تساءل البعض عن جدوى زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية دايفد هيل الى بيروت، في الوقت الذي كان فيه الوزير مايك بومبيو نفسه يجول في بعض دول المنطقة، وانقسمت الآراء حول تخفيض مستوى الثقل الديبلوماسي الأميركي بالنسبة لزيارة للبنان، فاعتبر البعض أن لبنان ليس أولوية في الوقت الحاضر كي يزوره الوزير شخصياً، سيما وأن بومبيو يجول في الدول المعنية بالوَهَم الأميركي لإحياء حلم “الناتو العربي” في مواجهة إيران، واعتبر البعض الآخر أن لا جدوى من كل الزيارات الأميركية لبيروت منذ زمن فيلتمان في العام 2005، لأن الثوابت اللبنانية قد حُسِمَت داخلياً وإقليمياً والبحث مع لبنان ممنوع إذا ما مسَّ أحدٌ بهذه الثوابت خاصة المرتبطة منها حالياً بالوضع في سوريا أو بالعلاقة مع إيران.
وتزامن وجود بومبيو وهيل في المنطقة، مع التفجير الذي حصل في منبج السورية، وقُتِل فيه أربعة أميركيين من جُملة الضحايا، مع ما لمدينة منبج من رمزية، كآخر خنجر أميركي مسموم في الخاصرة السورية تستعد أميركا لِسحبه، تطبيقاً لقرار الرئيس ترامب الرحيل عن سوريا بعد تحقيق التحالف الدولي النصر على داعش ،على حدّ زعمه، وجاءت رسالة التفجير من داعش نفسها، لِتُظهِّر حقيقة أميركا التي سوف تُغادر سوريا تاركة خلفها منبج بؤرة مٌتفجِّرة، تننازع عليها قوات سوريا الديموقراطية “قَسَد” مع داعش من جهة، ومن جهة أخرى تبرُز رغبات الرئيس التركي لضمّ منبج الى المنطقة العازلة على امتداد الحدود مع سوريا، لإبعاد الأكراد عن حدود بلاده.
ورغم الإذلال الذي بلغته أميركا في سوريا، حاول هيل طمأنة حلفاء بلاده في لبنان، أن أميركا ستبقى مُمسِكة بالوضع السوري حتى ولو انسحبت من سوريا، لأن قلب الموازين الإقليمية سيعتمد على زعزعة استقرار إيران من الداخل عبر الضغوط الإقتصادية، إضافة الى المؤتمر الدولي المُزمع عقده في العاصمة البولندية “وارسو” بتاريخ 13 و 14 شباط/ فبراير القادم، ودَعَت اليه أميركا سبعين دولة لبحث ما تزعم أنه التهديد الإيراني لدول المنطقة، فماذا يُمكِن أن يقدِّم هيل لحلفاء أميركا في لبنان من وعود إيجابية ولبنان غير مدعوٍّ الى مؤتمر وارسو؟ وهنا يكمن بيت القصيد الذي يجب أن يقرأه من هو قاصر في لبنان لغاية تاريخه عن القراءة، عن أن أميركا عاجزة عن احتضان أحد لا بوجودها في الجوار الإقليمي للبنان ولا في رحيل هالتها عن “الشرق الأوسط الجديد”، هذا “الشرق الأميركي” الذي ما زال ينتظره مَن جمعتهم كوندالزا رايس على “مائدة سندويشات عوكر” في تموز من العام 2006، حتى المأدبة التي أُقيمَت لهم بحضور هيل في الحازمية منذ يومين.
ولن نتطرَّق الى المُتغيِّرات في الشرق الأوسط، سواء كانت عبر هزيمة أميركا في سوريا، أو بداية ضُمور العدوان على اليمن، لأن موقف لبنان ثابت لا يتغيَّر ولن يتغيَّر، ولهذا السبب لن يُدعى الى مؤتمر وارسو، طالما أنه عبر كل المنابر الدولية والإقليمية يُترجِم انتصاراته على الكيان الصهيوني وعلى الإرهاب بمواقف المُنتصِر، وإذا كانت الدول السبعون التي تتوقَّع أميركا أنها ستجمعها في وارسو للتجييش ضد إيران، فلأن هذه الدول تدور معظمها ظاهرياً في الفلك الأميركي، لكن هذا المؤتمر فاشل من قبل أن يُعقَد، لأن هناك مصالح اقتصادية لبعض هذه الدول مع إيران، و”الناتو الأوروبي” يرفض أن يكون رأس حربة بيد ترامب المُرهَق داخلياً، و”الناتو الإسلامي” لم يُبصِر النور، ويعود بومبيو خائباً من تحقيق حلم “ناتو عربي” لمواجهة إيران، ويرحل هيل من بيروت أكثر خيبةً، لأن لبنان استُبعِدَ عن وارسو لأنه ليس في جَيبِ أميركا ولا في جَيبِ أحد…