“فرنسا مريضة وتقاوم أي محاولة للإصلاح تدري انها ضرورية، وهي غاضبة من نخبتها السياسيّة، لكنها عرضة للإغراءات الغوغائية، وإنها تمر حاليا بأزمة ثقة”. كلمات عبر من خلالها رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق آلان جوبيه عن المرحلة المعقدة التي تشهدها الحياة السياسيّة في فرنسا قبل أقل من أربعين يوماً على موعد الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسيّة في البلاد. الفضائح الماليّة والتجاوزات القانونيّة باتت تطال معظم المرشحين للوصول الى الإيلزيه وعلى رأسهم مرشح اليمين “يمين الوسط” فرانسوا فيون، الذي تلقى اتهاماً رسمياً من القضاء باختلاس أموال عامّة، وهو حدث غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة.
كما ان الاتهامات وجهت أيضا الى زعيمة الجبهة الوطنيّة “اليمين المتطرف” مارين لوبان حول تعديلات ضريبية ووظائف وهمية. الامور لم تقف عند هذا الحد، بل وصلت ايضا الى المرشح المستقل للرئاسة ايمانويل مكارون المتهم بعملية “محاباة” خلال زيارته إلى لاس فيغاس في الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير من العام 2016، عندما كان وزيرا للاقتصاد.
الاعلام والرأي العام الفرنسي يراقب عن كثب كل الحراك الحاصل في البلاد قبيل الإنتخابات التي وصفتها صحيفة الـ”فايننشال تايمز” بالأهم منذ العام 1958 “تاريخ إنشاء الجمهورية الخامسة”.أما الصحف الفرنسية وعلى رأسها “لو باريزيان” فقالت ان هذه الاتهامات الموجهة للمرشحين للرئاسة هي سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الفرنسية، حيث انه لم توجه من قبل اتهامات كهذه لمرشحين للرئاسة خلال فترة خوضهم غمار المنافسة للوصول الى الاليزيه. وتوقفت الصحيفة عند الاتهامات الموجهة الى مرشح اليمين فرانسوا فيون، معتبرة انه بات غير قادر على توحيد صفوف معسكره.
أمّا صحيفة “لو فيغارو” المحافظة فتحدثت عن مواجهة فيون مع القاضي وكيف حاول المرشح للرئاسة نفي ما تم توجيهه اليه من اتهامات، وكيف حاول ايصال رسائل الى القاضي بأن هذه الاتهامات لن تؤثر عليه وبانه واثق من وصوله الى الاليزيه. وكشفت “لو فيغارو” أن فيون يتواصل اليوم مع رئيس حزب الوسط الفرنسي من اجل الحصول على دعمه في الانتخابات.
صحيفة “لو موند” فقد توقفت مطولا خلال الفترة الماضية عند تقدم مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان في استطلاعات الرأي، على الرغم من انها تواجه اتهامات من القضاء الفرنسي بمنح أجور لشخصين مقربين منها مقابل وظائف وهمية في البرلمان الاوروبي، اضافة الى اتهامات بالتعديل الضريبي، وهو ما من شانه بحسب الصحيفة أن يؤثر على صورتها في الانتخابات.
وبالنظر الى المشهد السياسي والانتخابي الفرنسي، فإن الاستنتاج الاقرب الى الواقع هو ان النظام في فرنسا يعيش أزمة حقيقية، مع سقوط الشعارات التي رفعها المرشحون والتي كانت تؤكد على محاربة الفساد وتقديم مقاربة جديدة لادارة الشان العام في فرنسا أمام التهرب الضريبي والوظائف الوهمية. ويبدو ايضا أن انتعاش آمال فرانسوا فيون في البداية ومن ثم تبددها لصالح ايمانويل ماكارون لن تستمر، فالاخير بات متهما هو الآخر بالمحاباة خلال تنظيم لقاء في امريكا مع مقاولين فرنسيين، كما حال مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. وامام هذا الواقع فإن الأمور لن تحسم الا في موعد الانتخاب، وأن اي كلام عن حسم هو سابق لأوانه.
المصدر: موقع المنار + وكالات