د. سلام العبيدي*
من بين أولائك اليابانيين الذين نجوا من القصف الذري لكل من هيروشيما وناغازاكي، لا يزال على قيد الحياة أكثر بقليل من مائة شخص فقط. لكن قصصهم عن الكابوس الذي عاشوه لا تزال تقشعر لها الأبدان.
حتى قبل أقل من عامين، كانت قلة من الناس تعتقد أن الحرب النووية ممكنة. لكن مواجهة اليوم بين روسيا والغرب الجماعي على خلفية الصراع في أوكرانيا تعيدنا إلى زمن سباق التسلح النووي في ذروة الحرب الباردة. فهل هناك تهديد باستخدام الأسلحة النووية في الصراع الأوكراني أم لا؟
موسكو تؤكد أنها لن تستخدم الأسلحة النووية أولا. في الوقت نفسه، تحذر من أن اللجوء اليه يظل خيارا محتملا في حالة نشوء تهديد وجودي لروسيا كدولة. أما سلوك الغرب الجماعي في الصراع الأوكراني فيشير إلى رغبته في إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وبالتالي يشكك في استمرار وجود روسيا كدولة عظمى موحدة. في غضون ذلك، تسعى أوكرانيا الى إعادة بناء قدراتها النووية. وعلى أقل تقدير، فإنها تملك اليوم ما يلزم من المواد المشعة والخبرات العلمية والتكنولوجية لتحضير ما يسمى “القنبلة القذرة” أو “قنبلة الفقراء الذرية”.
الى جانب ذلك، فإن خطر استخدام الأسلحة النووية أو غيرها من الأسلحة المشعة لا يقتصر على الصراع الأوكراني وحده. إن تدهور العلاقات الدولية وما يرتبط به من نظام للضوابط والتوازنات، الذي تم إنشاؤه لعقود يمكن أن ينهار بين عشية وضحاها، ويؤدي بدوره إلى الانهيار الكلي للنظام العالمي مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب، قد تصل الى اندلاع حروب إقليمية في أجزاء مختلفة من العالم، حتى باستخدام أسلحة غير تقليدية. على سبيل المثال، بين إسرائيل وإيران، وبين باكستان والهند، وأخيرا في شبه الجزيرة الكورية. مثل هذه التوقعات القاتمة تجعلنا نفكر في كيفية حماية سكان المناطق التي يكون فيها الصراع النووي ممكنا. وبشكل عام، يجب أن يعرف الناس كيف ينقذون أنفسهم إذا حدثت حرب نووية غدا. بعد كل شيء، فإن الغالبية العظمى من دول العالم لم تتعامل بجدية أبدا مع قضايا إعداد مواطنيها لمثل هذا السيناريو الدرامي. على ما يبدو، يعتقد الجميع أن أحداً لن ينجو في حالة وقوع كارثة نووية كونية. وهذا ليس صحيحاً!
لدى دول النادي النووي مجتمعة أكثر بقليل من 12 ألف و 500 رأس نووي**. تقديرات العلماء تشير الى أنه يحتاج الى 21 ألف رأس نووي لتدمير الكرة الارضية بالكامل (إنهاء مظاهر الحياة عليها). في سبيل المقارنة، وصل عدد الرؤوس النووية في العالم في ذروة الحرب الباردة الى أكثر من 60 ألفا، أي ما كان يكفي لتدمير المعمورة ثلاثة مرات. من هنا، يمكن الاستنتاج ان ثمة من يخطط لحرب نووية. إن إستخدام السلاح النووي، حتى إذا إستعملت كل الرؤوس النووية المكدسة حاليا، فإن ذلك لن يؤدي الى فناء العالم. بعبارة أخرى، أن من لا يستبعد اللجوء الى الخيار النووي، بالتأكيد يفكر في الانتصار في الحرب النووية.
كيف نحمي أنفسنا من “القنبلة القذرة”، أو الأسلحة النووية، أو من حادث في محطة للطاقة النووية؟
تعد الأسلحة النووية أكثر أنواع أسلحة الدمار الشامل فتكاً. يمكن وضع الشحنات (الرؤوس) النووية على أنواع مختلفة من الصواريخ والطوربيدات والقنابل وقذائف المدفعية التي تملكها دول النادي النووي. من الممكن أن يفهم أن سلاحا نوويا قد استُخدم، فقط بعد الانفجار مباشرة وتلقي بيانات رسمية عن التلوث الإشعاعي للمنطقة.
جهاز التشتيت الإشعاعي – هكذا يطلق على “القنبلة القذرة” – هو في الواقع عبوة ناسفة مزودة بمواد مشعة. بعد تفجير العبوة يتم نشر وتشتيت المواد المشعة بواسطة موجة الانفجار.
إتبع الارشادات التالية***:
في حالة استخدام الأسلحة النووية أو “القنبلة القذرة” أو وقوع انفجار في محطة للطاقة النووية، يجب اتباع القاعدة الرئيسية: عندما تسمع صفارات الإنذار، اذهب إلى الملجأ.
قم بتشغيل المذياع أو التلفاز أو استخدم الإنترنت لتلقي تنبيهات حول التهديد الداهم وحول الإجراءات الوقائية.
يفترض ان تزودك بالمعلومات الضرورية خدمة الطوارئ الحكومية أو هيئة الأركان العامة (وزارة الدفاع) أو الشرطة أو السلطات المحلية على الصفحات الرسمية لمواقعها الإلكترونية وشبكاتها الاجتماعية من خلال القنوات الرسمية.
ومع ذلك، هناك احتمال كبير ان تتعطل خدمات الإنترنت والاتصالات في منطقة الاصابة بالأسلحة النووية، وينقطع التيار الكهربائي. لذلك، تأكد مسبقاً من أن لديك مذياعا يعمل بالبطاريات. قد تكون هذه هي الوسيلة الوحيدة للاتصال في حالات الطوارئ.
✓ إذا وقع انفجار نووي في الشارع ولاحظت وميضا في السماء (أو انعكاسه على الأسطح)، لا تنظر في إتجاه الانفجار بأي حال من الأحوال. هذا محفوف بحروق في قرنية العين والعمى الوميضي او حرق العينين كليا.
إنبطح على الأرض. حاول العثور على حفرة أو حافة يمكنك الوصول اليهما خلال ثوان قليلة، للاختباء من موجة الصدمة والحطام.
✓ حاول تغطية جميع الأجزاء المكشوفة من الجسم: إستلقِ مع وضع قدميك في اتجاه الانفجار، ووجهك لأسفل، وضع يديك تحتك لحمايتهما من الحروق والإصابات.
✓ إذا أمكن، قم بتغطية أذنيك بسماعات الرأس – هذا سيحميك من الرضح الضغطي.
✓ قم بتغطية الفم والأنف بقناع، أو قطعة قماش من الملابس أو منديل، والتنفس من خلالهم. ومع ذلك، فإن هذه الوسائل العشوائية لا يمكن أن تحمي تماما من الاختراق الإشعاعي للجسم، لذلك من المهم الوصول إلى الملجأ في أسرع وقت ممكن.
✓ قف على قدميك في أول فرصة واركض في اتجاه أقرب ملجأ بعد مرور موجة الانفجار جراء استخدام الأسلحة النووية.
✓ من الضروري الاسراع الى الملجأ، آخذاً في نظر الاعتبار اتجاه الريح. إذا هبت الريح من جهة مركز الانفجار، تحرك عموديا (يسارا أو يمينا) بالنسبة لاتجاه الريح. خلافا لذلك، تحرك ضد الريح.
المعيار الرئيسي للعثور على مأوى هو قرب موقعه وسرعة الوصول اليه. إذا لم يكن هناك مأوى مجهز بشكل خاص في مكان قريب، فإن الطابق السفلي أو مركز المباني الخرسانية الكبيرة مع حد أدنى من النوافذ والأبواب هو الملجأ الأنسب. إنظر الى الرسم التوضيحي لمعرفة مرافق المبنى حيث يكون من الأسلم الاختباء في حالة استخدام الأسلحة النووية****.
✓ قبل الدخول إلى الملجأ، قم بإزالة الطبقة العليا من الملابس (الملابس الخارجية). يمكن أن يؤدي ذلك إلى القضاء على ما يصل إلى 90 ٪ من التلوث الإشعاعي وتقليل الوقت الذي تتعرض فيه للإشعاع. لمنع تشتت الغبار المشع، كن حذرا جدا عند خلع ملابسك، حاول تجنب ملامسة الجلد للملابس الملوثة. ضع الملابس في كيس بلاستيكي أو وعاء محكم الغلق. سيكون الخيار الأفضل هو تغيير الملابس تماما وتطهير التلوث في أسرع وقت ممكن (انظر ادناه).
✓ تأكد من عدم دخول الهواء الخارجي إلى الغرفة التي تستخدمها كمأوى. أغلق جميع النوافذ والأبواب وفتحات التهوية وأوقف تشغيل مكيف الهواء والمدفأة. إذا أمكن، اذهب إلى غرفة لا توجد بها نوافذ.
✓ إعزل نفسك عن الآخرين في الغرفة، لا تلمسهم. هذا يمكن أن يسبب إنتقال التلوث الإشعاعي من شخص لاخر.
✓ لا تأكل ولا تلمس أي شيء يمكن أن يكون تحت تأثير التلوث الإشعاعي.
✓ قم بإجراءات تطهير التلوث – إجراءات لتطهير التلوث الإشعاعي للجسم والأسطح والأشياء التي تتلامس معها.
✓ يمكن استخدام ماء الصنبور لإزالة التلوث الإشعاعي من الجلد والأسطح، إذا لم تكن هناك تعليمات رسمية تحظر استخدامه!
✓ من المستحسن أن تأخذ حماما فاترا باستخدام المنظفات. تجنب الاحتكاك (الفرك) القوي للجلد: يمكن أن يؤدي ذلك إلى تلف الجلد ودخول النويدات المشعة (الذرات المشعة) إلى الجسم.
✓ إذا لم يكن من الممكن الاستحمام، اغسل جميع مناطق الجلد المكشوفة، وخاصة اليدين والوجه. استخدم الصابون والكثير من الماء. لا تفرك الجلد في الأماكن التي توجد فيها خدوش أو جروح لمنع النويدات المشعة من دخول الجسم. إذا لا يمكنك الوصول إلى الماء على الإطلاق، إستخدم قطعة قماش مبللة أو قطعة أو منشفة ورقية مرطبة. امسح جميع مناطق الجلد المكشوفة جيدا.
✓ امسح الأسطح والأشياء بقطعة قماش مبللة أو منديل. هذا إلزامي، بغض النظر عن الغرفة التي تستخدمها كمأوى.
✓ إذا أمكن، ارتد ملابس نظيفة وضيقة ومغلقة إلى أقصى حد، لم تتعرض للتلوث الإشعاعي.
✓ ابحث عن مصدر معلومات (مذياع، تلفاز، إنترنت). حتى لا تفوِّت التعليمات الرسمية، لا تقم بإيقاف تشغيل الراديو أو وسائل الاتصال الأخرى.
✓ لا تغادر الملجأ لمدة 24 ساعة على الاقل، ما لم تقدم السلطات تعليمات أخرى للاخلاء او الترحيل.
أعلاه إرشادات أساسية يجب إتباعها لتجنب الاصابة بالاشعاعات النووية أو على أقل تقدير تخفيف عواقبها السلبية على صحتك. هذه الارشادات هي غيض من فيض. السلطات في دولكم يجب ان تهتم باجراءات توعيتك وحمايتك، وعند الضرورة – تقديم المساعدة والاسعافات اللازمة. يبقى أن نأمل في وجود أنظمة وقاية وإنقاذ في دولكم. لكن الامل الاكبر في حكمة صناع القرار. نرجو ان لا تصل بهم الانانية السياسية الى درجة اتخاذ قرارت جنونية تفتك بالبشرية وتحول مساحات شاسعة من كوكبنا الى صحراء قاحلة غير قابلة للعيش.
*مختص بالفيزياء النووية. متخرج في معهد الابحاث النووية لدى جامعة موسكو الحكومية 1993؛
**الاتحاد الروسي، الولايات المتحدة، الصين، فرنسا، بريطانيا، الباكستان، الهند، اسرائيل، كوريا الشمالية (لاحظ الرسم البياني)؛
***سلام العبيدي. الحماية من التلوث الاشعاعي. كتيب تعليمي. الاكاديمية العسكرية الروسية للحماية الاشعاعية والكيماوية والبيولوجية. باللغة الروسية. قيد الطبع؛
****أين وكيف تحتمي من التلوث الاشعاعي (رسم توضيحي).
المصدر: مركز اتجاهات
