على اعتاب نهاية الازمة تقف دمشق بعد تجاوز حقبات صعبة ومريرة، والوقائع خير من ينبئك اليوم لا الشعارات، فالصورة اكثر تجلياً، وملامحها الاخيرة ترسمها تراكمات عسكرية وسياسية وتتوّجها “مظاهرة” اقتصادية دولية تتسابق نحو “معرض دمشق الدولي” لتعكس صورة اضافية كبرى للنصر السوري.
فدمشق مجددا ملتقى العالم كما كانت قبل الازمة وبعد توقف 5 سنوات يعود هذا الملتقى الدولي، عودته في هذا العام بالذات تشهد ان سوريا اليوم عادت الى السكة متجاوزة الحرب والحصار والعقوبات الاميركية والغربية ومحاولات الضغط الاميركية السابقة على اي دولة تحاول الانفتاح على دمشق، وهذه اللوحة من فسيفساء الدول والشركات التي تسابقت الى دمشق تحمل مشهدا لم يأت بالاحلام بل بالصمود والبذل لتزهر التضحيات ويستعاد الرونق الى بلد الحضارات غصبا عن كل من اراد انهاء سوريا بلدا تعدديا مشرقا داعما للحق والمقاومة.
افتتاح معرض دمشق الدولي الذي يعني عودة دمشق الى الساحة الدولية منتصرة بوجه الحرب الكونية ، هو ايضا دليل على ثقة النظام بانتصاره، ودليل على ثقة الخارج بالأمان المكرس في ربوع دمشق والمتسع جغرافياً شيئا فشيئا على مساحة هذا الوطن. وقبل هذا المحفل الدولي كانت دمشق محط زيارات لوفود عربية وغربية عدة في الاونة الاخيرة.
هذا المعرض الذي هو الاقدم في الشرق الأوسط، والذي انطلق للمرة الأولى في عام 1954، تشارك فيه اليوم 43 دولة عربية وعالمية منها 23 دولة شاركت بشكل رسمي عبر سفارتها و20 دولة سجلت مشاركات تجارية لها. اذاً هي مشاركة كبرى وواسعة جداً من الدول واعتراف ضمني واسع دوليا بالنظام وبالانتصار السوري. وبحسب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري محمد سامر الخليل فإن هذه الدورة من معرض دمشق الدولي ستكون الاكثر تميزا من كل الدورات السابقة “لما تحمله من دلالات للعالم أجمع بأن التعافي الاقتصادي قد بدأ وأن سوريا تنبض بالحياة وعاودت نشاطها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي ورغم كل شراسة الحرب الظالمة ضد سورية فقد تمكن الاقتصاد السوري من النهوض مجدداً وهو أمر ينعكس من خلال الإنتاج القائم حالياً”.
هذا الحدث يدل ان سوريا ستوضع على طريق التعافي الاقتصادي وانطلاق الاستثمارات والدخول على سكة اعادة الاعمار ، مع عدم اغفال ان الحرب على الارهاب لم تنته ولكنها على طريق الانجاز، واللافت ان سوريا رغم كل سنوات الحرب ومفاصلها الاليمة صمدت ولم ينهار الاقتصاد واستمر الانتظام المؤسساتي الاساسي بل عمليات انتاجية وتصديرية اساسية.
واذا كان هذا الحدث يعكس منعطفا كبيرا في الازمة السورية فإنه يتزامن مع انتصارات متسارعة جعلت للجيش السوري وحلفائه اليد العليا ، ويتزامن مع كلام المبعوث الدولي ديمستورا اليوم عن شهر مقبل حاسم سورياً على صعيد الازمة، فيما التصريحات الدولية والاقليمية الاخيرة ، المعلن منها والمسرب، اكدت على فشل المخططات والاعتراف بالامر الواقع من قبل رعاة تاجيج النار في سوريا الذين باتوا اليوم مضطرين للاعتراف ببقاء النظام ورأس الدولة السورية ويدعون من هم تحت رعايتهم الى اعادة النظر والحسابات فالوقائع السورية باتت تفرض نفسها وانشغال هؤلاء بداخلهم وبالخسائر في اكثر من ملف وساحة يضغط عليهم ايضا.
على صعيد زيارة الوفد الوزاري اللبناني الى دمشق فهي حدث نوعي ايضا ينطوي على ابعاد كبرى تثبت ان كل الاحداث لم ولن تنجح في تجاوز حقائق التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا بين البلدين، ولن يستطيع احد فرض وقف التعاون والتواصل والتنسيق لما فيه مصلحة لبنان قبل اي شيء ولن يستطيع تجاوز الاحداث والوقائع والانتصارات.
وكما قال وزير الصناعة حسين الحاج حسن من دمشق فإن اقتصاد لبنان وسوريا مترابطين جغرافياً سواء عبر النقل البري، الترانزيت، تصدير واستيراد وحركة مقاولات، ليضيف ان كل اللبنانيين يعرفون ان الدولة في سوريا ثبتت ويعرفون أن الإرهاب في طريقه إلى الهزيمة الكاملة ومعه المشروع الأميركي – الإسرائيلي. واكد اننا كلنا قناعة أن العلاقات التاريخية السورية اللبنانية هي مصالح عميقة وستستمر ولنا كلبنانيين كل المصلحة في استمرارها.
الزيارة ليس لها المعاني السياسية فقط ولم تكن بهدف الاستعراضات بل حملت التنسيق العملي في تفعيل التعاون والاتفاقيات الثنائية حيث بحثت تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين وخاصة المجالات الزراعية والصناعية في وقت لبنان بحاجة كبيرة ايضا الى اعادة تفعيل هذا التعاون لما فيه مصلحة اقتصادية واجتماعية تضاف الى الحاجة للتنسيق العسكري والامني بين البلدين لا سيما في ظل معارك الجرود ضد ما تبقى من ارهابيين على طرفي الحدود.
ولعل هذه الاحداث والتطورات المتتابعة في سوريا وهذه الزيارة اللبنانية الى دمشق تدفع البعض من المكابرين في لبنان الى اعادة حساباتهم وتشكل دافعا لواقعية اكثر.
المصدر: موقع المنار