يمكن الحديث عن تحقق عناصر النصر، الذي سيعلن بوقف قهري متوقع لإطلاق النار سيفرض على الاحتلال بعد أن تطلق المقاومة الطلقة الأخيرة خلال اليومين المقبلين. إذ إن عملية “طوفان الأقصى” قد حققت أهدافها العملياتية، ومهدت لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، وهي تمتلك رصيدًا يخولها المطالبة بأكثر من تحرير الأسرى، حماية الأقصى وفك الحصار…
فالمقاومة قامت بما لم يكن متوقعا في مقاييس الحرب والقتال: تدمير فرقة غزة التابعة لجيش الاحتلال بالكامل، خمسة آلاف جندي وضابط صهيوني بين قتيل وجريح وأسير. إن ذلك هو إنجاز قوة ضاربة إساسها وحدات من كتائب “القسام” مدعومة بفصائل “سرايا القدس” ومجموعات فصائل المقاومة لم يتجاوز عديدها الألف مقاتل. هي الضربة الأقسى على الاحتلال منذ نشأته تفوق خسارته في حرب أكتوبر ولا بد من أن تليها إنجازات سياسية.
الضربة المزلزلة أفقدت كيان الاحتلال صوابه، وأصبح نتنياهو جثة سياسية هامدة يستجدي الدعم، ويُفرض عليه تشكيل حكومة ائتلافية تطيح كل مشروعه السياسي وبرنامجه الذي أراد تنفيذه بالتحالف مع اليمين الصهيوني المتطرف. فمصيره إما السجن أو الهرب والهجرة المعاكسة من الكيان المؤقت. أما وصول حاملة الطائرات الأميركية فهو دليل على عجز الدولة المصطنعة و”جيشها الذي لا يقهر” في مواجهة فصائل مقاومة مسلحة في بقعة جغرافية محدودة، ويضعها في مصاف أوكرانيا الفاشلة القائمة فقط بفضل الدعم الاميركي والغربي. ومن المستبعد في الظروف الدولية والداخلية الأميركية أن تشارك الولايات المتحدة في الحرب على الأرض، فأمام الأمريكيين انتخابات رئاسية والتورط في الشرق الأوسط (المنطقة الأكثر تعقيداً في العالم والتي أرادوا تخفيف وجودههم وتقليص خسائرهم فيها) في حرب شاملة يشغلهم عن هدفهم الأساسي في مواجهة الصين وتصفية الحسابات مع روسيا في مسرح العمليات الميداني الأوكراني.
ومن بديهيات المشهد استفادة الصين وروسيا بسرور من غباء السياسة الأميركية. فالصين وروسيا فرحتان بهذا التطور غير المتوقع. مع الأخذ بعين الاعتبار مفارقة أن موسكو تفضل وجود نتنياهو الفاسد بعلاقاته المتميزة مع القيادة الروسية (ذلك برغم الدعم الذي يقدمه الكيان لنظام كييف)، على وصول أصدقاء بايدن والإدارة الأميركية الحالية إلى الحكم في الكيان الصهيوني.
بيد أن الرئيس بوتين، وبرغم علاقته بنتنياهو، أتيحت له الفرصة لتسجيل النقاط على الإدارة الأميركية، وسحب زمام المبادرة الدولية منها وإظهار فشلها وتخبطها.
في التكتيكات الميدانية لمواجهات عملية طوفان الأقصى يمكن القول:
بعد دخول المرحلة الثانية للعملية، وفيها العديد من التعقيدات:
أولاً: القوة الضاربة لكتائب القسام وفصائل المقاومة أتمت انسحابها بنجاح إلى داخل القطاع، وتمكنت من نشر مجموعات خاصة صغيرة وعديدة على نحو كاف لإشغال قوات الاحتلال التي تحاول إعادة تجميع تشكيلاتها الهجومية.
ثانياً: كرست المقاومة ولا تزال تكرس عديدًا من المعادلات.
العامل الثاني الذي فرضته المقاومة هو التهجير مقابل التهجير وتمكنها من توجيه ضربات موجعة مثل استهداف عسقلان وإشغال العدو في عدة مناطق مع توفر القدرة لديها على الاستمرار والقتال وإطلاق الصواريخ والتهديد بإدخال صواريخ جديدة أكثر قدرة ودقة وقوة تدميرية إضافة للجاهزية القتالية والإمساك بالأرض في قطاع غزة على الرغم من التدمير الهمجي الذي لجأ إليه العدو… كل هذه العوامل تجعل من قرار القيام بعملية برية ضد قطاع غزة نوعًا من الانتحار نظراً لكلفته العسكرية والبشرية الباهظة.
هذا وفي ظل الظروف الكارثية، التي يعيشها سكان القطاع الذين يتعرضون لابتزاز بشع من قبل الاحتلال، وفي ظل تخاذل عربي ودولي مقرف، تضع المقاومة نصب أعينها في أي معادلة تلي وقف إطلاق النار، مهمة توفير الاحتياجات المعيشية لأهلها.
ثالثاً: جبهة الشمال
طوال اليومين الماضيين تواصلت الاتصالات لطمأنة حزب الله وتحييده عن المواجهة. وجاء بيان المقاومة الاسلامية في لبنان واضحاً – رد أولي وإذن شرعي بالقتال حسب ما تقتضيه ظروف المواجهة مع الوقوف المعلن مسبقاً إلى جانب شعب غزة وفلسطين ومقاومتها المقرون بتهديد العدو من التمادي في استخدام القوة ضد المدنيين. فأولاً، ضرب مواقع الاحتلال في مزارع شبعا المحتلة، رويسة العلم، السماقة ورمتا في مزارع شبعا المحتلة والرد على استشهاد المقاومين بدك ثكنتي “برانيت” و”أفيفيم”، وكذلك استهداف آليتين بصواريخ “حزب الله” الموجهة خلال المواجهة المستمرة.
أما تسلل مجموعات مقاومين إلى الداخل من الشمال، فهو تهديد صريح بأن الحدود أصبحت مفتوحة و”حزب الله” لن يقف حارساً لحدود الكيان المحتل وأمنه. ما يجري الآن في الجبهة الشمالية هو تدخل تكتيكي تحذيري لـ “حزب الله” يسهم في تحقيق نصر “كتائب القسام” أولاً ومعها “سرايا القدس” وفصائل المقاومة الفلسطينية المشاركة. أما التدخل الإيراني المباشر فهو مستبعد ومرتبط بارتكاب نتنياهو غباوة وهروبه إلى الأمام وضرب إيران مستغلاً الوجود الأميركي. وهذا يعني حربًا شاملة وخلط أوراق إقليميًا ودوليًا يغير الخريطة الجيوسياسية على نحو جذري.
لقد آن الأوان للحديث عن اليوم الذي يلي انتصار “طوفان الأقصى”. فهذا الكيان الغاصب لن يعود كما كان والأميركي بحاجة لإعادة النظر في جدوى سياساته الفاشلة وتغيير حساباته في المنطقة.
كما المقاومون في غزة يتوقون للالتحام المباشر مع العدو و ينتظرون تهور الاحتلال و الدخول في حرب برية لابادة قواته، إن رجال حزب الله كذلك يتوقون لدخول الجليل، لذلك نحن امام احتمال استيعاب العدو لهزيمته مع محاولة تجميلها من خلال التدمير و القتل و ادعائه الخروج بانجاز.
المصدر: موقع المنار