فوض المجلس الوزاري المصغّر في الكيان الصهيوني، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير حربه يوآف غالانت، اتخاذ خطوات تستهدف المقاومين الفلسطينيين و”مرسِليهم”، في محاولة منه لمواجهة العمليات في الضفة الغربية. وهو قرار يعني بشكل مباشر استئناف سياسة الاغتيالات، في الاراضي الفلسطينية المحتلّة عامّة، أو الخارج ضدّ “المرسلين”.
القرار الذي كان متوقعاً وخاصة تحت ضغط شركاء نتنياهو في الائتلاف، وتحديداً من اليمين المتطرّف ، اريد منه الانتقام وتدفيع الأثمان مع ادراك متخذيه انه قد لا يغير من واقع الحال شيئا ولكن قرر متخذوه تنفيذه منعاً للوقوف بلا حراك أمام موجة العمليات الأكبر منذ سنوات، وحماية للحكومة الحالية من الانتقادات .
استهداف المرسلين
لطالما تحدث نتنياهو والقادة الصهاينة عن سياسة الاغتيال ولطالما هددوا بتنفيذ عمليات اغتيال ضد المقاومين في الضفة ولكن التطوّر في القرار الوزاري المصغّر، هو الحديث عن استهداف “المرسلين”. الذي بدوره ينقسم إلى أجزاء: مرسلون من غزة؟ أو من لبنان؟ أو من سوريا؟ أو من دول اخرى؟ هذا ما يتعلّق بالساحات. ولكن هناك ايضا ما يتعلق بالجنسيات فهل المرسلون هم فلسطينيون، أو إيرانيون، أولبنانيون؟
مع ذلك، تبدو الأمور تراتبية، سواء كان التقسيم جغرافياً أو وفقاً للجنسيات. والتراتبية، هي التي يتوقّع أن يلجأ إليها العدو، في حال قرّر السير قدماً في سياسة الاغتيال، بما يتعلّق بالخارج، أو في داخل فلسطين .
محرر الشؤون العبرية في قناة المنار: احتمالية تنفيذ عملية اغتيال في الضفة
الضفة الغربية خيار لا يغير الواقع
لا جديد في القرار الصهيوني بما يتعلّق بالأراضي المحتلّة، وتحديداً في الضفة الغربية، إذ إنّ المقاومين على لائحة أهداف الكيان، سواء ما يتعلّق بمنفّذي العمليات أو أصحاب التأثير والقرار لديهم، وهي سياسة متّبعة منذ فترة ليست بقصيرة ورغم محاولة حكومة نتنياهو زيادة الحزم بما يتعلّق بعمليات توغّل داخل المدن والمخيمات الفلسطينية، وتحديداً في شمال الضفة، إلا أنّ الخشية من دفع الثمن، منعت الجيش الصهيوني عن استكمال توغّلاته، فارتدّت الأمور عليه سلباً.
وعلى هذه الخلفية، يبيح الجيش الصهيوني لنفسه في الضفة الغربية، ما يريد، دون التوغّل البرّي والاجتياحات التي تدرس جيداً قبل خروجها إلى حيّز التنفيذ، فيما ينكفئ عن معظمها، خشية كلفتها العالية. لكن فيما يتعلّق بما عدا الاجتياحات، كلّ شيء متاح، ليس فقط المنفّذين، بل وأيضاً عائلاتهم، وأصدقائهم، ومسؤوليهم المباشرين والمؤثّرين فيهم، وكذلك البيئة الدافعة المحرضة، إلى الحدّ الذي وصل به العدو أن يعتقل أصحاب كتابات وتغريدات، قد يرى فيها تحريضاً ما، في حال الحديث عن الاحتلال وعن القضية الفلسطينية..
غزة.. رهان السكوت غير وارد
يُستبعَد في هذه المرحلة، ترجمة قرار حكومة نتنياهو في قطاع غزة. وإن كان الاستبعاد غير كامل فسبق لنتنياهو أن نفذ عملية اغتيال لقادة الجهاد الاسلامي استدعت ردا من الجهاد في غزة عبر اطلاق صواريخ وصلت الى قلب الكيان الصهيوني، ومنعت نتنياهو من فرض قواعد جديدة بل استطاعت ان تثبت قواعد الاشتباك الموجودة، وهي ان أي عملية اغتيال لمقاومين في غزة فان الصواريخ ستنطلق مباشرة نحو الكيان، لذلك فان الرهان على إمكان سكوت المقاومة في القطاع وعدم ردّها على عملية الاغتيال، هو رهان في غير محلّه، وفي حدّ أدنى، المخاطرة كبيرة في أن يتسبّب ذلك بمواجهة كبيرة، في حال تدحرجت الردود العسكرية من الجانبين لتصل الى تفعيل معادلة وحدة الساحات، وهي آخر ما يريده الكيان في هذه المرحلة.
سوريا.. الفائدة اقل من الكلفة
تعتبر الساحة السورية هي الساحة الاقل ضررا بالنسبة للكيان الصهيوني في حال نفذ عملية اغتيال على اراضيها، حيث يتعاطى الكيان مع الساحة السورية على انها “خاصرة رخوة” وان تنفيذ عمل امني او عسكري فيها ستكون مخاطره في اندلاع حرب شاملة أقل من غيره من الساحات، ولكن تبقى الامور مفتوحة جدا فقد تكون الفائدة أقل من الكلفة، وإن كان في هذه الطبقة اختلاف في توقّع ردّات الفعل ربطاً بهوية المستهدفين التنظيمية، إذ يعتبر البعض في الداخل الصهيوني ان ردة الفعل ستكون محدودة ربطا بالاحداث السابقة وردات الفعل السابقة، ومنها ما يخشى أن يؤدّي إلى ردّة فعل غير مناسبة ومحفوفة بالمخاطر. لكنّ ردّة الفعل ستكون حاضرة لدى اتخاذ القرار في تل أبيب، وهو ما سيؤثّر في القرار وتنفيذه، مسبقا.
لبنان ومعضلة الرد
توقفت وسائل اعلام عبرية عند كلمة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الاخيرة في ذكرى التحرير الثاني، حيث اعتبرت القناة 12 العبرية ان السيد نصرالله رد على تهديدات نتنياهو، محذرا من ان حزب الله سوف يرد بقوة على أي عملية اغتيال ينفذها الكيان الصهيوني على الاراض اللبنانية، وان أي عملية اغتيال تطال لبنانيا او فلسطينيا أو سوريا او حتى ايرانيا او غيرهم سيكون له رد فعل قوي ولن يسمح بتغيير قواعد الاشتباك القائمة، وفي هذا السياق اعتبر مراسل الشؤون العربية في قناة كان روعي كايس ان السيد نصرالله يعطي دعما للمقاومة في الضفة وغزة، مضيفا انه لن يسمح بأي شكل من الاشكال أن يتحول لبنان الى ساحة اغتيالات.
معضلة الكيان الصهيوني في أنّ الشخصيات التي يؤدّي اغتيالها المطلوب منها، موجودة في الساحة اللبنانية، ما يعني، احتمالا معتدّا به، وربّما أيضاً موثوقا، أن يتلقّى الكيان من حزب الله رداً على أيّ عملية تستهدف أيّ من هؤلاء. وهي معضلة، كونها قد تؤدّي إلى ثمن أعلى بكثير من الفائدة التي يرجى منها. ما يعني ضرورة موازنة أيّ فعل، قبل الإقدام عليه.
قد يكون من المستبعد أن تلجأ “إسرائيل” إلى عمليات اغتيال صاخبة في لبنان، أوعمليات أمنية، رغم أنّ الاستبعاد غير كلّي. لكن في الوقت نفسه، التقدير السائد في تل أبيب، لجهة نيّات حزب الله للإضرار بها، عالية جداً، ما يعني أنّ الاستهداف وإن كان أمنياً، في لبنان، سيعني احتمالا أعلى بكثير من أيّ مرحلة ماضية لتلقّي رد موزون ومتناسب من حزب الله، بل ويزيد، وقد تكون هذه هي الفرصة التي تنتظرها قيادة الحزب.
محرر الشؤون العبرية في قناة لمنار حسن حجازي: قد يستخدم الكيان الصهيوني ساحات مختلفة لتنفيذ عملية اغتيال
الخلاصة
ان معضلة الكيان المؤقت، متأتية من أنّ عملية الاغتيال مطلوبة مع ضجّة تصحبها، إذ إنّها تأتي في سياق وهدف التأثير في الوعي الجمعي للصهاينة، بالاضافة لاستعادة ردع مفقود وكلّما كانت العملية صاخبة أكثر، كلّما حقّقت أكثر من أهدافها وبمستويات مرتفعة. لكن في الموازاة، فان الزمان والمكان، لا يسمح في معظم الساحات (باستثناء الضفة ربما) بأن تكون عمليات الاغتيال صاخبة، ما يدفع إلى عملية أمنية بلا بصمات واضحة. ما يقلّل من تأثير العملية نفسها في الوعي الجمعي للصهاينة، وإن كان ذلك لا يحول دونها.
المصدر: موقع المنار