أمين أبوراشد
يتداول بعض اللبنانيين في الساحات والمُنتديات مطالبتهم بحكومة تكنوقراط، وهُم من حيث يدرون أو لا يدرون، أن هكذا حكومة هي مطلب أميركي للعرقلة والتصعيد السياسي، لأن اتفاق الطائف الذي نقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، لم ينقل فقط سلطات تنفيذية بل سياسية سيادية، وحتَّم وجوب تمثيل القوى والأحزاب في أية تشكيلة حكومية تحتاج الدعم التوافقي. والإصرار على حكومة تكنوقراط هو ظُلمٌ أيضاً بحق الكفاءات التقنية التي يفخر بها لبنان ما لم تكُن حكومة هذه الكفاءات تتظلَّل بالقوة الشعبية لأحزابها.
والمشكلة التي تُرافق تشكيل هذه الحكومة بالذات، أن خط التواصل مقطوع بين الحراك الشعبي الذي يرفض الحوار مع السلطة السياسية، وإصرار المتظاهرين على حكومة تكنوقراط يستند الى خلفية رفضهم لكل السياسيين والأحزاب. ليس الوزير التكنوقراطي هو فقط، طبيب لوزارة الصحة ومهندس للطاقة ومحامٍ أو قاضٍ للعدل، بل الخبرة العملية في إدارة القطاع المرتبط بوزارته، وهو ما يُعرف بالإدارة الرشيدة التي تبدأ بخطة العمل وتمرّ بالموازنة المُخصصة وتنتهي بالعقود وآليات العمل الشفَّافة التي لا تسمح للشك أن يشوب الأداء العام.
وإننا إذ نؤيِّد الحراك في عدم القبول بشخصيات سياسية تتولى وزارات ليست من اختصاصها، وغايتها إستغلال المقعد الوزاري لتسجيل مواقف سياسية وحزبية وفئوية بهدف عرقلة العمل الحكومى، فإننا أيضاً نأسف على كفاءات تكنوقراطية عالية المستوى، نخسر الإستفادة من قُدراتها لمُجرَّد أنها تنتمي لجهة سياسية مُعَيَّنة، رغم تجربتنا معها في أدائها الوطني والأخلاقي الذي عَكَس حُسن تربيتها الحزبية لتكون شخصية مُكتملة في إدارة الشأن العام على مستوى وطن، وهنا تكمُن الخسارة المزدوجة بين قبولنا باستبعاد الكفاءات النزيهة عن ورشة بناء الدولة، وإنصياعنا للضغوط الخارجية التي تُحاربنا في عُقر دارنا وتنتهك سيادتنا..
المصدر: موقع المنار