دخل الملف الرئاسي في غيبوبة ومعه عجلة الدولة بمعظم مؤسساتها وأجهزتها الأساسية بدوامة الجمود والفراغ والشلل بانتظار زيارة مبعوث الرئاسة الفرنسية الى لبنان أواخر الشهر المقبل..
غيبوبة طويلة
صحيفة “الأخبار” رأت أن الملف الرئاسي دخل في غيبوبة طويلة، قد تمتد إلى ما بعد نهاية الصيف مع تأكيدات بأن جلسة 14 حزيران الماضي لانتخاب رئيس للجمهورية لن تعقبها أي دعوة لجلسة جديدة في المدى المنظور… إلا في حال حصول معجزة. فحتى الآن، بحسب مصادر مطّلعة، هناك فصل بين مسار الانفراج في المنطقة والملف اللبناني لأسباب شتى، أهمها أن الجانب الأميركي لا يزال يتصرّف وكأنه غير معنيّ بالأزمة، ولا يعتبر أن الوقت حان لكي يتدخّل بكل ثقله في ملف الانتخابات الرئاسية. أضف إلى ذلك أن الرياض لم تقدم على أي إشارة إيجابية جديدة في ما يتعلق بالمبادرة الفرنسية.
عودة لودريان
ولكن، رغم الانطباعات المتشائمة حيال ما آل إليه الاستحقاق الرئاسي من انقسام داخلي يتعذّر معه إلى وقت غير معروف انتخاب الرئيس، يحتفظ رئيس المجلس نبيه بري بحد أدنى من التفاؤل يعوّل عليه. ومصدر التفاؤل، كما يقول بري لـ”الأخبار”، توقّعه عودة الموفد الفرنسي الخاص جان إيف لودريان إلى بيروت بين 16 تموز و17 منه. ولم يستبعد أن تسبق الزيارة الثانية جولة لودريان على دول المنطقة المهتمّة بلبنان واستحقاقه كالسعودية وقطر و”ربما إيران”.
وبحسب رئيس البرلمان، يعود الموفد الفرنسي بمشروع للحوار يلتقي فيه الأفرقاء اللبنانيين دونما أن تتضح بعد ملامحه، وما إذا كان سيُعقَد في لبنان أم خارجه؟ وهل يكون لبنانياً محضاً أم برعاية فرنسية أو خارجية. لكنه يجزم بأن “المكان الطبيعي لحوار وطني يجري في لبنان هو مجلس النواب. في إمكان كل كتلة أن تفوّض إلى رئيسها أن يمثّلها إلى طاولة الحوار”، مشيراً إلى أن آلية الحوار ومن يديره غير واضحة، مع تأكيده أنه يعد نفسه في الوقت الحاضر طرفاً كالآخرين بعدما أعلن تأييده ترشيح سليمان فرنجية.
ولفت رئيس المجلس إلى موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي أمس، وتوجهه إلى الأفرقاء الممتنعين عن الحوار بأن البديل منه هو مؤتمر دولي، ملاحظاً بري أن البطريرك «للمرة الأولى يتوجه إلى الذين لا يريدون الحوار ويدعوهم إليه»، آخذاً على الأفرقاء «أنهم يغلّبون مصلحتهم الشخصية على المصلحة العامة».
مرشحنا منذ 2014
إلى ذلك، قدّم بري في اجتماع استثنائي للمجلس المركزي لحركة أمل، أمس، سرداً مطوّلاً للتطورات منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وشرح الخطوات التي قامَ بها، ومن ضمنها الدعوة إلى الحوار. وأكّد أن دعمه لترشيح فرنجية ليس جديداً “فهو مرشحنا منذ عام 2014″، نافياً كل “الشبهات التي يحاول البعض رميها واتهامنا بها في ما يتعلق بدعمنا له حالياً”. وأشار إلى أن “لا تطورات في ما يتعلق بالملف الرئاسي والجميع بانتظار ما سيحمله الموفد الفرنسي في زيارته المقبلة”، علماً أن “لا رهان كبيراً على الدور الفرنسي”. لكنه عبّر عن قناعته بأن “التسوية الإيرانية – السعودية لا بد أن تنعكس على لبنان ولو متأخرة، فضلاً عن انعكاسات الاتفاق الإيراني – الأميركي”.
الحوار لم يحسم بعد
إلى ذلك، كشفت مصادر مطّلعة أن لودريان لم ينته من كتابة التقرير الأخير عن زيارته للبنان ولم يلتق بعد أياً من ممثلي الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني. وأشارت إلى أن “الكلام عن الحوار اللبناني برعاية الدول الخمس لم يُحسم بعد”، وهناك نقاش كبير حول جدول أعماله وآليته، كاشفة أن “السفارة الفرنسية مكلّفة بإعداد مسوّدة خاصة في هذا الشأن بناءً على اجتماعات ستعقدها السفيرة آن غريو مع عدد من المسؤولين اللبنانيين”. وأشارت المصادر إلى “عدم وجود اتفاق بين القوى المحلية على أصل الحوار”، مؤكدة أن لودريان سمع من قوى عدة أن “الحوار إن حصل، يجب أن يكون محصوراً بموضوع الرئاسة وما يرتبط بها من ملفات، وأن الكلام عن حوار يطاول أصل النظام وإعادة البحث في موقع كل طائفة ومكتسباتها أمر غير وارد، ما يعني أن أقصى ما يُمكن القيام به هو دوحة 2”.
أجواء باردة خارجيا
ونقلت صحيفة الديار عن المتابعين للشأن اللبناني، أن الأجواء الداخلية السلبية ترافقها أجواء باردة خارجيًا وتحديدًا من السعودية، في ظل تعاملها مع الملف اللبناني بأنه ليس أولوية، والكلام الذي سمعه ماكرون من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن “تعبه” وملاحظاته على الطبقة السياسية ونشرته صحيفة لوموند الفرنسية، عاد وكرره ابن سلمان في لقاءاته مع رؤساء مصر وسوريا والعراق والاردن، وفي المعلومات المؤكدة، ان السعوديين طلبوا من لودريان ان يأتي إلى الرياض حاملًا مبادرة شاملة للحل لتجري مناقشتها، كونهم لا يملكون تصورات جاهزة، وفي المعلومات ان التوجه الفرنسي عنوانه الوحيد جمع الاطراف اللبنانية على طاولة الحوار بما فيهم حزب الله مع الرغبة في عقدها في الرياض وببند وحيد “انتخاب رئيس للجمهورية”.
وفي معلومات “الديار” أن موقف ولي العهد السعودي سمعه الرئيس ميقاتي من المسؤولين السعوديين وجها لوجه ويخشى عدم انجاز الحل الفرنسي قريبًا، مما يفرض تحصين الحكومة، واعداد مشروع مسودة الموازنة خلال اسبوع ومناقشتها في عدة جلسات حكومية، واقرار التعيينات العسكرية تفاديا لحدوث فراغ في منصب قائد الجيش.
خارج التداول
كذلك رأت صحيفة “اللواء” أن ملف الرئاسة خارج التداول، معتبرة أن مشروع موازنة العام 2023 تقدّم على ما عداه، ضمن توجُّه حكومي لإنجازه في غضون عشرة أيام أو أسبوعين، في وقت طلب فيه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي تجميد العمل بموضوع اللجنة الوزارية – العسكرية – الفنية لدراسة مناطق النزاع على الاراضي والمياه، تحت وطأة انتقادات لخطوة تأليف اللجنة، واعتبار المسألة من اختصاص المحاكم العقارية والمدنية.
توازن التعطيل
بدورها رأت صحيفة “الجمهورية” أن لا ضوء أخضر داخليًا لإخراج الملف الرئاسي من دائرة التعطيل، ولا قرار إقليميًا أو دوليًا جديًا في دفع الأطراف اللبنانيين الى انتخاب رئيس للجمهورية. على هذه الخلاصة تتقاطع القراءات السياسيّة للتطوّرات المرتبطة بالانتخابات الرئاسية، وتبعًا لذلك، فإن رئاسة الجمهورية ستبقى في الاقامة الجبرية في مربّع الشغور ريثما تنشأ ظروف أقوى من الجميع، تكسر المعادلة القائمة حاليًا على “توازن التعطيل”، بين أطراف غير قادرة على الحسم الأحادي الجانب للاستحقاق الرئاسي، وغير قابلة في الوقت نفسه لأن تخرج من خلف متاريسها، وتسلك المعبر الإلزامي المتمثّل بحوار عقلاني ومسؤول يُفضي الى توافق ولو بحده الادنى على انهاء الوضع الشاذ الذي يعيشه لبنان في ظل رئاسة مخطوفة، وأزمة خطفت أنفاس كل اللبنانيين.
مواقف سياسية هامة
ووفقًا لصحيفة “البناء” برزت ثلاثة مواقف سياسية هامة
الأول: دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان، ما يحمل إشارات خطيرة على انسداد أبواب الحل الداخلي والعجز عن حل الأزمة اللبنانية بتسوية رئاسية والتوجّه الى تدويل الملف اللبناني.
الثاني: إعلان التيار الوطني الحر انفتاحه على “أي حوار يساعد على إنتاج رئيس والاتفاق على الخطوط العريضة لبرنامج تتولى تنفيذه الحكومة التي سيتم تشكيلها”، ما قد يعيد إحياء الحوار بين التيار وحزب الله وبالتالي يفتح كوة في جدار الاستحقاق الرئاسي.
الثالث: حسم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بأن حزب الله لا يريد تغيير النظام رداً على اتهامات البعض للحزب، بأنه يريد إطالة أمد الفراغ الرئاسي لجر الأطراف لحوار على صيغة النظام، ما يحمل إشارات للداخل وللخارج بأن الحزب لا يزال يعمل تحت سقف الطائف والدستور.
التطبيع مع الفراغ الرئاسي
وشدد المجلس السياسي للتيار في اجتماعه الدوري الذي عقده برئاسة النائب جبران باسيل إلى أن “سلوك بعض الكتل النيابية والقوى السياسية يوحي بأنها تدفع باتجاه التطبيع مع الفراغ الرئاسي الذي يهدّد بالتمدُّد الى مواقع أخرى في وظائف الفئة الأولى التي يشغلها المسيحيون عرفاً. ما يهدد الشراكة الوطنية مما يحمّل المجلس النيابي مسؤولية إجراء الانتخابات الرئاسية إما عبر حوار يمهّد للاتفاق على اسم الرئيس أو بالذهاب الى التصويت وليفز من يملك الأكثرية ولتبدأ بعدها عملية تكوين السلطة على اسس سليمة”. ولفت الى أن “التيار الوطني الحر منفتح على أي حوار يساعد على إنتاج رئيس والاتفاق على الخطوط العريضة لبرنامج تتولى تنفيذه الحكومة التي سيتم تشكيلها”.
ورأت مصادر سياسية بكلام التيار تغييراً في موقفه باتجاه أكثر ليونة ورسالة الى حزب الله لفتح حوار على كافة الخيارات، موضحة لـ”البناء” أن التيار لا يمانع الحوار على كامل المرحلة المقبلة أي على البرنامج الرئاسي وتحديد الأولويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية وهوية الحكومة الجديدة التي تستطيع تطبيق هذا البرنامج ما يسهل اختيار الرئيس الذي يناسب الأولويات ويسهل تنفيذ البرنامج.
المؤتمر الدولي
وأعاد البطريرك الراعي من جديد طرح المؤتمر الدولي. ولفت في كلمة له من بكركي، إلى أنه “طالب بمؤتمر دولي للبنان بعدما هرب السياسيون اللبنانيون من الحوار لأنهم مرتهنون لمصالحهم الخاصة”، مشيراً الى ان لا “خلاص للبنان اذا ما بقينا على ما نحن عليه”، لافتاً الى ان “لبنان مريض ولا يريد المسؤولون معالجة مرضه او معرفة سببه… ولا يحق للمسؤولين تدمير دولة وشعب من خلال تدمير النظام والدستور”، مجدداً رفضه أن “يكون العمل السياسي للخراب والهدم”.
فليكن الحوار هو البداية
بدوره، لفت مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في تصريح إثر عودته من مكة أن انتظار تسوية ما لانتخاب رئيس للجمهورية هو مزيد من الاهتراء والتفكّك في مفاصل الدولة. وقال “فليكن الحوار ضمن الأطر الدستورية هو البداية لبلورة الأفكار للتوصّل إلى حلّ يفضي بانتخاب رئيس للجمهورية، فلا يجوز التأخير والتصلّب في المواقف، ما يفيدنا هو التشاور والتلاقي والتواصل والتنازل لبعضنا البعض، لقد أصبحت مؤسّسات الدولة في وضع حرج، وإذا لم نتدارك الأمر ربما نصل إلى الإفلاس، والفوضى على كل المستويات وعندئذ لا ينفع الندم”.
حزب الله ملتزم باتفاق الطائف
وأكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد “التزام حزب الله باتفاق الطائف، وعدم رغبته في تعديل أي حرف منه”، وقال في كلمة القاها في معلم مليتا السياحي: “لن ندعو لتعديل شيء في الطائف، ونحن نريد فقط تطبيق نصه”. وأشار إلى أننا “لا ندعو إلى صيغة سياسية جديدة، وكفى تشويشًا على أنفسكم وعلى الناس وإطلاق الأكاذيب والتحريض ضدنا”. واعتبر أن “إذا ما طُبّق الطائف كما ورد في نصه، لتمكنا من تجاوز العديد من المشاكل والأزمات، فنحن أهل الالتزام وليس بمقدور أحد أن يعلّم علينا في هذا الأمر”. وقال: “عندما نجِدُ نحن والطرف الآخر صعوبات في أن نلتزم في ما اتفقنا عليه، نبحث مع بعضنا البعض في كيفية تجاوز هذه الصعوبات، لأننا لا نعود عن التزاماتنا على الإطلاق”.
المصدر: موقع المنار + صحف