كتب المراقب السياسي دميتري كوسيريف مقالة تحت هذا العنوان ذكر فيها أن مواطني الصين وظفوا واستثمروا في 2010-2015 في سوق العقارات الأميركية 110 مليارات دولار.
وبهذا الشكل احتل الصينيون المركز الأول في هذا المؤشر في الولايات المتحدة، ومن ثم يأتي الكنديون والهنود .
وهذا كله يدفع المرء للتفكير بخصوص واقع التحولات الجيوسياسية في عالمنا المعاصر، أي كيف تبدو فعلا قائمة who is who.
وفي تقرير أعدته شركة Rosen Consulting Group العقارية بالاشتراك مع رابطة الدراسة الآسيوية في الولايات المتحدة، جاء أن المشتري الصيني يفضل عادة أن يشتري في الولايات المتحدة، البيت المتوسط المنفصل عن البيوت الأخرى بقيمة تزيد على 830 ألف دولار.
وخلال الفترة المذكورة أعلاه اشترى المستثمرون الصينيون فنادق ومكاتب بقيمة 17 مليار دولار أما المبلغ المتبقي فذهب لشراء العقارات السكنية وخاصة في كاليفورنيا.
ويرى التقرير أن هذه الوتيرة ستزداد وتقوى مع حلول 2020 ويتوقع أن تصل الاستثمارات إلى 218 مليار دولار ومن ثم سترتفع الخطوط البيانية إلى الأعلى بشكل حاد أكثر.
ويجب القول أن الأميركيين يستثمرون المال في الصين ويشترون الممتلكات المنقولة وغير المنقولة ولكن في العام الماضي زادت الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة ولأول مرة على مثيلتها الأميركية في الصين.
ويلفت النظر أن وسائل الإعلام الصينية تتحدث عن ذلك بهدوء بدون حماس وبدون أسف. الأمر كما يقول المثل،” بزنس ولا شيء شخصي بتاتا”.
في الوقت نفسه ينظر الأميركان إلى هذا الاندفاع الصيني بنوع من الفتور والأسى، على سبيل المثال يوبخ المرشح الرئاسي دونالد ترامب باستمرار الصينيين ويتهمهم “بمص دم” الاقتصاد الأميركي.
ووصل الأمر بصحيفة Washington Post إلى اتهام الصينيين بحرمان ولاية مين الأميركية من آلاف فرص العمل وهم بالإضافة لذلك يلتهمون القسم الأكبر من جراد البحر ” Lobster ” الشهير في تلك الولاية.
طبعا عندما يشتري الصينيون العقارات والبضائع في الولايات المتحدة فهذا يجلب الفائدة الاقتصادية للبلاد، إذن فهو جيد. ولكن عندما يكون موضوع البيع والشراء عقارا أو شركة لها قيمة تاريخية فهنا تدخل في الموضوعالعواطف ذات الطابع غير الاقتصادي ويطغي شعور الاعتزاز القومي.
والأمر هنا يكمن في ما هو الأقوى في هذه الحالة، العواطف أو الفائدة المادية وكيف ستتصرف أميركا لاحقا كمنظومة سياسية وكحضارة.
وبشكل عام يقدم التقرير أرقاما تثير الاهتمام فعلا ومن بينها على سبيل المثال، أن الاستثمارات الصينية في العقارات توفر 200 ألف فرصة عمل للأميركيين وخاصة في العقارات التجارية. وترامب حتما يعرف ذلك جيدا لأن هذا مجال عمله ولكنه لن يتحدث عن ذلك خلال الحملة الانتخابية.
من المعروف أن الخزانة الأميركية مدانة للصين بشكل كبير لأن هذه الاخيرة تشتري بنشاط السندات الحكومية الأميركية ولكن المعروف أقل من ذلك هو أن الصين تعتبر أكبر وأول حائز أجنبي في العالم للسندات المالية الأميركية الأخرى بما في ذلك العقارية التي تصدرها شركات عقارية مالية من نوع فاني ماي وفريدي ماك (التي باتت نصف حكومية) وهي مدانة حاليا للصين بمبالغ تصل الى 207,9 مليار دولار.
والملفت للنظر أن هذه الالتزامات مضمونة بالعقارات. وفي حال لم تتمكن أي من هذه الشركات من تسديد الالتزام للطرف الصيني فهذا سيعني استلام هذا الطرف للمادة المرهونة أي العقارات.
و Fannie Mae and Freddie Mac تعتبر الرمز المعتاد لأزمة 2008 المالية (هذه الشركة أفلست خلال الأزمة وقامت الدولة بشرائها) وهذا يعني أن الصين في الواقع أنقذت الاقتصاد الأميركي من تلك الأزمة وهي تنقذه الآن من احتمال تكرارها.
وبشكل عام نرى ازدياد الارتباط المتبادل بين الاقتصاد الأول والثاني في العالم وهو أمر يدخل في أساس الاستراتيجية الجيوسياسية الصينية ويدفع الولايات المتحدة نحو توخي الحذر.
جاء في تقرير نشرته مؤخرا منظمة “أوكسفام” العالمية (مؤسسة خيرية تأسست سنة 1942، تحت اسم “لجنة أوكسفورد للإغاثة من المجاعة) أن اصحاب المليارات في العالم يترأسون الشركات العالمية العملاقة ويبلغ عددهم 62 شخصا وهم يملكون مثل ما يملكه نصف سكان الأرض مجتمعين وهم يشكلون كما يقال “حكومة الظل العالمية التي تعمل من وراء الكواليس” .
ويقول التقرير إن نصف هذه المجموعة (المؤلفة من 62 شخصا) يتواجدون في الولايات المتحدة وهناك 8 منهم من الصين و3 من هونغ كونغ والباقون من أوروبا وبقية العالم.
والسؤال المطروح الآن هل ستخلق الصين “حكومة ظل عالمية” خاصة بها أو ستنصهر في حكومة الظل العالمية الحالية؟ .
المصدر: صحف ومواقع