استكمالاً لأجواء عيد الأضحى المبارك أجمعت خطب العيد في لبنان على ضرورة الخروج من الأزمة السياسية كبوابة أساسية لمعالجة الأزمات الأخرى وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية الخانقة، وسلوك طريق الحوار بين جميع الافرقاء اللبنانيين والعمل على لبننة الاستحقاق الرئاسي، كما اجمعت خطب العيد على الادانة الواسعة لجريمة حرق نسخة من القرآن الكريم في السويد مؤكدين ان احراق المصحف الشريف هو احراق لكل قيم المحبة والسلام التي يدعو لها وأنه لا علاقة للحريات بذلك بل ان احراق القران الكريم هو اعتداء جبان على الانسانية جمعاء من قبل مدعي حقوق الانسان.
الخطيب دعا إلى انتخاب رئيس وإعادة المؤسسات إلى القيام بواجباتها: لا نمانع التسوية لخلاص المواطن والوطن
بدوره أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب صلاة عيد الاضحى في مسجد بلدة لبايا – البقاع الغربي.
وألقى خطبتي العيد التي قال فيهما “أسعد الله أيامكم بعيد الأضحى المبارك حيث اليوم العاشر من ذي الحجة وقد أدى حجاج بيت الله الحرام شعيرة الاضحية تقربا إلى الله تعالى وتأدية لواجب إلهي من واجبات الحج على سنة ابراهيم ع بعد القيام بواجب الإحرام ولبس ثوبي الإحرام والتلبية لنداء الله تعالى” لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك لا شريك لك لبيك” بعقد النية لاداء فريضة الحج وخلع ما كان يرتدي من ثياب عادية تستر جسده وتزينه وتحميه من البرد والحر ليرتدي بدلا عنها ثوبين بمواصفات ثياب الموتى اي الثياب التي نكفن بها الموتى استعدادا للرحلة إلى العالم الآخر ،لنتذكر مصيرنا النهائي وأننا سنتخلى عندها عن كل ما امتلكنا في هذه الحياة واننا لن نأخذ منها شيئا ولن تبعد عنا شرب هذا الكأس المر مهما بلغت عند المصير المحتوم ، فأي قيمة لها طالما انها لا تنفعنا عند أخطر الأمور التي تواجهنا وان خير الزاد الذي نأخذه في هذه اللحظات هو زاد التقوى الذي يبقى مصاحبا لنا في هذه الرحلة الطويلة الابدية التي لا عودة ترجى منها ولا رجعة تؤمل فيها”.
أضاف “انها لحظات للتأمل نعيد فيها شريط الذاكرة لكل ما سلف منا من اعمال قمنا بها لنعيد حساباتنا حيث نمتلك الفرصة الطوعية اليوم لهذه المراجعة قبل أن نفقدها وتفوتنا وتكون المراجعة قهرية غير قابلة للتعويض بعمل صالح حين نزع الروح ويصبح الموت امرا محتوما وان قلنا (ربي ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت) يأتينا الجواب( كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون ), فقد فات الاوان وقد كان الامر مقدورا فلم نستفد من العبر وما اكثرها . ان اول ما يجب أن يتذكره من يؤدي فريضة الحج عند خلعه للثياب التي اعتاد ارتداءها ،ونحن الذين نتابعهم ونؤدي اليوم صلاة العيد مشاركة لهم في العيد شكرا لله تعالى على ما هدانا اليه، ونحن نتلو “الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما اولانا” من نعمة الإيمان بالحقائق الإلهية ونعمة الشكر المستحقة علينا بالهداية إلى الاتيان بفرائض الايمان التي منها فريضة الحج وما جعل الله تعالى من منافع منها المادية والاعظم منها المنافع المعنوية التي منها تذكّر ما ينفعنا عند انقضاء العمر والحياة، حيث لا فناء وإنما حياة اخرى اما شقاء لا راحة بعدها وإما راحة لا شقاء بعدها، وكل ما بعد ارتداء ثياب الحج من الطواف حول الكعبة الشريفة للتأكيد على ان محور حركتنا يجب أن يكون الحق وهو الله سبحانه دون غيره من آلهة تعبد من دونه حاكمة أو مالا أو عشيرة أو غيرها مما يضل عن الصراط ويأخذ إلى طريق الضلال”.
وتابع “إلى الصعود إلى صعيد عرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة ما بعد ساعة من الزوال إلى غروب الشمس تحت أشعة الشمس الحارقة يتعبد فيها الحجاج بالصلاة لله تعالى يتذكرون فيها يوم الحشر والحساب وقوله تعالى (وقفوهم انهم مسؤولون) ليتذكروا يوم الحساب وشدة امرالوقوف في هذا اليوم على صعيد القيامة بين يدي الله تعالى وقد فضحت اسرارهم وانكشف المستور عن عيون الخلائق في الدنيا خوف العار والسقوط في أعين الخلائق، إلى المشعر الحرام بعد الافاضة من عرفة لجمع الحصى استعدادا للانطلاق إلى منى دفعة واحدة ،لجموع الحجيج في مظهر عظيم يتجهون معا إلى جمرة العقبة يرجمونها بسبع حصيات تعبيرا عن رجم الشيطان والتبرؤ منه ومن كبره الذي كان سببا لغيه وضلاله وتحديه لارادة الله تعالى ، ثم التضحية بذبح كبش على سنة ابراهيم تذكيرا لنا بالالتزام بتحقيق امر الله تعالى مهما بلغت التضحيات ولو كان بالولد الذي هو اعز ما يملكه الإنسان، واستجابة اسماعيل لهذه الارادة حيث خاطبه ابوه( اني ارى في المنام اني اذبحك قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين ) امتحانا ليس كمثله امتحان. ولما رأى الله الاستعداد الكامل منهما للاستجابة تحقيقا لارادته تعالى كان النداء الالهي (ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا وفديناه بذبح عظيم) ليكون الاب والابن النموذج لمن يأتي في الصدق والصبر, وان الله لا يضيع أجر المحسنين، إلى الطواف حول الكعبة الشريفة للتأكيد على ان محور حركتنا يجب أن يكون الحق وهو الله سبحانه دون غيره من آلهة تعبد من دونه سلطة أو مالا او دنيا أو عشيرة أو غيرها مما يضل عن الصراط ويأخذ إلى طريق الضلال”.
وقال “إلى السعي بين الصفا والمروة تذكرا لسعي هاجر زوجة ابراهيم وهي تبحث ذهابا وايابا عن الماء لتروي ظمأ ولدها اسماعيل حيث اُمر ابراهيم بتركها معه في أرض لا كلأ ولا ماء امتحانا لايمانهما وصبرهما على تنفيذ امر الله تعالى فاثابها الله تعالى بماء زمزم ينبع عند قدمي اسماعيل. حيث لم تترك لادنى الشك او اليأس من رحمة الله ان يطرق باب قلبها ولو قليلا. انها الليالي العشر التي اقسم الله تعالى فيها فقال (والفجر وليال عشر), فقد قيل انها العشر الأوائل من ذي الحجة، وعلى كل حال فالحج وشعائره تأكيد من الله تعالى على المؤمنين بتزكية نفوسهم والارتقاء بوعيهم الايماني وتعميق عقيدة التوحيد في عقولهم وقلوبهم وهي الغاية الاولى للدين لإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم. فبالتوحيد فقط ينعتق الإنسان من الجهل والانحراف ويتخلص من الأوهام والخرافات وعبادة الذات والعبودية للغرائز والشهوات. وقد قضى ابراهيم ابو الأنبياء والرسل حياته في مواجهة الطغاة والمشعوذين ودعاة الانحراف والشرك الذين استلبسوا الناس واضلوهم ودعوا الناس إلى التحرر من أسرهم بالتوحيد لله تعالى”.
وختم الخطبة الاولى “على هذا قامت دعوات وجهاد الأنبياء والرسل من بعده كموسى وعيسى ونبينا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين “.
الخطبة الثانية
وقال في الخطبة الثانية: قال تعالى: ( واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير)، لقد اُمر رسول الله ص ان يدعوا الناس للقيام بفريضة الحج في هذا المشهد العظيم واخبرهم بأن للحضور في هذه البقاع التي تتوزع فيها مشاهد الحج منافع متعددة لا يحصل عليها سوى من شهدها اي حضرها وباشرها، وقد ابتدا الله بذكرها وثنى بالقيام بعبادة ذكر الله وشكره على ما افضل عليهم ورزقهم من بهيمة الأنعام كنموذج أعلى للرزق حيث تشكل أهمية خاصة للغذاء والاطعام وبالتالي يضحى بها تعبدا لله تعالى لاطعام البائس – والبائس من البؤس- والبائس المعدوم الذي لا يملك شيئا والاسوأ حالا من الفقير ،والفقير الذي لا يمتلك مؤنة سنته تحديدا للمستحق للاضحية الواجبة في الحج حيث لا يجوز للغني ان يتصرف فيها بالأكل منها الا بمقدار ربع الاضحية ،وهي حال الإنفاق الواجب كالزكاة حيث وضعت لمستحقها مواصفات خاصة، منها ان يكون اما مسكينا أو فقيرا. اما في الإنفاق المستحب كالاضحية المستحبة لغير الحاضر في الحج فلا بأس أن يُطعم منها غيرهما كالصدقة المستحبة اي في غير الزكاة الواجبة”.
أضاف “وعودا إلى الحج وفوائده التي لا تنحصر في المادية منها فقط لتشمل المعنوية منها وهي الأهم، فإن من أعظمها إظهار هذا المشهد العظيم للمسلمين وهم يكبرون الله تعالى ويهللونه ويوحدونه وأنهم يمارسون العبودية لله تعالى وانه مقصدهم وغايتهم وليس الهيمنة والتسلط والعدوان وإنما إشاعة الهدى والسلام والعدل والقسط في الارض”.
وتابع “ثانيا: التوحد ووحدة الامة حيث يمارس المؤمنون هذه العبادة في مكان واحد وزمان واحد مع اختلاف اجتهاداتهم ومذاهبهم ومشاكلهم تأكيدا لوحدة الأمة مهما بلغت بينهم الأمور وان الاختلاف في المصالح وغيرها سقفه الوحدة بينهم ، وهو ما تناولته واكدت عليه جملة من الايات والروايات. فقال تعالى( وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون )حيث ثبت الله تعالى في هذه الآية حقيقتين اثنتين: الاولى. وبها ابتدأ وان هذه امتكم امة واحدة، والثانية ( وانا ربكم فاعبدون) ربطا للعبادة بالحفاظ على وحدة الامة وان وحدة الامة هي القاعدة التي تجعل من العبادة له العبادة الحقة, عبادة الأمة الموحدة لان المطلوب ليس فقط إقرار الفرد بربوية الله تعالى وانما هي رسالة الامة لتقيم الدين وتجعله قائما وهو ما لا يتحقق بالايمان الفردي قال تعالى ( ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) والفشل هو فشل المهمة وهي جعل الدين قائما في تحقيق غاياته في نشر رسالته للأمم والاعتراف لله بالوحدانية وانه لا اله غيره يستحق الخضوع والعبودية والطاعة له وتطبيق احكامه وعدالته وقيمه ونشر هذا النور الالهي على العالم وإخراج الناس من الظلمات إلتي تملأ حياتهم الى النور من المعارف الإلهية الحقة وهذا لا يمكن أن يحققه الإيمان الفردي وإنما يتحقق بالامة التي ان تفرقت فشلت في تحقيق وظيفتها في نشر قيمه التي اعلاها القيم الاخلاقية التي من دونها يسلك العالم طريق الانحطاط والهلاك كما هو حاصل اليوم حيث استبدلت هذه القيم التوحيدية بالعبادة لغير الله فخضع العالم للطاغوت وعبد من دون الله واتبع فيما سنه من شرائع تحقق غاياته الطاغوتية حيث يفرض سيطرته وثقافته المنحطة التي تحقق ارادته في استمرار هذه السيطرة على العالم واخضاعه لارادته وهي عبودية حقيرة جعلته عاملا لديه محققا لرغباته واطماعه واهدافه فإن جل فلسفته ان الانسان مجرد حيوان في غابة من حق القوي فيها ان يأكل الضعيف، وهو ما لا يتناسب مع تكريم الله تعالى له بما حمله من مسؤولية إعمار الارض وبما اعطاه من مقام جعله فيه وهو مقام الخلافة له”.
وقال “ان العالم اليوم تحول فعلا الا ما رحم الله تعالى يعيش في زريبة تتحكم فيها إرادة هذه المادية المتطرفة والقوى المسيطرة فيها التي تتقاتل على التفرد في أكلها أو على التشارك في افتراس هذه الضحية. ان معاني الحج هو في ثقافة رفع القيمة الانسانية إلى مقام خلافة الله تعالى وقيام الإنسان بما تستحقه هذه المسؤولية قال تعالى جعل الله البيت الحرام قياما للناس بينما تخلى عن هذه المسؤولية والتكريم الالهي بالخروج للمنطق الطاغوتي الذي نزل بالإنسان إلى مراتب الحيوانية والبهيمية لتنتشر ثقافة الانحلال واشاعة الفواحش في حملة اعلامية واعلانية يعمل الطاغوت على تسويق هذا الانحطاط الاخلاقي على مستوى العالم الذي سيودي بالعالم إلى الهلاك وبدل ان يحاصر الشذوذ الافة المخالفة للفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها يراد تقنينها وحمايتها ليصبح ارتكابها محميا بالقانون ومشروعا، بعد ان كان فعلا قبيحا يُنبذ فاعله ويتستر مرتكبه ولا يجرأ عن الإعلان عنه ليس لانه عار عليه فقط يسقطه من اعين الناس بل لادراكه الفطري انه يمارس عملا تستقبحه الفطرة الانسانية ، فكما أودى بقوم لوط وغيرهم من الاقوام السابقين يستعجل الخطى بذلك للعقوبة الإلهية والطبيعية”.
أضاف “هذه بعض رسائل الحج. ان أهمية احتفالنا اليوم بالعيد الذي يبدأ بمراسم الصلاة الجامعة والجماعة في سياق واحد مع حجاج بيت الله الحرام تعني اننا نقوم معهم بوظيفة الوحدة وبعمل متضامن متناسق هدفه واحد وهو ان نقوم لله وللحق بوحدة الهدف وهي الحفاظ على القيم الدينية والانسانية والاخلاقية التي هي أهم ما جاء به ومارسه الانبياء ودفعوا في سبيله غاليا من انفسهم واعزتهم وكما قال رسول الله ص عن الهدف من بعثته ( ما بعثت الا لاتمم مكارم الاخلاق ) اي القيم الاخلاقية والانسانية التي تنتهك اليوم وبشكل فاضح بممارسات لا أخلاقية في التعاطي مع المسائل الوطنية بلا مسؤولية ومن منطلقات طائفية ومصالح فئوية اضرت بالوحدة الوطنية وبالمصالح الوطنية ومصالح المواطنين حيث اعتقلوا المواطنين في زنازين طائفية وشيطن بعضهم الآخر إلى الحد الذي اُعيد فيه طرح مشاريع التقسيم والفيدرالية وهم يعلمون ان ذلك امر لا يمكن تحقيقه، كل ذلك للحصول على مكاسب شخصية سياسية او حزبية او للتقليل من الخسائر على حساب الطوائف والاديان والمواطنين والبلد، وفي النهاية الى التسوية فلماذا اذا شحن نفوس المواطنين بالبغضاء والاحقاد والعداوات؟”.
وتابع “نحن لا نمانع الان من التسوية من أجل خلاص المواطنين والوطن الذين ليسوا في حساباتكم الا بقدر مصالحكم الشخصية والفئوية. اذا نحن نريد الآن للبنانيين والبلد الخروج من النفق الذي ادخلتموهم فيه بانتخاب رئيس للجمهورية واعادة المؤسسات الدستورية إلى القيام بواجباتها، ولكن على اساس تحقيق الإصلاحات، فمن عطل الطائف أليس اول معول لهدمه كان في رفض تأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية على ان يتبعها سائر الإصلاحات من تشريع قانون انتخابي خارج القيد الطائفي وتأليف مجلس للشيوخ، فمن عطل القيام بهذه الخطوات؟ وقيل يومئذ ان إلغاء الطائفية السياسية يكون أولا من النفوس قبل النصوص وهل عُمل بعد هذا التعطيل على إلغائها من النفوس ام كرست في النفوس اكثر ؟ فليس هناك من إرادة فعلية على إلغاء الطائفية السياسية وبالتالي الاصرار عليها لن تكون نتائجه افضل مما نحن فيه الآن”.
وختم الشيخ الخطيب “لذلك، المطلوب بعد اعادة المؤسسات الدستورية إلى وضعها الطبيعي العمل على الإصلاحات التي اتفق عليها في الطائف وبناء دولة المواطنة .ان بقاء بناء الدولة على الصيغة أدى الى هذا الواقع المروع وما لم يُبن على اساس المواطنة وإقامة دولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات، فإن معنى هذا تكرار المشكلة ،ونحن على يقين ان هناك ارادات خيرة في هذا الوطن لن تتركه شركة في يد إدارة فاسدة تودي به إلى الإفلاس”.
المفتي قبلان: لبنان رغم كل الكوارث هو أشد وأصلب من أن يبيع قراره السياسي وسيادته الوطنية
من جانبه ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة العيد من على منبر مسجد الإمام الحسين (ع)، في برج البراجنة بعد تأدية صلاة العيد قال فيها “بلدنا اليوم أزمات ونكبات وكوارث وبطالة وتضخم واستنزاف لا سابق له، ما يفترض تأكيد روح الايمان في ما بيننا، وتوثيق علاقات الاخوة وتمتينها، ولا أقول هذا لنا كطائفة، بل كلبنانيين، لأن جميع طوائف هذا البلد طائفة الله، بلا فرق بين مسلم ومسيحي، ولذا من أغاث مسيحيا كان كمن أغاث مسلما، ومن تقرب الى الله بخدمة مسيحي كان كمن تقرب الى الله بخدمة مسلم، و”كلكم لآدم وآدم من تراب”، {إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.
واوضح المفتي قبلان ان لبنان ليس جزيرة مغلقة على العالم، والمطابخ الدولية شديدة التأثير، والمشروع الدولي يجيد الاستثمار بالخراب، من هنا حذار القطيعة الداخلية، لأن الأمور تكاد تصل لحد الطلاق السياسي، وسط إنهاك يطال بنية الدولة والمؤسسات الوطنية، وما نحن فيه أشبه بنزعة دمار سياسي. وما نريده ليس أكثر من العودة الى الله، وتحكيم الضمير لحماية هذا الوطن، ومن يؤمن بالمسيح ومحمد لا يضيع بلاد الله، ومن يؤمن بالإنجيل والقرآن لا يضيع خلق الله، فما نحتاجه الآن حوار وطني ووقفة وطنية إنقاذية بعيدا عن لعبة العالم”.
وأضاف سماحته “لذلك المنطق الوطني يقول لنا: القطيعة السياسية كفر وخيانة للأوطان ومصالحها، والإصرار والتعنت على لعبة العدد والضغط بالأزمات والإنهاك سيضيع بلدنا، والحل بالحوار والتلاقي ودون الحوار لا حلول، والديمقراطية التي تغرق لبنان بالأزمات ليست أكثر من وبال على لبنان، والميثاقية ضرورة وطنية لأنها أساس دستورية الدولة، ومشروعية وجودها، والمشروع الأميركي حاضر بقوة وهو يضغط باتجاه التعامل مع لبنان كدولة نفطية فقيرة ومحاصرة ومغلوبة على أمرها. كل ذلك وسط أدوات دولية مختلفة تعمل على استسلامنا السياسي، مع العلم أن لبنان رغم كل الكوارث هو أشد وأصلب من أن يبيع قراره السياسي وسيادته الوطنية”.
وتوجه الى القوى السياسية: “العالم اليوم يعيش سطوة الصراع على الغاز بشرق البحر المتوسط، وسط حرب العالم في أوكرانيا، ومن أخذ سوريا للحرب كانت عينه على غاز ونفط المنطقة، بما في ذلك مصالح تل أبيب كثكنة مصالح غربية، وهذه الخصومة لها ثمن باهظ جدا، والمطلوب الصمود وطنيا، لأن النصر صبر ساعة، وأي تماسك وطني أكبر يعني انتصارا أكبر، لذلك الحل بأيديكم ولا بديل عن لبنان كوطن، ولا بديل عن مشروع الدولة المركزي، ولبنان اليوم على مفترق تاريخي، والإنقاذ يبدأ من تسوية رئاسية تضمن مصالح لبنان، وكل ما نريده وطنيا، “سياسة شراكة لا سياسة إلغاء”، والمسلم بحاجة للمسيحي والمسيحي بحاجة للمسلم، ومصالح لبنان خط أحمر، ولا يمكن تمرير تسوية على حساب لبنان، كما لا يمكن أن نقدم لبنان هدية لأحد، والذي ينكر اللعبة الدولية في لبنان كمن ينكر ضوء الشمس بقلب النهار. من هنا، نحن لن نقبل بأي نوع من أنواع الانتداب، والحوار الوطني والأمن وحماية مشروع الدولة والشراكة الوطنية وإنقاذ المرفق العام أم الضرورات، وانعقاد الحكومة للقضايا الوطنية ضرورة، وحماية التركيبة اللبنانية ضرورة، وحماية اليد اللبنانية ضرورة، وتأمين الأساسيات المعيشية والاستشفائية ضرورة. كل ذلك لأن الأولوية للبنان الوطن، وطريق إنقاذه يمر بتسوية رئاسية تبدأ بمجلس النواب. إن ما نريده على مستوى المنطقة إطفاء نار الخصومة في بلادنا العربية والإسلامية كافة، واهتمام أكبر بقضية القدس وفلسطين، وفي هذا السياق نعول باهتمام بالغ على روح الاخوة خاصة بين طهران والرياض، والأمل كبير على التقارب والاتفاق السعودي الإيراني، والسعودي السوري، ونصيحة لكم جميعا: احذروا دائما الأميركي حتى لو كان راضيا فلا تثقوا به”.
وقال: “ما يجري في فلسطين، يدعو العرب والمسلمين للتضامن بوجه أسوأ إرهاب صهيوني، وتاريخ الأمس انتهى، ونحن أبناء اليوم الذين نرفض بيع الأوطان، ولدينا العزائم والإمكانات النوعية والكمية لحماية الأوطان واستنقاذها من الاحتلال.
وللحكومتين اللبنانية والسورية أقول: لبنان يحتاج سوريا، وسوريا تحتاج لبنان، والوصل مصلحة عليا للبلدين، ولا نخاف على لبنان من عدوان صهيوني، لأن لبنان بثلاثية “جيش شعب مقاومة” يشكل ضمانة لبنان والمنطقة، وميزان الردع لصالح لبنان لا لصالح تل أبيب، والصهيوني يدرك حقيقة الميزان الجديد، إلا أن العين على الانقسام السياسي في الداخل اللبناني، ومع أي تسوية رئاسية وطنية سيبدأ لبنان لحظة جديدة من تاريخه ومصيره إن شاء الله تعالى”.
وختم قبلان “كلمة أخيرة للسلطات السويدية أقول: الحرية الفكرية التي لا تتسع للقرآن الكريم ليست أكثر من لعنة استبدادية تلطخ وجه سلطات السويد وتكشف خبثها الدفين، وحرق القرآن طغيان سويدي أسوأ من طغيان إبليس، والرد السماوي على حرق القرآن يكمن بالأعداد البشرية السويدية الصادمة التي تتحول كل سنة إلى الإسلام بفضل القرآن، والقرآن كلمة الله العليا ولا شيء أعظم قدرة ونفوذا من كلمة الله”.
الشيخ يزبك: نريد لوطننا وحدة شعبه والخروج من ضياع الساسة إلى انتخاب رئيس للجمهورية وإحياء المؤسسات
بدوره قال رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك “نريد لامتنا الاسلامية الوحدة والعزة والكرامة، ونريد لوطننا لبنان وحدة شعبه وان يخرج من ضياع الساسة إلى الاختيار الأصح بانتخاب رئيس للجمهورية، وإحياء المؤسسات”.
واعتبر خلال خطبة العيد التي ألقاها في مسجد الإمام علي في بعلبك، بحضور النائب الدكتور علي المقداد، الوزير السابق الدكتور حمد حسن، مسؤول منطقة البقاع في حزب الله الدكتور حسين النمر، ورئيس بلدية بعلبك بالتكليف مصطفى الشل، أن “عيد الأضحى هو عيد المقاومين الأبطال الذين استجابوا لنداء الدفاع عما أوجب الله الدفاع عنه، إنهم يجسدون بذلك ما قاله اسماعيل افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، هؤلاء الأعزاء هكذا قالوا وجاهدوا، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا. هؤلاء هم الذين حموا الوطن بدمائهم وقبضاتهم الحسينية، فسلام عليهم في العيد، ونبارك لهم ونعاهدهم اننا على طريقهم لن نحيد قيد أنملة مهما بلغت التضحيات”.
وتابع “نوجه التحية إلى شعبنا الفلسطيني الصامد المقاوم الملبي لنداء ربه، عشرات الآلاف في القدس أدوا صلاة العيد، رغم كل ما يقوم به العدو، وإن النصر لآت رغم مشاريع الآخرين. إن أمة كهذه لن تنهزم، وإنما ستحقق النصر، والنصر آت بإذن الله لتحرر فلسطين، كل فلسطين، ويبقى محور المقاومة هو المحور الذي يقود هذه الأمة إلى شاطئ الأمان والسلام والكرامة والحرية والعزة، رغم أنف الشيطان الأكبر أمريكا وممارساته”.
واضاف “الله هو الذي هدانا، وهو الذي وعدنا بالنصر إن نصرناه، وإننا ننصر الله عندما نقدم ما علينا من تكاليف، وإن أولئك الذين أخذهم حقدهم وحقارتهم وسخافتهم، عندما ينالون من القرآن الكريم تمزيقا وتحريقا في بلاد أوروبا أو في فلسطين على أيدي العدو الإسرائيلي، لأن القرآن هو الحق وهم لا يريدون الحق، ونحن سنبقى مع هذا الحق وسنتابع مع الحق بكل ما أوتينا من قوة حتى ينتصر الحق ويولي الباطل بإذن الله ، وإن ذلك إن شاء الله موعده قريب جدا”.
الشيخ ياسين: الخلاف هو بين قوى تقدم التضحيات للوطن وقوى أدمنت التبعية للخارج
من جهته هنأ رئيس لقاء علماء صور ومنطقتها العلامة الشيخ علي ياسين العاملي اللبنانيين عموما والمسلمين خصوصا بعيد الاضحى، متمنيا ان “يتعظ المسؤولون بروحية عيد الاضحى فيضحوا بمصالحهم من اجل مصلحة الوطن والمواطنين، وان يتقي المسؤولون الله في الوطن والمواطنين ويتوقفوا عن النكد السياسي ويتوجهوا للحوار الوطني ليعبروا بالبلد من الازمة الى النهوض”.
واضاف: “على المسؤولين اتباع الشعب لا اية عصبية طائفية او مناطقية ولا اية جهة خارجية، مؤكدين ان الخلاف ليس حول سلاح المقاومة بل بين قوى تريد السيادة للوطن وتقدم التضحيات وقوى ادمنت التبعية للخارج ومتعلقة بمصالحها”.
وتابع: “إن ضحية عناد وطائفية ومناطقية الكثير من القوى السياسية في البلد، هو المواطن الذي بات خائفا من الغد في كل شيء، وعاجزا عن بناء حاضره فضلا عن مستقبله”.
كلام الشيخ ياسين جاء في خطبة العيد التي القاها في مسجد الدينية في مدينة صور، حيث ام صلاة العيد، وقال: “إننا ندعو الى تحركات فاعلة بوجه استباحة مقدساتنا لا سيما القران الكريم الذي رغم دعوته للمحبة إلا أنه يواجه بموجات كراهية كبيرة، مؤكدين ان احراق المصحف في السويد وغيرها من الدول هو احراق لكل قيم المحبة والسلام التي يدعو لها وأنه لا علاقة للحريات بذلك بل ان احراق القران الكريم هو اعتداء جبان على الانسانية جمعاء من قبل مدعي حقوق الانسان”.
وتابع “ان تطبيق مشاريع تتناقض والفطرة البشرية كالمثلية والمساكنة وغيرها هو جزء من مخطط ينال من البشرية كلها”.
وتوجه الشيخ ياسين بالتحية للشعب الفلسطيني، خصوصا في الضفة الغربية، لا سيما في القدس “حيث يدافعون عن المسجد الاقصى وباقي المقدسات”، مؤكدا ان “محور المقاومة اعلن وحدة الساحات وهو بذلك اطبق على العدو الذي لن يصمد طويلا وسيهزم ومعه كل المطبعين والمستبدين والتابعين للمشروع الصهيواميركي في المنطقة”.
الشيخ شريفة: الحل يكون بالتوافق والجلوس على طاولة الحوار
من جانبه استنكر المفتي الشيخ حسن شريفة إحراق نسخة من القران في السويد، مدينا الشرطة السويدية “التي سمحت بذلك”، مشددا على ان العمل استفزازي جبان”، وقال خلال القائه خطبة العيد من على منبر مسجد الصفا: “هناك مخطط كامل بابشع صوره يمارس اليوم من خلال تحطيم القيم والمبادىء وخدش الحياء وقتل العائلة المجتمعية والتشجيع على ارتكاب المحرمات والرذيلة من زنى ومثلية، ويترافق ذلك بهجوم منظم على الكنيسة والمسجد بل على كل الاديان السماوية والمراد من كل هذا الفساد بعنوان الحرية الفردية تحويل الانسان من عمقه الروحي الى آلة تسجيل تدار عبر الاعلام المبرمج والمسلسلات والمسرحيات المعدة سلفا لتنفيذ هذا المخطط الجهنمي المدمر لبيئة الانسان التي فطره الله عليها على العفة والطهارة”.
ودعا المسلمين في العالم الى “التماسك دفاعا عن دينهم باظهار الصورة التى ارادها النبي الاعظم وهو الدعوة السمحاء”، مشيرا الى ان “الضعف لا ياتي الا من الخصام والمناكفات”، وقال: “هذا بلدنا لبنان صورة معبرة عن ذلك اوهنته واضعفته الخلافات السياسية التي شلت المؤسسات وخنقت الاقتصاد وما زال الانقسام على رئاسة الجمهورية بمتاريس داخلية واملاءات خارجية وحتى فرنسا (الام الحنون) لم تسلم من سهام الراغبين الحاسدين وكل السيناريوهات التي طرحت مضيعة للوقت، لان الكل يغني على ليلاه”.
وختم شريفة: “الحل لا يكون إلا بالتفاهم والتوافق ولن يكون إلا بالجلوس على طاولة حوارية”، كما حيا الشعب الفلسطيني “البطل الذي يقاوم الترسانة العسكرية للاحتلال الاسرائيلي بلحمه العاري وبالدم الذي سينتصر بإرادة مميزة عن العالم بأسره”.
المفتي صادق من النبطية: ستبقى اعيادنا منقوصة ما دام بلدنا منقسما بالطائفية ومنهوبا بالفساد
هذا وأم إمام ومفتي النبطية الشيخ عبد الحسين صادق المصلين، والقى خطبة العيد قال فيها: “ستبقى اعيادنا منقوصة وابتسامات اطفالنا فيها مخطوفة ما دام بلدنا منقسما بالطائفية ومنهوبا بالفساد ومشتتا بالأنانية البغيضة”.
واضاف “عسى أن يعزز الأضحى، بما يكتنز من معاني الوحدة والتضحية، مسار التلاقي في أمتنا الإسلامية في كافة الميادين فننصرف عن خلافاتنا السياسية لنركز على التحديات التي تتهدد أمننا واقتصاداتنا والأخطر منهما ثقافتنا وهويتنا الايمانية”.
وتابع “نسأله تعالى أن يعيد هذا اليوم وقد تكلل عرس البطولة والشهادة في فلسطين بتاج النصر”.
المصدر: موقع المنار + الوكالة الوطنية للاعلام