في الوقت الذي يحتفل به الأتراك في الذكرى 952 لمعركة ملاذكرد الشهيرة، في 26 أغسطس/ آب 1071، برز إلى الواجهة ملفت قبرص التركية، والتي لا تقل أهمية تاريخية للأتراك، نظراً لإرتباطها بالتاريخ الإسلامي لتركيا.
وقعت معركة ملاذكرد في 26 أغسطس/ آب 1071، وتمكن فيها السلطان السلجوقي ألب أرسلان من هزيمة الجيش البيزنطي بقيادة الإمبراطور رومانوس الرابع ديوجينيس. وفتح انتصار السلاجقة بقيادة ألب أرسلان الطريق أمام الأتراك للتقدم في آسيا الصغرى، التي باتت تعرف حاليا باسم تركيا، وشكل منعطفا تاريخيا في المنطقة.
وبالنسبة إلى قبرص، فقد أشعل مشروع بناء طريق بيله – يغيتلر، الجزيرة المقسمة بين شطرين، شمالي تركي، وجنوبي يوناني.. هذا الطريق الذي تؤكد خارجية قبرص التركية أنه لأسباب إنسانية بحتة بهدف توفير وصول سهل للقبارصة الأتراك من بلادهم إلى قرية بيله الواقعة على الخط الأخضر الخاضعة لسيطرة الأمم المتحدة، كما يسهل وصول السكان إلى أراضي المنطقة دون الاعتماد على المنطقة السيادية البريطانية، ولتنمية المنطقة اقتصاديا.
رئيس قبرص الشمالية إرسين تتار، يؤكد ان القبارصة الأتراك، عندما يريدون التحرك من وإلى جمهورية شمال قبرص التركية، من خلال القواعد البريطانية، بما يشمل حالات المرض والطوارئ، فإن الرحلة تستغرق ساعة وساعتين رغم أنه من المفترض أن تستغرق خمس دقائق فقط.
ويمكن للقبارصة اليونانيين الوصول إلى القرية بسهولة من قبرص الجنوبية، في الوقت الذي يعاني فيه القبارصة الأتراك في وصولهم إلى قبرص الشمالية.
وقرية بيله، تقع ضمن الخط الأخضر، ولها وضع خاص، فمن ناحية أمنية فإن المسؤولية تقع على عاتق قوة حفظ السلام الأممية، أما بالنسبة للوضع الإداري الفعلي، فإن الأتراك يخضعون لقوانين جمهورية شمال قبرص التركية، بينما يخضع اليونانيون لقوانين قبرص اليونانية.
وهذه القرية مختلطة يعيش فيها اليونانيون والأتراك معا، ويقدر عدد السكان بـ1700 نسمة، 1200 يوناني، و500 تركي. وتضم 3 كنائس ومسجدا واحدا، وتقع على بعد 12 كم من لارنكا، وتتم عملية النقل من قبرص الشمالية إلى بيله، عبر بوابة بايارمودو الحدودية.
وكانت وزارة الخارجية التابعة لقبرص الشمالية، أبلغت الأمم المتحدة قبل نحو عام، أن مشروع الطريق سيمر أيضا في المنطقة المحايدة، وقد تم إنهاء أعمال 7 كم على مسار قبرص الشمالية، من الطريق الذي يبلغ طوله 11 كم ما بين قريتي بيله ويغيتلر.
وزعمت حكومة قبرص اليونانية، بأن الأتراك يشقون طريقا من قاعدة عسكرية إلى بيله، وأنهم يسعون للاستحواذ على المنطقة الواقعة في المنطقة المحايدة، ومشروع الطريق هو عسكري.
وقالت وزارة الخارجية التركية الثلاثاء إن مجلس الأمن الدولي بإدانته للحادث الذي وقع الجمعة في قبرص لم يراع ما يجري على أرض الواقع بعد اعتداء قوات قبرصية تركية على عناصر لحفظ السلام حاولوا منع شقّ طريق في المنطقة العازلة بين شطري الجزيرة.
وقالت الخارجية التركية إنّ “البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي منفصل بالكامل عن الواقع على الأرض”. وأضافت “بدلًا من تقديم مساهمة إيجابية للقضية، فإنّ البيان يجعل العملية أصعب”.
وقالت الخارجية التركية في بيانها إنّ “الإشعار المتعلّق بأعمال الطريق تمّ تقديمه قبل وقت طويل. في ضوء ذلك، فإنّ تدخّل جنود قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص في أعمال بناء الطريق هو الذي سبّب التوتّر”.
والمواجهة التي وقعت الجمعة هي أحد أخطر الحوادث منذ سنوات في الجزيرة المتوسطية، واثارت ردود فعل دولية شاجبة. وقعت الحادثة في قرية بيلا التي يسكنها قبارصة يونانيون وأتراك في المنطقة العازلة الخاضعة لرقابة الأمم المتحدة بين جمهورية قبرص المعترف بها دولياً والتي تسيطر على جنوب الجزيرة و”جمهورية شمال قبرص التركية” المعلنة من طرف واحد في الشطر الشمالي ولا تعترف بها سوى أنقرة.
وقالت الأمم المتحدة إن أربعة عناصر من قوات حفظ السلام أصيبوا وتضررت آلياتهم أثناء محاولتهم منع “أعمال بناء غير مرخص لها” قرب بيلا.
بالفيديو | جرافات قبرصة تركية تزيل شريطاً شائكا وضعته الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين شطري الجزيرة
في ختام جلسة مغلقة الاثنين، دان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الهجمات على عناصر حفظ السلام “التي يمكن أن تشكّل جرائم بموجب القانون الدولي”. وقالت الدول ال15 الاعضاء في مجلس الامن الدولي ان “هذا الإجراء يتعارض مع قرارات مجلس الأمن ويشكّل انتهاكاً للوضع القائم في المنطقة العازلة التابعة للأمم المتحدة”.
وقال جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في تموز/يوليو إن “حل القضية القبرصية وفقا لقرارات الأمم المتحدة سيكون مفتاح إعادة التواصل مع تركيا”.
ويتهم اتهم القبارصة الأتراك الأمم المتحدة بالتحيز ضدهم في نزاع بسبب مشروع لتعبيد طريق ترتبت عليه أخطر حوادث التوتر منذ سنوات في الجزيرة المقسمة عرقيا؛ في الأسبوع الماضي. وقالت وزارة خارجية شمال قبرص التركية في بيان إن “الحادث الأخير كشف مرة أخرى الموقف المتحيز لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص”. ويقول القبارصة الأتراك والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن تصرفات قوات حفظ السلام غير مقبولة وإن مشروع الطريق ضروري.
بالفيديو | عمال أتراك يتصدون للقوات الدولية التي كانت تريد منع إقامة الطريق
وتريد السلطات القبرصية التركية تعبيد طريق يربط مباشرة قرية بيلا الواقعة في المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة بأراضي قبرص التركية. وتقول الأمم المتحدة والجانب القبرصي اليوناني إن المشروع انتهاك فعلي للمنطقة العازلة.
وفي المقابل قالت وزارة الخارجية القبرصية في بيان إن القبارصة اليونانيين الذين يديرون حكومة معترف بها دوليا ويمثلون قبرص في الاتحاد الأوروبي يعتقدون أن استمرار العمل في المنطقة قد لا يؤثر سلبا على محاولات استئناف محادثات السلام فحسب “وإنما على مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا أيضا”.
وقبرص جزيرة صغيرة متنازع تاريخيا على هويتها وتبعيتها بين تركيا واليونان، يدور على أرضها صراع سياسي بين المكونين الرئيسيين لسكان الجزيرة، وهما القبارصة ذوو الأصول اليونانية والقبارصة ذوو الأصول التركية.
وتتألف الجزيرة القبرصية حاليا من دولتين مستقلتين، إحداهما معترف بها وعضو في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وهي الجمهورية القبرصية وعاصمتها نيقوسيا، ومقامة على 65% من مساحة الجزيرة، والثانية مستقلة لكن غير معترف بها سوى من تركيا وتسمى “جمهورية شمالي قبرص التركية” ومقامة على 35% من بقية مساحة الجزيرة.
وسيطر الأتراك العثمانيين في عهد السلطان سليم الثاني (1524 – 1574 م) وهو ابن السلطان سليمان القانوني، على جزيرة قبرص بالكامل، عام 1571. ثم عاد العثمانيون وتنازلوا عن إدارة الجزيرة لبريطانيا عام 1878 بموجب معاهدة. لكن بريطانيا ألغت المعاهدة مع بداية الحرب العالمية الأولى.
عام 1974، واثر انقلاب عسكري في قبرص، دخلت القوات التركية وسيطرت على ثلث الجزيرة الشمالي، لحماية القبارصة الأتراك، رداً على الانقلاب المدعوم من السلطات العسكرية التي كانت حاكمة آنذاك في اليونان، وبعد قيام منظمات قبرصية يونانية متطرفة بارتكاب جرائم ومذابح جماعية عديدة ضد القبارصة الأتراك منذ عام 1963 حتى منتصف عام 1974.
المصدر: مواقع