أعلن رئيس السلطة المستقلة للانتخابات في الجزائر الأحد إعادة انتخاب الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون لولاية ثانية بنسبة تناهز 95% من الأصوات. وقال محمد شرفي إنه من أصل 5,630 مليون صوت مسجل، حصل تبون على 5,320 مليون صوت، أي 94,65% من الأصوات خلال عملية الاقتراع التي جرت السبت.
ولم يقدّم شرفي أرقاما جديدة بشأن المشاركة بعدما أعلن خلال الليل أن “معدل نسبة المشاركة بلغ 48% عند غلق مكاتب الاقتراع” السبت الساعة الثامنة مساء (19,00 ت غ).
وصرح المسؤول أن “العملية الانتخابية عرفت مشاركة واسعة واتسمت بالهدوء والسلمية وبشكل نزيه وشفاف”، مضيفا “نشهد أن البناء المؤسساتي في الجزائر وصل لدرجة النضج الانتخابي”.
وبمجرد إعلان النتائج، ندّد أحمد صادوق، مدير الحملة الانتخابية للمرشح الإسلامي عبد العالي حساني شريف، بها واصفا إياها بـ”المهزلة” و”العبث” و”تشويه لصورة البلد”. وقال “تابعنا الاعلان المهزلة الذي كان منذ قليل باستغراب واستهجان كبير. هذه الارقام المعلنة التي لا علاقة لها بما تم اعلانه أمس خاصة بما تعلّق بنسبة المشاركة ولا علاقة لها بالمحاضر التي لدينا”.
وبحسب الأرقام التي أعلنتها السلطة، فقد تحصل حساني شريف على 178797 صوتا أي بنسبة 3,17%، بينما أكد صادوق ان “محاضر 41 ولاية (من أصل 58) أعطت حساني شريف 328 ألف صوت”.
وسأل صادوق “لماذا لم يتم إعلان نسبة المشاركة بالأصوات الملغاة، وهي رقم رئيسي في إعلان النتائج؟”.
وكانت حملة المرشح شريف ندّدت ساعات قبل اعلان النتائج بـ”أعطاب” شابت الانتخابات. واستنكر فريق حملته “الضغط على بعض مؤطري مكاتب التصويت لتضخيم النتائج”.
كما استنكر “استخدام مصطلح غريب لما سمي بـ+معدل نسبة المشاركة+”، أي متوسط المشاركة في مختلف الولايات. وتحتسب نسبة المشاركة عادة بعدد الأصوات مقسوما على عدد الناخبين المسجلين (24,5 مليون في الإجمال).
وكانت نسبة المشاركة قضية رئيسية في الانتخابات، نظرا لأن فوز تبون لم يكن موضع شك كبير بالنسبة للمراقبين. وإلى جانب المرشح شريف، فإن المرشح الثالث هو يوسف أوشيش، رئيس جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض ومعقله منطقة القبائل (شرق).
فاز تبون بولايته الأولى في انتخابات كانون الأول/ديسمبر 2019 بنسبة 58% من الأصوات ولكن بمشاركة أقل من 40%. وأجري التصويت وسط الحراك الاحتجاجي المنادي بالديموقراطية وتغيير النظام القائم منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1962، ودعت العديد من الأحزاب حينذاك إلى مقاطعة الاستحقاق.
وركّز المرشحون الثلاثة خطاباتهم أثناء الحملة الانتخابية على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، متعهدين العمل على تحسين القدرة الشرائية وتنويع الاقتصاد ليصبح أقل ارتهانا بالمحروقات التي تشكل 95 بالمئة من موارد البلاد بالعملة الصعبة.
ووعد تبون، بالاستفادة من زيادة مداخيل تصدير النفط والغاز، بزيادات جديدة في الأجور ومعاشات المتقاعدين وتعويضات البطالة وببناء مليوني مسكن، فضلا عن زيادة الاستثمارات لإيجاد 450 ألف فرصة عمل وجعل الجزائر “ثاني اقتصاد في إفريقيا” بعد جنوب إفريقيا.
عبد المجيد تبون.. رئيس يريد أن يكون قريبا من الناس
تمكّن عبد المجيد تبون الذي فاز بولاية ثانية كرئيس للجزائر، من تغيير صورته كأحد وجوه النظام إلى رئيس بوجه أبوي بالنسبة لكثيرين. ويعدّ تبون أوّل رئيس جزائري من خارج صفوف جيش التحرير الوطني الذي قاد حرب الاستقلال ضد المستعمر الفرنسي (1954-1962). انتخب رئيسا للمرة الأولى في كانون الأول/ديسمبر 2019، في اقتراع سجّل نسبة مقاطعة كبيرة ووسط الحراك الشعبي المطالب بإسقاط النظام بعد أن نجح في إسقاط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
حاول تبّون ذو الوجه المستدير والشاربين الخفيفين، استيعاب عداء المتظاهرين في التحركات المؤيدة للديموقراطية، مؤكدا أنه يسير على خطى “الحراك المبارك”، شاكرا الشعب على إنقاذ البلاد من الانهيار الذي كانت ستمثله ولاية خامسة لبوتفليقة الذي توفي في أيلول/سبتمبر 2021.
أصدر في بداية ولايته عفوا عن عشرات من سجناء الرأي. لكن حملة القمع تزايدت بعد ذلك فساهمت، مع جائحة كوفيد، في انحسار التجمعات والحراك اعتبارا من ربيع 2020. وانتهى الحراك مع سجن أبرز وجوهه.
ركّز تبّون على التحسن الاجتماعي والاقتصادي الذي حصل خلال حكمه ودوره في انتعاش “ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا” بعد “عقد من حكم العصابة”، في إشارة الى بوتفليقة ومحيطه.
وبالاعتماد على المداخيل غير المتوقعة في الميزانية بسبب ارتفاع أسعار الغاز منذ شباط/فبراير 2022، وعد الرئيس المنتهية ولايته برفع الرواتب ومعاشات التقاعد ومنح البطالة، في مواجهة مطالب الطبقة الوسطى بتحسين قدرتها الشرائية.
لدى وصوله الى السلطة، وصف متظاهرون جزائريون تبّون بأنه “رئيس مزوّر جاء به العسكر”. لكن مع مرور السنوات استطاع ان يكسب قلوب كثيرين ويغيّر صورته. حاول التقرّب من الشعب. وعبّر عن افتخاره خلال مقابلة نشرت في أواخر آذار/مارس بلقب يطلق عليه وهو “عمّي تبون”.
أكد أن علاقته بالشباب “علاقة أبوية”. لكن انتخابات السبت لم تعكس حضورا شبابيا واسعا أمام مراكز الاقتراع، على على عكس المتقدمين الذين عبروا عن “ثقتهم فيه لتحسين وضع البلد”.
ويرى خبراء أن الرئاسة في عهد تبون تحوّلت من مؤسسة وهمية إلى مركز للسلطة الحقيقية، بعد الاضطراب الذي أصابها منذ ان أصيب بوتفليقة بجلطة دماغية في 2013 أقعدته على كرسي متحرك وسببت له صعوبة في الكلام.
وتبون هو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، ويصطحب في عدد كبير من تحركاته ونشاطاته قائد الأركان الفريق أول سعيد شنقريحة، وهو يعتبر أن الجيش الذي دعم سقوط بوتفليقة “هو العمود الفقري للدولة”.
ولد تبون في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1945 بمنطقة المشرية شبه الصحراوية، وسط غرب البلاد، من أب فقيه ومناضل سياسي من أجل الاستقلال، ما اضطره للهروب من مضايقات الشرطة الاستعمارية نحو سيدي بلعباس على بعد 200 كلم.
تخرّج من المدرسة الوطنية للإدارة سنة 1965، وشغل منصب والٍ (محافظ) مرات عدّة خلال الثمانينات، وهو يعتمد في تسيير البلد أكثر على خبرته الطويلة في مختلف مراكز السلطة ومعرفته الجيدة بأجهزتها.
وشغل لفترة وجيزة منصب وزير منتدب للجماعات المحلية في عام 1991 في ظل رئاسة الشاذلي بن جديد، قبل أن يختفي عن الساحة السياسية.
أخرجه بوتفليقة بعد انتخابه في العام 1999 من عزلته وعيّنه وزيرا بحقائب مختلفة حتى العام 2002. وبدأت عشر سنوات أخرى من العزلة حتى عودته في 2012 الى الحكومة، ثم رئيسا للوزراء عام 2017.
لكنه أقيل بعد ثلاثة أشهر بعد تهجمه على رجال الأعمال الذين يدورون في فلك الرئيس ويستحوذون على كل الصفقات الحكومية، وغالبيهم اليوم موجودون في السجن بتهم فساد تتعلق بهذه الصفقات.
وتخلّى الرئيس التاسع للجزائر، الأب لثلاثة أولاد وبنتين، عن التدخين بعد إصابته بفيروس كورونا في تشرين الأول/أكتوبر 2020 ونقله للعلاج في مستشفى بألمانيا.
المصدر: مواقع