وجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، اليوم، رسالة إلى اللبنانيين عموماً والمسلمين خصوصاً، هنأهم فيها بحلول شهر رمضان المبارك، وجاء فيها:
“في سياق قول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، أعلن الله تعالى لخلقه وناسه بداية أكبر مواسم رحمته وأعظم دعواته، فقال جلّ وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، علّ الخليقة تؤوب إليه، وعلّ أهلَ الأرض يتحسسون لطف الأزلية وعطفها، وذلك في لحظة فاصلة تتلاقى فيها بطنان السماوات بوجوه أهل الأرض وناسها”.
وقال: “بكل صراحة يتحيّر المرء من أين يبدأ، والألم يعتصر القلب، والنار تستعر بالأضلاع، ونحن على باب أعظم شهور الله وهو شهر رمضان، الذي اختصه الله بنفسه، ودعا خليقته إلى ضيافته، وقرنهم بأعظم كرامته، وعينه سبحانه وتعالى على أهل الأرض وما يجري فيها وما يطرأ عليها. والصوم وظيفة روح وقلب وسلوك وميزان عدل وإغاثة شعوب مظلومة، وأمم محرومة، وتفريج كرب وبلاء وعناء، وإصرار على الحق بكافة نواحيه التربوية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية والمعيشية وغيرها. وكما ترون نحن في قلب ضياع عالمي، وتشتت أممي، وانحراف بشري خطير، ومن بين تلك الحروب الظالمة هناك حرب عالمية تخاض على لبنان، بأخطر وسائل نقدية ومالية واقتصادية ومعيشية فتّاكة، وسط طاحونة سياسية حوّلت لبنان إلى خطوط تماس سياسية وكوارث شعبية، وما نحن فيه الآن أسوأ من حرب عسكرية، وهذه الحرب بكل أدواتها الفتّاكة ليست مفصولة عن معارك العالم، وأهدافه السياسية، والمطلوب إنقاذ البلد، ولا إنقاذ من دون تسوية وطنية رئاسية، واليوم البلد في ملعب القوى السياسية، والبلد والأسواق وأنين شعبنا والعملة الوطنية والكارثة الاجتماعية وطواحين الدولار والأسواق كلها في ملعب القوى السياسية، ولذلك نؤكّد أن المطلوب هو تسوية رئاسية سريعة إنقاذاً لوجود لبنان”.
واضاف: “هنا أتوجه للشعب اللبناني مسلمين ومسيحيين: يا أهلنا وناسنا ويا شعب لبنان، البلد يعيش كارثة كبرى مرتبطة بوجوده، واللعبة الدولية خطيرة تهدد وجودَه، وأدواتها الداخلية أخطر، ومنها الأدوات التي تتستر العمل الإنساني في سياق تفخيخ البلد، بالشراكة مع مفوضية اللاجئين التي تعمل بكل إمكاناتها لتطيير البلد ولنسف التركيبة السكانية والاستقرار الأمني والاجتماعي فيه. وواضح جداً أن المشروع الدولي يريد لبنان بصيغة “خيم وتهجير وفوضى وفلتان وجرائم”، والجمعيات الملوّنة جزء من هذه الترسانة غير النظيفة، والمخاطر الأمنية عالية، والغرف السوداء أصبحت بقلب الهيكل، وسط بلد يتآكل من الداخل، واقتصاد يلفظ أنفاسه، وبطالة أشبه بسرطان، وأسواق تمارِسُ عملية القتل علناً، وفقر ويد أجنبية ونكبة معيشية لا سابق لها، وعملة وطنية تتعرض لمجازر دولية محلية بسياق حرب نقدية مالية معيشية تريد لبنان بلا حول ولا قوة”.
وتابع: “الحلّ بيد القوى السياسية، ودون التضامن السياسي وجود لبنان مهدّد. وهنا أقول للإخوة المسيحيين ولأخينا غبطة البطريرك هناك من يريد تفجير البلد، واللعبة الدولية جدية للغاية، وإمكاناتها الداخلية كبيرة، وفتيل الأزمة قصير وخطير، والتاريخ مرّ، والآتي أمرّ، وحماية شراكتنا الوطنية من أوجب الواجبات، فالحذر الحذر، لأن الكوارث على الأبواب ومشروع الدولة مهدد، والإسرائيلي وغيره بقلب اللعبة الدولية الإقليمية، والداخل مفتوح على الشياطين، وعينه على الفتنة الداخلية، ومن أخذ سوريا للحرب هو المسؤول عن إغراق الدول بالنازحين وهو نفسه مسؤول عن لعبة القتل النقدي والمالي والمعيشي، فيما الصراع محموم على الغاز في شرق البحر المتوسط، والأميركي يريد محيط الكيان الصهيوني قاعاً صفصفاً، ولا يمكن السكوت عن القطيعة السياسية المقصودة وسط بلد يتدحرج نحو أمّ الكوارث”.
واردف: “لن نتنازل عن الشراكة الوطنية، وعن الأخوّة الإسلامية – المسيحية، وعن وحدة لبنان، وعن حماية القرار السياسي اللبناني، والمطلوب تفعيل الحكومة الحالية، وتزخيم العمل التشريعي، لأن الأساس عندنا هو حماية لبنان لا دفنه؛ والسياسة الوطنية لا زواريب فيها، ولا طموحاً شخصياً، وإنقاذ مالية الدولة ضرورة وجود للدولة، ولكن من خلال حماية الأسواق والليرة واليد اللبنانية العاملة، وتفعيل العمل الاجتماعي وإغلاق أبواب جمعيات السفارات التي تريد نسف الهيكل وتدميره. وهنا أقول للحكومة اللبنانية: حماية اليد اللبنانية العاملة ضرورة لقيامة الوطن، وإلا انتهى الشعب اللبناني، والخوف من السفارات أمر معيب وعار، ومراعاة جانب واشنطن وبروكسل تضييع للبلد، والخيار الشرقي ضرورة للبنان كضرورة الماء والهواء، وكفانا بكاءً على الأطلال، وكل الشكر للأجهزة الأمنية، والخوف كل الخوف من الطيش والغرور السياسي ولعبة الارتزاق، والحذر الحذر من موجات سقوط متتالية”.
وقال: “الحلّ بتسوية رئاسية سريعة، وهي بيد القوى السياسية، والباب لها مجلس النواب، والوقت قارب على الانتهاء، ووجود لبنان على المِحك، والتعويل على الوعود الدولية لا طائل منه، والأمل كبير على الاتفاق السعودي – الإيراني، ولبنان بحاجة ماسة إلى تسوية الإخوة، والقطيعة السياسية أسوأ خطر يتهدد لبنان”.
وختم: “أخيراً، البوصلة فلسطين، والخريطة الدولية التي تعيد توزيع ترسانتها المالية والنقدية والاقتصادية والنفوذية على طريقة سحق محيط فلسطين ترتكب أسوأ المجازر الوجودية بخلفيات صهيونية، والحلّ بإغاثة فلسطين، وكما بدأت كارثة الشرق أوسطية من هناك، يجب أن تنتهي هناك ليعود الأوسط سالماً آمناً ولا محنة للعرب والمسلمين أكبر من محنة القدس وفلسطين. كل عام وأنتم بخير، وحمى الله لبنان وشعبه من أسوأ كارثة تضرب صميم هذا البلد الذي تتسابق إليه سكاكين العالم”.