أمين أبوراشد
ليست المسألة مرتبطة فقط بالإستحقاق الرئاسي، بعد أن دخل لبنان المهلة الدستورية لإنتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية، ولا هي في الجدل القائم حول عدم دستورية تسليم مهام رئاسة الجمهورية الى حكومة تصريف أعمال، في حال تعذُّر انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية، لأن المسألة الأهم هي في الحوار السياسي الواقعي، كي لا يكون جدلاً بيزنطياً لو بقيت المباحثات محصورة بالعموميات دون مقاربة الواقع السياسي والجماهيري من جهة، والسيرة الذاتية لأي مرشَّح قد يُطرح للتوافق من جهة أخرى.
وبصرف النظر عن اللقاءات الحوارية، خاصة على مستوى الكتل النيابية، أو ما يُطرح خلف الأبواب المُغلقة من سيناريوهات للخروج من المأزق، فإن المواطن اللبناني يُتابع سير المستجدات عبر وسائل الإعلام، تفاصيل تشكيل الحكومة الجديدة، وتتحدث بعض هذه الوسائل، أن الحكومة الجديدة هي نفسها القائمة حالياً مع احتمال تبديل وزيرين فقط ، والخلاف على إسمَي هذين الوزيرين، والخلاف الأكبر على مَن سوف يخلفهما، مع احتمال إضافة ٦ وزراء دولة جدد من السياسيين.
البعض يُطالب بتشكيل حكومة، مُهيأة لأن تستلم مؤقتاً مهام رئيس الجمهورية في حال تأخر لسبب أو لآخر انتخاب الرئيس، ويطالبون الرئيس ميقاتي السرعة في التشكيل وتهيئة نفسه لإستلام حكومته الجديدة مهام الرئاسة الأولى منعاً لحصول الفراغ، بحيث بات تشكيل الحكومة للأسف مُتقدماً على الإستحقاق الرئاسي، خاصة إذا بقي السجال قائماً حول المعايير المعتمدة لإختيار الرئيس التوافقي، لأن الخلاف على المعايير النظرية مع الكثير من خطابات التنظير، سيمنع الى أجل غير مُسمَّى انتخاب الرئيس!
الحركة التي قام بها “نواب التغيير” أظهرت على الأقل رغبة الإندماج لديهم في أصول الحياة البرلمانية، والتفاعل مع الكتل النيابية، خاصة من خلال اللقاءات مع الكُتل الوازنة مثل لبنان القوي، والوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير، والحديث في المواصفات العامة للرئيس العتيد ليس هو المشكلة، بل الغوص في برنامجه الرئاسي وخطط عمله تعقيد للمشكلة، قياساً للصلاحيات المحدودة التي بقيت لموقع الرئاسة بعد الطائف، وانتقال معظم صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، لا يخوِّله ان يكون صاحب برنامج عملي قابل للتنفيذ ما لم يكن هناك تناغم مع السلطة التنفيذية.
إذاً، البحث يجب أن يكون بالشخص الموثوق والمؤتمن على المسؤولية الوطنية، ولأنه هو المؤتمن على الدستور، يجب أن يحترم الحلفاء والخصوم محدودية صلاحياته، ومقاطعة أي رئيس خلال وجوده في بعبدا لأهداف سياسية ضيقة أو حركات مشبوهة لا يُفيد، وقد ثبُت فشلها سواء مع الرئيس لحود أو الرئيس عون.
لا أحد يدعو الى التسرُّع ولا حتى السرعة ولكن، الشخصية التي يتطلع إليها اللبنانيون ليست تفاصيلها التفصيلية في الدستور، ولا هي في الطائف، بل هي في مدرسة التنشئة السياسية التي تنتمي إليها هذه الشخصية أو تلك، على أمل أن تُستبدل بعض المصطلحات المُتداولة لتكون “لبناني دائم منذ نشأته”، بدلاً من “لبناني منذ أكثر من عشر سنوات”، و”مُرشح واقعي” بدلاً من “مُرشح طبيعي”، وأن يكون حريصاً على كل حبة تراب وقطرة ماء ونقطة نفط ونفحة غاز، من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، وأن يكون من أهل الهِمَم والمواقف الجريئة التي لا تهاب “قيصر” ولا كل مسلسلات القياصرة، وأن يرى في أي سفير على أرض لبنان أنه ممثل لبلاده وليس مندوباً سامياً، وأن يكون في النهاية أميناً على الكرامة الوطنية أرضاً وشعباً، وفي ما عدا ذلك، تفاصيل مرهونة بالأداء الذي يحكمه الدستور، وهذا النوع من الشخصيات موجود في لبنان وصناعته لبنانية.
في هذا الوقت لبنان سيبقى محكوماً بضرورة تشكيل حكومة، حفاظاً على موقعه وصورته ومصالحه، وعلى حسن سير مفاوضاته على حقوقه التي تبقى الأمل الأوحد في جحيم الضائقة…
المصدر: خاص