ركزت افتتاحيات الصحف المحلية الصادرة في بيروت اليوم الاربعاء 14-2- 2018 على مواضيع عديدة كان ابرزها زيارة وزير الخارجية الاميركي الى لبنان المنشغل بما سيحمله تيلرسون، ومحلياً على الاستحقاق الانتخابي الذي افضى الى نيات تحالف بين الحريري وجنبلاط .
* البناء
تجاذب بين دي ميستورا والحكومة السورية حول مهام ورئاسة لجنة سوتشي
تيلرسون يربط النزاع ويرحل… والسفيران الروسي والسوري: تراجع احتمالات الحرب
الحريري يقدّم مشروعه الانتخابي اليوم… والسيد نصرالله الجمعة لمشهدَيْن محلّي وإقليمي
كتب المحرّر السياسي
حملت الخطوات التي بدأها المبعوث الأممي الخاص إلى سورية تحت شعار الجمع بين مساري سوتشي وجنيف من بوابة تشكيل اللجنة الخاصة بالدستور، تساؤلات كبيرة حول النيات المبيّتة لدي ميستورا بنصب كمين يستهدف الانقلاب على المسارين معاً، لصالح تعويم مضمون وثيقة الخمسة التي أعلنتها واشنطن بالشراكة مع باريس ولندن والرياض وعمان، عبر جعل رئاسته للجنة ومنحها صلاحيات وضع دستور جديد، بحيث ينتقل عملياً الملف الدستوري من صفة كونه ملفاً سورياً ـ سورياً، وحصر دور الأمم المتحدة بالمساعدة في الحوار وتقريب الآراء لا الوصاية، لتنتقل الخلاصات إلى الأطر التي يعتمدها الدستور السوري لإدخال تعديلات عليه وفقاً لمسار يترجم نهايات الحلّ السياسي، لتصير سورية عملياً تحت انتداب غير معلن ينزع سيادتها، وينقل مهمة وضع دستور جديد من السوريين إلى الأمم المتحدة، كما نصّت وثيقة الخمسة.
الخارجية السورية سارعت لتسجيل رفضها لصيغة دي ميستورا وإعلان تمسّكها بما تمّ إقراره في سوتشي عبر تصويت المشاركين، والذي لا يمنح دي ميستورا صفة رئاسة لجنة الحوار، ولا يفوّض اللجنة بوضع دستور جديد بل بمناقشة الملف الدستوري، باعتبار مهمة وضع دستور جديد وفقاً للقرار 2254 عائدة للحكومة المنبثقة عن الحلّ السياسي، واعتبار هذا الدستور خلاصة توافق سوري ـ سوري. والخطير هنا هو في الاستدلال الذي تقدّمه خطوة دي ميستورا المشبوهة على كيف سيتمّ التعامل مع ملف الانتخابات عند فتحه كملف موازٍ للحوار السوري ـ السوري، فيقدّم صيغة متمّمة لما بدأه مع الدستور بجعلها تحت انتداب أممي، بدلاً من أن يكون الدور الأممي مساعداً لهيئات سيادية سورية.
على خلفية هذا التصعيد السياسي، الذي حاول تعويض الفشل في التصعيد العسكري الذي أسقط الفرصة التي كان ينتظرها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لزياراته في المنطقة، تحوّلت زيارة تيلرسون إلى مشروع ربط نزاع من دون التقدّم بمشاريع حلول، وطرح معادلات التهديد التي بشّر بها موفده دايفيد ساترفيلد، بقوله للرؤساء الثلاثة في لبنان، إما أن تقبلوا التقاسم مع «إسرائيل» في منتصف الحقوق أو تحمّلوا نتائج تصعيد تنوي «إسرائيل» القيام به. وتحت عنوان مواجهة التهديدات بالثبات على التمسك بالحقوق كانت نتائج الاجتماعات الرئاسية والمواقف الحكومية، هي الحاضرة في رسم موقف لبنان، وقد منحته القدرة السورية على ردع الاعتداءات «الإسرائيلية» مزيداً من الثقة بأنّ «إسرائيل» قد تلقت رسالة قوية تحدّ من فعالية قدرتها على ترجمة تهديداتها، مع تكامل موقف لبنان وقدراته التي تتمثل بما يمكن لثنائية الجيش والمقاومة فعلها بدعم شعبي وسياسي.
تراجع مخاطر التصعيد ترجمه كلام السفيرين الروسي والسوري في لبنان في حوار تلفزيوني، حيث توافقا على الثقة بأنّ إسقاط سورية لطائرة «أف 16» «الإسرائيلية»، أضعف فرص الحرب ومخاطرها، ولم يزد من احتمالاتها كما يفترض البعض. وفيما أكد السفير السوري علي عبد الكريم علي الطبيعة السيادية للقرار السوري المدعوم كما دائماً من الحلفاء، قال السفير الروسي ألكسندر زاسيبكين إنّ موسكو تدعم الممارسة السيادية للدولة السورية وترى في ما فعلته «إسرائيل» عدواناً على السيادة السورية والردّ على العدوان دفاع مشروع عن النفس.
لبنان المنشغل بما سيحمله تيلرسون، يستعدّ لملاقاة الاستحقاق الانتخابي، الذي ستكون مضامينه السياسية وتحالفاته موضع ترقب في مضمون الكلمة التي سيلقيها رئيس الحكومة سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، وكذلك في طبيعة المشاركين ومستوى المشاركة والحشود ومكوّناتها بينما ستكون كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد غد الجمعة في ذكرى القادة الشهداء مناسبة لرسم صورة جديدة للمشهدَيْن الإقليمي والمحلي سواء في ضوء إسقاط الدفاعات السورية للطائرة «الإسرائيلية» وصيغة معادلة الردع الجديدة وقواعد الاشتباك التي سيعتمدها محور المقاومة، خصوصاً تجاه التمادي «الإسرائيلي» في انتهاك الأجواء اللبنانية والسورية، وهذا ما سينتظر سماعه الأميركيون و»الإسرائيليون»، ومن جهة مقابلة ما سيقوله السيد نصرالله حول الداخل اللبناني والعملية الانتخابية المرتقبة، وما بينهما زيارة تيلرسون ومهمة ساترفيلد، وما تسرّب عن مشاريع مقايضة أميركية عُرِضَت على لبنان، النفط مقابل المقاومة.
إسقاط الـ«أف – 16» قرار سوريّ
أكد السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسيبكين أن ردة الفعل السورية على العدوان «الإسرائيلي» الذي استهدف سورية طبيعية ولا تحتاج الدولة السورية الى إذن من روسيا لردع هذا العدوان، وأوضح أن «ما قامت به سورية يندرج في إطار الدفاع المشروع عن النفس ومن الحقوق السيادية السورية».
وأشار زاسيبكين الى أن «الدور الروسي في سورية يأتي في إطار مكافحة الإرهاب والتنسيق مستمر بين الدولتين الروسية والسورية لتحقيق هذا الهدف والقضاء على الإرهاب على كامل الجغرافيا السورية»، أما الصراع مع «إسرائيل» فـ»القرار بالمواجهة يعود لسورية ولمحور المقاومة»، وانتقد السفير الروسي الدور «الإسرائيلي» في سورية الذي يأتي تحت عنوان لجم التمدّد الإيراني في سورية، مجدّداً التأكيد بأن روسيا لم تتدخل بقرار سورية إسقاط الطائرة «الإسرائيلية».
بدوره جزم السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي أن إسقاط الطائرة «الإسرائيلية»f16 هو قرار سوري بامتياز وأن سورية تملك إرادة الرد والمواجهة.
وفي حوار مع برنامج «الدبلوماسية» على قناة «أو تي في» جمع السفيرين الروسي والسوري في السفارة السورية في لبنان، ويُبث اليوم العاشرة والنصف مساءً على شاشة «أو تي في»، شدّد عبد الكريم علي على «وجود قرار لدى القيادة والجيش والشعب في سورية بالردّ على أيّ عدوان «إسرائيلي»، وإذ لفت الى أن سورية تضع الاحتمالات كافة ومستعدة لأي حرب مقبلة، استبعد عبد الكريم علي في المقابل أن «تذهب إسرائيل للحرب وهي غير مستعدّة لخوضها والتي ستشعل المنطقة برمّتها ولا تستطيع تحمل تبعاتها ونتائجها، فضلاً عن أن لا مصلحة أميركية في هذه الحرب».
ترقبٌ داخلي لزيارة تيلرسون
في وقتٍ رفع لبنان سقف مواقفه في مواجهة التهديدات «الإسرائيلية» والمتمسكة بحقوقه البرية والبحرية عشية زيارة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون الذي يصل غداً الخميس الى بيروت، في إطار زيارة يقوم بها الى المنطقة، تترقب الأوساط الرسمية ما سيحمله تيلرسون من ملفات خلال مباحثاته مع الرؤساء الثلاثة والمسؤولين اللبنانيين.
ويطرح تيلرسون بحسب معلومات «البناء» مسألة الجدار الفاصل الذي تنوي «إسرائيل» بناءه على الشريط الحدودي مع لبنان، الى جانب الملف النفطي وتحديداً في البلوك 9 الذي أعلن لبنان أنه يقع داخل المياه الإقليمية اللبنانية فيما يدّعي كيان الاحتلال امتلاكه. كما سيطرح رئيس الدبلوماسية الأميركية مسألة حزب الله وسلاحه والعقوبات المالية على الحزب، كما سيتطرّق الى الاستحقاق الانتخابي. وقالت مصادر مطلعة لــ «البناء» إن «تيلرسون سيلتقي معظم أطراف ما تبقى من 14 آذار وسيبلغهم ضرورة توحيد صفوفهم في تحالف انتخابي موحّد لمواجهة حزب الله وفريقه السياسي ومنعه من السيطرة على البرلمان من خلال حصد حصة وازنة ومقرّرة في المجلس النيابي». كما لفتت المصادر الى أن «تيلرسون سيكرر تحريضه على حزب الله ويواصل مسلسل الضغوط الأميركية على الحزب على صعيد دوره العسكري في سورية وسلاحه في جنوب لبنان وسيطالب الحكومة اللبنانية التشدّد بتطبيق قانون العقوبات الأميركية على الحزب».
وشدّدت المصادر على أن «لبنان لن يخضع للابتزاز والضغوط الأميركية والتهديد بالحرب للتنازل عن حقوقه في النفط والغاز ولا في أرضه، لكنّها تخوفت من أن «تحاول الولايات المتحدة عرقلة مسار التنقيب من خلال الضغط على الشركات بوسائلها الدولية القانونية والسياسية لدفعها لفض العقد مع لبنان».
الحريري وجنبلاط إلى التحالف انتخابياً
ووسط الانشغال المحلي بالتطورات الإقليمية، بدأت ملامح مشهد التحالفات الانتخابية بالتبلور، وقد زار رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط بيت الوسط أمس، والتقى رئيس الحكومة سعد الحريري وقد شكل الملف الانتخابي العنوان الأبرز في اللقاء، بحسب مصادر مطلعة لـ»البناء» التي أكدت أن «الأجواء كانت إيجابية والأمور ذاهبة الى التحالف الانتخابي بين المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي»، حيث استبقى الحريري جنبلاط على العشاء وتابعا الحديث عن الانتخابات والوضع الحكومي والوضع الإقليمي.
وأوضحت المصادر أن العلاقة بين الحريري وجنبلاط طبيعية وجيدة وستبقى هكذا الى ما بعد الانتخابات النيابية، كما أكدت أن علاقة الحريري مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري عادت الى طبيعتها بعد اللقاء الذي حصل بينهما أمس الأول.
وقد شدّد جنبلاط في تصريح له بعد اللقاء على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي ، وقال «اليوم عشية 14 شباط الذي اغتيل فيه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ولاحقاً كانت دوامة الدم التي ذهب ضحيتها خيرة الساسة والصحافيين والنواب ورجال الفكر، لكن إذا استعرضنا هذا الماضي المخيف نرى أننا صمدنا، ومع هذا كله شعار رئيس الحكومة سعد الحريري والذي هو شعار الاستقرار تغلّب على شعارات الفوضى وسرنا معه، صحيح أننا كنا نختلف لكن في النهاية شعار الاستقرار هو الذي يجب أن يبقى». ورأى أنه «لا بد في يوم ما أن تتحقق العدالة، لذلك هذه العلاقة وإن مرت ببعض التموجات تبقى علاقة ثابتة بأساسها مبنية على أرض صلبة. أرض الحرية والتنوع والاستقرار ولا بدّ أن يصل لبنان يوماً إلى السيادة الكاملة والاستقرار الكامل».
وكان الحريري قد أكد أن «تيار المستقبل سيكمل المشوار مع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ، لأن العلاقة السياسية والأهم العائلية بيننا وبينه هي علاقة تاريخية، بدأها رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وسيكملها سعد الحريري إن شاء الله مع وليد بك ومع أخي تيمور».
وخلال تسلّمه شعلة الوفاء لرفيق الحريري قدّمها له عداؤون من تيار المستقبل من منطقة إقليم الخروب، قال الحريري: «نحن ووليد بك سنكمل المشوار مع بعضنا البعض. صحيح أننا نختلف في بعض المواقف، ولكن هذا هو وليد بك، أليس كذلك. ورفيق الحريري أحبّ وليد بك منذ أن كان يتفق أو يختلف معه. ونحن سنستمر بهذه العلاقة».
وتحت سقف الاستقرار الذي تحدّث عنه جنبلاط يحيي تيار المستقبل اليوم الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد الرئيس الحريري ورفاقه في الرابعة عصراً في مجمّع «البيال»، تحت عنوان «المستقبل عنوان حماية لبنان».
وسيعلن رئيس المستقبل موقف «التيار» من الاستحقاقات المقبلة، لا سيما منها الانتخابات وسيشدد على المحافظة على الاستقرار والتمسّك بالتسوية الرئاسية القائمة وسيجدد التزام الحكومة بالنأي بالنفس.
.. وإطلالة لنصرالله بعد غدٍ
في المقابل تتجه الأنظار الى الضاحية الجنوبية، حيث يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر الجمعة المقبل في احتفال يقيمه حزب الله في ذكرى الشهداء القادة السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والقائد الجهادي عماد مغنية، حيث سيحدّد السيد نصرالله موقف الحزب من التطوّرات الأخيرة في سورية وإسقاط الطائرة «الإسرائيلية» وسيردّ على التهديدات «الإسرائيلية» للبنان وسيتناول زيارة وزير الخارجية الأميركي ومساعده للبنان، كما سيتطرق الى الملفات الداخلية وسيشدد على أهمية الحفاظ على الموقف الرسمي الموحّد والتوافق الرئاسي وتمسك لبنان بحقوقه وعلى الاستقرار الداخلي لإنجاز الاستحقاق النيابي.
جلسة حكومية في بعبدا غداً
ويعقد مجلس الوزراء جلسة عادية غداً في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على جدول أعمالها 66 بنداً. أبرزها بحسب معلومات «البناء»، تعيين سفراء غير مقيمين وبنودٌ عادية مالية وإدارية واقتصادية.
وطلب الرئيس عون من جمعية مصارف لبنان المحافظة على استمرارية العمل الاقتصادي، واستمرار التسليفات التي من شأنها ان تدعم الطبقة الوسطى في لبنان.
وخلال لقائه رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه على رأس وفد من الجمعية، أكد المجتمعون دور المصارف في المحافظة على الاستقرار المالي. كما تم التطرق الى الإجراءات التي تتخذها المصارف بالتنسيق مع مصرف لبنان، والتي كانت موضع بحث في زيارة نائب وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب مارشال بيلنغسلي. وأثار رئيس الجمعية واعضاء الوفد موضوع الرسوم المطروحة على القطاع المصرفي والازدواج الضريبي والرسوم على الفوائد، مشددين على اعتماد العدالة في تطبيق الضرائب. وتم بحث عدد من الاقتراحات التي وعد عون بدرسها مع المعنيين.
باسيل: لن ينتهي الإرهاب بلا عودة النازحين
الى ذلك عاد ملف النزوح السوري الى الواجهة، حيث أكد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ، في كلمة له خلال اجتماع دول التحالف ضدّ الإرهاب في الكويت ، أنّ «الإرهاب لن ينتهي ما لم تفتحوا طريق عودة النازحين الكريمة والآمنة إلى بلادهم».
وشدّد باسيل على أنّ «الإرهاب سيبقى يهدّدنا ويهدّد بلدانكم عبر بحرنا المتوسط ما لم تقتنعوا أنّ الاندماج لا يصحّ عندما يكون جماعيّاً إلا بعودة تأقلم شعب مع ظروف بلده الجديدة وليس باندماجه في بلدٍ غير بلده، سيبقى الإرهاب قائماً ما لم يعد النازحون إلى بلدانهم».
* اللواء
الذكرى الـ13 للزلزال الكبير: الحريري حيّ في قلوب اللبنانيين
تيلرسون يؤكّد غداً الاستمرار بدعم الإستقرار.. وتسويات وظيفية وسفراء ومكبات أمام مجلس الوزراء
عشية الذكرى 13 للزلزال الكبير، الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري و14 من رفاقه ومن المواطنين الذين كانوا بالصدفة في محلة السان جورج عندما هزّت الجريمة المروّعة في 14 شباط 2005 بيروت ومعها لبنان والشرق الأوسط، واصابت بارتجاجاتها عواصم العالم، بدا المشهد اللبناني محصناً بقوة نهج الرئيس الشهيد: الاستقرار، الوحدة الوطنية، والتصدّي لكل الاعتداءات الإسرائيلية ومحاولة النيل من السيادة الوطنية.
وهذه الوجهة السياسية، سيعبّر عنها في مهرجان البيال بعد ظهر اليوم الرئيس سعد الحريري، تحت عنوان «حماية لبنان».
وقالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان خطاب الرئيس الحريري سينطلق من العبر المتعلقة بمناسبة الاستشهاد والمناسبة الوطنية الجامعة، فضلاً عن التطورات المتعلقة بصيانة التسوية الرئاسية، وربط «النزاع مع حزب الله» والمحكمة الدولية، فضلاً عن التطورات الإقليمية، والتهديدات الإسرائيلية، مجدداً التمسك بنهج وخط الرئيس الشهيد، لجهة الوحدة والعيش المشترك وعروبة لبنان والحفاظ على اتفاق الطائف وانتماء لبنان العربي، وتعزيز علاقاته بأشقائه، فضلاً عن التزام واحترام القوانين والمواثيق الدولية.. والالتزام بسياسة «النأي بالنفس» تجاه النزاعات العربية.
مهرجان 14 شباط
لوجستياً، انتهت ورشة التحضيرات اللوجيستية والتقنية لاحياء الذكرى، في البيال وسط بيروت.
ويتميز برنامج هذا العام بفقرات تتضمن اغاني عن حب الوطن وتخصيص فقرة عن فلسطين والقدس، ثم يُلقي الرئيس الحريري كلمته.
وفيما رُفِعت خلف المنصة الرئيسية صورتان ضخمتان الأولى للرئيس الشهيد رفيق الحريري بابتسامته المعهودة، والثانية للرئيس الحريري، نُصِبت شاشة عملاقة هي الأضخم في الشرق الأوسط، بعرض يصل إلى 30 متراً وعلى جانبيها شاشتان كبيرتان أيضاً، كما رُفِعَتْ صور شهداء «ثورة الأرز»، بالإضافة إلى شعار هذا العام للذكرى، وهو «للمستقبل عنوان.. حماية لبنان».
ومن المتوقّع أنْ تؤم قاعة البيال وضريح الرئيس الشهيد حشود غفيرة من الشخصيات، ومحبي الرئيس الشهيد، ومؤيّدي «تيار المستقبل».
وأكدت مصادر نيابية في كتلة المستقبل ان جميع القوى السياسية الصديقة مدعوة لحضور الاحتفال باستثناء «حزب الله»، الا ان الأنظار ستكون مشدودة نحو مستوى مشاركة القوى السياسية في هذه الذكرى لا سيما منها «القوات اللبنانية» التي انتدبت النائب فادي كرم، على ان يعود لرئيس حزب «القوات» سمير جعجع قرار حضور الاحتفال أو عدمه انطلاقاً من الاعتبارات الأمنية، وسط ترجيح جدي بحضوره شخصياً، وكذلك التيار «الوطني الحر» وتيار «المردة» وحزب الكتائب، حيث رجحت معلومات ان يغيب رئيسه النائب سامي الجميل على ان يمثله الوزير السابق آلان حكيم، فيما الرئيس أمين الجميل خارج لبنان.
حلف الحريري – جنبلاط
وعشية هذه الذكرى، كان لافتاً للانتباه تأكيد كل من الرئيس الحريري ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، على متانة العلاقة التاريخية بينهما وبين العائلتين، إذ حرص الرئيس الحريري قبل ان يزوره جنبلاط مساء في «بيت الوسط» على ان تيّار «المستقبل» سيكمل المشوار مع جنبلاط، لأن العلاقة السياسية والاهم العائلية بيننا وبينه هي علاقة تاريخية بدأها الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسيكملها سعد الحريري، وان شاء الله مع وليد بك واخي تيمور.
اما جنبلاط الذي كان زار أيضاً قائد الجيش العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة، فقد تعمد ان تكون زيارته لـ«بيت الوسط» عشية اليوم المشؤوم 14 شباط الذي اغتيل فيه الشهيد الكبير رفيق الحريري، ولاحقاً كانت دوّامة العنف التي ذهب ضحيتها خيرة السياسة والصحافيين والنواب ورجال الفكر.
وقال انه استعرض مع الرئيس الحريري هذا الماضي المخيف ووجدنا اننا صمدنا بشكل او بآخر، رغم حجم القوى المعادية لكن المنطقة تغيرت، وتغلب الشعار الذي رفعه الشيخ سعد وهو الاستقرار على شعارات الفوضى وعدم الاستقرار.
وشدّد على ان العلاقة مع الشيخ سعد ومع آل الحريري ومع «المستقبل» وان مرّت ببعض التموجات تبقى علاقة ثابتة باساسها، مبنية على أرض صلبة، أرض الحرية والتنوع والاستقرار، وفي يوم ما لا بدّ ان يصل لبنان إلى السيادة الكاملة والاستقلال الكامل».
ولوحظ ان جنبلاط الذي رافقه نجله تيمور والنائب وائل أبو فاعور، تجنّب الحديث عن موضوع التحالفات الانتخابية في الجبل، لكن تأكيد الحريري على متانة العلاقة معه، جاء خلال تسلمه «شعلة الوفاء» لرفيق الحريري التي قدمها له عداؤون من تيّار المستقبل من منطقة إقليم الخروب، في حضور النائب محمّد الحجار الذي يتردد انه سيبقى مرشّح التيار عن الاقليم بالتحالف مع جنبلاط.
مجلس الوزراء
وخلافاً للتوقعات أو الأجواء التي كان يعيشها الوزراء، تقرر ان ينعقد مجلس الوزراء في الرابعة من بعد ظهر غد الخميس في القصر الجمهوري في بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون، وعلى جدول أعماله 66 بنداً ادارياً ومالياً عاماً، وليس من بينها مواضيع مهمة أو خلافية، باستثناء البند المتعلق بالمطامر العشوائية للنفايات، والمخطط التوجيهي للكسارات، وطلب وزارة الخارجية انتداب سفراء معتمدين في دول معينة بصفة سفير غير مقيم، وطلب وزارة التربية تعيين ناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية على سبيل التسوية بعد ما جرى تعيينهم مسبقاً، وطلب المديرية العامة لأمن الدولة سلفة مالية لتغطية نفقات موظفين لديها، وطلبات لمجلس الإنماء والاعمار.
وأوضحت مصادر رسمية لـ«اللواء» ان أهمية الجلسة التي ارتأى الرئيس سعد الحريري عقدها بعد التشاور مع الرئيس عون، تكمن في ضرورة اطلاع الوزراء على نتائج محادثات وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي يصل بيروت صباح الخميس، مع كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سعد الحريري، اللذين يكون قد التقاهما نهاراً (اعتباراً من العاشرة في بعبدا أولا) قبل ان يتوجه ظهراً للقاء رئيس المجلس نبيه بري، ومعرفة الموقف الاميركي من القضايا الاقليمية المطروحة ومن مسألة الخلاف اللبناني- الاسرائيلي حول اقامة الجدار الاسمنتي العازل عند الحدود الجنوبية، وادعاء العدو الاسرائيلي ملكية اجزاء من بلوك النفط رقم 9 في المياه الاقليمية اللبنانية الجنوبية.
واوضحت المصادر ان اعمال بناء الجدار متوقفة الان بانتظار المسعى الاميركي، لأن لبنان سيتمسك برفض اقامته عند نقطة الناقورة ونقطة العديسة المتحفظ عليهما، خاصة ان اقامة رأس الجدار عند الناقورة يعني حكما امتداده في المياه الاقليمية اللبنانية ما يعني سطواً اسرائيلياً على قسم من حصة لبنان في البلوك 9.
ورجحت المصادر ان يثير تيلرسون مسألة العقوبات الاميركية المالية المفروضة على «حزب الله»، وهو امر لن يشكّل مشكلة للبنان طالما ان المصارف والشركات المالية ملتزمة كل القوانين والتشريعات اللبنانية والدولية لمكافحة الارهاب، لكن لم يتأكد ما اذا كان تيلرسون سيطلب من لبنان اموراً تتعلق بسلاح الحزب ودوره في سوريا والتسريبات عن نقل صواريخ من ايران الى لبنان عبر سوريا، وهو امر لو طرح سيتسبب بنقاش وربما سجال إن لم يكن خلاف بين لبنان والادارة الاميركية.
وقالت المصادر ان الموقف اللبناني الذي سيتبلغه الوزير تيلرسون من موضوع البلوك رقم 9 هو رفض الخط الذي سبق ان اقترحه المبعوث الأميركي فيديريك هوف، واقترن باسمه لأنه يقتطع نحو 40 في المائة من مساحة البلوك 9 التي تقدر بـ860 كليومترا مربعا، والاصرار على المساحة كاملة، لكنه في الوقت نفسه لا يرفض المبادرة الأميركية ويطالب باستمرار التفاوض لحماية حقوقه في ثروته النفطية وسيادته على أراضيه.
وعلمت «اللواء» ان تيلرسون سيعقد مؤتمرا صحفيا في نهاية محادثاته مع الرئيس الحريري في السراي الكبير وسيؤكد الوزير الأميركي، حسبما صرّح قبل وصوله إلى بيروت ان بلاده مستمرة بدعم الاستقرار ودعم حكومة الرئيس الحريري.
تحضيرات خجولة للانتخابات
وعلى سيرة هذه الانتخابات، فقد لوحظ انه رغم ان الوقت الفاصل عن موعدها أصبح ضاغطاً ولم يعد يفصلنا عن هذا الاستحقاق سوى ثمانين يوما، أي أقل من ثلاثة أشهر، فإن التحضيرات له ما زالت خجولة حتى الآن، في ظل عدم إعلان معظم الأحزاب والتيارات السياسية الكبيرة عن لوائحها وأسماء مرشحيها بشكل واضح وصريح، وما زالت قياداتها تتخبط في تفسير وشرح القانون الانتخابي من أجل تطبيقه، مع ان هذه القيادات التي ستخوض الانتخابات لأول مرة على أساس هذا القانون هي التي وضعته والموصوف من قبل البعض «بالهجين».
وفي تقدير مصادر مطلعة، ان ترجمة القانون الجديد تفرض ان لا تكون هناك تحالفات ثابتة بين القوى السياسية في الانتخابات المقبلة، بل ان هذه التحالفات ستقوم فقط على مصالح انتخابية، أي على «القطعة»، كما يصفها معظم السياسيين، مما يعني ان التحالف في منطقة معينة قد لا يصلح في منطقة أخرى، ولذلك فإن صورة التحالفات تأخرت بانتظار بلورة مصالح كل فريق، وهذا الأمر انعكس بطبيعة الحال خجلاً على اعداد المرشحين الرسميين الذين لم يتجاوز عددهم 19 مرشحا، مع ان فتح باب الترشيح بدأ منذ أكثر من عشرة أيام.
ورست بورصة الترشيحات في وزارة الداخلية أمس على خمسة مرشحين هم: وجيه البعريني عن المقعد السنّي في عكار، ايلي عيسى رزق عن المقعد الماروني في الجنوب الثانية، شوقي طنوس فخري عن المقعد الماروني في دائرة بعلبك – الهرمل، علي أحمد أسعد عن المقعد السنّي في عكار، واسعد رامز درغام عن المقعد السني في عكار.
وفي السياق، أكّد مصدر نيابي في كتلة «المستقبل» ان معظم نواب التيار جهزوا أوراق ترشحهم بانتظار القرار الذي سيتخذه الرئيس الحريري حول مرشحي «المستقبل»، وهو أكّد أمس لوفد اتحاد جمعيات العائلات البيروتية الذي زاره برئاسة رئيس الاتحاد محمّد عفيف يموت، عزمه على اختيار مرشحين في لوائحه الانتخابية يتحلون بالنزاهة والشفافية والقدرة على التشريع والمراقبة، كما الاهتمام بحاجات المواطنين ومعالجة شؤونهم.
لكن مصادر أخرى نقلت عن الرئيس الحريري توقعه ان تتبلور صورة لوائح التيار نهاية الأسبوع الحالي، بانتظار نتائج الاتصالات والمشاورات التي تتواصل بعيدا عن الإعلام مع كافة القوى السياسية والحزبية.
وبحسب زوّار الحريري فإنه من المتوقع ان تتفعل الحركة الانتخابية بشكل كبير فور الإعلان عن اللوائح الانتخابية في الدوائر كافة.
لا إضراب غداً
نقابياً، تعهد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق لوفد اتحاد النقل البري «تنفيذ كل المطالب والقرارات المتعلقة بصلاحية وزارة الداخلية»، مشيرة إلى ان 90٪ من المطالب محقة، داعياً إلى التمهل باتخاذ قرار بالإضراب إلى ما بعد يوم الجمعة المقبل، تاريخ انعقاد اجتماع اللجنة الوزارية المخصصة لبحث هذه المطالب.
واثنى رئيس الاتحاد بسّام طليس على طلب التأجيل، بعد تمنٍ من الرئيس عون والوزير المشنوق.
* الجمهورية
مواقف سياسيّة وإنتخابيّة للحريري اليوم.. وجدول أعمال حافل لتيلرسون في بيروت
ثلاثُ محطات أساسية ستحفل بها الأيام المتبقّية من الأسبوع السياسي، وسترسم معالم المرحلة المقبلة، سياسياً وعسكرياً؛ الأولى تتمثّل في إحياء ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري اليوم والمواقف التي سيعلِنها الرئيس سعد الحريري خلالها، في وقتٍ أعلنَت رئيسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضية إيفانا هيردلشكوفا أنّ غياب المتّهمين لن يؤثّر على مسار العدالة. والمحطة الثانية تتمثّل في زيارة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون للبنان غداً، وما سيَحمله من اقتراحات بعد اعتداءات إسرائيل وتهديداتِها البحرية والبرّية، وسط تصميمٍ لبناني على مواجهتها بموقف وطني جامع. أمّا المحطة الثالثة فتتمثّل في المواقف التي سيعلِنها الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله في ذكرى القادة الشهداء في الحزب بعد غدٍ الجمعة، وذلك في ضوء المواجهات الأخيرة على الجبهة السورية ـ الإسرائيلية وما تخَلّلها من إسقاط طائرة «إف 16» كانت تغيرُ على الداخل السوري، وقواعد الاشتباك الجديدة التي يبدو أنّها أنتجَتها.
تشخصُ الأنظار اليوم إلى كلمة الحريري في ذكرى استشهاد والده ورفاقه، في احتفال حاشد، ينظّمه تيار «المستقبل» عند الرابعة عصراً في مجمع «بيال».
ولم يُعرف ما إذا كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع سيشارك شخصياً أم أنّه لدواعٍ أمنية سيتمثّل بوفد «قواتي» رفيع، خصوصاً أنّ مسائل من هذا النوع مرهونة بقراره وتقديره.
كذلك يترقّب الجميع ما إذا كان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل سيشارك في المناسبة أم أنه سيوفِد ممثلاً عنه. فيما سيغيب منسّق الامانة العامة لـ14 آذار سابقاً الدكتور فارس سعيد الذي لم يُدعَ.
وما يميّز الذكرى هذه السنة، حسب مطّلعين، أمورٌعدة أبرزُها:
• أوّلاً، تأتي هذه الذكرى اختباراً حقيقياً لمدى القدرة على جمعِ ما تبَقّى من مكوّنات «14 آذار»، بعد التطورات السياسية العاصفة بالبلاد منذ 4 تشرين الثاني الماضي عند إعلان الحريري استقالته من الرياض، ثمّ عودته عنها لاحقاً.
• ثانياً، تتّجه الأنظار إلى الشخصيات الأساسية التي ستشارك في الذكرى أو ستتغيّب عنها.
• ثالثاً، تأخذ هذه الذكرى منحى تعبوياً، خصوصاً أنّ الانتخابات النيابية تقترب، فالحريري الذي لن يعلنَ أسماء مرشّحيه في الذكرى، سيضع الخطوط العريضة للمعركة الانتخابية.
• رابعاً، ينتظر الجميع ما إذا كان الحريري سيُصعّد تجاه «حزب الله» والمحور الإيراني – السوري أو سيلتزم سياسة «ربط النزاع».
وعشيّة 14 شباط، شدّدت كتلة «المستقبل» على «التمسّك بنهج وخط وتوجّهات شهيدِنا الكبير وبقيّة شهداء انتفاضة الاستقلال الرائدة في المنطقة، مع استمرار التأكيد والإصرار على دعمِ المحكمة الخاصة بلبنان من أجل كشفِ الحقيقة وإحقاق العدالة وتكريس مبدأ عدم إفلات المجرمين من العقاب».
وأعلنَت «دعمها الحريري ووقوفَها إلى جانبه في المحافظة على إرثِ الشهيد رفيق الحريري وفي دفاعِه عن حرية لبنان واستقلاله وسيادته وعروبتِه ونهوضه الاقتصادي والاجتماعي وفي تصدّيه للاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية».
وعرَض الحريري أمس مع السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد للأوضاع في لبنان والمنطقة والتحضيرات لزيارة تيلرسون الى بيروت. ثمّ استقبل النائب وليد جنبلاط ونجلَه تيمور والنائب وائل أبو فاعور.
وقال جنبلاط بعد اللقاء: «اليوم هو عشيّة النهار المشؤوم، 14 شباط، الذي اغتيلَ فيه الشهيد الكبير رفيق الحريري، ولاحقاً كانت دوّامة الدم التي ذهب ضحيتَها خيرةُ الساسة والصحافيين والنواب ورجال الفكر.
لكن إذا استعرَضنا هذا الماضي المخيف، نجد أنّنا صَمدنا في شكل أو آخر. صَمدنا عندما نرى حجمَ القوى المعادية، لكنّ المنطقة تغيّرت كثيراً، ومع هذا كلّه، الشعار الذي رَفعه الشيخ سعد، وهو الاستقرار، تغلَّبَ على الشعارات الأخرى التي هي الفوضى وعدم الاستقرار، وسِرنا معه».
وأضاف: «صحيح أنّنا كنّا أحياناً نختلف وكانت لنا وجهات نظر مختلفة ومتنوّعة، لكن في النهاية هذا هو الشعار الذي يجب أن يبقى: الاستقرار، محاربة الإرهاب، ولا بدّ مِن يومٍ ما، مهما طال الزمن، وعندما نعود إلى الماضي، 2005 واليوم 2018، 13 سنة، زمن طويل والأيام تمرّ بسرعة، لكن لا بدّ في يوم ما أن تتحقّق العدالة».
وأكّد أنّ «هذه العلاقة مع الشيخ سعد، مع آل الحريري، مع «المستقبل»، وإنْ مرّت ببعض التموّجات، لكنّها تبقى علاقة ثابتة في أساسها، مبنيّة على أرض صلبة، أرض الحرّية والتنوّع والاستقرار، وفي يومٍ ما لا بدّ من أن يصل لبنان إلى السيادة الكاملة والاستقلال الكامل».
تيلرسون
وفي هذه الأجواء، يستعدّ لبنان لاستقبال تيلرسون غداً في زيارة هي الأولى لمسؤول اميركي كبير بهذا المستوى في العهد الحالي، علماً أنّ وزير الخارجية السابق جون كيري كان قد زار بيروت عام 2014.
وقبل توجّهِه الى بيروت أكّد تيلرسون «أنّ الولايات المتحدة ستستمر في لعِب دور يقوّي حكومة مستقلّة في لبنان». وطالب إيران بسحبِ قواتها من سوريا ولبنان واليمن والعراق»لأنّ وجودها في تلك البلدان يشكّل عاملاً لعدم الاستقرار».
وقال «إنّ القوات الأميركية ستبقى في سوريا والعراق حتى هزيمة «داعش» وضمانِ عدم عودتِه مجدداً». وأكّد «أنّ واشنطن ستواصل العملَ مع شركائها لإنجاح محادثات جنيف السورية».
واللافت في جولة تيلرسون في لبنان والمنطقة أنّها تستثني إسرائيل. إلّا أنّ بعض المصادر الديبلوماسية لم تستبعِد أن يحصل تعديل في برنامج هذه الجولة لتشملَها، وذلك في ضوء التطورات الاخيرة في سوريا.
وعلمَت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية متقاطعة بين واشنطن وبيروت أنّ تعديلاً طرأ على جدول محادثات تيلرسون مع المسؤولين اللبنانيين بعد الاحداث الاخيرة وموقف لبنان منها، وانقسَمت إلى شقَّين: شرق أوسطي، وثنائي.
وفي الشقّ الأوّل، سيشرح الوزير الأميركي حيثيات قرار الرئيس دونالد ترامب إعلانَ القدس عاصمةً لإسرائيل، وسيشدّد على أنّ هذا الاعلان لم يحدّد مساحة القدس، أكانت كلّها أو جزءاً منها، وأنّ هذا الاعلان لا يلغي حلَّ الدولتين.
• سيستكشف إمكانية استئناف محادثات السلام انطلاقاً من مبادرة عربية ترعاها الولايات المتحدة، وموقف لبنان منها.
• سيبحث مع المسؤولين في استمرار أن يكون لبنان شريكاً في مكافحة الإرهاب.
• سيُشدّد على ضرورة أن يبقى لبنان خارج النزاعات التي تشهدها المنطقة، كونها باتت منقسمة على أكثر من محور، ولم تعد مقتصرة على محورين.
أمّا في الشق الثنائي، فسيشدد تيلرسون على «ضرورة ان يلتزم لبنان سياسة الحياد لكي يضمنَ استمرار الغطاء الدولي لأمنِه وسيادته، كون هذا الغطاء لا يكون فاعلاً إذا كان لبنان جزءاً من محور الممانعة، وبالتالي سيتمنّى على لبنان ان تكون ردّات فِعله على الأحداث في سوريا منفصلةً عن الساحة اللبنانية، وأن يكون لجوءُه إلى الامم المتحدة للدفاع عن سيادة الدولة اللبنانية فقط لا غير، وأن يحافظ لبنان على السياسة التقليدية التي ضمنَت له سلامتَه، أي التعاطي الديبلوماسي قبل اللجوء الى العنف.
ومعلوم أنّ الادارة الاميركية غير مرتاحة، خصوصاً في الفترة الاخيرة، الى مواقف الدولة اللبنانية التي أعطَت انطباعاً وكأنها تدخل في خيارات عسكرية غير مضمونة النتائج، لأنّ الولايات المتحدة تعتبر، أنّ «البلوك 9 « أو الجدار الإسمنتي أو «الخط الأزرق» كلّها قضايا قابلة للحلّ ديبلوماسياً ولا ضرورة للتصعيد.
كذلك سيؤكّد تيلرسون ارتياح بلاده الى دور لبنان في مكافحة الإرهاب وسيتمنّى أن يقتصر هذا الدور على الجيش والقوى العسكرية الشرعية وحدها. وسيشدّد على وجوب «أن تميّز الدولة نفسَها عن»حزب الله»، لأنّ المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة عازمٌ على مواصلة فرضِ العقوبات على الحزب الى حين التزامِه بالشرعية الدولية وبالشرعية اللبنانية».
وفي هذا الإطار سيؤكد تيلرسون «أنّ لبنان يستطيع الاعتماد على اميركا والمجتمع الدولي والامم المتحدة طالما هو ملتزم المواثيقَ الدولية والقرارات ذات الصِلة به.
وإنّ عدم احترامِه، أو أطرافٍ فيه، هذه القرارات، يُضعف المظلّة الدولية التي تُظلله، وهذا ليس في مصلحته في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ فيها المنطقة، والمليئة بالمفاجآت. وسيؤكد تيلرسون ايضاً وقوف اميركا الى جانب لبنان طالما يلتزم القوانين الدولية، وكذلك وقوفَها الى جانب الجيش ومواصلة دعمِها له ليكون قادراً على مكافحة الإرهاب وبسطِ سلطة الدولة على كلّ الأراضي اللبنانية».
في المقابل، سيثير لبنان أمام تيلرسون ملفَّ النازحين السوريين وسيؤكّد له أنه غير قادر على انتظار انتهاء حروب المنطقة لبتِّ مصيرِهم، وسيطالب بوضعِ برنامج قصير المدى لإعادتهم الى المناطق الآمنة في بلادهم، سواء في مناطق النظام أو في مناطق المعارضة. كذلك سيطلب أن تواصِل واشنطن دعمَها لوكالة «الأونروا» لتتمكّنَ من تقديم الحاجات للّاجئين الفلسطينيين في المخيّمات. وسيؤكّد موقفَه الرافض التوطين.
في الموازاة، قالت مصادر متابعة لعملية التفاوض على الحدود البرّية والبحرية لـ«الجمهورية»: «إنّ الجانب اللبناني أعدَّ موقفاً موحّداً سيبلِغه الى تيلرسون بأنه لن يقبل التفاوضَ على البلوكات البحرية، بحسب خطّ الموفد الاميركي السابق فريدريك هوف والذي يقضي بأن يحصلَ لبنان على 55 % من المنطقة الاقتصادية الخالصة، كاشفاً أنّ المفاوضات الشاقة التي خاضها الفريق اللبناني المكلّف من الدولة خلصَت الى الاتفاق على إعادة ترسيم 7 نقاط حدودية تمتدّ على خط الناقورة ـ رميش ـ كفركلا وصولاً إلى الوزاني.
وقد وافقَ الطرف الإسرائيلي عليها، فيما بقيَت 6 نقاط قيد التفاوض. كذلك كشَفت المصادر أنّ الضبّاط الإسرائيليين أبلغوا الى الجانب اللبناني في اجتماع الناقورة الأخير قرارَ الحكومة الاسرائيلية بفصلِ الحدود البرّية عن البحرية، الأمر الذي رفضَه لبنان كلياً، مؤكّداً حقَّه في البرّ والبحر سلّةً واحدة، ولا فصلَ بينهما، مع العِلم أنّ الفريق اللبناني ينطلق من ترسيم 1923، أي الحدود الدولية، وليس خط الانسحاب عام 2000 أو خط لارسن الـ2006 الذي بات يُعرف بـ»الخط الأزرق».
وأشارت المصادر إلى أنّ تيلرسون «يحمل معه ملفات عدة، من بينها إقناع المسؤولين اللبنانيين القبولَ بأخذ 55% من البلوكات 8 و9 و10 بحسب الخط المرسوم مع قبرص والذي ينتهي عند النقطة (1)، وليس كما يطلب لبنان على النقطة 23 بحسب الخرائط الدولية وحقوقِه المائية الموثّقة في الأمم المتحدة».
ونفت المصادر أن تكون إسرائيل «قد أبلغَت لبنان عبر الوسيط الأممي أنّها لن تبنيَ الجدار ضِمن المناطق المتنازَع عليها»، مبديةً خشيتَها من إقدامِ إسرائيل على هذا الاعتداء، لأنّ القرار الذي أعطيَ للجيش اللبناني المتمركز في تلك النقاط هو فتحُ النار مباشرةً من دون العودة إلى القيادة».
* الاخبار
2005 ـ 2018: الحريري الثاني
السؤال ــ المأزق: ماذا سيفعل الحريري إذا ما توافق اللبنانيون على بناء أفضل العلاقات مع إيران؟
بين 14 شباط 2005 و14 شباط 2018، رحلة شاقة لرئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري على درب الوراثة السياسية. توريث فرضه دم رفيق الحريري وما أنتجه من عصبيات، لا بل من تحولات في المشهد اللبناني، لا تزال بعض تداعياتها حاضرة حتى يومنا هذا
زياد البابا
صار رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري مثل معظم الساسة في لبنان. قبل ذلك، لم يكن يختلف عنهم كثيراً، إلا بوصفه وكيلاً حصرياً للسياسة السعودية. الآن، بات يشبههم كثيراً في احتراف التقلبات والمقايضات. معظم الساسة اللبنانيين على شاكلة المتعهدين.
يمكنك استئجار خدماتهم، لكن ليس بمقدورك أن تشتريهم، لا لضعف الملاءة المالية وارتفاع المقابل لقيمتهم، ولا لعفة عندهم أو لكونهم عقائديين وذوي مناعة أخلاقية، بل لكونهم على مثال رجال الأعمال يدركون بالفطرة والممارسة أن الاستثمارات الآجلة وبيع الخدمات تنعقد بضمانات آمنة توفر أعلى معدلات الكسب.
مع أزمة الاحتجاز، قرر الانتقال من موقع الناطق باسم المملكة في لبنان الى موقع الوكيل، وهو يعلم أن دون ذلك معارك كثيرة أكثرها ضراوة في حيز من يمثل. أما أسوأُها فمع من كان يتحالف أو يعتقد أنهم حلفاء وأصدقاء إلى حين اختفائه المفاجئ في الرياض إثر استدعائه على عجلٍ.
قبل ذلك، لم يكن الحريري ناسكاً في السياسة، بل كان يضاهي رفاق والده في الجمهورية الثانية حذاقةً. سيرته المديدة في عالم المال والأعمال صقلت مهاراته التفاوضية في إبرام التعاقدات والتعهدات الملتبسة. أكثر الوقائع دلالة في هذا السياق، كان في المسالك المتعرجة التي سلكها إياباً للعودة الى رئاسة الحكومة، بدءاً بتبني ترشيح النائب سليمان فرنجية، وصولاً الى تسليمه بأن القوى المقررة في النظام اللبناني لا تخضع في أحجامها وقدرتها لغلبة ديموغرافية أو مذهبية أو اقتصادية تدّعيها هذه الدولة أو تلك على مستوى الإقليم.
وخيراً فعل سعد الحريري في الاستغناء عن المناداة بالعروبة كونها في الأصل لغة لا يجيدها هو لا رطانة ولا خطيباً. صار الرجل يطل على اللبنانيين مبشّراً بفضائل «التوافق» و»الاستقرار» بعدما أصلى غير قوة وزعامة ناراً حامية لقرارها «النأي بالنفس» يوم اندفع هو وحده خبط عشواء في ما سُمي «الربيع العربي» مغامراً بلبنان وأهله ليضعهم على خط الزلازل في سوريا، وصولاً الى إقامة مركز تنسيق في مدينة غازي عنتاب كان يديره النائب عقاب صقر وتسبب بإفلاس الحريري المالي، على ما قال وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم ولم ينبر أحدٌ إلى الآن لدحض ما ساقه الأخير. أيضاً صار مهجوساً بـ«النأي بالنفس».
وحده سعد الحريري
دخل النادي كرجل أعمال
ناجح وسياسي ضعيف
لأسباب عدة، بدّل الحريري مواقعه، لكن أعمق هذه الأسباب أثراً يتعلق بما يعرفه ويكتمه ويسميه «بحصة» أجّل «بقّها». أدرك أن العزوف الآن عن «بقّ البحصة» يكسبه هامشاً للتفاوض يستعيد من خلاله بعضاً من ثروة لم يكترث سابقاً لحجمها، بينما يسعى الآن عبر مقايضات داخلية وخارجية إلى استعادة شيء منها ينجيه من استحقاقات متراكمة وأخرى مقبلة، وكلها شديدة الصلة بالزعامة التي يُنشدها وقد صارت مشقة بعدما آلت إليه إرثاً بالدم يوم كان لا يملك أرجحية تخوّله تنكّبها ليكون ممثلاً للطائفة السنية على نحو يُرسي ما أرادته المنظومة السنية العربية التقليدية. منذ دخول والده النادي السياسي اللبناني، أصلى الأخير وجهاء السنة وبيوتاتهم السياسية حرباً تهميشية أدت الى ضمور المؤهلين لقيادة الطائفة في بلد موسوم بكونه مختبراً لسياسات كثيرة، أكثر من كونه دولة بالمعنى الحديث للدول.
المفارقة أن ولادة الزعامات اللبنانية ــ عند الطوائف كلها ــ مسألة بالغة التعقيد والحساسية. والغالب منها كان يولد على الدم والمأساة. هكذا حال وليد جنبلاط بعد اغتيال والده. وكذلك كان وضع نبيه بري بعد اختطاف الإمام موسى الصدر. واغتيال بشير الجميل صنع من شقيقه رئيساً بعدما كان في أحسن الأحوال عيناً من أعيان المتن بالتحديد والكمال. في الأساس، فإن بشير الجميل صنع زعامته على دم المسيحيين «لتوحيد بندقيتهم». وعلى دم «حرب الإلغاء»، انشطرت الزعامة المسيحية بين قائد الجيش آنذاك ميشال عون وبين قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع. لكن كل هؤلاء كانوا قد خطوا شيئاً من سيرتهم في المراس السياسي. وحده سعد الحريري دخل النادي كرجل أعمال ناجح وسياسي ضعيف. ولهذا احتاج على الدوام إلى دعم دولي ليكون وازناً بين أقوياء الطوائف الأخرى.
وإلى الإحاطة العاطفية التي نادت بالحريري الابن زعيماً إثر اغتيال والده، فإن رئيس حكومة لبنان في عام 2009 اكتسب قوته وحضوره من الدعم الدولي (وتحديداً الأميركي ــ الأوروبي)، وأيضاً من الدعم العربي (السعودي ــ المصري). كان واضحاً أن الحريري يلبي حاجة ملحة لهؤلاء الداعمين الذين توسموا في الحريري ودم والده قدرة لتعديل وقائع الاجتماع اللبناني، وأكثرها سفوراً وابتذالاً التدخل في عمل الجهازين القضائي والأمني من خلال قرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ومن قبلها القرار 1559 ومن بعدها القرار 1701.
الدعمان الدولي والعربي ــ تطابقا أو تمايزا ــ ارتكبا خطيئة أصلية سبقهما إليها قومية عربية بأسماء كثيرة ناصرية وبعثية، وقومية لبنانية مقيتة جعلت من لبنان فندقاً متميزاً بخدماته لمن يحوز قدرة استئجار سياسييه أو بعضهم ــ وما جاء به اتفاق الطائف كان تكريساً لما تقدم. لقد بدا البلد على الدوام أنه فيدرالية طوائف تستنفر بعضها على بعض كلما حاولت إحداها أن تحوز امتيازاً على غيرها. لكن ما أبقى البلد ناراً تحت الرماد قدرة استثنائية مارسها الرئيس رفيق الحريري عبر خطين متوازيين. الأول، تمثل في تدوير الزوايا الداخلية عبر السيولة المالية وإنشاء صناديق ومجالس لتمويل الطوائف. أما الآخر، فكان بواسطة تدبيج التعارضات الدولية عبر دبلوماسية الطائرة التي تحط في كل مطارات العالم ليليها بيانات فضفاضة تؤجل الانفجار.
وإذا كان الحريري الأب حاز رؤية سياسية ــ اقتصادية كانت على الدوام مثار جدل ومحل التباس فضفاض وواسع، فإن الابن تصدر زعامة طائفته برأي متقلب لم يجد له مستقراً أو مقراً. فمن إصراره على الإمساك منفرداً بملف العلاقة والتنسيق مع حزب الله والطلب من الأخير تحقيقاً موازياً في اغتيال والده ثقة بقدرة هذه المنظمة الأمنية والسياسية، الى الانقلاب إلى حدّ اتهام قياديين فيه بالضلوع في الجريمة بعد الذهاب طوعاً الى سوريا لينام في حنايا النظام الذي اتهمه أولاً، وما بينهما يوم اتصل بالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بُعيد وصول وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس، طالباً ذكر القرار 1559 في البيان الوزاري، ولو اعتراضاً، كل هذا كان يحسم بأن لا سوية سياسية للسياسي الوافد من عالم الأعمال الى زعامة طائفة وازنة ومقررة في البلد وأحواله.
وبخلاف ما يشاع عن أن الخيبات الحريرية المتعاقبة سببها مفاجآت وتقلبات دولية، فإن الزعيم الشاب كان يتكلم أكثر مما يستمع. وإذا حدث وأنصت فإنه كان يفعل مع ندماء الليل الذين يصمون آذانه بكيل المديح لوسامته. كان يستعيض عن ارتجاجات الداخل بأن يجوب عواصم القرار مطلقاً وعوداً بآمال عريضة ارتدّت أول ما ارتدّت على وضعه المالي والسياسي والشعبي. أدرك متأخراً أن الجغرافيا أمضى وأفعل من التاريخ. إقامته لسنوات ثلاث بالرياض علّمته ذلك. بُعدُه عن لبنان بدّد ما أراده لوالده من أسطورة.
الحريري في نسخته الحالية يترجم ما قاله أدونيس عن أن الذاكرة ليست استعادة للماضي، بل استكشاف. تصريحاته الموجهة للداخل تقول ذلك. تنبّه، ولو متأخراً، إلى أن السياسة مهارة وليست تغريدات تنتهي مفاعيلها مع جمع معدلات الإعجاب. وتنبّه أيضاً إلى أن سوريا لا تصلح معبراً الى لبنان. اختبر مرارة «لعبة الأمم» على ما يسميها وليد جنبلاط. انسحب منها، فلم تعد إيران عدوة. أخيراً، غطت قوميته العربية في سبات عميق. لم تعد تستيقظ على منبه «فارسية» الجمهورية الإسلامية. قال عنها في الجلسة الحوارية بمنتدى دافوس الاقتصادي «إنها دولة يجب أن نتعامل معها». أن يقرن الحريري قوله بوجوب وقف تدخل طهران في لبنان وشؤون الدول العربية، فهذا لا يلغي من مفاعيل تبدل مواقعه. هنا استجد السؤال ــ المأزق: ماذا سيفعل الحريري إذا ما توافق اللبنانيون على بناء أفضل العلاقات مع إيران كما غيرها من الدول؟ ماذا يمكن أن يقدم أو يفعل للسعودية؟
تيار المستقبل يتحول إلى تيارات: الحريري الجديد… أكثر تواضعاً وواقعية
خصوم الحريري اليوم ليسوا من فريق يختلف معه في الرؤية والموقف بل هم أنفسهم ممن كانوا معه في مركب مستقبلي واحد
ثلاثة عشر عاماً على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حملت الكثير من التقلّبات التي جعلت «المستقبل» بيتاً بمنازل كثيرة، وحوّلته من تيار عابر للطوائف إلى تيارات مستقبلية متقوقِعة داخل البيئة السنيّة
ميسم رزق
بعدَ ثلاثة عشر عاماً على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يُفترض بـ»المتنوّرين» في «تيار المُستقبل»، قيادة وقاعدة وجمهوراً، أن يسألوا أنفسهم أين أصبح التيار ومن خلفِه «الحريرية السياسية»، بعد كل هذه السنوات؟
لم يكُن المُستقبلِيون يُدركون أنهم سيكونون في الرابع عشر من شباط 2018 على موعِد مع استحقاق مفصلي (الانتخابات النيابية)، سينقلُهم من موقع زعامة الطائفة السنية إلى مجرّد شركاء في قيادتها. تحولات الداخل والإقليم وضعتهُم أمام اختبار التكيّف مع مرحلة جديدة، وربما جعلتهم على تماس مع مستجدات سياسية لم يألفوا التعامل معها منذ أعوام طويلة، لعل أبرزها أزمة الاستقالة القسرية وما خلّفته من ندوب في بنيان العلاقة السعودية ــ الحريرية. يبدو التيار كمن يعيش حالة مخاض، بعد أن كشفت المرحلة السابقة عن نقاط ضعف في بنيتِه، وأظهرت الهوة السحيقة التي تفصِل بين قيادته العليا وقاعدته التنظيمية والشعبية، وحوّلته من تيار عابر للطوائف إلى تيارات مستقبلية متقوقِعة داخل البيئة السنية. كل هذه المعطيات تجعل سعد الحريري، اليوم، أكثر تواضعاً وواقعية، أكثر من أي يوم مضى.
على مدى ثلاثة عشر عاماً، واجه سعد الحريري ثلاث محطّات مفصلية؛ وراثته الشارع السنّي من بوابة الدمّ المهدور في شوارع العاصمة في 14 شباط 2005، ترؤّسه أول حكومة بعد انتخابات عام 2009، وسيره بالتسوية السياسة التي أبرمها مع الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحرّ في نهاية عام 2016. ومع كل محطّة، كان هناك ربح وخسارة. في موسم الدم، تحلق تيار المستقبل حول رمزية الحريري الابن، مستقطباً جمهوراً عريضاً ونخباً سياسية واجتماعية وثقافية، لكن لم تمض سنوات قليلة حتى بدأ الرجل يستنفد رصيده السياسي حتى أصبح فاقداً إلى حدّ ما ثقة شريحة من جمهور اتهمه بالذهاب بعيداً في معاكسة المزاج السنّي العام في البلد والمنطقة. ترافق ذلك مع ضمور الدعم السعودي له سياسياً ومادياً، بدءاً من عام 2012، فيما كان لبنان ينتقل من أزمته الوطنية المفتوحة إلى رحاب أزمة أكبر، مع الزلزال الكبير الذي ضرب المنطقة، وخصوصاً سوريا.
كيف ينظر المستقبليون إلى أحوالهم اليوم؟
يشعر المُستقبليون بأنهم
«أيتام» يفتقدون
الحاضنة الإقليمية
بين عامي 2005 و2018 تغيّر تيار المستقبل. ذكرى رفيق الحريري يُحييها المستقبليون اليوم باحتفاليتين: الأولى، في مسجد محمد الأمين، يلقي فيها الرئيس فؤاد السنيورة كلمة، وثانية في البيال، يتحدّث فيها سعد الحريري، فضلاً عن منابر أخرى سيطلّ عبرها آخرون يدّعون أنهم «الأوفياء» وليس «الخوارج». ماذا يعني هذا المشهد؟ يعني أن عصب التيار بات ضعيفاً مع كل هذا التفاوت في الآراء والتوجهات في البيت الداخلي، سياسياً وتنظيمياً وإدارياً.
في السياسة، انتقل سعد الحريري إلى مركب آخر، لا يجد كثر من المستقبليين مكاناً لهم فيه. وضع زعيمهم يده بيد أحد ألدّ أعدائه، أي التيار الوطني الحرّ، الذي لم يوفّر محطّة إلا واتهم فيها زعيمهم بالفساد ودعم الإرهاب. أسهم هذا الأمر في انشقاق عدد من أركان التيار الأزرق ممن نجحوا في خلق حيثيات سياسية وشعبية من شأنها أن تزاحم الحريري سياسياً وانتخابياً في عدد من المناطق، كالوزير أشرف ريفي في طرابلس، وخالد الضاهر في عكار، وأحمد فتفت في الضنية، وفؤاد السنيورة في صيدا.
على المستوى التنظيمي، نجح التيار في خلق هيكلية ورقية جميلة، لكنه لم يفلح في ترجمتها على أرض الواقع. في الفترة الأولى من تسلّمه الزعامة، حرص الحريري على احتضان شخصيات، بعضها ورثها عن والده وأخرى حاولت ادّعاء أبوّته سياسياً… لكنه سرعان ما تمّ تهميش «القدامى»، فتراجع مقامهم بداية من تنفيذيين وأصحاب قرار (في زمن الأب)، إلى مجرّد مستشارين بالشكل (في زمن الابن)، من سليم دياب وصالح فروخ وعبد اللطيف الشماع وآخرين، قبل أن يتمّ تجاهلهم بالمطلق في ما بعد، ويحلّ مكانهم جيل الأمين العام للتيار أحمد الحريري، الذي يضم مجموعة شباب كان «الحرس القديم» يتّهمهم بأنهم «غير مجرّبين» و»غير مؤهلين لاتخاذ قرارات كبيرة»، رغم الإنجازات التي حقّقوها سياسياً وتنظيمياً… وحتى انتخابياً.
ما فقده التيار لم يقتصِر على بيئته الحاضنة، بل شمل جمهوراً عريضاً تحلق حول الوريث السياسي الجديد في 14 آذار 2005. بالنسبة إلى هذا الجمهور، لم تعُد سياسات سعد الحريري تتناسب مع تطلّعاته ومتطلباته. زاد الطين بلة ضعف الموارد المالية التي كانت تُمنح لتحشيد الجمهور الذي كان جزءاً كبيراً منه يتفاعل مع الحريري وفق ما كان يقدم له من مكاسب مالية وخدماتية مباشرة، من دون إغفال تأثير الانتكاسة التي مُني بها المشروع الدولي والإقليمي الحاضن للحريرية السياسية في لبنان.
وفي خضم البحث عن الأخطاء ومواطن الضعف، لا بدّ من المرور على العناوين السياسة التي حملها التيار منذ عام 2005؛ فأين هي المحكمة الدولية والحقيقة التي ينتظرها جمهور رفيق الحريري؟ فضلاً عن مسارات لم تهضمها معدة جمهور المستقبل، ليس أوّلها التشكيل الحكومي الذي جمعه بحزب الله، والاستسلام لوقائع إقليمية جعلت من سلاح حزب الله «غير الشرعي» قضية ليست في متناول اللبنانيين، بل خلافاً ارتأى الحريري وضعها جانباً، مقابل الاحتفاظ بموقع الرئاسة الثالثة. ولعلّ أبرز ما يواجه التيار في هذه الذكرى، أنها تحلّ للمرة الأولى بعد احتجاز الحريري في الرياض وإجباره على تقديم استقالته. وعليه، لا يُمكن تفادي الحديث عن هذه اللحظة التي جعلت المستقبليين يشعرون بأنهم «أيتام» يفتقدون الحاضنة الإقليمية، حيث لم يعد الحريري خياراً وحيداً بالنسبة إلى الرياض، رغم كل الدعم الدولي والإقليمي الذي يلقاه.
أردوغان يهدد «أميركيي منبج» بـ«صفعة عثمانية»
دمشق ترفض التدخل الأممي في «اللجنة الدستورية»
استهدف القصف التركي عدة مواقع في مركز مدينة عفرين
استبقت دمشق ما قد تفضي إليه جهود فريق المبعوث الأممي مع المعارضة حول تشكيل اللجنة الدستورية، عبر رفض الوصاية الأممية والتدخل في تركيبتها خارج إطار «سوتشي». وبينما تتابع أنقرة عدوانها على عفرين، هدد الرئيس رجب طيب أردوغان، باستهداف الأميركيين الذين سيقفون مع «الوحدات» الكردية في منبج
بعد نشاط موسّع لفريق المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا مع «هيئة التفاوض» المعارضة، حول مخرجات مؤتمر سوتشي، وتحديداً اللجنة الدستورية، انتقل الحديث من قبول «الهيئة» أو رفضها المؤتمر بشكل عام، إلى تفاصيل اللجنة وتشكيلتها وصلاحياتها.
وتتمحور نقطة الخلاف الرئيسة وفق الأوساط المعارضة، حول الثلث المعارض ضمن اللجنة، الذي تشترط «الهيئة» أن تحجزه لأعضائها بعيداً عن المعارضين الآخرين الذين حضروا «سوتشي». وتأتي حساسية تلك النقاشات من طلب بيان سوتشي الختامي من الأمم المتحدة، تكليف دي ميستورا تيسير عمل اللجنة ضمن مسار المحادثات في جنيف، وهو ما يعطيه هامشاً كبيراً في المناورة مع الأطراف المعارضة والمجتمع المدني، ولا سيما أن مخرجات عمل تلك اللجنة ستصبّ ــ وفق المقرر ــ ضمن المسار نفسه.
النقاشات المعارضة مع المبعوث الأممي، أثارت حساسية دمشق تحسباً لأي تغيرات في طبيعة اللجنة الدستورية المرتقبة، إذ عقد معاون وزير الخارجية أيمن سوسان، مؤتمراً صحافياً في دمشق، أكد عبره أن بلاده «ملتزمة فقط ما جرى التصويت عليه في مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، وهي غير ملزمة بأي لجنة ليست سوريّة ــ سوريّة، تشكيلاً ورئاسة وحواراً». ويستبق الموقف الأخير أي مبادرات أممية قد تحمل تعديلات على آلية تركيب اللجنة، بما يتيح حضوراً أوسع للمعارضين ضمن «الهيئة». وأشار سوسان حول هذه النقطة إلى أن نص البيان الختامي لمؤتمر سوتشي حدد مهمات تلك اللجنة وولايتها وعدد أعضائها «الذين يجب أن يكونوا حكماً من المشاركين في سوتشي»، مضيفاً أنه «لم يعط دي ميستورا أي سلطة على أي شيء على الإطلاق». ونوّه في حديثه إلى أن مسودة البيان الختامي تضمنت فقرة ختامية تتحدث عن إعطاء دور للمبعوث الأممي… ورفض أعضاء المؤتمر هذه الفقرة وصوّتوا بحذفها بأغلبية الأصوات، على حدّ قوله.
وفي انتظار ما ستفضي إليه جهود المبعوث الأممي لتطعيم مسار جنيف بمخرجات سوتشي، دعت الأمم المتحدة مجدداً إلى وقف إطلاق نار في سوريا. وأتى ذلك في موازاة استعداد قطعات من الجيش السوري للانتقال من جبهات إدلب نحو الغوطة الشرقية، لدعم العمليات العسكرية التي تجري هناك. أما في ريف إدلب، فقد شهدت الجبهات بين الجيش والفصائل المسلحة هدوءاً، في وقت استسلم فيه مسلحو «داعش» في محيط قريتي الخوين والزرزور، لفصائل مدعومة من تركيا. وأثار ذلك موجة احتفال بين أنصار تلك الفصائل، في وقت ذكّرت فيه «هيئة تحرير الشام» في بيان، بأنها قاتلت «داعش» في محيط الرهجان، حين كانت الفصائل نفسها مشغولة بمعارك لمصلحة جهات خارجية.
لافروف: واشنطن تنوي إبقاء قواتها حتى تغيير الحكم
إخراج «داعش» من الصراع على الأرض، حضر على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أيضاً، مشيراً إلى أن ذلك ينهي حجج الولايات المتحدة الأميركية في دعم «وحدات حماية الشعب» الكردية. وبينما تنتظر تركيا زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، غداً وبعد غد، صعّد أردوغان لهجته ضد واشنطن، خلال حديثه أمس أمام البرلمان. وقال إن من الواضح أن «من يقولون لنا» سنردّ بقوة اذا تلقينا ضربات تركية «لم يسبق لهم أن واجهوا صفعة عثمانية»، في إشارة إلى تصريحات صدرت عن جنرال أميركي كبير خلال زيارته قوات بلاده التي تتمركز في منبج. وأضاف الرئيس التركي القول: «سندمر كل إرهابي نراه، بدءاً من أولئك الذين يقفون إلى جانبه. حينها سيدركون أن من الأفضل لهم عدم الوقوف» هناك.
بدوره أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن بلاده «فقدت الثقة» بالولايات المتحدة، وعلى الأخيرة تلبية ثلاثة مطالب إذا كانت ترى أنقرة «حليفاً حقيقياً»، هي: وقف تسليح «الوحدات» الكردية وجمع الأسلحة التي سُلّمت بالفعل؛ وانسحاب المقاتلين الأكراد من غرب نهر الفرات؛ إلى جانب اتخاذ خطوات قانونية ملموسة ضد الداعية الإسلامي فتح الله غولن. وذهب وزير الدفاع نور الدين جانيكلي، خلال مشاركته في اجتماع لوزراء دفاع دول «التحالف الدولي»، أمس، في العاصمة الإيطالية روما، إلى القول إن بلاده تنتظر الدعم الدولي لعملية «غصن الزيتون». ومن جانبه، جدد الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي» يانس ستولتنبرغ، تأكيده المخاوف الأمنية المشروعة لأنقرة، مضيفاً أنه يجري اتصالات منتظمة مع المسؤولين الأتراك بشأن الوضع في سوريا. وعلى الأرض، تابعت تركيا عدوانها العسكري على منطقة عفرين، عبر استهداف سلاح المدفعية لعدد كبير من البلدات والقرى، في وقت واصلت فيه القوات البرية ضغطها على محيط ناحية جنديرس (جنوب غرب) في محاولة للسيطرة على التلال الرئيسية المحيطة بها.
وعلى صعيد آخر، انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التعاطي الأميركي مع الملف السوري، معتبراً أن واشنطن تنوي الإبقاء على وجودها العسكري لمدة طويلة في سوريا «إن لم يكن للأبد». وقال في مؤتمر صحافي مع نظيره البلجيكي ديدييه رينديرز، إن «الولايات المتحدة تقول إنها ترغب في البقاء إلى أن تنطلق عملية سياسية مستقرة مقبولة للجميع، وهذا يعني تغيير الحكم»، مضيفاً أن «الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة في سوريا، تهدف إلى إنشاء شبه دولة تمتد من شرق نهر الفرات وحتى الحدود العراقية» بشكل يقوّض وحدة الأراضي السورية.
ليبرمان بعد «ضربة السبت»: إسرائيل لن تكتفي بالنباح
يحيى دبوق
إسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة الـ«أف 16» الإسرائيلية في الجليل الأسفل، كانت نتيجة تكتيكية لقرار استراتيجي بالتصدي السوري، الذي يمكّن في حال تواصله، من الوصول إلى معادلة وقواعد اشتباك جديدة، بين الدولة السورية والعدو.
من ناحية إسرائيل، الخسارة وقعت، لكن الانكسار لم يقع بعد. كفّ اليد الإسرائيلية عن الساحة السورية، يستدعي جهداً متواصلاً من سوريا وحلفائها، إحدى مركباته التصدي في مواجهة العدو واعتداءاته وتدفيعه أثماناً.
لكن في المقابل، إحدى مركباته أيضاً، إدراك الإسرائيلي إمكان فرض هذه المعادلة. لكن هذا ما لا تريده تل أبيب، ولا تقوى عليه، ولا ترغب فيه، الأمر الذي يستدعي منها، ربما، جرعة إضافية من المجازفة، وربما أيضاً جرعات.
إلى حين قرار تل أبيب معاودة الاعتداء، بمعنى المجازفة من جديد، وهو الأرجح أن تقدم عليه، تعمل جاهدة على ترميم صورة الخسارة نتيجة مواجهة فجر السبت الماضي، تحديداً أمام جمهورها قبل أعدائها، مع قدر كبير من التهديدات التي ترفض من خلالها بدء مسار المعادلات الجديدة، في محاولة منها لردع الطرف الثاني وتقليص توثبه، في مسار التصدي لاعتداءاتها، منعاً أو تأجيلاً، لفرض معادلات وقواعد اشتباك جديدة.
وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، اللافت صمته في اليومين الماضيين، قد يكون لاحظ الإفراط في التصريحات والتهديدات لكبار المسؤولين الإسرائيليين، الموجهة إلى الدولة السورية وحلفائها، وصولاً إلى الساحة اللبنانية. وهو إفراط تهديدي لم يعد يجدي نفعاً، بل يرتد إلى مطلقه لكونه بلا صدقية عملية، خاصة أن المواجهة الأخيرة فجر السبت الماضي، أشارت إلى قدر من الدونية الإسرائيلية لا يمكن إنكارها، رغم كل الدعاية العبرية المرافقة لعملية إسقاط الطائرة وما أعقبها من ردود بهدف ترميم الصورة وتقليص الخسارة.
تعمل تل أبيب
جاهدة على ترميم
صورة الخسارة
وفي جولة على الحدود مع لبنان، جرى التأكيد إسرائيلياً أنها كانت مقررة ومنسقة مسبقاً من دون أي ارتباط بمواجهة فجر السبت الماضي، أكد ليبرمان من مستوطنة كريات شمونة على الحدود مع لبنان، أن «هذا هو زمن العضّ، وليس زمن النباح، وأن إسرائيل ستعضّ بشدة، مع أملها أن لا تضطر إلى ذلك». إلا أنّ ليبرمان، من ناحية فعلية، وإن حاول إفهام الطرف الثاني أن التهديدات ذات صدقية وهي لا تعني فقط مواقف كلامية، أعاد تأكيد المنحى نفسه، مع شبه إقرار بوجود عراقيل تمنع إسرائيل من تفعيل قدراتها العسكرية، وفي حد أدنى تقيّد هذه القدرات، عبر النفي والإفراط في النفي لمسببات التقييدات. بحسب ليبرمان، «إسرائيل ليست مقيدة بالرد على الاستفزازات من الجانب السوري، نحن ندير المسائل بحزم ومسؤولية، ليس هناك أي قيود ولن نقبل بأي قيود».
وفي المنحى نفسه الذي يؤكد القيود (أو مسعى الطرف الثاني لفرض القيود) في معرض نفيها، أضاف ليبرمان: «عملنا بصورة حازمة، ويجب الفهم أن كل خطوة نقوم بها هنا يسبقها عمل كثير. كل شيء يجب أن يتم على نحو دقيق ومخطط ومحسوب. سنردّ على أي استفزاز، وسنواصل الدفاع عن مصالحنا الأمنية الحيوية. فهذا ليس زمن النباح، بل زمن العضّ».
وحول الموقف الروسي من مواجهة السبت الماضي، أكد ليبرمان وجود «خلاف» مع روسيا و«وجود مصالح مختلفة» في سوريا، لكنه أكد رغم ذلك «وجود علاقة أثبتت نفسها بين الجانبين، رغم أن الروس أحياناً لا يقفون إلى جانب إسرائيل». وأضاف: «الواضح أن لكل طرف مصالح، وكل طرف يرى الصورة بنحو مختلف، لكن في سنوات الحرب الأهلية في سوريا، نجحنا في منع احتكاك مباشر، وهذا إنجاز بحد ذاته». ونقل موقع «تايمز أوف إسرائيل» عن ليبرمان قوله إن اسرائيل سـ«ترد على أي استفزاز» ولن «تقبل بأي تقييد» من قبل روسيا حول أهدافها في حماية الإسرائيليين.
في السياق نفسه، كشف معلق شؤون الأمن القومي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رونين برغمان، في مقالة نشرت (للمفارقة) في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أن «موقف الدولة السورية وإيران وحزب الله، واصرارهم على التصدي السبت الماضي، مع إرادة أبدوها في منع تمادي الرد الإسرائيلي على هذا التصدي، وكذلك موقف القيادة الروسية الغاضبة على الهجمات الإسرائيلية في سوريا، دفعا تل أبيب إلى التراجع عن تنفيذ اعتداءات أكثر شمولية واتساعاً، كانت قد وضعت على طاولة البحث في تل أبيب». ونقل برغمان عن مصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى قوله: «لقد أدان الروس علناً انتهاك إسرائيل للسيادة السورية. قالوا ذلك علناً، ولم يكتفوا بقوله في محادثات مغلقة غير علنية». وأضاف: «التنسيق التكتيكي المحدود بين إسرائيل وروسيا، لم يؤدّ إلى دفع روسيا لفهم احتياجات إسرائيل. مع اقتراب انتصار (الرئيس السوري بشار) الأسد، طلبت إسرائيل من روسيا ضمان مغادرة الإيرانيين الأراضي السورية بعد انتهاء الحرب، إلا أن هذا الطلب قوبل بلامبالاة في موسكو، التي ترغب في بناء موطئ قدم آمن في الشرق الأوسط، وسياستها تقتضي المحافظة على علاقات جيدة مع إيران».
المصدر: صحف