة والانتهازية».
في سياق متصل، يحتفل رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم بمرور ثلاثة أعوام على انتخابه رئيساً، في 31 تشرين الأول 2016، في ظل حكومة مستقيلة، طلب منها أمس تصريف الأعمال، ريثما تتشكل حكومة جديدة. وهو إذ سيخرج على اللبنانيين، عند الثامنة من مساء اليوم في رسالة تتناول التطورات الراهنة، أكدت مصادر مطلعة أن عون سيتمهّل في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، ريثما تتضح مآلات التأليف، على قاعدة «الاتفاق على التأليف، أو معالمه، قبل التكليف»، علماً أن هذه المصادر توقعت أن يدعو عون إلى الاستشارات بين نهاية الاسبوع وبداية الاسبوع المقبل. وتلقى عون امس جرعة دعم من مجلس المطارنة الموارنة الذي دعا إلى «الالتفاف حول رئيس الجمهورية».
ولذلك، بدأت، بخلاف ما يشاع عن جمود في التواصل السياسي، الاتصالات على أكثر من جهة لاستشراف المرحلة المقبلة، إن كان اسم المكلّف أو معايير التكليف. وعملياً، لا تجد مصادر معنية في حسم مسألة تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة مجدداً أمراً عاجلاً، كما لا يريد أحد أن يُكرر تجربة الأشهر التسعة للتأليف، ولذلك فإن الجهد سينصبّ على التوافق أولاً على التأليف، ولو بخطوطه العريضة، بما يسهّل مهمة الرئيس المكلّف.
لكن تلك المسألة تحديداً هي بيت القصيد في المعركة الحكومية. الحريري يسوّق لحكومة تكنوقراط، يهدف منها عملياً إلى الوصول إلى استبعاد جبران باسيل، الذي لا يريده شريكاً في الحكومة، واستبعاد حزب الله بحجة الضغط الدولي. وبحسب مصادر متابعة للمشاورات، فإن ما يُقلق الحريري ودفعه إلى استخدام ورقة الشارع ليل أمس، هو أن حزب الله وحركة أمل وتكتل لبنان القوي، لم يفصحوا بعد عن نيتهم بشأن مرشحهم لرئاسة الحكومة، علماً بأن الخيار ليس سهلاً بالنسبة إليهم. فاختيار شخصية غير الحريري سيواجَه بالشارع، فيما الحريري نفسه يستقوي بالشارع لإخراج الأكثرية النيابية من مجلس الوزراء، أو على الأقل، «تقليم أظافرها». وقد نقلت وكالة رويترز عن «مسؤول بارز مطلع»، أن الحريري «مستعد لتولي رئاسة الوزراء في حكومة لبنانية جديدة بشرط أن تضم تكنوقراطا قادرين على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة سريعاً لتجنّب انهيار اقتصادي». وذهب المسؤول إلى اعتبار أن «الحكومة الجديدة يجب أن تكون خالية من مجموعة من الساسة البارزين الذين شملتهم الحكومة المستقيلة» من دون أن يذكر أسماء، قبل أن تنفي مصادر الحريري أن يكون قد وضع شروطاً لقبول تولي رئاسة الحكومة.
لكن على المقلب الآخر، ثمة سؤال أساسي يتعلق بشخص الحريري: هل تنطبق عليه صفة التكنوقراط؟ وعليه، تشير مصادر في 8 آذار إلى أن الأولى بمن يريد فعلاً تشكيل حكومة تكنوقراط أن يبدأ بنفسه، لا أن يفرض الشرط على الأفرقاء الآخرين حصراً. وجرى التداول أمس بمجموعة من الأسماء التي يمكن أن تتولى رئاسة حكومة تكنوقراط، كالوزير السابق بهيج طبارة ورئيس مجلس إدارة مصرف «فرنسبنك» نديم القصار.
وفيما لم يتم التواصل بين الحريري وباسيل، منذ الاستقالة، تؤكد مصادر عونية أن التيار لا يتدخل في عملية التأليف، بل يتولاها رئيس الجمهورية حصراً، فيما التيار يتواصل معه أسوة بباقي الكتل. ولما لم تشأ مصادر التيار الإشارة إلى تسميتها الحريري مجدداً، فقد اكتفت بتأكيد ضرورة أن يكون المرشح ميثاقياً ويلتزم بتنفيذ الخطوات الاصلاحية الانقاذية. وليس بعيداً عن التيار الوطني الحر، لم يحسم حزب الله موقفه من التكليف، على ما تؤكد مصادر في 8 آذار، مشيرة إلى أن الخيارات لم تحسم بعد، وتحديد الاسم مرتبط بالتفاهمات على شكل الحكومة.
في هذا الوقت، كان نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي يلتقي الحريري، في زيارة كانت مقررة قبل الاستقالة وأُجّلت إلى الأمس بسببها. وفيما تردد أن الفرزلي زار الحريري بصفته الشخصية، يصعب فصل هذه الزيارة عن علاقة الفرزلي الوثيقة بكل من رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي. وكان كلام الفرزلي واضحاً في اللقاء لناحية التأكيد أن «الحريري هو المرشح الأول، لأسباب عديدة منها أنه الأكثر تمثيلاً في طائفته والأكثر قدرة على مخاطبة المجتمع الدولي، وبالتالي فإن اختيار اسم آخر، لن يكون ممكناً من دون موافقة الحريري، ما يجعل من وجود الأصيل على رأس الحكومة أفضل من أي بديل حتى لو اختاره بنفسه». كذلك قال الفرزلي إن «الحريري هو أحد أسباب المناعة للتحديات الخارجية»، مشيراً إلى أنه «لا يوجد خلاف في العمق اليوم حيال ما إذا كان الرئيس الحريري هو الذي يجب ان يكلف او لا، لأنه هو صمام أمان للمسألة المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية، الى جانب أشقائه في السلطة ممثلي المكونات، فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس النواب». أضاف: «المسألة ليست مسألة ترف في التسمية، بل القضية هي مصلحة وطن».
بومبيو: للإسراع في تشكيل الحكومة
دعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو القادة السياسيين في لبنان إلى «الإسراع» في تشكيل حكومة جديدة إثر استقالة رئيس الحكومة اللبنانية. وقال بومبيو في بيان: «تدعو الولايات المتحدة الزعماء السياسيين في لبنان الى الإسراع في تسهيل تشكيل حكومة جديدة يمكنها بناء لبنان مستقر ومزدهر وآمن يلبي احتياجات مواطنيه». وأضاف «وجّهت التظاهرات السلمية والتعبيرات عن الوحدة الوطنية في الأيام الـ13 الماضية رسالة واضحة. الشعب اللبناني يريد حكومة كفوءة وفعّالة واصلاحاً اقتصادياً ووضع حد للفساد المستشري». وأكد أن «أي أعمال عنف أو تصرفات استفزازية ينبغي أن تتوقف، ونحن ندعو الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية إلى مواصلة ضمان حقوق وسلامة المتظاهرين».
الجمهورية
التكليف مفتوح على كلّ الخيارات… ودعوات دولية تستعجل تشكيل الحكومة
بدورها تناولت الجمهورية الشأن الداخلي وكتبت تقول “أخطر ما يواجهه لبنان ما بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، أنّ القيّمين على شؤون البلد من أعلى الهرم الى أسفله، لا يملكون رموز «الشيفرة» التي من شأنها أن تفتح باب الخروج من الوضع المعقّد الذي دخله لبنان. كان البلد قبل أيام في أزمة سلطة أعمَت العنجهية السياسية أعيُن القائمين عليها، عن عمق أزمة البلد وصرخات الناس، وما بعد الاستقالة دخل البلد في ما يشبه «أزمة تكليف»، ذلك أنّ شخصية الرئيس المكلّف العتيد ما زالت في عالم الغيب السياسي، فيما هو سيدخل لاحقاً في أزمة تأليف، تُحاط حولها توقعات تشاؤمية من الآن بأنها ستستغرق شهوراً! علماً أنّ موجة من التوتر السياسي بدأت تضرب البلد اعتباراً من مساء أمس.
في اليوم الثاني لاستقالة الحريري، خرج المحتجّون من الشارع وتم فتح الطرقات نهاراً، في وقت ظلت أصوات بعض فئات المحتجّين تتصاعد خشية تمييع حركتهم المطلبية.
الّا انّ التحركات في الشارع عادت بشكل مفاجىء مساء، حيث سجل مساء أمس قطع عدد من الطرقات في الحمراء وجسر الرينغ وعين المريسة مع تجمّع ليلي في جل الديب، من دون أن تُعرف الدوافع الحقيقية لذلك، سواء ما اذا كانت سياسية أو مرتبطة بما لَمسه المحتجّون ممّا وصفوها «ميوعة» في تلبية مطالبهم وتأجيل استشارات التكليف.
إعادة الثقة… صعبة
أمّا في السياسة فإنّ الارباك هو سيّد الموقف في كل المقرّات السياسية والرسمية، بالنظر الى الضبابية التي تعتري صورة مشهد ما بعد الاستقالة. فعلى رغم الصعوبة التي تعتري التكليف، ومن بعده التأليف، فإنّ الأصعب منهما هو ترجمة مطالب الناس وما طرحوه طيلة فترة تحرّكهم، وكيفية معالجة أزمة الثقة التي انكسرت بينهم وبين السلطة.
وهذا معناه، على حد ما يريده الناس، أنّ إعادة ترميم هذه الثقة ينبغي أن تتم بعلاج سياسي جذري يُرضي الناس الغاضبة، ويُحقّق، ولو الحد الأدنى من مطالبهم.
وليس أن تكون الاستقالة مجرّد محطة، يُصار بعدها الى إجراء استشارات تكليف او تأليف، تعيد إنتاج ذات التركيبة، بلون آخر، سواء بحكومة سياسية صافية، أو بحكومة سياسية مطعّمة بتكنوقراط، او بحكومة تكنوقراط مطعّمة بسياسيين، أو بحكومة تكنوقراط صافية ستختارها الطبقة السياسية ذاتها. بما يعني القفز فوق الحركة الاعتراضية التي قام بها الناس على مدى 13 يوماً، فتصبح وكأنها لم تكن.
مهلة للمشاورات
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي سيطل مساء اليوم في كلمة لمناسبة الذكرى الثالثة لولايته، قَبِل استقالة الحريري وكَلّفه وحكومته تصريف الاعمال، من دون أن يحدد أي موعد للاستشارات الملزمة لتكليف شخصية سنيّة لتأليف الحكومة الجديدة.
وقالت مصادر وزارية مقرّبة منه لـ«الجمهورية»: إنّ تأجيل الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة لا يشكل أي مخالفة دستورية، فالرئيس عون يعطي من خلال التأجيل، ربما الى مطلع الأسبوع المقبل، وقتاً من أجل التشاور لتسمية من سيكلّف تشكيل الحكومة العتيدة. وأشارت الى انّ الاستشارات لن تقتصر على اسم الرئيس المكلّف، بل ستتعداها الى استشراف المرحلة المقبلة، وخصوصاً ما بعد الاستقالة التي جاءت من دون أي تنسيق مُسبق، كما بالنسبة الى شكل الحكومة وأولوياتها، وهو أمر يجب التشاور بشأنه بين داخل الكتل وفي ما بين الحلفاء، ليأتوا الى الإستشارات بالأجوبة الشافية.
حكومة نظيفة
وقد لفت أمس موقف لرئيس الجمهورية أطلقه أمام وفد الرابطة المارونية، أكد فيه أنه ستكون للبنان حكومة نظيفة، وما حصل في الشارع فتح الباب على الإصلاح الكبير.
وإذا ما برزت عوائق، فإنّ الشعب في حالة ترقّب ومُتحفِّز وسينزل الى الشارع مجدداً، مشيراً إلى أنّ مكامن الفساد معروفة، ويجب محاسبة الفاسدين ومحاكمتهم، وعلى مَن يشتكي من الفساد أن يُقدّم إثباتات لِما يرتكبه الفاسدون أمام القضاء المختص لا الاكتفاء بمجرد الكلام العام عن الفساد في الصالونات. وختم قائلاً: «اليوم لن ننتظرهم، وسنقوم بما يجب القيام به».
بيت الوسط
أمّا رئيس الحكومة المستقيل، فبَدا حرصه واضحاً على النأي بخطوة الاستقالة عن المنطق الاتهامي الذي أطلقه بعض الاطراف وأدرج فيها الاستقالة في سياق مؤامرة، من دون أن تَبدر عنه شخصياً أي إشارة الى تَرشّحه لرئاسة الحكومة الجديدة في انتظار ما سيقرره «تيار المستقبل»، علماً انّ أوساط الحريري لم تجد مانعاً أمام عودته لترؤس الحكومة الجديدة، إذا وجد في ذلك مصلحة للبلد.
وأوضحت أوساط بيت الوسط لـ«الجمهورية» انّ الحريري لم يطلب الاستمرار في رئاسة الحكومة ولم يطلب إعادة تسميته، ولكن اذا رَست عليه فلن يتردد في تحمّل المسؤولية. وإذ أشارت الاوساط الى انّ الإتصالات مقطوعة بين المراجع الرسمية، وخصوصاً بعد التقدّم بالاستقالة، رفضت الحديث عن ضغوط خارجية قادَت إليها. وقالت إنها صنعت في لبنان، وكانت مدار بحث قبل فترة، وانّ الجميع في أجوائها، وليس من الضروري أن يعبّر أحد عن المفاجأة.
إلّا أنّ اللافت للانتباه جاء ليلاً في انتشار مقاطع فيديو للرئيس الحريري وهو يخاطب حشداً أمام بيت الوسط، يقول فيه: «إستفادوا منّي، وسَرقوا منّي، وبالآخِر عم يزايدو علَيّ». وظهر في فيديو آخر يقول: «أدّيش استفادوا، وأدّيش سَرقوا منّي؟ صار في لايحَة اليوم، وكل واحد جايي حسابو بإذن الله».
ومساء، دعا الحريري مناصريه الى الهدوء. وكتب في تغريدة أطلقها: «مع تقديري لكل مشاعر التعاطف العفوية، أكرر الطلب الى جمهور تيار المستقبل ومناصريه الامتناع عن العراضات في الشوارع، والتزام التعاون مع الجيش وقوى الأمن الداخلي. إنّ الحفاظ على الهدوء ومنع أي انزلاق الى الاستفزازات، مهمّتنا جميعاً الآن».
التكليف صعب
الى ذلك، لعل هذا الوضع الذي فرضته استقالة الحريري هو الأصعب الذي تشهده حالات كهذه، إذ انّ الصعوبة الاعتيادية كانت تتبدّى في تأليف الحكومات، وهو أمر كان يستغرق أشهراً في بعض الحالات، الّا أنّ الصعوبة في الحالة الراهنة تتبدّى في التكليف، الذي تؤشّر الوقائع المحيطة به الى أنه، كما هي الحال الآن، أصعب من التأليف، ولاسيما بعدما خلطت الاستقالة أوراق المواقف والتحالفات كلها.
خيارات
وفي غياب أي اتصال ما بين الرئيس الحريري ورئيس الجمهورية، وما بينه وبين رئيس مجلس النواب، ظهرت حركة اتصالات مكثفة في الساعات الماضية، ولاسيما على خط التيار الوطني الحر و«حزب الله» وحركة «أمل» وتيار المردة والقوى الحليفة لها. أمّا ما يَطفو على السطح من تسريبات، فيفيد بأنها تتناول مجموعة من الخيارات المتصلة بشخص الرئيس العتيد للحكومة المقبلة، من دون أن ترسو حتى الآن على اسم معيّن يمكن الجزم النهائي بأنّ أصابع الاختيار تؤشّر إليه.
وأكدت مصادر مواكبة لهذه المشاورات، أنّ رئيس الجمهورية لن يدعو الى الاستشارات الملزمة الّا بعد انتهاء هذه الاتصالات، وبلورة موقف موحّد حول الخيار الذي سيتم تسميته في الاستشارات. وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: انّ المعركة الآن أصبحت معركة سياسية، ويبدو انّ الأمور متجهة نحو كباش سياسي أخطر ممّا شهدته الأيام الماضية، لا يملك أحد تقدير الموقف الذي قد يبلغه.
تسمية الحريري
يتزامَن ذلك مع تأكيدات مقابلة بأنّ اسم الحريري ما زال الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة الجديدة، خصوصاً انّ الخيارات البديلة ليست بالثِقل الذي يمثّله الحريري سياسياً ونيابياً وعلى مستوى شارعه الذي بَدأ يتحرّك منذ إعلانه استقالته، واستمر يوم أمس، بتجمّعات وتظاهرات سيّارة ودرّاجة وقطع طرقات في العديد من المناطق اللبنانية. هذا فضلاً عن أنّ إمكانية تسمية شخصية أخرى تعتبر مُستفزّة للحريري وشارعه، من شأنها أن تخلق أجواء ضاغطة أكثر، تزيد من التشنّج القائم حالياً في البلد.
مشاورات تسبق الاستشارات
عملياً، صارت استقالة الحريري نافذة، وهناك أيام قليلة تفصل عن بدء الاستشارات المُلزمة لرئيس الجمهورية. أمّا عَلامَ سترسو هذه الاستشارات؟ فذلك ستحدده أصوات النواب التي ستودعها رئيس الجمهورية.
خريطة المواقف
في موازاة ذلك، رسمت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» خريطة مواقف القوى السياسية من موضوع التكليف، كما يلي:
الحريري
أولاً، الرئيس الحريري، مع 3 خيارات، الأول حكومة تكنوقراط يترأسها، والثاني حكومة سياسية مطعّمة بتكنوقراط يترأسها، والخيار الثالث حكومة سياسية محايدة ومتوازنة ليست برئاسته، مع الافضلية لأن يكون رئيسها من مناخ تيار «المستقبل».
عون
ثانياً، رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر»، لا شك في انّ الاستقالة أصابت فريق رئيس الجمهورية بصدمة كبرى، فالحريري وبلا تشاور مع رئيس الجمهورية، أطاح بما سُمّيت «حكومة العهد». وتبعاً لذلك، بدأ فريق الرئيس يتصرّف وكأنّ التسوية التي كانت معقودة مع الحريري قد ماتت.
إنما في مقابل ذلك، فإنّ هذا الفريق لا يقول علناً انه سيسمّي الحريري او لا يسمّيه، رابطاً قرار التسمية أو عدمها بما ستقرره المشاورات مع القوى السياسية الاخرى، ولاسيما القوى الحليفة له. إنما الثابت لدى هذا الفريق هو أنه لم يعد مُلزَماً بتسمية الحريري على ما كان عليه الحال أيام التسوية وخلال استشارات تكليف الحريري تشكيل الحكومة المستقيلة، التي تَلت الانتخابات النيابية في العام 2018.
وامّا بالنسبة الى الحكومة الجديدة، وحتى ولو أعيد تكليف الحريري، ففريق رئيس الجمهورية هو مع حكومة «عليها القيمة»، وضد أيّ حكومة تشتمّ منها رائحة ثأرية من الوزير جبران باسيل، فهذا خط أكثر من أحمر.
بري
ثالثاً، الرئيس نبيه بري، مصدوم بدوره من استقالة الحريري، وسعى جهده، حتى قبل دقائق معدودة من إعلانها، الى ثَني الحريري عن الاقدام على هذه الخطوة. وأجواء عين التينة تعكس انزعاجاً شديداً لدى رئيس المجلس «لأنّ هذه الاستقالة رميت في وجهنا».
أمّا في ما خصّ إعادة تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، فمعلوم انّ رئيس المجلس لطالما كان السبّاق في إعلان موقفه المؤيّد تكليف الحريري لرئاسة الحكومة، الّا انه في الواقع الراهن لا يأتي على ذكر هذا الأمر، بل يُقارب استقالة الحريري بانزعاج شديد منها.
وقد أكد بري امام نواب الاربعاء، أمس، «انّ البلد لا يحتمل المزيد من المتاعب والمخاطر إقتصادياً ومالياً، جازماً أنّ الوحدة والانفتاح والحوار بين بعضنا البعض كلبنانيين يجب ان تسود المرحلة المقبلة». ودعا بري الى التعجيل بتأليف الحكومة وفتح الطرقات، محذّراً من فقدان الأمل بالأمن في لبنان، مُبدياً خشيته من الضغوط الدولية إبتداءً من اليوم.
«حزب الله»
رابعا، «حزب الله». من المؤكد أنه لن يسمّي الحريري في الاستشارات الملزمة، وهو في الاساس لم يعلن أنه يضع أي «فيتو» على عودة الرئيس الحريري الى تشكيل الحكومة الجديدة أو لا يضعه. أمّا بالنسبة الى الحكومة فلا يبدو أنه يقبل بحكومة تكنوقراط، سواء أكانت حيادية من رئيسها الى سائر أعضائها أو حكومة تكنوقراط يترأسها الحريري من دون سائر القوى السياسية، إذ كيف تسمّى هذه الحكومة حكومة تكنوقراط طالما انّ رئيسها هو رئيس حزب سياسي؟
جنبلاط
خامساً، «الحزب التقدمي الاشتراكي»، فقد نادى رئيسه النائب السابق وليد جنبلاط بتشكيل حكومة جديدة بعيداً عن التيارات السياسية والأحزاب، تعطي صدمة ثقة للداخل والخارج، وتكون أولوية العمل الوضع المالي وكيفية معالجة الدين، لأنه في كل لحظة تأخير الخسارة أكبر. ولكن في موازاة هذا الكلام جرى حديث عن انّ بعض القوى السياسية تَلقّت من جنبلاط إشارات عن رفضه المشاركة بحكومة بلا سعد الحريري، كما أنه لا يشارك في حكومة بلا «حزب الله»، وانّ الحزب قد تلقّى كلاماً مباشراً بهذا المعنى. وقد سألت «الجمهورية» جنبلاط عن دقة هذا الحديث، فنفى ذلك قائلاً: «لم يصدر عنّي أي شيء من هذا القبيل».
«القوات»
سادساً، «القوات اللبنانية»، مع حكومة برئاسة سعد الحريري، وضد المشاركة في حكومة سياسية. في هذا الاطار قالت مصادر القوات لـ«الجمهورية»: إنّ استقالة الحريري «خطوة في مكانها الصحيح، والمطلوب اليوم الاسراع في عملية التكليف ومن ثم التأليف، وصولاً الى حكومة جديدة بعيدة كل البعد عن القوى السياسية القائمة وتكون مؤلّفة من اختصاصيين ومن كفايات عالية ومَشهود لها، وتستطيع ان تواجه التحديات المالية والاقتصادية في البلد، وطبعاً المطلوب الاسراع في هذه الخطوة بعيداً عن أي محاولات اخرى، لأنّ ايّ محاولات انتظارية على خلفيات سياسية ستنعكس مزيداً من التدهور، في الوقت الذي يجب الاستفادة من هذه اللحظة والتأسيس عليها بتشكيل حكومة سريعاً تؤدي الى امتصاص نقمة الشارع، وبالتالي الذهاب الى حكومة جديدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بإمكان الشعب اللبناني أن يستعيد ثقته مجدداً، وان تستعيد الحياة طبيعتها خصوصاً انّ التحديات المالية الكبرى تستدعي تشكيلاً سريعاً للحكومة.
المصارف
الى ذلك، ومع بدء استئناف الحياة الطبيعية، أعلنت المصارف اللبنانية إعادة فتح ابوابها صباح غد، في حين انها دعت موظفيها الى القدوم الى مراكز أعمالهم اليوم، لإنجاز أعمال داخلية متراكمة، والتحضير لبدء العمل الاعتيادي بدءاً من الجمعة.
لكنّ السؤال الذي يتراَفق مع عودة المصارف، يتعلق بالاجراءات التي تم الاتفاق عليها في الاجتماع الذي جمع حاكم مصرف لبنان مع رؤساء وممثلي المصارف التجارية، للاتفاق على الخطوات الكفيلة بضبط السوق في المرحلة المقبلة من خلال فرض المزيد من القيود، والسبل الآيلة الى امتصاص المصارف لضغط المودعين في اليوم الاول للافتتاح، واذا ما سيتم إرجاء دفع السندات للزبائن، وكيف ستتم عملية التسديد خصوصاً تلك الديون المتعلقة بالدولار الاميركي؟
هذه المحادثات أثارت تساؤلات حول ما اذا كانت هناك قيود جديدة سيتم فرضها لتقليص إمكانية سحب الاموال او تحويلها من الليرة الى الدولار، أو نقلها الى الخارج، خصوصاً انّ المصارف سبق لها ان اتخذت إجراءات وقيود من دون الاعلان عنها، كما يوضح الخبير الاقتصادي غازي وزني لـ«الجمهورية».
قال وزني: اذا كانت هناك نية لدى السياسيين لتحقيق مطالب الانتفاضة الشعبية من حيث تشكيل حكومة اختصاصيين وفي وقت قصير وتَبنّيها لمشروع الاصلاح ومكافحة الفساد، فإنّ ذلك سينعكس إيجاباً على المرحلة المقبلة. أما اذا طال أمد تشكيل الحكومة ودخلنا في مرحلة فراغ او المجهول أو أتت حكومة لا تراعي مطالب التحرّك، فتبعات ذلك ستكون سلبية على الوضعين الاقتصادي والمالي. لذا، المطلوب وبإلحاح، إسراع القوى السياسية في معالجة الأزمة، لأنّ هذا العامل يساعد في تخفيف الضغوط على الليرة، في حين انّ كل تأخير في المعالجة سيكون عاملاً سلبياً على الاسواق المالية والمصارف.
ورداً على سؤال عن تأجيل فتح المصارف ابوابها ليوم الجمعة، قال وزني: برأيي، من الافضل ان تفتح المصارف أبوابها يوم الاثنين للعموم وليس يوم الجمعة، ففتح المصارف يتأثر كثيراً بالوضع السياسي لأنه يؤثر كثيراً على ثقة المودعين. (ص 12)
ردود دولية
الى ذلك، وغداة الاستقالة، برزت مواقف دولية تنصح بالتعجيل في تشكيل حكومة جديدة، حيث أعرب الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس، عن أمله في ان يتم «تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن، كي يتمكن لبنان من استعادة عافيته وتفعيل اقتصاده».
بومبيو
بدوره، حضّ وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو القادة السياسيين في لبنان على الإسراع بتشكيل حكومة جديدة، وقال في بيان: «تدعو الولايات المتحدة الزعماء السياسيين في لبنان الى الإسراع في تسهيل تشكيل حكومة جديدة، يمكنها بناء لبنان مستقر ومزدهر وآمن يلبّي احتياجات مواطنيه».
أضاف: «وجّهت التظاهرات السلمية والتعبيرات عن الوحدة الوطنية في الأيام الـ13 الماضية رسالة واضحة. الشعب اللبناني يريد حكومة كفوءة وفعّالة وإصلاحاً اقتصادياً ووَضع حد للفساد المُستشري». وأكد أنّ أي أعمال عنف أو تصرفات استفزازية ينبغي أن تتوقف، داعياً الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية إلى مواصلة ضمان حقوق وسلامة المتظاهرين.
خامنئي
وكان اللافت في الردود الخارجية على الاستقالة، دعوة المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، المتظاهرين في لبنان والعراق إلى اتّباع الأطر والهيكليات القانونية في بلادهم لتحقيق مطالبهم، محذّراً من مخطط لسلب الأمن في بعض بلدان المنطقة.
وقال في تغريدات عبر موقع «تويتر» إنّ «أكبر ضربة يمكن أن يوجّهها الأعداء إلى أيّ بلد هي أن يسلبوه الأمن، الأمر الذي بدأوه في بعض بلدان المنطقة». وقال: «للناس مطالب أيضاً وهي محقة، لكن عليهم أن يعلموا أنّ مطالبهم إنما تتحقق حصراً ضمن الأطر والهيكليات القانونية لبلدهم. متى ما انهارت الهيكلية القانونيّة يستحيل القيام بأي عمل».
البناء
الاستشارات النيابية تطرح على الكتل النيابية إشكالية التناقض بين حكومة تكنوقراط ورئاسة الحريري
مخاوف من طابع مذهبيّ يسيطر على بعض ساحات الحراك بانضمام تيّار المستقبل
تحدّي فتح الطرقات أمام قيادة الجيش… واختبار فتح المدارس اليوم والمصارف غداً
صحيفة البناء كتبت تقول “يّمسك رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري بيد بمشروع تحريك شارعه وضمّه إلى الحراك وإعادة إنعاش حلفه مع شريكيه في قوى 14 آذار القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، وبيد أخرى كونه عنوان المساهمات المالية من مؤتمر سيدر، ويتقدّم بمشروع إعادة تسميته لرئاسة الحكومة الجديدة، بصفتها حكومة تكنوقراط، وهذا يعني عملياً أولاً سقوط التسوية الرئاسية عبر اصطفاف الحريري مع حلفائه السابقين في 14 آذار، واشتراك جمهوره في ساحات الحراك بتوجيه الشتائم لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، كما حدث في ساحات طرابلس وصيدا وبرجا، ويعني ثانياً تعقيد فرص إعادة تسميته بإرباك الكتل النيابية في التعامل مع تسميته رئيساً لحكومة تنوقراط، ما يعني عملياً إبعاد القوى السياسية وقادة الطوائف عن القرار السياسي لصالح تيار المستقبل وما يمثل طائفياً، لأن مفهوم حكومة تكنوقراط يعني الابتعاد عن قاعدة التمثيل السياسي، ووجود رئيس بحجم الحريري وتمثيله السياسي والطائفي لحكومة تكنوقراط لن يعني إلا إخلالاً خطيراً بالتوازنات السياسية والطائفية، ستجد الكتل النيابية نفسها معنية بأخذه بالاعتبار.
بالتوازي كان مشهد أمس، مليئاً بالإشارات لجهة غياب القرار السياسي بتوفير الدعم والمساندة للجيش في مهمة فتح الطرقات، حيث برزت شوارع الأطراف المنضوية في قوى 14 آذار بين نمطين، نمط مثّلته الشوارع التي تسيطر القوات اللبنانية على قرارها، وقد استجابت لدعوة قيادة الجيش صباحاً، وعادت لتتحدّث عن مهلة 48 ساعة لتشكيل الحكومة الجديدة تحت التهديد بالعودة لإقفال الطرق، ومعلوم حجم التعجيز بوضع هذه المهلة، التي تشكل عملياً قراراً ضمنياً بإقفال الطرق، وتقديم هدنة 48 ساعة فقط، وبينما كان شارع الحزب التقدمي الاشتراكي ميالاً للترقب، ظهر شارع الرئيس الحريري صدامياً في كل مناطق انتشاره، حيث سارع للتقدم كجزء من الحراك، وقام مناصرو تيار المستقبل بقطع الطرق في البقاع والشمال والجبل والجنوب، وترافق هذا التصعيد مع خطاب مذهبي، نسف كل حديث عن لاطائفية المنحى الذي افتتحه الحراك.
فتح الطرق سيكون التحدّي الرئيسي أمام الجيش اليوم ترجمة لبيانه، في ظروف تبدو أشدّ صعوبة مع المشهد السياسي المتداخل مع الحراك والقادر على استخدام ساحاته، بينما تراجع وزير التربية عن دعوته لفتح المدارس تاركاً لمدرائها تقدير وضع مناطقهم، وبقيت دعوة جمعية المصارف لفتح الأبواب أمام الزبائن يوم غد الجمعة، أهم الامتحانات لمساكنة سليمة بين الشارع والسياسة، تتم خلالها مناقشة الملف الحكومي في ظل بروز مشاريع لدعوات تصعيدية نحو المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، وظهور مواقف أميركية وأممية داعمة للحراك، متجاهلة دور العقوبات الأميركية على لبنان في التسبّب باختناقه الاقتصادي والمالي ودور تمسك الأمم المتحدة برفض عودة النازحين السوريين في التسبّب بمزيد من الضغوط على الاقتصاد.
وإن كان المتوقع من استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري احتواء الشارع وتهدئته تمهيداً لإعادة الحياة الاقتصادية الى طبيعتها والبدء بالاستشارات النيابية لتكليف رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة كمطلب علني للمتظاهرين، بدا أن الاستقالة ليست سوى حلقة ثانية من مخطط تفجير الشارع لتحقيق أهداف سياسية متعددة في إطار إعادة السيطرة على السلطة وحصار المقاومة.
وإذ بدا المشهد صباح أمس، أنه يتجه الى فتح الطرقات بدعوة من بعض مجموعات الحراك انقلب المشهد بعد الظهر لتعود الحشود الى الشارع ويتصاعد مسلسل قطع الطرقات في مختلف المناطق اللبنانية التي عجز الجيش اللبناني عن فتحها بعد صدامات مع قطاع الطرق ما أدّى الى قوع ستة جرحى في صفوف الجيش في منطقة العبدة في الشمال.
أما اللافت هو الانتشار الكثيف لمجموعات تيار المستقبل في شوارع بيروت والبقاع وصيدا والشمال مع ظهور مسلح وانضمام عدد منهم الى المعتصمين في ساحتي رياض الصلح والشهداء كما أُعيد قطع جسر الرينغ وسط بيروت وأعلن المتظاهرون أنهم سيعودون اليوم الى قطع الطرقات، وافترش عدد كبير منهم الطريق فيما القوى الأمنية والجيش موجودان في الجهة المقابلة، وكرّر رئيس الحكومة سعد الحريري الطلب الى جمهور المستقبل الامتناع عن العراضات في الشوارع والتزام التعاون مع الجيش وقوى الأمن، كما اتصل بقائد الجيش جوزاف عون مشدداً على عدم التعرّض للمتظاهرين.
وفيما أفيد أن قراراً رئاسياً بمنع وسائل الإعلام بالنقل المباشر للتظاهرات والتوتر الأمني في الساحات نفت مصادر إعلامية مختلفة في مؤسسات إعلامية تلفزيونية صحة أي قرار بذلك، وعادت الى البث المباشر من الشوارع مساءً.
وقالت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ البناء إن قطع الطرقات خطة مدبّرة من أربع قوى ولأهداف مختلفة: تيار المستقبل لفرض إعادة تكليف الحريري لرئاسة الحكومة، القوات بهدف إعادة دخولها بحصة وازنة في الحكومة، الحزب الاشتراكي لإعادة حضوره بقوة في الحكومة وجزء من الحراك في الشارع الذي تحركه السفارات يضغط لتحقيق مطالب خارجية سياسية تعجيزية كحكومة التكنوقراط.
وقد لفتت المصادر الى أن طريقة استقالة الحريري كانت مستفزة للفريق الآخر لا سيما الرئيس ميشال عون وحزب الله والوزير جبران باسيل . وعلمت البناء أن الولايات المتحدة أبلغت الحريري أن الشرط لقبوله إعادة تكليفه عدم مشاركة اي وزير ينتمي الى حزب الله ، مشيرة الى أن الهدف إحراج حزب الله لإخراجه من الحكومة ونزع الشرعية الرسمية عنه . وأضافت المصادر أننا أمام صراع سياسي جديد وربما أمني بين فريقين: الحلف الأميركي الخليجي الإسرائيلي ولديه أوراق المال والإعلام والدعم الخارجي وفريق حلف المقاومة والتيار الوطني الحر ولديه توقيع تأليف أي حكومة جديدة والديموغرافيا والسلاح بوجه أي عدوان داخلي او إسرائيلي .
ورأت المصادر أن تلكؤ الدولة بتأمين حرية انتقال المواطنين سيؤدي الى تولي الشعب بنفسه. ومن هذا المنطلق أعدت الجهات المختصة فرصة لأجهزة الدولة لفتح الطريق وذلك بعد إصرار بعض قطاع الطرق على قطع طريق بيروت الجنوب، وبعد حادثة الاعتداء على مراسلة ان بي ان رشا الزين، وبعد ساعة عمد الجيش الى فتح بعض الطرقات ما لاقى معارضة شديدة وأدّى الى صدامات. مشيرة الى أن الحريري غير متعاون بموضوع فتح الطرقات بناء على تعليمات خارجية لمزيد من الفوضى والضغط السياسي على رئيس الجمهورية .
ورفضت مصادر التيار الوطني الحر حكومة تكنوقراط في ظل الوقت الراهن في المنطقة والتحديات القائمة، فضلاً عن أن حكومات ما بعد الطائف كانت حكومات سياسية لكن يمكن الاستعانة بوزراء تكنوقراط، لكن لا يمكن السير بحكومة تكنوقراط كاملة ولفتت لـ»البناء» الى ان «احد الخيارات حكومة سياسية مطعمة بتكنوقراط مع فصل النيابة عن الوزارة وما ينطبق على باسيل ينطبق على الحريري أيضاً». وتحذّر المصادر بأن فرض فيتو على توزير رئيس التيار جبران باسيل بمثابة نسف التسوية السياسية مع الحريري، مشيرة الى أنه «يجب وضع إطار جديد للتسوية، لافتة الى تدخلات خارجية واضحة بالشأن اللبناني وبموضوع الاستقالة وتطبيق النموذج الذي طبق في اوكرانيا من زيارة وزير الخارجية الاميركي الى لبنان في اوائل الصيف الماضي الى الحرائق المفتعلة الى ازمة الدولار والمحروقات الى تفجير الشارع وصولاً الى الاستقالة والمخطط مستمر بحلقاته المقبلة».
ويوجّه عون رسالة الى اللبنانيين عند الثامنة مساء اليوم لمناسبة الذكرى الثالثة لتوليه سلطاته الدستورية، يتناول فيها التطورات الراهنة، وذلك عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. واعتبر الرئيس نبيه بري أن «لبنان لا يحتمل المزيد من المتاعب اقتصادياً ومالياً»، مشدداً على أن «الوحدة والانفتاح والحوار بين بعضنا البعض كلبنانيين يجب أن تسود المرحلة الراهنة». وطالب أمام النواب خلال لقاء الأربعاء بالاستعجال بتأليف الحكومة وفتح الطرقات، محذراً من فقدان الأمل بالأمن في لبنان ومبدياً خشيته من الضغوط الدولية ابتداء من اليوم.
وقال عضو الوفاء للمقاومة النائب علي عمار لم نتفاجأ باستقالة الحريري فقد كانت من ضمن الاحتمالات المقدّرة. وهو وضع الكثير من الفرقاء بجوّ استقالته. ووين كانت مفاجأة إلنا طالما أطلع الكل إنو رح يستقيل ! وأكد عمار من عين التينة ان كافة الأمور المتعلقة بالحكومة لم تبحث بعد، مضيفاً أن حزب الله يدرس ما إذا كان سيقبل بتشكيل حكومة تكنوقراط أم سيقبل بعودة الحريري . عمار ورداً على سؤال حول الإشكال والهجوم الذي حصل في وسط بيروت سأل: أين الجيش والقوى الأمنية؟ .
المصدر: صحف