وردَ في تفسير روح البيان قول موسى مخاطبًا الله: يا ربي، هل أكرمتَ أحدًا بمثل ما أكرمتني به؟ أسمعتني كلامَكَ! فقال الله عز وجل: يا موسى، إن لي عبادًا أُخرِجُهم في آخر الزمان، أُكرِمُهم بشهر رمضان، وأنا أقربُ إليهم منك! فإنِّي كلمتُكَ وبيني وبينك سبعون ألف حجابٍ! فإذا صامتْ أمةُ محمد شهر رمضان، وابيضَّتْ شفاهُهم، واصفرَّت ألوانُهم، أرفعتُ تلك الحُجُب وقت إفطارهم! يا موسى ! طوبى لمن عطش كبده، وأجاع بطنه في رمضان.
يعودُ علينا شهر رمضان المبارك حاملًا الأمل في نفوس المؤمنين ومناجاتهم، بعد فترةٍ طالت من المعاناة لعدّة أسباب منها الوباء ومنها الأزمات الاقتصادية وغير ذلك. هو شهر الرحمة والخير، حيث يمنّ الله على الصائمين بالطمأنينة والصحّة وتعزيز الإرادة وتقوية النفس وتزكيتها.
شهر رمضان فرصةٌ لكل سالكٍ لطريق الإيمان والعبادة، للتقرّب إلى الله بالصيام والأذكار والعبادات وإحياء ليالي القدر. وليكن هذا العام فرصةً لتعزيز إرادتنا وصمودنا في مقابل كل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفرصةً أخرى لتحقيق التعايش والتعاون والإحسان إلى الآخرين، حيث تتفاقم الأزمات الاقتصادية وتزداد الفروقات الطبقيّة بين الناس، وتحتاج شريحةٌ أكبر من الناس إلى الدعم المادي والغذائي وسط كل ما يحيط بهم من غلاءٍ واحتياجاتٍ متفاقمة.
إنّ الغرض من إحياء العبادات في شهر رمضان، هو تعزيز الإرادة الإنسانية وتزكية النفس البشرية إلى جانب الشعور بالآخرين، واختبار كل أنواع العطش والجوع والحاجة، حتى نبلغ مراتب التعاطف الإنساني العليا مع أخينا الإنسان، ونرقى إلى مستوى الأجر والثواب الذي يكلّلُ في عيد الفطر احتفالًا بعبادتنا طوال الشهر.
من هنا، كان هذا الشهرُ أكثر من شهرٍ للصيام، حيث إنّ الإنسان يعيد التفكير بأعماله وسلوكه، مجددًا العهدَ مع خالقه على السير في طريق الخير والرضى، مستحقًا بذلك المغفرة والرحمة. فهو شهر الرحمة التي تفيض على العباد، وما عليهم إلا أن يمتلكوا الوعاء الذي يجمعون به كل هذا الغيث والخير من الله عز وجلّ. هو شهر الكرم، كرم الرحمان وعنايته، شهر نزول القرآن ونزول الخير على المسلمين معه.
ونحن في هذه الأيام، نبارك للعالم والأمة الإسلامية خصوصًا حلول الشهر الفضيل، سائلين الله عز وجلّ أن يمنّ علينا بكل آيات الخير والبركة والوفرة والمحبة. وكل عام وأنتم بخير.
المصدر: بريد الموقع