هزيمة استباقية على”إجر ونص” – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

هزيمة استباقية على”إجر ونص”

EeFW1i6XYAAC01v
بقلم د. حسن أحمد حسن *

 
التخبط والارتباك الذي أصاب الكيان الإسرائيلي بمؤسساته الرسمية وعلى أعلى مستوى عصر يوم الاثنين 27/7/2020 يستحق أن يتم التوقف عند مضامينه ودلالاته بكثير من الاهتمام، فالمتابع العادي وجد نفسه في دوامة متشابكة من المتناقضات التي تؤكد أن الكيان الصهيوني بقادته وجيشه ومؤسساته الأمنية والإعلامية والسياسية كَمَنْ أصابه دوارٌ أفقده الصواب، والقدرة على الوقوف والسير بخط مستقيم ولو لعدة خطوات فقط.

لا بل إن الأداء المرتبك والتناقض الجوهري في الروايات المتعددة أثبت أن ما يعيشه المسؤولون الحكوميون هناك قد تجاوز حالة الخوف ودخل خانة الهلع والرعب القادر على تفريخ سلسلة لا متناهية من حالات الذعر المستند إلى المجهول الذي غدا كابوساً يؤرق المستوطنين الصهاينة، ويضع نتنياهو على سكة الانتحار السياسي والعسكري، وما زاد الطين بلَّة ذاك الصمت المبرمج ومضبوط الإيقاع الذي نفذه حزب الله إلى أن استنفد الإسرائيليون ما بجعبتهم من تهيؤات وروايات إعلامية تبين لاحقاً أنها كاذبة، ولا تعدو أن تكون تهيؤات ومحض أوهام فرضها الرعب المعشش في قلوب وأوصال الجميع قادة ومرؤوسين، مدنيين وعسكريين، إعلاميين ومحللين ، استخباراتيين ودبلوماسيين.

فحالة الارتباك والدوران حول النفس هي السائدة، وما يؤكد ذلك تكرار الأمر في اليوم التالي حيث أعلن رسمياً عن الاشتباه بعناصر لحزب الله تسللت في نقطتين عبر الحدود باتجاه الجليل، وإنه يتم إطلاق النار على المتسللين، وعاش الجميع على أعصابهم إلى أن أتى التوضيح الرسمي المتضمن أن الحدث الذي وقع في مستوطنة “شتولا”، ناجم عن رصد خاطىء ومعلومات غير دقيقة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ألا يعني استنفار كامل الجبهة الشمالية واتخاذ التدابير العسكرية اللازمة لمواجهة افتراضية أن جيش الكيان قادة ومرؤوسين يعيشون هاجس الخوف والرعب من المقاومة وردها الحتمي القادم؟ وفي الوقت نفسه ألا يدل هذا الأمر على تنفيذ إلزامي بما فرضه سيد المقاومة وإرغامهم فعلاً على الوقوف ووجوههم إلى الحائط على “إجر ونص” ؟.

باختصار يمكن القول إن التوصيف الموضوعي لما حدث ويحدث يؤكد دقة بعض الاستنتاجات التي وردت على ألسنة المسؤولين الصهاينة أنفسهم، والتي تشير بشكل أو بآخر إلى افتقاد الكيان الصهيوني وفي أعلى مفاصله القيادية إلى ما يعرف في علم النفس العسكري ب: ” الثبات النفسي والصمود الانفعالي”، فالحالة المسيطرة على الجميع هي الرد الحتمي لحزب الله، لكن متى، وأين، وكيف؟ فهذه أسلحة جديدة زج بها الحزب في هذه الجولة من المواجهة التي انتهت بهزيمة نفسية استباقية مركبة، ودراسة هذه الحالة بالذات بشكل علمي تتطلب تخصيص أكثر من عنوان لأطروحات علمية لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراه في الحرب النفسية، وتقنيات اختراق الوعي الجمعي عند العدو، وهذا يعني أنه من الصعب على أي باحث أن يفي الموضوع حقه في دراسة تحليلية مؤلفة من عدة صفحات.

ولذا سأكتفي بتسليط الضوء على بعض النقاط التي قد تساعد على تقديم قراءة سريعة لما يحدث بمضامينه ودلالاته التي قد لا تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد، ومنها:
• العمى الاستخباراتي والعسكري المطبق والقائم على امتداد الحدود في الجنوب اللبناني مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا يفرض على الجانب الإسرائيلي اتخاذ قرارات مصيرية بناء على الظن والتخمين الذي أدى إلى اشتباكات بالنار خاضها جيش الكيان ضد نفسه، وهذا يقودنا إلى استنتاج مفاده العجز المطبق عن إحداث أي اختراق أمني يهدد البنية المقاتلة لحزب الله، على الرغم من النشاط المركب والمنوع لأجهزة الاستخبارات المتعددة على الساحة اللبنانية.

• التوتر والانفعال اللا إرادي المسيطر على طرائق تفكير المسؤولين الإسرائيليين وعلى شتى الصعد والمستويات، فعندما يؤكد رئيس الوزراء وجود حادث أمني ليس بسيطا في الجبهة الشمالية، ويسارع للاجتماع بوزير حربه ، في حين يجتمع رئيس الأركان أفيف كوخافي بقائد المنطقة الشمالية، ويتم تبني ما سوقه الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال عن عبور الحدود من قبل بعض المقاتلين من حزب الله، ويتم إطلاق التهديدات والتصريحات والتحذيرات، ويتبين أن كل ذلك مستند إلى وهم، أو إلا تهيؤات لمجندة، جديدة فهذا يعني أن ذاك الكيان هو فعلاً أوهن من بيت العنكبوت، وأنه ملزم بالوقوف على “إجر ونص”.

• تصريحات أفيغادور ليبرمان وزير الأمن السابق، واعترافه الصريح بأن سماحة السيد حسن نصر الله قد (أثبت مع الأسف أن الكلمة عنده كلمة، والعين بالعين والسن بالسن)، واستغرابه الرافض للحالة القائمة التي أكدت أن استهداف عنصر لحزب الله في دمشق أدى الى شلل كل شمال “إسرائيل”، فهذا اعتراف علني من أحد أكثر المسؤولين الصهاينة تشدداً وحقداً على حزب الله، الأمر الذي يؤكد الإقرار بحالة العجز التي فرضها حزب الله على الكيان الغاصب، والأمر ذاته ظهر بوضوح في تصريحات وزير الأمن الأسبق نفتالي بينت الذي أشار إلى ضرورة رفض المعادلة المفروضة التي تلزمهم على السير على أطراف أصابعهم بسبب حزب، وعندما تصدر مثل هذه التصريحات عن وزيري أمن سابق وأسبق فهذا يعني أن الكيان الصهيوني يعيش حالة خواء واهتراء حقيقي من الداخل بجميع مكوناته، ويليق بهذا كيان الوقوف على” إجر ونص”.

• تهديدات وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس بعد صدور بيان حزب الله ، وإعلانه أن جيشه مستعد للرد على أي هجوم من الجانب اللبناني ترسخ الهزيمة الإسرائيلية الاستباقية بشكل فاضح، فمتى كان جيش الاحتلال الإسرائيلي ينتظر هجوما ليعلن استعداد للرد؟، وقبل هذا وذاك لقد رأى العالم بأم العين رد ذاك الجيش عندما قام بقصف بعض مواقعه، جراء توهم قادته بأن عملية للمقاومين في حزب الله تنفذ داخل الأراضي المحتلة، وكيف يستجدي حزب الله كيلا يرد، لكن هيهات هيهات، فليبقوا واقفين على “إجر ونص”.

• العدوان الإسرائيلي وما خلفه القصف الذي نفذه على بلدة الهبارية وغيرها يدل على أن السقف الأعلى للرد على أي عملية اختراق لن يتجاوز ما تم تنفيذه، لأنهم تعاملوا مع الحدث على خلفية أن المقاومة قد اخترقت الحدود فعلا وقامت بتنفيذ عملية، والرد الميداني كان مبنياً على ذلك، وهذا يبين درجة التخوف الصهيوني من الانزلاق إلى حافة الهاوية، وأنه فعلاً ليس بوارد فتح حرب نتائجها غير مضمونة، لا بل إن معطيات الواقع تؤكد أنه لو اندلعت فعلاً المواجهة الشاملة فستكون الحرب الأخيرة لهذا الكيان المسكون بهاجس الزوال عن الخارطة، وقد ظهر ما يؤكد هذا الاستنتاج اليوم 29/7/2020 على صفحة “يديعوت أحرنوت” التي نقلت عن رئيس أركان جيش العدو الإسرائيلي قوله بأنهم يستعدون لرد حزب الله، وأنهم سيفعلون كل ما في وسعهم حتى لا يصلوا إلى الحرب.

• المهزلة الإعلامية غير المسبوقة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وتناقل أخبار متضاربة ومتناقضة، فبعضها ادعى القضاء على المقاومين الذين دخلوا إلى الحدود، وبعضها تحدث عن استهداف عربة أو دبابة إسرائيلية بصاروخ كورنيت، وجاء بيان الناطق باسم جيش الاحتلال ليضيف مادة دسمة لكل من يريد البحث العلمي في نقاط ضعف الإعلام العسكري وتأثيراته على تحصين الوعي المجتمعي أو تسهيل اختراقه، ومن المسلم به أن المنظومة العسكرية والأمنية الإسرائيلية هي التي تتحكم بصدور أي كلمة عن كل ما له علاقة بالشأن العسكري، أي أن التناقضات التي أصبحت فضيحة إسرائيلية مدوية قد خضعت لمقص الرقيب العسكري والأمني، وخرجت ممهورة بالموافقة الرسمية، وأقل ما يمكن فرضه على أولئك المتكاذبين هو الوقوف ووجوههم إلى الحائط، وعلى ” إجر ونص”.

• البيان الرسمي لجيش الاحتلال، وما صدر عن الناطق باسمه أفيخاي أدرعي يعطي صورة واضحة عن التخبط والارتباك والتخوف الذي صبغ عمل الكيان الإسرائيلي بجميع مفاصله، وقد يكون من المفيد كتابة بحث مستقل عن التناقضات ونقاط الوهن التي لا يقع بها مبتدئ في الإعلام العسكري، ففي الوقت الذي يشير فيه إلى أن الوضع الصحي للمقاومين الذين نفذوا العملية ما يزال مجهولاً بالنسبة لهم، يدعو إلى فتح الطرقات مطالباً الجبهة الداخلية من سكان الشمال بالعودة للروتين، وهناك العديد مما يستحق الدراسة في كل ما صدر رسمياً عن جيش الاحتلال، لمعرفة كيف يمكن أن تفرض على الأعداء معادلة الوقوف على ” إجر ونص”.

• بيان حزب الله جاء لينسف كل الرواية الإسرائيلية جملة وتفصيلاً، مؤكداً أنه لم يحصل أي اشتباك أو إطلاق نار من طرف المقاومة في أحداث ذاك اليوم حتى لحظة إعلان البيان، وإنما كان من طرف واحد فقط هو العدو الخائف والقلق والمتوتر، وأضاف البيان أن الرد آت وحتمي على استشهاد الأخ المجاهد علي كامل محسن الذي استشهد في العدوان الصهيوني على محيط مطار دمشق الدولي، وما على الصهاينة إلا أن يبقوا في انتظار العقاب على جرائمهم، كما أن القصف الذي حصل على قرية الهبارية وإصابة منزل أحد المدنيين لن يتم السكوت عنه على الإطلاق، ولا يحتاج المتابع المهتم إلى كبير عناء ليكتشف البون الشاسع بين صلابة موقف حزب الله والثقة العالية بالنفس، وبين هشاشة الوضع الإسرائيلي، وتفسخه الذي ازداد افتضاحا بحرب الأعصاب التي قادها حزب الله بكل رباطة جأش وصمت ممنهج جعل المسؤولين الصهاينة يظهرون على حقيقتهم القائمة على الكذب والتضليل والخوف والذعر المسيطر عليهم جميعاً دونما استثناء، وهذا يعني استمرار ذاك الكيان مسؤولين وجنوداً ومستوطنين بالوقوف ووجوههم إلى الحائط وعلى ” إجر ونص”.

خلاصة:
من كل ما تقدم، وبتكثيف شديد يمكن القول: إن الخوف المتفشي في الداخل الإسرائيلي هو ثمرة طبيعية لصمود المقاومة، وشاهد حي على نجاح الحرب النفسية التي يشرف عليها شخصياً ويقودها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله ورعاه ونصره على كل من عاداه، وإذا كان قادة تل أبيب يسعون من وراء مثل هذه المسرحيات الهابطة لتحقيق انتصارات وهمية، فقد جاءت النتيجة معاكسة، وحسابات البيادر كذبت حسابات حقولهم التي امتلأت بألغام الخوف والذعر والهلع، وهذا بحد ذاته هزيمة مركبة للكيان الصهيوني، وليس أمامه إلا اجترار مرارة الفشل والتسليم بهزيمة استباقية ألحقها حزب الله بما تبقى من هيبة كيان أوهم العالم أن جيشه لا يقهر، وأثبت حزب الله أن ذاك الكيان وجيشه أوهن من بيت العنكبوت، وليس أمامهم إلا انتظار رد حزب الله ليضيف انتصاراً جديداً إلى سجل انتصارات محور المقاومة، وهزيمة نهائية بعد الهزيمة الاستباقية التي سلموا بهم وهم على” إجر ونص”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث سوري متخصص بالجيوبولتيك والدراسات الاستراتيجية.
البريد الاكتروني: dr.hasanhasan2012@gmail.com
dr.hasanhasan@yahoo.com

المصدر: موقع المنار