نأخذ عيِّنات من تعريف المواطنين اللبنانين المُشاركين في الحراك لحكومة التكنوقراط، والتوصيف لدى الغالبية منهم، أن يكون وزير الصحة طبيباً ووزير الصناعة صناعياً ووزير الزراعة مُزارعاً، بينما الحقيقة العلمية اذا كانت الحكومة تكنوقراطية ان لا يكون وزير الصحة طبيباً فحسب بل خبيراً في إدارة القطاع الطبي والإستشفائي وشؤون التأمينات الصحية، ووزير الصناعة يمتلك رؤية في القطاع الإنتاجي، للعمل على تطوير خطط الصناعة ذات القدرة التنافسية وسط عالمٍ الأسواق العاليمة المفتوحة، وأن يتمتع وزير الزراعة بنفس الكفاءات، لجهة دعم المنتجات الوطنية وتوجيه القطاع الزراعي الى أنواع الزراعات التي تتواءم مع طبيعة المساحات والمناخ، وترشيد المزارعين ومكننة عمليات الإنتاج، وصولاً الى فتح الأسواق الخارجية ضمن الروزنامة الزراعية المتكافئة مع الدول ذات العلاقة في التبادل التجاري.
رفض جزء من المواطنين للحكومة السياسية، يعود الى اعتبار أن السياسة مُرادفة حصراً للتمثيل الحزبي بمعزل عن الكفاءة، لكن السياسة هي بكل بساطة حُسنُ إدارة الشأن العام، والتكنوقراط سواء كانوا حزبيين أو مُستقلين، يُمارسون السياسة بأبهى صورِها متى تمتعوا بالعلم والكفاءة والنزاهة، وجنَّدوا دعم أحزابهم السياسية من أجل الخدمة العامة الشاملة كل مناحي الوطن وشرائح شعبه.
ولدينا العديد من الأمثلة الإيجابية الواعدة عن وزراء أحدثوا إنقلاباً مُبهراً في وزاراتهم، وكانوا الى جانب كفاءاتهم العلمية والعملية أصحاب خطط تنفيذية، استنهضوا فيها وزاراتهم التي شملت خدماتها كل لبنان، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، وزيرة الطاقة السيدة ندى البستاني ووزير الصحة الدكتور جميل جبق، اللذَين أثبتا أن الإنتماء الحزبي والسياسي لا يتناقضان مع الأداء العلمي التكنوقراطي ما دامت الأحزاب والتيارات السياسية زاخرة بالقدرات الخلَّاقة والأخلاقية في إدارة الشأن العام.
“الخير والبركة” في الكثيرين من الوزراء التكنو- سياسيين، بل الوزراء السياسيين الذين نجحوا في وزاراتهم، لكننا ذكرنا الوزيرين البستاني وجبق كنموذجيَن غير حصريَّين في حديثنا عن أخلاقيات العمل السياسي، لأنهما يستكملان تحقيق الإنجازات وهُما في وضع تصريف الأعمال، بحيث واجهت الوزيرة البستاني كارتيل استيراد النفط بجعل الدولة في موقع المنافِس في الإستيراد، تخفيفاً للأعباء على المواطنين ومنعاً للإحتكار، وكذلك فعل وزير الصحة الدكتور جبق الذي استنهض كل المستشفيات والمستوصفات الحكومية لخدمة المرضى على مختلف الأراضي اللبنانية خلال تولِّيه وزارته، ويُنجِز خلال فترة تصريف الأعمال ما لم يسبقه إليه وزير، بكسر إحتكار استيراد الأدوية وتخفيض أسعارها بنسبة تتفاوت بين 25 و 30%.
وبناء على ما تقدَّم، وبعيداً عن الذين امتطوا الحراك المطلبي لتحقيق أهدافٍ خارجية مشبوهة تمسُّ الأمن الإقتصادي لزعزعة الإستقرار الأمني والسياسي في لبنان، فإن الأمل معقود على حكومة نأمل تشكيلها قريباً، وليست العُقدة في أنها تكنو- سياسية، متى كانت لدى الجميع نيَّة الإصلاح ومكافحة الفساد سواء عبر وزراء سياسيين أو تكنوقراط طالما أن خدمة الناس بكفاءة ونزاهة هي المعيار..
المصدر: موقع المنار