ثمة القليل من الاختراعات التي كان لها تأثير كبير على المجتمع المعاصر بقدر ما كان للتلفاز.
كان عدد أجهزة التلفاز في أميركا قبل عام 1947 يعد بالآلاف. أما في التسعينيات فقد قفز العدد بحيث بات أكثر من 98% من البيوت تمتلك جهازا واحداعلى الأقل.
وفي دراسة إحصائية تبين أن المعدل اليومي الذي يمضيه المواطن الأميركي أمام التلفاز يتراوح بين ساعتين ونصف إلى خمس ساعات.
ظهر التلفزيون بداية في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية في 7 سبتمبر من عام 1927 على يد “فيلو تايلور فارنسوورث” وهو مخترع شاب في الحادية والعشرين من العمر كان قد صمم النظام الأساسي. وكان الروسي بوريس روزينغ قد سبقه في إجراء بعض التجارب البدائية لبث الصور قبل ذلك بستة عشر عاما. وقام الإنغليزي جون لوغي بايرد والأميركي تشارلز فرانسيس جينكيز بإجراء تجارب على اختراع التلفاز في العشرينيات من القرن الماضي، وكانت الصورة الأولى التي بثها “فارنورث” عبارة عن خط بسيط. وسرعان ما وجه كاميرته البدائية إلى الدولار، بعد أن سأله أحد المستثمرين : ” متى سنرى بعض الدولارات في هذا الجهاز يافارنورث؟”
استثمرت شركة RCA “مؤسسة الإذاعة الأميركية” التي كانت تسيطر على بزنس الراديو في أميركا مع شبكتها إن. بي. سي 50 مليون دولارا في تطوير التلفاز الإلكتروني، وفي عام 1939 بثت الشركة افتتاحية معرض نيويورك العالمي، بما في ذلك خطاب الرئيس روزفلت الذي كان أول رئيس أميركي يظهر على شاشات التلفزة.
بعد ذلك بدأت الشركة تبيع أجهزة التلفاز البدائية التي كانت تنقل مباريات البيسبول بكاميرا واحدة.
بغضون عام 1949 كان الأميركيون الذين يملكون أجهزة تلفاز قادرين على مشاهدة محطتي أخبار وعدد من البرامج الأخرى.
وفي عام 1947 بدأت لجنة البيت الأبيض المعنية بالنشاطات غير الأميركية تحقيقا حول صناعة الأفلام و شبكة منوعات سوني، هذا في الوقت الذي بدأ جوزف . آر. ماكارثي يندد بما زعم أنه تسلل شيوعي إلى الحكومة عبر التلفاز.
في عقد الخمسينيات من القرن الماضي بدأت برامج التلفزيون والتي سيطرت على شبكتي بث رئيستين إن. بي. سي و سي. بي . إس تبتعد عن برامج الراديو وتقترب من المسرح بشكل كبير. فقد قدمت الشبكتان سالفتا الذكر، موسوعات هامة شأن Kraft Television Theatre عام 1947 و Studio One عام 1948 و Twelve Angry Men عام1954 على سبيل المثال لا الحصر. وسمى النقاد تلك الفترة بالعصر الذهبي للتلفاز.
وبدأت أخبار التلفاز بداية تغطي مؤتمرات الترشيح رئاسة أميركا للحزبين الرئيسين في البلاد. وكانت الأحداث لا تزال في قلب سياسات هناك عام 1952. واستخدم مصطلح Anchorman”” مذيع للمرة الأولى وأطلق على الدور المركزي الذي لعبه والتر كرونكيتس في تغطيته لمؤتمر سي. بي. إس في ذلك العام.
تنامى تأثير الأنباء التي كان يبثها التلفزيون مع نشرة أخبار The Huntely-Brinkley Report على محطة إن. بي. سي عام 1956. ومذاك بدأت الشبكات التلفزيونية في الولايات المتحدة تنتج أفلامها الإخبارية، وتنافس الصحف التي كانت تشكل المصدر الرئيس للأنباء في البلاد آنذاك.
وجاء انتخاب الرئيس الشاب جون إف كينيدي عام 1960 ليوفر الدليل على القدرة التي يمتلكها التلفاز في تأثيره على الرأي العام.
فالمناظرة التلفزيونية الأولى التي جرت بين المرشح الديمقراطي كينيدي والجمهوري ريتشارد نيكسون، أشارت إلى أن من استمع إليها عبر جهاز الراديو من الأميركيين اعتقدوا بأن نيكسون هو الفائز. في حين استطاع أن يتبين من شاهدها على التلفاز بأن كينيدي هو من فاز.
وجاءت تغطية اغتيال كينيدي في 22 نوفمبر من عام 1963 وما تلاها من أحداث ليوفر مزيدا من الدلائل على قوة تأثير التلفاز.
وبات للمذيع “والتر كورنكيت” الذي كان يقدم نشرة أخبار المساء ” إيفنينغ نيوز” على سي . بي . إس، لمدة 19 عاما (1962-1981) شعبية كبيرة ونال احتراما كبيرا واعتبر الشخص الأكثر مصداقية في الإعلام الأميركي ، حتى أنه نال لقب أصدق رجل في أميركا.
وفي عام 1964 بدأ التلفاز يبث بالألوان. وخلال عقدي الستينيات والسبعينيات اقتصر الأميركيون على مشاهدة ما كانت تبثه الشبكات الرئيسة الثلاث: سي .بي . إس .و إن. بي. سي و إي. بي. سي، والتي كانت في سباق محموم لحصد المزيد من المشاهدين والأموال.
وفي عام 1967 نصح تقرير أصدرته لجنة “كارنيج” بإنشاء شبكة تلفزيونية جماهيرية غير تجارية تبنى حول المحطات غير الربحية التي كانت تشتغل مسبقا في أرجاء أميركا.
و في ذلك العام أسس الكونغرس نظام البث الجماهيري. وخلافا للشبكات التجارية التي تمركزت في نيويورك ولوس أنجلوس، بدأ العديد من المحطات الرئيسة لهذا النظام بإنتاج برامج تظهر في الشبكة وتنتشر عبر البلاد.
تفوق نظام البث الجماهيري على جميع المحطات والشبكات التجارية وتألف من أكثر من 300 محطة.
وأما القوة الفعلية التي واجهت سيطرة شبكات التلفاز الثلاث الرئيسة وقدمت للأميركيين مئات القنوات فكان الكيبل الذي بدأ يتسلل بهدوء إلى بعض البلدات المعزولة جغرافيا عن بعضها البعض.
فقد أتاحت االهوائيات الكبيرة التي انتصبت في الأماكن المرتفعة لكل شخص متصل بها الفرصة لاستقبال القنوات المتوفرة في المدينة الأقرب إليه، لكن تطور التلفاز في بلدان مختلفة كان قد اتبع أنماطا عدة. وكانت الحكومة في الغالب هي من تملك بعضا أو معظم أو حتى كل شبكات البث الرئيسة.
ففي بريطانيا العظمى تأسست هيئة الإذاعة البريطانية وسيطرت على البث في البلاد واحتفظت بحق السيطرة على التلفاز حتى ردح طويل من الزمن.
وكانت الحكومة تمول الهيئة من خلال جني الضرائب التي كانت تفرض على شراء أجهزة التلفاز.
وفعلت كندا الشيء ذاته، فقد حرر الدعم الحكومي هيئة الإذاعة هناك من الكثير من الضغوط التجارية. وكانت الهيئة محط إعجاب لناحية جديتها في بث البرامج الإخبارية وأخرى تتعلق بالشأن العام.
أما الحكومة الفرنسية فقد دعمت شبكات التلفزيون الرئيسة، رغم أن هذا الدعم نظر إليه وكأنه يتحيز إلى طرف دون آخر في التغطية الإخبارية.
واستثمر السياسيون الأميركيون هذه الوسيلة لغاياتهم، وتجلى ذلك في رئاسة رونالد ريغان الذي كان هو نفسه ضيفا في برنامج تلفزيوني. حيث رتب له مستشاروه الأمر ليظهر بأفضل مظهر في الاستوديو.
وفي الثمانينيات من القرن المنصرم انتشرت تسجيلات الفيديو كاسيت على نحو واسع. وبات المشاهدون قادرين على تسجيل البرامج ومشاهدتها من جديد. وأتاح لهم الفيديو كاسيت أن يستأجرو الأفلام بغية مشاهدتها في منازلهم، وازداد عدد شبكات البث مع نجاح شبكة فوكس، وتأسيس شبكتي يو. بي. إن و ودوبليو. بي.
ومذاك بات من الممكن أن يشاهد المرء فيديو على شبكة الإنترنت واسعة الإنتشار، وأن يبحث عن البث التلفزيوني على جهاز الكومبيوتر.
المصدر: سكاي نيوز