تطور لافت شهدته العلاقات التركية الاسرائيلية. واذا ما اردنا توصيف الأمور بدقة، لا يمكننا القول إلا أن ما أعلنه وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بحضور وزير الخارجية الكيان بائير لابيد في أنقرة عن “الشروع في إجراءات رفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سفير”، هو بمثابة تجديد أو احياء لعلاقة قديمة بدأت عام 1949 باعتراف تركيا كأول دولة ذات أغلبية مسلمة بالكيان المحتل، تبعها عام 1958 توقيع اتفاقية تعاون بين بن غوريون ورئيس الوزراء التركي انذلك عدنان مندريس، شكلت افتتاحية لتعاون عسكري واقتصادي وثيق. لكن ما الذي عكر صفو العلاقات؟ وما الذي فرض ترميمها؟ اذا ما استثنينا التعاون الاقتصادي الذي لم يتوقف بتاتاً بل تنامى بدليل أن معدلات التجارة بلغت 6 مليارات دولار بين أنقرة وتل أبيب، وفقًا لغرفة التجارة الإسرائيلية.
كما هو معلوم فإن أحداث “مافي مرمرة” عام 2010، وهي سفينة مساعدات كانت في طريقها إلى غزة استهدفتها قوات العدو ما أسفر عن مقتل 9 ناشطين أتراك، شكلت ذروة الأزمة.
حاول الطرفان إعادة علاقاتهما إلى نصابها عام 2013، لكن ذلك لم يتم في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، وفي عام 2015 عاد الطرفان لمحاولة تحسين العلاقات، وعيّنت تل أبيب سفيراً لها في أنقرة، لم يلبث الأمر كثيراً، حتى طردت أنقرة السفير الإسرائيلي عام 2018، احتجاجًا على “الاستخدام غير المتناسب للقوة من قبل “إسرائيل” في الاحتجاجات التي اندلعت في غزة عقب حفل افتتاح السفارة الأميركية في القدس”؛ كما طردت تل أبيب القنصل التركي.
عام 2022، شهد تبادل رسائل ودية على نحو واضح بين تركيا والكيان والمحتل، توجت بزيارة تشاووش أوغلو الأراضي المحتلة في أيار/مايو، وذلك في أول زيارة من نوعها لمسؤول تركي كبير منذ 15 عامًا. سبقها زيارة لرئيس الكيان الغاصب في مارس/آذار، وذلك في أول زيارة يقوم بها رئيس إسرائيلي لتركيا منذ 2008، وصولاً إلى زيارة وزير خارجية الاحتلال أنقرة في الأيام الماضية والاعلان رسمياً عن عودة العلاقات الدبلوماسية.
وفي السياق، أعلن تشاووش أوغلو، في مؤتمر صحفي مع نظيره الإسرائيلي، على “دفع الحوار الإيجابي بين تركيا و”إسرائيل” بخطوات ملموسة”. وذكّر أن “الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى ستتواصل على المدى القصير”، مضيفًا أن “المشاورات السياسية والإقليمية الثنائية بين وزارتي خارجيتنا مهمة”. وأشار الوزير التركي إلى أن بلاده “تتعاون مع “إسرائيل” بملف الأمن”، مضيفاً “مؤسساتنا واصلت تبادل المعلومات الاستخباراتية فيما بينها، كما تباحث الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ مع الرئيس رجب طيب أردوغان بشأن هذه القضية”.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، زعم تشاووش أوغلو أن “الجانب الاسرائيلي يدرك جيدًا تطلعات تركيا بهذا الخصوص”، مضيفًا أنه “يتعين تجنب المزيد من الخطوات التي قد تضر بآمال السلام”، على حد تعبيره.
عزا بعض الخبراء هذا التحول في العلاقات إلى أسباب عديدة أبرزها أنه “في سياق الواقعية، اتجهت أنقرة وتل أبيب للنظر في المصالح المشتركة التي تدفعهم نحو التعاون ورعاية مصالحهما المشتركة بصيغة “زواج المصلحة” أمام المحاور التي تتشكّل حاليًا في المنطقة”، مضيفين أن “المصالح الأمنية والاقتصادية المشتركة تشجع الطرفين على التقارب في ظل مسار التوازنات المتغيرة وحالة عدم اليقين في المعادلة الحالية لمنطقة الشرق الأوسط”.
كما رأى الخبراء أن “قرار وزارة الخارجية الأميركية وقف دعم مشروع خط أنابيب الغاز شرق المتوسط (إيست ميد)، الذي يهدف إلى نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا إلى توفير فرصة جيواقتصادية ذهبية في صالح أنقرة التي رأت ضرورة تقييمها بالتقارب مع تل أبيب”، موضحين أن “تل أبيب تُدرك أنه كان من الصعب مد الخط من دون حل مشكلة قبرص؛ وبذلك فإن التعاون بين البلدين قد يسهل تحقيق مشاريع بديلة من شأنها أن تقلل حاجة تركيا للغاز واعتماد أوروبا على روسيا في مجال الطاقة”.
وفي السياق نفسه، لفت الخبراء إلى أن إعادة العلاقة بين الطرفين “ستمهد الطريق لتركيا للانضمام إلى المحور الأمني المدعوم من الولايات المتحدة في شرق البحر الأبيض المتوسط على المدى المتوسط، وهنا ستحظى أنقرة بدعم الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة”.
المصدر: موقع المنار