في مستهل الحديث، من المهم جداً الوقوف عند مرسوم العفو العام رقم 7 لعام 2022، الذي أصدره السيّد الرئيس بشار الأسد منذ أيام، وتأتي هذه الأهمية كونه المرسوم الأوّل من نوعه منذ بداية الحرب على سورية عام 2011. مما يتطلّب البحث الدقيق فيما شمله، حتى نستطيع استنتاج ما يؤسس له على المستويين الاجتماعيّ والسياسيّ.
في القراءة المتأنّية للمرسوم، نجد، أنه شمل كافة الجرائم الإرهابية التي نصّ عليها قانون “مكافحة الإرهاب” رقم 19 الصادر بتاريخ 2/7/2012 والمؤلّف من 15 مادة، عدا تلك التي أفضت لموت إنسان، والذي بطبيعة الحال صدر في ذاك الوقت تماشياً مع الحالة التي شهدتها البلاد، من أجل تجريم الأفعال المرتكبة.
وكذلك شمل الجرائم المنصوص عليها في “قانون العقوبات” بالمواد من 304 – 306 .
وفي نفس الصدد، فتح المرسوم أفق إفراجٍ واسع أمام مرتكبي الجرائم الإرهابية كونه شمل كل مرتكب للفعل الجرمي المذكور قبل تاريخ صدوره. وفي مراجعة للعقوبات التي تطبّق على الجرم، نستشفّ أنّه ارتدّ بشكل إيجابيّ على من شمله، كونه نسف مدد الكثير من العقوبات، فمثلاً، تصل عقوبة إحدى الجرائم للأشغال الشاقة حتى 20 عاماً، وأعمّ العقوبات تتراوح بين السجن والأشغال الشاقة، التي تتراوح بين 7 سنوات و 20 سنة، فمن قضى من العقوبة نصفها، مثلاً، كسب نصفها الآخر بالعودة للحياة الطبيعية.
كما ورُفعت العقوبات المالية التي ترتبط ببعض الجرائم، ولا سيما تلك التي ترتبط بتمويل الإرهاب، حيث يستتبع هذا الجرم المصادرة، وتجميد الأموال، بما يحملانه من فرقٍ على صعيد التطبيق في القانون، وبلغت نسبة الدعاوى المشمولة بأحكام العفو 95 ٪
تجدر الإشارة، إلى أنَّ المرسوم، أتى مرناً جدّاً، وتغاضى عن الكثير من الأفعال رغم وصفها الجرمي الخطير والكارثي، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، جرم إنشاء أو تنظيم أو إدارة منظمة إرهابية، وتمويل الإرهاب، والتدريب والتدرّب على استعمال الوسائل الإرهابية، والانضمام لمنظمة إرهابية، والمؤامرة.
يظهر عطف الدولة السورية العقلانيّ والاتزانيّ بشكلٍ جليّ؛ يميط غبار الشكوك، ويقطع الطّريق على مقتنصي فرص الاستهداف الممنهج – وهنا أقول وجهة نظري – من خلال سدّ ثغرة قد يسعى البعض للنفاذ من خلالها لحياكة الدسائس وزرع بذور المناورة الغبيّة، وهي شمول المرسوم لكل نصوص “قانون مكافحة الإرهاب”، عدا المستثنى والمذكور آنفاً، وأهمها الفقرة /3/ من المادة /3/ التي تنصُّ على:
(تشديد عقوبة المنظمة الإرهابية إذا كان الهدف من إنشاؤها تغيير نظام الحكم في الدولة أو كيان الدولة).
وبالطبع، كان باستطاعة المشرّع أن يستثني هذه المادة من المرسوم، كما استثنى ما أفضى منها لوفاة إنسان، وتنطوي وجهة النظر في عدم الاستثناء لنقطتين مهمتين: الأولى صعوبة إثبات القصد الجرميّ فيها إلى حد ما؛ ويعود ذلك لتعدد الأهداف وإن انضوت تحت هدفٍ أوحد سوّقه مهندسو صنّاع الأزمات.
والثّانية عدم إضفاء الطابع السياسي على المرسوم حتى لا يجنُح عن هدفه الأساس؛ مما يدلل على العناية الفائقة في إصدراه. ودلالات أخرى يستقرؤها اللبيب.
على المستوى الإجرائي، تخطو أجهزة الدولة على طريق التنفيذ بعد استكمال الإجراءات القضائية القطعيُّ والمطعون منها، أمّا على المستوى العمليّ: تميّزَ المرسوم بلياقة واضحة، وتجلّى ذلك في عدم ضرورة مراجعة المحكومين والموقوفين والمتوارين لأي جهة، وطوي الملاحقة العدليّة والقضائيّة بحقهم.
يمثّل المرسوم علامةً فارقةً في تاريخ سورية، ومردّ ذلك استراتيجيتها الذكية والمتفرّدة في الخطو نحو مستقبلٍ جديدٍ قائم على عدم مغبة الركون لمآسي الماضي، واحتواء المخطئ واعطاؤه فرصة لتصحيح سقطاته، إضافةً لتدشين مرحلة مشرقة تكرّس الاستفادة من فصول الحرب القاسية في المستقبل، وربما يؤمّن ذلك حركة أكثر مرونة في قنوات التواصل مع الطرف الآخر والذي لعب دوراً ليس بقليل مستنداً في روافع دوره لملف “المعتقلين” كما أسموه. علاوةً على أولوية جسيمة تقع على عاتق الدولة وكل السوريين وتندرج ضمن اهتمامات السيد الرئيس بشار الأسد شخصياً، وهي إعادة بناء العقل والايدولوجيات والمفاهيم.
وبنظري عملية البناء بدأت، رغم المناخ الضبابيّ بعض الشيء المُغلّب للأولوية على الأساسية، والمستهدف الأول هو من ساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب، والآخر الذي تركت فيه آثاراً سيئة كونه عاصر بعض فصولها.
مرة أخرى تثبت سورية بقيادتها الحكيمة والرزينة والرصينة عمق الرؤية ووضوح الهدف، فالحرب دمّرت وآذت ولكن ليس بالضرورة أن تجرِف من فيه الأمل بعودته لطريق الرُشد، كما برهنت الفرق بين التسامح والغفران وشتّان ما بينهما.
المصدر: بريد الموقع