يبدو أنَّ الأزمات الإعلامية المالية لا تزال تضرب المنطقة. بعد إقفال «دار الصدى» (الأخبار 17/3/2016) الإماراتية، وأخبار عن شدّ الحزام في المؤسسات الإعلامية الخليجية، ها هي قناة «الجزيرة» المملوكة من دولة قطر النفطية الثرية، تقع ضحيةً للأزمة.
عبد الرحمن جاسم/ جريدة الأخبار
قبل أيام، أعلنت القناة الخليجية في بيانٍ لها عبر لسان مديرها العام بالوكالة مصطفى سواق أنها ستستغني عن قرابة 500 موظّف، أغلبهم من مقرّها الرئيسي في الدوحة.
حتى اللحظة، لم تتضح الأسباب الحقيقية التي دفعت بالقناة إلى التخلّص ممن أوحت بأنّهم «حملٌ زائد»، إذ أوردت على لسان سواق: «القناة ليست استثناءً، فهي تواجه التحديات ذاتها التي دفعت مؤسسات إعلامية أخرى إلى إعادة النظر في بنيتها الهيكلية، وكان لها أثر على موظفيها»، من دون أن تنسى بالتأكيد الإشارة إلى حقوق الموظفين الذين بات شائعاً هذه الأيام الإساءة إليهم مع انتهاء الإفادة منهم.
وأشار البيان إلى أنَّ «الجزيرة حريصة على أن يحصل الموظفون المعنيون على معاملة لائقة». هذا التقليص في عدد الموظفين يعني أن القناة القطرية التي تأسست في عام 1996، ستتخلص من قرابة 11 في المئة من عديد موظفيها البالغ 4500. وهي تحاول الإيحاء بأن الأمر «محضُ» إداري ــ تطويري لا أكثر. وهذا ما ركّز عليه سواق حين أكَّد أنَّ هذه الخطوات «ستحد من تضارب بعض المسؤوليات»، كما أنّها «ستلغي بعض الوظائف غير الأساسية» من دون أن يحدد هذه المسؤوليات، أو حتى الوظائف غير الأساسية. جاء تسريح الموظّفين هذا بعدما كانت صحيفة الـ«غارديان» البريطانية قد أشارت العام الفائت إلى أنَّ أكثر من ألف موظّف من القناة سيجدون أنفسهم بلا عملٍ قريباً.
أشارت صحيفة الـ«غارديان» العام الفائت إلى موضوع التخلّص من ألف موظّف من القناة
وظل الأمر يدور حول كونه شائعةً لا أكثر؛ لكن الصحيفة البريطانية أشارت في الوقت عينه إلى أنَّ هذا الصرف يمكن أن يعني أنَّ قطر ستستثمر في قنواتٍ أخرى مثل «العربي» التي يرأسها عزمي بشارة مثلاً. في الوقت نفسه تقريباً من العام الفائت، كتبت مجلةArabian Business حول الفكرة نفسها، مشيرةً إلى أنَّ «دراسة جدوى مالية/ داخلية» في الشركة أثبتت أن عدداً كبيراً من الموظفين لا يفعلون شيئاً، ومن دون مسميات وظيفية واضحة؛ لكنها لم توضح المصادر التي استقت منها هذه المعلومات.
ولعل هذه الأزمة هي امتداد لأزمة «الجزيرة أميركا» التي أغلقتها القناة القطرية قبل أشهر بعد ثلاث سنوات من إطلاقها وصرف ملايين الدولارات عليها. وتعللت آنذاك بكثيرٍ من الأسباب؛ أبرزها عدم انتشارها أو عجزها عن المنافسة في «أرضٍ مليئة بالمنافسين الأقوياء». ومن الطبيعي أن يكون السبب الرئيسي في التخلص من الموظفين «الزيادة» هو الأزمة النفطية/ المالية التي تعصف بسوق البترول حالياً، إذ لا تزال أسعار النفط في هبوطٍ مستمر؛ كما لا يمكن نسيان أنَّ الإمارة الصغيرة ــ حتى اللحظة ــ تشترك في «عمليات» عسكرية هنا وهناك، وتدفع ثمناً باهظاً لقاء ذلك سواء كان ذلك الثمن مادياً أو إعلامياً أو حتى معنوياً.
في الإطار عينه، ولأنه لم تصدر بعد لائحة بأسماء الموظفين المسرحين من الخدمة (يفترض الإعلان عن الأسماء في الأسبوعين المقبلين)، فإنّ تأويلات عدة بدأت بالانتشار حول السبب الحقيقي خلف هذا «التخلّص» السريع، فهل هناك أسبابٌ مذهبية وطائفية، وخصوصاً أنه تسري في الخليج منذ بدء ما سمي «الربيع العربي» موجة كبيرة من «الطائفية» تلاحق كل «مخالفي» النهج الوهابي؟ علماً بأنّ عبد الخالق عبدالله الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية في «جامعة الإمارات العربية المتحدة» ومستشار وحدة الدراسات في جريدة «الخليج» والمشرف العام على التقرير الاستراتيجي الخليجي، غرّد أخيراً على حسابه تويتر قائلاً: «دبلوماسي خليجي: قرار قناة «الجزيرة» الاستغناء عن ٥٠٠ موظف قرار سياسي بقدر ما هو قرار مالي، وتمهيد لقرارات قادمة لإنهاء خدمات وجوه إعلامية بارزة». فهل هذا يعني أنّ هناك إقالات لشخصيات ووجوه إعلامية معروفة في «الجزيرة» بسبب خلاف داخل العائلة الحاكمة، أو تمهيداً لقرار تحسين العلاقات مع سوريا مثلاً؟