تخطت درجات الحرارة مستويات قياسية في بعض أنحاء النصف الشمالي من الكرة الأرضية الاثنين الامر الذي تسبب بحرائق غابات، في تجلٍّ جديد لظاهرة التغيّر المناخي. وأصدرت دول في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية تحذيرات صحية وأجرت عمليات إجلاء للسكان.
وقالت وكالة الفضاء الأوروبية إن أوروبا قد تسجّل هذا الأسبوع أعلى درجة حرارة فيها على الإطلاق تحديدًا في جزيرتَي صقلية وسردينيا الإيطاليتَين حيث من المتوقّع أن تصل الحرارة إلى 48 درجة مئوية.
في الصين، أعلنت هيئة الأرصاد الجوية في بيان الاثنين أن الحرارة سجلت الأحد مستوى قياسيا لمنتصف شهر تموز/يوليو بلغت 52,2 درجة مئوية في قرية سانباو في منطقة شينجيانغ في الغرب. وكان المستوى القياسي السابق سجل في مدينة توربان في تموز/يوليو 2017، عندما بلغت الحرارة 50,6 درجة مئوية، وفق البيان الذي ذكر أن درجات حرارة سطح الأرض وصلت إلى 80 درجة مئوية في أجزاء من توربان الأحد.
وتقع قرية سانباو في ضواحي مدينة توربان حيث طلبت السلطات من العمّال والتلامذة ملازمة منازلهم واستقدمت مركبات مخصصة لرشّ المياه على الطرق، على ما أفادت هيئة الأرصاد الجوية الصينية.
في قبرص، حيث يُتوقّع أن تبقى درجات الحرارة فوق 40 درجة مئوية حتى الخميس، توفي رجل يبلغ تسعين عامًا نتيجة ضربة شمس ونُقل ثلاثة مسنّين آخرين إلى المستشفى، على ما أفاد مسؤولون.
في اليابان، أصدرت السلطات تحذيرات لعشرات الملايين من سكانها من التعرض لضربة شمس في 37 مقاطعة من مقاطعات البلاد الـ47، بعدما سُجّلت درجات حرارة شبه قياسية في أجزاء كبيرة منها. وتلقّى 60 شخصًا على الأقلّ علاجًا من ضربة الشمس في اليابان، حسبما أفادت وسائل إعلام محلية، منهم 51 نُقلوا إلى مستشفيات في طوكيو.
وتوقعت الأرصاد الجوية اليابانية تجاوز درجة الحرارة القياسية البالغة 41 درجة مئوية والتي سُجّلت في مدينة كوماغايا في العام 2018.
في الولايات المتحدة، توقّعت هيئة الأرصاد الجوية الوطنية (NWS) أن تبلغ موجة الحر “الواسعة النطاق وشديدة الوطأة” ذروتها في الولايات الجنوبية والغربية، وشملت التحذيرات من الحرّ الشديد أو من ارتفاع درجات الحرارة الأحد نحو ثمانين مليون شخص.
وسجّلت منطقة وادي الموت بولاية كاليفورنيا الأميركية، وهي واحدة من أكثر المناطق سخونة في العالم، درجة حرارة شبه قياسية وصلت إلى 52 مئوية بعد ظهر الأحد. في غضون ذلك، كافحت فرق الإطفاء في ولاية كاليفورنيا لإخماد عدة حرائق غابات بما فيها حريق في مقاطعة ريفرسايد اجتاح أكثر من ثلاثة آلاف هكتار وأدى إلى إجلاء أعداد كبيرة من السكان.
في أوروبا، حيث يزداد الاحتباس الحراري بنسبة تبلغ ضعف المعدل العالمي وفقًا لخبراء، نبّهت السلطات الإيطاليين إلى ضرورة الاستعداد “لأشدّ موجة حر في الصيف وأيضًا واحدة من أشدّ موجات الحرّ على الإطلاق”.
وأصدرت إيطاليا إشعار تنبيه أحمر يضع 16 مدينة في حالة تأهب بما فيها روما وبولونيا وفلورنسا. من المتوقع أن تسجّل روما حرارة تراوح بين 42 و43 مئوية الثلاثاء لتحطم درجة الحرارة القياسية التي سُجّلت في آب/أغسطس 2007 وبلغت 40,5 مئوية.
في اليونان، تواصل إغلاق معلم أكروبوليس في أثينا لليوم الثالث على التوالي خلال ساعات ذروة الحرارة. كما اندلع حريق كبير في غابات كوفاراس، اليوم الاثنين، على بعد خمسين كلم شرق أثينا، وأججته سرعة الرياح الشديدة. وأشار الدفاع المدني اليوناني في بيان رسمي، إلى صعوبة الحريق الذي أججته الرياح القوية في المنطقة والتي تتراوح سرعتها ما بين 50 – 60 كلم في الساعة.
واندلع حريق غابات أججته رياح شديدة الاثنين في كوفاراس على بعد خمسين كلم شرق أثينا، وفق ما أفاد جهاز الإطفاء اليوناني، فيما أمرت السلطات باخلاء العديد من المنتجعات في تدبير وقائي.
في رومانيا، يُتوقّع أن تلامس الحرارة 39 درجة مئوية الاثنين في معظم أنحاء البلاد.
في إسبانيا، أعلنت الأرصاد الجوية الوطنية الاثنين أن البلد سيسجّل “درجات حرارة عالية بمستويات غير طبيعية” بالنسبة لهذا الموسم، مشيرة إلى أنها قد تتجاوز 44 درجة مئوية في مدينة قرطبة في الأندلس في الجنوب.
وفي مقابل موجة الحرّ، شهدت أجزاء من آسيا هطول أمطار غزيرة.
في كوريا الجنوبية، كافح عناصر الإنقاذ الأحد للوصول إلى أشخاص محاصرين في نفق غمرته المياه بعد هطول أمطار غزيرة في الأيام الأخيرة تسببت بفيضانات وانزلاقات تربة أودت ب37 شخصًا على الأقلّ ولا يزال تسعة أشخاص مفقودين على اثرها.
في شمال اليابان الأحد، عُثر على جثة رجل في سيارة غمرتها المياه، بعد أسبوع من مقتل سبعة أشخاص في ظروف جوية مماثلة في جنوب غرب البلد. في شمال الهند، تسببت الأمطار الموسمية المتواصلة في مصرع ما لا يقل عن 90 شخصًا بعد حرّ شديد.
يكثر حدوث الفيضانات وانهيارات التربة خلال الأمطار الموسمية التي تشهدها الهند عادة، لكن الخبراء يقولون إن التغيّر المناخي يزيد من تواترها وشدّتها. يصعب أن يُعزى حدث مناخي معيّن إلى التغيّر المناخي، لكن العديد من العلماء يشددون على أن الاحترار العالمي – المرتبط بالاعتماد على الوقود الأحفوري – هو السبب في موجات الحرّ الشديد.
ويشهد العديد من مناطق العالم موجات حر شديد، وهي مسألة لم تعد مجرد “مصادفة” وفق مدير “معهد بيار سيمون لابلاس” روبار فوتار المتخصص في علوم المناخ. ويوضح عالم المناخ أنه رغم عدم وجود ارتباط مناخي بين مختلف مناطق العالم، إلا أن تغيّر المناخ يفاقم ظواهر الطقس المتطرفة في كل مكان على الكوكب.
ويعود السبب إلى ان ارتفاع درجات الحرارة تأتي في معظمها من ظواهر جوية مرتبطة بتغيّر المناخ. بالنسبة لجنوب أوروبا مثلا، فهو يشهد إعصارا عكسيا قويا للغاية مع رياح ضعيفة، ما يجعله ثابتا ويمنع الاضطرابات. وهذه الضغوط العالية تحبس الهواء الدافئ ما يرفع درجات الحرارة، ويتفاقم ذلك جراء الرياح الجنوبية على الجانب الغربي التي تجلب كتل هواء حارقة من الصحراء.
ولفت الخبير إلى أن هناك ظواهر عدة تحدث في الوقت نفسه. ولكن جميعها يعززها عامل واحد: تغيّر المناخ. لذلك فهي في الآن نفسه مصادفة وليست مصادفة. ولهذا السبب نسجل درجات حرارة قياسية. وقال “في الصيف، ليس من المستغرب أن يكون الجو حارا جدا في مناطق معيّنة، لكن إذا كان الجو بهذه الحرارة فذلك يعود إلى الاحتباس الحراري الذي يجعل الظواهر المتطرفة أكثر تواترا وأشد حدة”.
وأضاف “تلك هي الحال بالنسبة لموجات الحر، ومن المنطقي تماما في ظل تغيّر المناخ أن يزيد احتمال حدوثها في آن واحد في عدة أماكن على الكرة الأرضية”.
واعتبر الخبير أنه لا “لا يزال من المبكر تقدير تأثير ظاهرة إل نينو في موجة الحر الحالية. ارتفاع حرارة المحيط الهادئ يمكن أن يسهم في ارتفاع درجات الحرارة. لكن ظاهرة إل نينو بدأت للتو، ولا تزال تتطور ولن تظهر آثارها الكاملة إلا بعد أشهر”.
وقال “لكن حتى بدونها، يمكننا القول إن موجات الحر مثل التي نشهدها حاليًا ستزداد أكثر، سواء من ناحية التواتر أو الشدة. نتوقع أن نواجه مشاكل مع مستويات حرارة ستصبح في بعض الأحيان خطرة على الكائنات الحية”.
المصدر: مواقع